تعتبر كنينة من أقدم مدن وادي حجر بمحافظة حضرموت وشاهد عيان يحكي عن ماض موغل في القدم تباهي شبام لأنها رفضت افتراش الأرض بل امتطت صهوة الجبل وبدءا من حافته صاغت سلسله من البيوت المبنية من اللبن والتي تتخللها الخنادق والسراديب يعود بناها لمئات السنين . تزدحم الروايات حول المدينة وماأختزلته من أحداث وذاك عبر الحكايات المتوارثة حيث يروى ا ن أول من سكنها هم (البامانع ) والذين يقال عنهم أنهم انقرضوا ثم (الكفار) الذين استوطنوا البلاد فتعرضوا كما يحكي لأصناف من البلاء والعذاب منها مطارده النمل لهم ابن مار حلوا وحلوا حتى فنوا أو تفرقوا في البلاد. غير أن بعض المخطوطات والشواهد تؤكد صحة بعض هذه المزاعم والروايات ويبقى الأثر خير شاهد ولعل الحديث عن مكتبه قديمه في المدينة وصاحبها الفقيه عبدا لله باعفيف العمودي وما تحتويه هذه المكتبة من كنوز في مختلف المعارف والعلوم إلى جانب اضرحه لعدد من علماء الدين من المغرب العربي والذين لاتزال تتردد أسماؤهم لدى عامه الناس هناك بل وذكر بعضهم في كتب المؤرخين ومنهم (عبدا لله الصالح المغربي – باحمران- مولى بريه- مولى الدسيس ال بابرهان ) فقد كان الأول معلما للشيخ سعيد بن عيسى العمودي المتوفى سنه (671ه) وفي هذا السياق حريا بنا أن نردد شعرا يمتدح فيها السيد علي بن حسن العطاس كنينه ويذكر فيها هؤلاء الأعلام ومواضع أضرحتهم فيقول : كنينه الدين مانهر عليها بشر محوطه بالزوايا عامدين الكور وحد منهم ساكن التربة وحد في وصر والشيخ مولى بريه عند صاحب حضر اجل لقد كانت منارا للعلم يحث السعي إليه فهاهي (الرهوه) المساحة التي تقع في طرف المدينة الغربي كانت ساحة تقام فيها المواعظ والمحاضرات وحلقات الدرس لمختلف علوم الدين، إن مدينه بهذا السمو والمكانة كانت أيضا من التنظيم مايبهر . لقد اتصلت بالمدنية والتحضر ولعل الحديث عن مجلس بلدي كان يدير شؤون الحكم كفض النزاعات وشؤون الزواج وحل المسائل الطارئة وتنظيم عمليه الري وأعمار السدود والسواقي ونموها لهو أرقى مايمكن تصور وقوعه في تلك الحقبة من فصول التاريخ كما تؤكده المخطوطات المتوافرة هناك. هذه المدينة ،أجل هذه المدينة أيها السادة والتي إلى وقت قريب كانت تعج بالناس حيث يوجد بها قرابة ثلاثة عشر بئرا كانت تؤمن مصادر المياه وتؤكد في الوقت نفسه حجم المدينة وكثافة سكانها كما أنها اكبر مدن الوادي وأشهر أسواقها ،وبها كانت مختلف الحرف تمارس كالصباغة والحدادة والنجارة ودباغه الجلود ونحوها أضافه إلى حركه تجاريه نشطه بقدوم القوافل من المكلا وبئر على محمله بمختلف البضائع وحامله معها عند العودة حبوب الذرة التي كانت تشتهر بها المدينة أضافه إلى السمسم والتمور ،ومما يجدر ذكره خضرتها الدائمة وقد قيل في ذلك شعرا : كانت كنينه راعها المبدور لازمنت ربك سقاها ولم تقل جبال (قنطوب) أهميه من الجانب الأخر فقد كانت شريانا للحياة وجسر يربطها بالعالم من حولها إذ لم تزل حوافر الحمير وخفوف الجمال وربما سبقتها من قبل الخيل والبغال تاركه أثرها عليه تمحها عوامل الدهر بسهوله . تلكم المدينة التي نسرد لكم ملامح من تاريخها التليد أصبحت اليوم شبه خاليه وتنعت بأنها أصبحت موحشة ومخيفه ،وصف تبرأ منه عندما تسنح لك زيارتها والمرور بين أزقتها والنظر إلى تلكم النقوش والزخرفة التي تتزين بها نوافذها وأبوابها وجدرانها تشم عبق الفن الأصيل، إلى جانب سقائف وأسواق خاوية تقاوم البقاء وتحكي قصصا هنا وهناك غاية في النبل وأكثر بعدا في التاريخ، اجل إنها معلم تاريخي وسياحي جدير بالاهتمام يتجاوز غيره روعه من المناطق التي شفعت لها مواقعها وأقدارها ،ومن المحزن أن مباني مهمة بدأت تنهار لتسد شوارع وأسوار تنسلخ عنوة بعد أن غلبتها السنون . إن مدينه بهذا المستوى من الرقي والتفرد تستحق منا الوفاء بعد صمود جاوز العشرة قرون وشواهد الإثبات جاثمة هناك على الأرض . ويبقى الحنين للمدينة مابقيت أطلالا تصارع قوى الدهر ولكم يقف أبناءها يترنحون الخطئ ثقالا عند الوداع مرددين ربما قول الشاعر: قفا نبكي من ذكرى جيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل فلربما كانت لهم في تلك الأبيات بعض عزاء.....