+ اسمحوا لي في البداية أن أترحم على أرواح شهدائنا الأبطال الذين رووا بدمائهم الزكية تراب الوطن وأن ادعو بالشفاء للجرحى من مناضلينا ، والحرية والانعتاق للمعتقلين وفي مقدمتهم المناضل الوطني الكبير حسن أحمد باعوم. كما أود أن أتقدم بالشكر الجزيل للقيادة السياسية التي دعت وهيأت لهذا اللقاء الوطني المبارك. كما نحييى ثورة 25 يناير التي قام بها شباب وشعب مصر العظيم، كما نتقدم بالشكر والتقدير الى المجلس العسكري الأعلى للقوات المصرية الباسلة بقيادة المشير محمد حسين طنطاوي وحكومة مصر الرشيدة، برئاسة الدكتور عصام شرف، على إستضافتهم لنا وموافقتهم على عقد لقائنا هذا. + يعيش شعبنا الجنوبي المكافح مرحلة دقيقة في حياته يتطلع فيها للحرية والسيادة على أرضه وثرواته وبناء مستقبل زاهر لأجيال الغد. لقد أفاق شعبنا عقب حرب 1994 الغادرة على فاجعة فقدانه قراره الوطني وسيادته على أرضه ، بل والأدهى من ذلك أنه فجع بجحافل التتار تعيث في بلاده سلبا ونهبا بصورة همجية لا مثيل لها. وما إن استوعب شعبنا الوضع الناجم عن تلك الحرب العدوانية حتى بدأ مقاومته البطولية للمحتلين. وقد أخذت تلك المقاومة في بدايتها أشكالا عفوية ، مجزّأه ، متفرقة حتى تبلورت صيغتها الواعية بدءا من اجتماع 13 يناير 2006 في جمعية أبناء ردفان في عدن وإعلان مبدأ التصالح والتسامح ثم تلاه المهرجان الشعبي الكبير بتاريخ 07/07/2007 ليدشن النضال الوطني السلمي لأبناء الجنوب ضد الغزو الهمجي من جانب نظام الجمهورية العربية اليمنية. دعوني لا أخوض في التفاصيل منذ ذلك الحين وحتى اليوم تقديرا لوقتكم الثمين من ناحية ولعلمكم بكل تلك التفاصيل من ناحية أخرى ، وإنما سأركز حديثي ما استطعت على المرحلة الراهنة التي نجتمع هنا اليوم للوقوف عليها وتحليلها ودراستها وبالتالي الخروج برؤية تضيء طريق شعبنا في نضاله من أجل التحرر والإنعتاق. + إن المعركة التي نخوضها اليوم هي " معركة السقيفة ". ذلك هو في نظرنا التعبير الدقيق والتلخيص الوافي للمعركة السياسية المحتدمة اليوم في اليمن. لقد بات نظام علي عبدالله صالح ميتا سياسيا سواء طال زمن نعيه وتشييعه أم قصُر . وإذ ينام نظام صنعاء مسجّى ً بأثواب العار تحت أقدام الحراك الجنوبي وشباب الثورة في الساحات ، تشتعل المعركة السياسية من حوله في السقيفة بين قريش وبين الأطراف السياسية الأخرى. + قريش (حاشد وبكيل) ترى في نفسها الوريث الشرعي والوحيد لنظام صالح ، وأنها الأحق ّ في الاحتفاظ بالمُلك بين يديها دون سواها من الأطراف الأخرى، بل ترى أنها المخوّلة لأن تعطي من الحقوق ماتشاء لمن تشاء ، وتمنعها عمن تشاء. فعلى سبيل المثال نُسِبَ الى حميد الأحمر قوله إنه سيتكرم برفع حصة الجنوب في البرلمان من 56 نائبا الى 100 نائب بعد ثلاث سنوات من انتصار الثورة. ومنذ أن التحقت قريش ممثلة بحزب الإصلاح وهو الممثل السياسي الرئيس للقوى التقليدية في اليمن بثورة الشباب ، ثم انضمام اللواء علي محسن الأحمر اليها ، لم تعد الثورة موجهة نحو "إسقاط النظام " بل حوّروا غايتها وحرفوا مقاصدها بحيث أصبح الغرض من الثورة " إسقاط علي عبدالله صالح وأسرته وفريق عمله ". الجميع يعلم أن النظام لم يكن علي عبدالله صالح وحده وأسرته ، بل كل هؤلاء الذين تقافزوا ليمتطوا صهوة ثورة الشباب ، جميعهم مكونات رئيسية لهذا النظام وبالتالي فالنجاح الحقيقي للثورة لايكون إلا بإسقاط سلطات ونفوذ كل هذه القوى التقليدية. + لكن حراكنا الجنوبي بإعتباره الحاضن للقضية الجنوبية والأطراف الأخرى المشاركة في إسقاط النظام وفي مقدمتها شباب الثورة في شتى أرجاء اليمن وأحزاب في المشترك وجماعة الحوثي وغيرهم ، جميع هذه الأطراف لاتقرّ لقريش بأحقيتها في الاحتفاظ بالمُلك بين يديها وتنازعها فيه بل وترى ضرورة إعادته الى مالكه الأصلي ألا وهو الشعب. + وبناء على توصيفنا هذا فإن المعركة الراهنة التي تخوضها القوى الديمقراطية اليوم لم تعد معركة إسقاط النظام الحالي في صنعاء وإنما معركة طبيعة النظام القادم. يتفق معنا الشيخ حميد الأحمر، وهو أحد أبرز ممثلي قريش ، في أن نظام صالح قد مات ، ولكن يختلف معنا في مايلي ذلك. في كلمة له في افتتاح دورة اللجنة التحضيرية للحوار الوطني بتاريخ 27 إبريل 2011 يؤكد حميد أن الثورة قد أسقطت نظام صالح ويرى أن الحوار اليوم بين القوى السياسية ينحصر في كيفية دفنه. مسألة النظام القادم لاتعنيه ، إذ هي محسومة بالنسبة له. في مقابلة مع صحيفة "عكاظ " السعودية بتاريخ 13 إبريل 2011 أفصح عن خطته بهذا الشأن قائلا: الخريطة المرسومة الآن هي أن يتنحى الرئيس اليمني وسيكون هناك مجلس عسكري . إذا ً لاجديد في الثورة بالنسبة لقريش سيذهب رئيس عسكري (علي) ليحل محله رئيس عسكري جديد ( علي ). أما على صعيد حق شعبنا الجنوبي ونضاله الوطني فإن قريش ترى أن ثورة الشباب قد قضت على الصوت الإنفصالي في الجنوب ولم يعد هناك قضية جنوبية للنقاش حولها وأن الجنوب قد انخرط مع أشقائه في الشمال للمطالبة بإسقاط النظام والحفاظ على الوحدة. هذه نظرة قريش وهذا مشروعها السياسي الذي تنافح من أجله في معركة السقيفة ، وهي تنتظر اللحظة التي تمدّ فيها يدها الى (عليّها ) الجديد لتبايعه رئيسا لمجلسها العسكري. + بالنسبة لشعبنا الجنوبي فإن المسألة الرئيسية لاتكمن في مراسيم دفن النظام الراهن وإنما في التحرر من هذا النظام وامتلاك قراره الوطني وسيادته على أرضه. ومن الإنصاف القول إن الجنوب اليوم تتنازعه قوتان للوصول الى هذا الغرض ، إحداهما تدعو الى فكّ الإرتباط مع نظام الجمهورية العربية اليمنية بعد وحدة ٍغُدِرَ بها ، وتجربة مريرة قاسية عانى فيها شعبنا مالايوصف من السلب والنهب والتمييز والتدمير الكيدي الممنهج لكل مكوناته الوطنية. ولقد كان المهندس حيدرأبو بكر العطاس واضحا وصريحا وصادقا حين أكّد في مقابلة له مع قناة " الحرّة " إن هذا الصوت قوي ٌ في الجنوب. أما القوة الأخرى فهي تلك التي تدعو الى نيل الحق الجنوبي وامتلاك القرار الوطني والسيادة على الثروات والتخطيط للمستقبل من خلال صيغة وحدة ٍ فيدرالية مع النظام الجديد في الشمال الذي تشترط أن يكون ديمقراطيا. + مما لاشك فيه أن المشروعين – فك ّ الإرتباط أو الوحدة الفيدرالية مع الشمال – بينهما اختلاف كبير لكن الأمرالجوهري بالنسبة لشعبنا هو الحرية والسيادة . فالحرية عزيزة ٌعلى شعبنا وقد قدّم في سبيلها المئات من فلذات أكباده ولن يبخل بتقديم المزيد إذا ماتطلب النضالُ ذلك. وإذا ماكان مشروع فك ّ الإرتباط ينطوي على ضمانة أكيدة بقطف ثمار الحرية فإن مشاقه كثيرة وآلامه شديدة وتضحياته جمّة ولكن شعبنا مستعد ٌ لتجشّم هذه المشاق إذا لم يكن من ذلك بد ّ. لكن إذا مارأى أبناء الجنوب أن خيار الوحدة الفيدرالية مع الشمال يتضمن حقهم في الحرية على أرضهم والتمتع بسيادتهم وتقرير مصيرهم فلا شك أنهم لن يكونوا هواة مشاق ومتاعب وعشّاق تضحيات لاضرورة لها. + ونجد لزاما علينا هنا أن نؤكد أن الصيغة الفيدرالية هي مايمثّل الحدّ الأدني الذي يمكن أن تقبل به جماهير شعب الجنوب. ومن أجل تحقيق ضمانة ذلك وتوفير الطمأنينة لأبناء شعبنا نرى أنه لابد أن تُبْنَى كل المؤسسات الحكومية مثل مجلس الحكم الإنتقالي ومجلس الحكومة وغيرهما ، منذ لحظة ولادتها على أساس فيدرالي بين الشمال والجنوب ، كما نشترط أن تكون العناصر المشاركة في تلك المؤسسات من الطرف الشمالي تتوفر لديها القناعة الكاملة والإدراك الواعي بأهمية الصيغة الفيدرالية للنظام الجديد بحيث تكون عامل دعم ودفع له للأمام لاعامل كبح ٍ وعرقلة ٍ وإحباط . + أيها الإخوة الكرام . إننا إذ نجتمع اليوم في القاهرة الحرّة في ظل ظروف عربية ودولية جديدة مفعمة بروح الحرية والديمقراطية ، فإننا نتطلع لأن نسمع من عظيم الأخبار مانزفّه الى شعبنا الجنوبي المتابع لكل صغيرة وكبيرة ، وإننا لنأمل أن يكون هذا اللقاء المبارك الذي تحضره كوكبة واعية من قيادات وكوادر الجنوب في الداخل والخارج فرصة طيبة لتداول الآراء في قضية شعبنا بمايعزز نضاله الوطني نحو الحرية والسيادة وبناء الغد المشرق. + ولايفوتني في هذا المقام الكريم أن أؤكد أن قوة شعبنا إنما تكمن في وحدة وتلاحم قواه السياسية والاجتماعية ، ولهذا فإن أمامنا جميعا مهمة ً شاقة ً للعمل على وحدة قوانا الوطنية الجنوبية. ومما لاشك فيه أنه كلما كان لدينا الكثير والوطيد من الضمانات الإقليمية والدولية التي تسند خيار النظام الفيدرالي الديمقراطي مع الشمال كلما كنا أكثر قدرة على إقناع أخوتنا المناضلين المؤيدين لمشروع فك ّ الإرتباط ، وكافة أبناء شعبنا بإيجابيات ومزايا وفوائد هذا الخيار على المدى القريب والبعيد. + وقبل أن أختتم حديثي أجد لزاما أن أشير إلى نقطتين تمثلان نقصا واضحا في عمل قيادتنا في الخارج وآمل أن يتم تلافيهما في المرحلة القادمة بصورة غير قابلة للتأجيل. أما الأولى فهي مانلمسه من غياب العمل المنهجي وضعف العمل المنظم وذلك لايمكن تجاوزه وتلافيه إلا بتشكيل فريق استشاري من أهل الإختصاص في شتى المجالات من أبناء الجنوب في الداخل والخارج. وقد وفّرت وسائل التواصل الحديثة إمكانية هائلة لتبادل المعلومة والرأي والمشورة في سهولة ويسر إذا مابلغنا مستوى إدراك أهميتها. + أما النقطة الثانية فهي غياب الجهاز الإعلامي المتخصص والمدرب للقيام بمهام العملية الإعلامية الهامة والضرورية خاصة في المرحلة الراهنة . إن دولة صغيرة مثل قطر قد وضعت نفسها على خارطة الأحداث ليس بسبب أموالها فحسب لأن غيرها من الدول لديها الكثير من الأموال ، وإنما بفضل إدراكها أهمية الإعلام فأنشأت قناة "الجزيرة" التي جعلت من قطر دولة تعادل أضعاف وزنها الحقيقي. ولهذا فإننا نأمل أن تولي القيادات الجنوبية أهتماما كبيرا لهذا الجانب لما له من أهمية بالغة خاصة في المرحلة الراهنة ، بل قد لانجانب الصواب إذا ماقلنا إن الاهتمام بإنشاء فريق استشاري علمي وجهاز اعلامي رفيع وكفؤ يمثل علامة بارزة لقياس مدى نجاح القيادات الجنوبية في أداء عملها السياسي. + في الختام أرجو أن تسود روح الإخاء والمسئولية في نقاشاتنا والاخلاص والموضوعية في حواراتنا وأتمنى لهذا الإجتماع التوفيق والنجاح بما يخدم قضايا شعبنا الجنوبي العظيم الصبور المكافح.