لم تسلم الطفولة في اليمن من جرم مليشيات الحوثي صالح الإنقلابية، كانت هدفا كغيرها من فئات المجتمع لحرب الحوثي مسنودا بقوات المخلوع صالح الإنقلابية الذين قتل بنيرانهم آلاف المدنيين وضعف العدد جرحى وزعت على أكثر من محافظة. ففي ظل سيطرة المليشيات المسلحة على البلاد فقد تدهورت الأوضاع على كافة السبل، ساءت الظروف الاقتصادية وفقد الكثير من الناس أعمالهم، ما أجبر البعض عن البحث عن لقمة عيش يسد بها رمقه، في مناطق لا تسيطر عليها المليشيات. ماجد سنان (17عاما) من أبناء محافظة حجة، يسكن في العاصمة صنعاء مع أسرته، بسبب الأوضاع الصعبة لم يستطع والد ماجد أن يفي بكل حاجات أسرته، فقرر ماجد، الذي لم يكمل دراسته بعد، أن يبحث عن عمل ليساعد والده. قرر ماجد الذهاب إلى سيئون بعد أن أخبره أحد أصدقائه أنه سيجد هناك فرصة عمل. ركب ماجد وأصدقاءه سيارة هايلوكس من صنعاء، ولأنهم لا يملكون الكثير من المال قرروا أن يركبوا في "الصندوق"، مؤخرة السيارة. عندما وصلوا إلى مدينة رداع، وبالتحديد نقطة تابعة لمسلحي المليشيات يطلقون عليها اسم نقطة "أبو هاشم"، وهو فتى من أبناء صعدة ينتمي للحركة الحوثية، ويتحكم بجنود في النقطة وضباط برتب رفيعة. أوقف المسلحون السيارة التي تقل قرابة 14 شخصا وبدأت عناصر المليشيات في النقطة وعناصر قوات المخلوع بالتحقيق معهم، ماجد كان أحد الذين خضعوا للتحقيق. في بداية الأمر لم يكن ماجد يشعر بالخوف مما يحدث، كونه متجه إلى سيئون للبحث عن عمل، وفي اعتقاده أن لا أحد سيمنعه من ذلك، كما أنه لا علاقة له بالقتال، صغر سنه كان دليلاكافيا على أنه لا يمتلك الجرأة للذهاب نحو الموت. كالعادة بدأ مسلحو المليشيات في النقطة بنهب كل ممتلكات المسافرين، يقول ماجد "إنهم أخذوا تلفونات كل من أوقفوهم، كما أخذوا كل ما كان بحوزتهم من مال، وبعد ساعة تقريبا تم نقلهم إلى سجن القلعة، قلعة رداع الأثرية، التي حولتها المليشيات إلى معتقل للتنكيل بخصومها، وفي سجن القلعة بدأوا بالتحقيق مع المعتقلين الجدد، كل على حده". يتحدث ماجد إلينا، كانت يده اليمنى تبدوا مشوهة كأنه مصاب بمرض جلدي "البرص" لكن تبين لنا أن المليشيات صبت على جسده مادة "الأسيد" أثناء تعذيبه، كما أن أذنه اليمنى أيضا خرمت وفقدت جزء منها بسبب الضرب المبرح الذي تعرض له في الرأس من قبل المليشيات. يقول ماجد "في سجن القلعة كان المحقق يضربني ويطلب مني أن اعترف أنني كنت ذاهبا إلى مارب من أجل أتعسكر"، "كانوا يحققوا معي بعد أن يغطوا على عيناي". سجن القلعة" هكذا يطلق عليه، قال ماجد "كان السجن مليان، من 25 إلى 30 شخص"، السجناء لا يتلقون أدنى رعاية، النظافة منعدمة بسبب الزحام، الروائح الكريهة تملأ المكان، الأكل لا يطاق ويمرض معظم السجناء بسبب الأكل، هكذا لخص ماجد المشهد في سجن القلعة. مكث ماجد مع رفاقه في سجن قلعة رداع شهرا تجرع فيه الويلات، لم يسبق ل ماجد أن تعرض للسجن والاعتقال فقد مثل له هذا السجن نقطة خطيرة على نفسيته وحياته. بعد شهر من التحقيق والتعذيب، لم تستطع المليشيات إثبات أن ماجد كان يريد الالتحاق بالمقاتلين في جبهات مارب فظن أن المليشيات ستفرج عنه، لكن المفاجئة كانت هي الأخطر، أحيل ماجد ورفاقه إلى السجن المركزي بصنعاء، لتبدأ رحلة معاناة جديدة في السجن هناك ويبدأ التحقيق من الصفر ومعه يبدأ التعذيب. يقول ماجد "مكثت في السجن المركزي بصنعاء قرابة ثلاثة أشهر، كان يحققون معنا في كل ثلاثة أيام ونفس الأسئلة إلى أين كنت ستذهب؟ وكنت أجاوب بنفس الإجابة " أبحث عن عمل في سيئون"، كنت أتعرض للضرب بأسلاك الكهرباء، ويلطموني، ويلكموني في كل تحقيق كانوا يتعاملوا معي بهذه الطريقة، يمارسون تعذيبه وهو معصوب العينين، كما قال ماجد. كانوا يحققون معنا بشكل إنفرادي، في إحدى الأيام أخرجت من الزنزانة، قام شخصان بتغطية عيناي وبدأوا بالتحقيق معي كنت أضرب بسلك، ولكم ولطم ويطلبوا مني أن أعترف أنني كنت ذاهبا إلى مارب أتعسكر، لكنني رفضت. بعدما رفضت طلبهم، شعرت بشيء يحرق ظهري، لقد صب أحدهم على جسمي مادة "الأسيد"، كنتأتألم بقوة أغمي علي من شدة الألم. بعد ساعة تقريبا أسعفت إلى المستشفى الجمهوري بصنعاء، كنت برفقة مسلحين اثنين، لا يغادران المكان. سألني الطبيب عن قصتي، شرحت له كل شيء، ويبدوا أنه تأثر لحالتي واتصل بوالدي الذي حضر ومكث معي في المستشفى قرابة شهر وأنا أتلقى العلاج إلى أن تحسنت حالتي". استطاع ماجد بطريقة ما أن يغادر المستشفى هربا خوفا من إعادته إلى السجن، تخفى لفترة ثم استطاع أن يصل مارب حيث تلقى ما تبقى له من علاج ويبحث عن فرصة عمل أيضا. لا زال ماجد يعاني من ألم مستمر في ظهره ويقول "إن جلده يتقشف مع مرور الأيام وأنه يؤلمه بشده خاصة مع البرد"، إضافة إلى التشوهات التي حدثت في ظهره ويده وما تعرضت له أذنه من قطع بسبب التعذيب. يعيش ماجد حالة نفسية غير مستقرة بسبب التعذيب الجسدي والنفسي الذي تعرض له في سجون مليشيات الحوثي، ويحاول أن يتناسى تلك الأيام الصعبة ويأمل أن يعود لأسرته ويكمل دراسته بين رفاقه.