لاتقف واشنطن موقف المتفرج مما يحدث في اليمن، وهي لا تكتفي بالتحرك الخليجي للخروج من الأزمة الطاحنة التي يعيشها اليمنيون منذ شهور، فهي أوفدت واحداً من كبار مسؤوليها للقاء العقيد العليل في الرياض، وتباحثت بشكل مباشر مع نائبه الذي لايملك قراراً ولا قدرة على التحرك، ويواصل مع ذلك بذل الجهد للوصول إلى حل مشرف ينقل السلطة من رئيسه إلى واحد من رجاله، في حين تتولى قوى المعارضة تشكيل حكومة يشارك فيها بشكل واضح ومؤثر ممثلون عن حزب الرئيس، وبحيث يمكن وصفها بأنها حكومة وفاق وطني تكون قادرة من وجهة نظر واشنطن على الوقوف في وجه أي تمدد محتمل لتنظيم القاعدة الإرهابي الذي يستغل فرصة الفوضى السائدة لتكريس اليمن قاعدة مركزية له في الشرق الأوسط بعد فقدانه قاعدته الرئيسة في العراق. نائب الرئيس اليمني، يؤكد أن هناك شبه اتفاق مع المعارضة على الحوار بأسلوب جاد وبخطة جديدة، بما يؤدي إلى الوئام والسلام وتجنيب اليمن المآسي وويلات الحرب، وهو يفاخر أنه منذ تسلم موقعه كرئيس بالنيابة قد تمكن من معالجة الكثير من الأمور، وصولاً الى التهدئة الإعلامية والأمنية، عبر حوارات أجراها مع المعارضة، ومع ممثلين للحراك الشبابي، ونجح في إنجاز معالجات سريعة للوضع المتأزم ابتدءً من العمل على وقف إطلاق النار في العاصمة وتنفيذ بقية النقاط المتمثلة في إخراج المسلحين من المدن وفتح الطرقات والشوارع وتوفير التموينات المختلفة، ويعترف أنه فشل بتوفير النفط ومشتقاته والغاز والكهرباء، لكنه يرفع عن كاهله مسؤولية ذلك لأن الأمر كما يقول محل نزاع وتجاذب، ولابد من تعاون جميع الأطراف، بحيث لا يتعرض أفراد المجتمع لعقاب جماعي متعمد، لأن الناس لم تعد تحتمل هذا العذاب خصوصاً تكرار الاعتداءات على خطوط الكهرباء والنفط، وبما يعني عدم تحمل الحكومة مسؤولية ذلك وإلقاء التهمة على المطالبين بالتغيير. ما يعنينا هنا الموقف الأميركي الشاكر لجهود نائب صالح، فيما وصفه مسؤول أميركي زار صنعاء بالجهود التي بذلها ويبذلها النائب، وطريقة معالجته بأسلوب ناجح لتلافي الوضع المتفجر وصولاً إلى التهدئة والحوار مع المعارضة، وهذه ليست الإشادة الأولى، وبما يعني للمراقبين أن واشنطن تعمل على تأهيل الرجل ليحل محل رئيسه الذي لم يعد قادراً على إدارة أمور البلاد بما في ذلك الحرب ضد القاعدة، سواء بسبب وضعه الصحي الذي لم نتبين بعد مدى خطورته أو لسبب أخلاقي وسياسي يتمثل برفضه من قبل الأكثرية من أبناء الشعب اليمني الذين يواصلون التمترس في ساحات التحرير في حراك سلمي رائع، رغم تعرضهم للقتل على يد قوات حرس الرئيس التي يقودها ابنه الذي كان مرشحاً لخلافته. ما يحدث في اليمن اليوم هو تجاوز المبادرة الخليجية كأرضية منفردة للحل، والعمل على تطعيمها بما صدر عن مجلس الأمن ومقترحات مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، وبما يعني نقل صلاحيات صالح الفعلية لنائبه، مع الاحتفاظ به رئيساً فخرياً حتى انتهاء ولايته، ومنح المعارضة المتمثلة بأحزاب اللقاء المشترك، حق رئاسة حكومة انتقالية تغير الوجه السياسي لليمن بشكل تجميلي، وبما يمكنه من تبوّؤ المقعد الأول في الحرب ضد الإرهاب الذي يمثل أولوية لواشنطن ودول الجوار الخليجي، وذلك لمنع مخاوف تحول اليمن إلى أفغانستان جديدة، وهي مخاوف تتشارك فيها واشنطن مع الدول الخليجية التي رأت في تحرك الحوثيين خطوة أولى وجادة لفتح أبواب اليمن أمام النفوذ الإيراني، وما تمثله قوى الحراك الجنوبي من فكر يساري، إضافة إلى خطر تنظيم القاعده. وبعد، هل يمكن القول إن عبد ربه منصور هادي هو الرئيس القادم إلى اليمن؟ وهل سيكون قادراً على الخروج بالبلاد من أزمتها دون رحيل صالح وانتهاء مفردات سلطته.