حوادث العنف التي شهدتها ولاتزال تشهدها حضرموت بين الحين والآخر وهي متنوعه بين كونها تفجيرات واختطافات واغتيالات استهدفت في أغلبها المشتغلين في السلكين الأمني والعسكري ولم يسلم منها المدنيون أيضاً وكلها كانت مثار جدل واسع بين أوساط النخب الفكرية والاجتماعية الحضرميه التي تركزت نقاشاتها حول خطورة التطرف واللجوء الى العنف عند بعض الشباب من الذين تولدت لديهم قناعات خاطئه وغير عقلانيه بشأن كثير من القضايا ومايدور من حولهم في العالم, وقد شكلت هذه الحوادث ظاهره غريبه وطارئه على مجتمعنا المعروف بسلميته ونبذه للعنف بكل أشكاله وأنواعه وميل أفراده للحوار في حل خلافاتهم واختلافاتهم وهو مايجعلنا نعيد بروز ظاهرة العنف وتحديداً المسلح في مجتمعنا الى التحول النوعي في بعض الاتجاهات الفكريه والتي أدت الى بروز بعض العوامل الكامنه والتي هي دون شك نتيجه للتغيرات الاقتصاديه والاجتماعيه التي فرضها الواقع السياسي الذي استجد منذ العام 1990م. لقد طرأ على مجتمعنا في السنوات الأخيره وخاصة بين أوساط عدد من الشباب نوعان من أنماط التفكير المتطرفه كل منهما يمكن أن يفهم بأنه مناقض للآخر, الأول فكر متزمت رافض للآخر ولايتقبل أي رؤيه أو فكره لاتتماشى مع قناعاته المسبقه حتى وان كانت هذه القناعات لاتنسجم مع الواقع. والنمط الآخر هو فكر منفلت وبدون حساب وذو شطحات كبيره في طروحاته ويقفز على الواقع, وبين هذا وذاك يغيب الفكر المستنير والرصين المتفهم للواقع والمقبل على الآخر وكله ثقه وشجاعه لأن يتقدم نحو الآخر المختلف بهدف ردم الهوه وتقصير مسافات الاختلاف. وهذه الأنماط من الفكر المتطرف والمنحرف تعود على مجتمعنا بأفعال وسلوكيات مؤلمه يقوم بها من يحملون هذه الأفكار من الشباب فانه من المهم جداً التوقف أمامها ودراستها وفهمها فهماً دقيقاً من أجل معالجتها كونها ظاهره دائرتها في اتساع مستمر بدلاً من التعامل معها كما جرت العاده بكنسها تحت السجاده وانكار وجودها أحياناً أو بالتقليل من خطورتها, وكم كنت أتمنى لو توفرت لدينا مراكز متخصصه أو حتى أقسام بحثيه في الجامعه لدراسة هذه الظاهره بشكل علمي دقيق بعيداً عن التعميم المفرط أو الاسلوب الوعظي الانشائي الذي لم يعد يجدي نفعاً مع شباب انفتحت عليهم أبواب الفضاء بشتى أنواع الأفكار والآيدلوجيات والبرامج الاعلاميه الموجهه. خطوه أولى مهمه نحو المخرج : كل من أراد تقييم الأمور على نحو صحيح يجب عليه أولاً التخلي عن الوهم الذي ظل سائداً بين كثيراً منا بأننا نعيش في مجتمع ذي بعد فكري واحد فقط وأن لاوجود للاختلافات الفكرية والآيدلوجية فيه وعلى اننا نفكر بنفس الطريقة الاحاديه ففي حقيقة الأمر مانحن الا جزء من هذا العالم الكبير تتشكل رؤانا وأفكارنا وفقاً وتجاربنا الشخصيه فمنا المحافظ ومنا الأقل محافظه ومنا الليبرالي والانفتاحي والمتدين والأقل تديناً وغير ذلك ويجب أن نؤمن بها لأنها حقيقة واقعه وأن نعمل على تقبل اختلافاتنا والتعايش معها كتنوع طبيعي في المجتمع يتمايز الناس فيه بأفكارهم التي تكونت بفضل تجاربهم المختلفه في الحياه. كما انه لايجب أن ننخدع بما يقوله البعض عن اجراء الحوار بين كل الأطياف الفكرية والاجتماعيه بهدف توحيدها في بوتقه واحده فذاك وهم لأنه لاينسجم مع الواقع ولا مع الطبيعة الاتسانية التي خلقنا الله سبحانه وتعالى عليها وهي بأن جعل كل واحد منا مختلف عن الآخر في طريقة تفكيره وتقبله العقلي لمظاهر الحياة المادية المحسوسه منها والمدروكه ذهنياً ومن ثم في كيفية التعاطي معها فكرياً وسلوكياً, كما ان ذلك مناقض لروح الحوار ذاته فمحاولة التوحيد تعني استبعاد الأسباب التي استوجبت الحوار وهي الاختلافات, لذلك فالأجدر بنا بدلاً من ذلك هو أن نعمل في اتجاه التأسيس لحوارات هادفه تصل بجميع أصحاب الأفكار المختلفه الى الاقرار بحقيقة وجود التنوع الفكري في المجتمع وتقبل هذه الاختلافات كوضع طبيعي بل تقبله على انه ظاهره صحيه وضروريه وان من حق الناس في أن يختلفوا وضمن الاطار العام, خاصة وان كل الاختلافات القائمه في مجتمعنا هي حول قضايا فرعيه وكثير منها سطحيه ولاتتعلق بالجوهر لأننا جميعاً ننتمي الى مجتمع توحده رابطة الاسلام وهي المكون الأساس لثقافتنا ومفاهيمنا عن الحياة والكون الا ان البعض يصر ولو من باب التوجس أو سد الذرائع على التضييق في مثل هذه الأمور خوفاً من عواقبها وهذا الأمر طالما أكدت التجارب خطأه في كل مره. في الختام يجب التأكيد على أهمية نشر ثقافة الحوار وتعميقها بين مختلف أوساط المجتمع وبمختلف مستوياتهم وانتماءاتهم الفكريه والآيدلوجيه واستعادة الارث الحضرمي في هذا المجال, الى جانب أهمية تثقيف شبابنا وافهامهم ان احسان النيه والظن في الآخر واحترام رأيه هو فرض عين يوجبه الحفاظ على المجتمع وتماسكه وتقدمه. Ngoob2007