في الحديث الصحفي الآتي: يتحدث اثنان من ضحايا الإجرام الحوثي في اليمن، ضحيتان تعرضتا لأنواع الانتهاكات داخل سجون مليشيا صالح والحوثي الانقلابية، ولعلهما من أقل من تعرض للانتهاكات، ليس من ذنب اقترفاه سوى أنهما أئمة مساجد وحفاظ لكتاب الله لا غير، وهي تهم كافية من وجهة نظر الحوثي لأن يصير من هذه صفته مستحقاً لأقسى أنواع العقوبات، سأصطحبك أخي القارئ في رحلة مرهقة صُحبة هذين الحافظين لكتاب الله في سجنهما وأعتذر لك مسبقاً عن أي شعور سلبي .. اللحظات الأولى للاختطاف يحدق أبو جمال في الأفق – أحد الضحايا – وكأنه يحدق في شاشة ستعرض فيلماً كئيبا عاش مشاهده، لكنه مجبرٌ على استعادته مشهداً مشهداً ؛ يقول: لم أتلق أي رسائل تهديد قبلها لكننا فوجئنا لحظات الاختطاف في نقطة تفتيش للحوثيين على مداخل المدينة؛ أوقفوا السيارة التي كنا نستقلها وأخذوا الجوازات للتأكد من هوياتنا إلى مسئول النقطة وبعد عشر دقائق فوجئنا بنقلنا إلى سجن جوار النقطة بدون أي تحقيق أو السماح لنا بطرح استفساراتنا، قلنا: احتمال أن هنالك لبس وإشكالية ستعالج سريعا ولن يختطفونا لعدم وجود مبررات كافية. وبنفس الدرجة يحاول أبو محمد مغالبة شعوره السيئ إزاء تلك الذكريات يقول: لم نعرف السبب لكن أثناء وجودنا في المعتقل كان السبب البارز هو أنك مع العدوان والانتماء السياسي أنك إصلاحي وغير ذلك من الأسباب لم أتلق أي تهديد قبلها بل كان الاختطاف مفاجئاً أثناء عودتي من السفر في نقطة من نقاط الحوثي. كانت لحظات الاختطاف عادية، حيث أخذوا بطاقتي الشخصية في النقطة على مداخل المحافظة، وأوقفونا ثلاث ساعات، ثم جاء لهم الأمر أن يأخذونا إلى سجن تلك المنطقة، قضينا في ذلك السجن حتى الساعة الخامسة قبل المغرب، ثم جاءت سيارة -قالوا أنهم من الأمن القومي- فأخذونا إلى صنعاء ثم عصبوا أعيننا ونقلونا إلى سيارة أخرى ولم ندر إلا ونحن في البحث الجنائي ولم نعرف أننا داخل البحث الجنائي إلا من حديث السجناء فيه. ليلة عصيبة.. يمضي أبو جمال في الحديث : بعد إدخالنا السجن الذي كان قريباً من نقطة التفتيش رأينا كيف يمتهن الانسان ويداس على كرامته ؛ حيث كان في السجن ما يربوا على 300 سجين بأعمار متفاوتة يفترشون الأرض ، ولا يجدون من اللحاف إلا ما كان معهم من ملابس، ينامون بمحاذاة بعضهم لا يفصلهم شيء لضيق المكان قياسا بالعدد ؛ لا تكاد تجد موطئ قدم؛ حتى صالة الحمام -صان الله سمع القارئ - كانت مرقدا لسجين خير من البقاء واقفا ؛ ومع هذا العدد الكبير كانت دورات المياه معطلة والماء بالقطّارة حالة إنسانية صعبة لا يتصورها العقل ؛ ويلقى الحيوان في زريبته تكريما واهتماما لا يجده السجين عند الحوثي. كانت هذه انطباعاتي ومعاناتي ولم نمكث فيه إلا 9 ساعات حيث تم نقلنا قبيل المغرب إلى سجن البحث الجنائي، وهناك أدخلونا زنزانة جماعية سبقني فيها يمكن 7سجناء كلهم سجناء سياسيون. أما أبو محمد فيقول: أول ليلة قضيتها في السجن كان الشعور فيه جانب من العذاب النفسي وخاصة أنهم أخذونا من النقطة وقالوا أنهم من الأمن القومي كلمونا بذلك وأنه سيتم التحقيق معكم وسألونا عن بعض الأشخاص من نفس قريتنا حين قرأوا أسماءنا وأين نسكن ولديهم بعض الأسماء وقالوا هؤلاء سنبحث عنهم وسنأتي بهم أما أنتم فسنحقق معكم وهكذا ، هذا في الطريق قبل أن نصل إلى البحث الجنائي. كانت أول ليلة في الزنزانة متزامنة مع رمضان وتعشينا وصلينا التراويح، وكان الجميع في السجن الغرض من اختطافه انتمائه السياسي وتأييده لما يقولون ب"العدوان" ، تعارفنا فيها مع المساجين ولم نشعر فيها بالخوف خاصة أننا وصلنا وسط إخوة كلهم اختطفوا لنفس السبب ، صلينا التراويح وقرأنا قرآن ونمنا على خير تلك الليلة والحمد لله. ظروف السجن والتحقيق وعن إجراءات التحقيق وظروف السجن يقول أبو جمال والحزن على رفاقه بادٍ عليه: أما عن ظروف التحقيق فكانت في جو من الإرهاب النفسي حيث يعصبون عينيك ، ويحقق معك أكثر من واحد، وكانت هنالك كلمات نابية وألفاظ جارحة ، وأصوات وزعيق بهدف الضغط على السجين للاعتراف بما يريدون؛ وهنالك تعذيب جسدي حصل مع بعض السجناء حيث يحقق مع السجين واقفا لساعات وقد كلف أن يفتح رجليه فإذا لم يطاوعهم ركلوا إحدى رجليه ليسقط أرضا ومنهم من تعرض للطم والضرب ويعتدل أبو محمد في جلسته ثم يقول: الليلة الثانية كانت هي بداية التحقيق معي ، يعصبون عينيك، ويقيدون يديك إلى الخلف ثم يصعدون بك إلى غرفة خاصة بالتحقيق، تصل الغرفة تكون وضعيتك واقفاً يسألونك عن كل معلوماتك الشخصية، كانت اتهاماتهم أننا نأخذ فلوس من السعودية ونعطيها للمقاومة، ويتهموننا بوضع الشرائح للطيران وادعوا أنهم وجدوا الشرائح في حقائبنا وادعوا أنهم وجدوا فلوس سعودي أيضاً، وسألوني عن أسماء الاصلاحيين في قريتي وفي المدينة التي عشت فيها، وكذلك سألوني عن من أعرف من الاصلاحيين في صنعاء، وهل أنا أؤيد العدوان وكانوا يستخدمون الضغط النفسي، يهددونك بالضرب والسوط ورفع الصوت، ثم يستخدمون الترغيب في الافراج عني وملاقاة أولادي إن أنا أجبتهم لما يريدون، كانت جلسة تحقيق واحدة بالنسبة لي. أما التعذيب الجسدي كان يختلف من شخص لآخر، كان بعضهم يعذّب جسدياً، لكن كان التعذيب النفسي للجميع، بعض السجناء له سنتين أو تزيد لم يخرج، نسأل الله أن يفرج عن جميع المختطفين. بالنسبة للسجن الذي في نفس منطقة نقطة التفتيش التابعة للحوثيين كان سجناً يعجز اللسان عن وصفه. مليء بالمعتقلين ويمتلئ ببقايا ومخلفات الطعام، كانت حالة المختطفين يرثى لها لا يمتلكون ما يفترشون به، حتى أصبح لون البلاط أسودا وكان فيه زحام شديد جداً، قعدنا في ذلك السجن ثلاث ساعات متواصلة كنا مرهقين جداً بعد سهر وصيام وسفر لم نجد موضع في السجن نرتاح فيه، من كثرة المساجين والسجن حالته بجانب النظافة منعدمة.. السجن بحالة مزرية جداً لا يستطيع أن يعيش فيه الحيوان. من التعذيب النفسي الذي كان يحصل داخل السجن، وكان الكل يعاني منها، الحمامات (دورات المياه) فكانت الحمامات لا تفتح لنا كانت في رمضان تفتح ثلاث مرات، ليلا ونهارا، وما عدا رمضان كانت تفتح من مرة إلى مرتين، لا غير ، كانت غرفة السجن هي غرفة النوم وغرفة الأكل، وغرفة الصلاة، وغرفة الوضوء، وكان السجناء يخصصون إحدى زوايا الغرفة للبول وسط علب المياه الفارغة كانت إذا فرغت، نستخدمها للبول في غرفة السجن، ولما كان يفتح لنا الحمام نخرج بكميات هائلة من العلب التي كنا نفرغ فيها البول يشاطره أبو جمال الذكريات فيقول: فعلاً ظروف السجن بالغة القسوة ، شديدة المعاناة صحيا ونفسيا.. يمنع عنك الفراش ويتركونك تصارع العراء ، ثم اخفاؤك قسريا فلا تعلم عن أهلك شيئا ولا يعلمون عنك شيئا ، ويمنعون عنك الزيارات ولا يعطونك إلا الطعام القليل والذي لا يستساغ لرداءة طبخه وقلة جودته ؛ وكانت تسمح الزيارة بعد مرور أسبوعين. أكثر التهم الموجهة إلينا أننا دواعش نرسل الكتائب إلى مأرب ونحمل الدعم للمقاومة ونحمل شرائح موجهة للطيران. يقاطعه أبو محمد قائلاً : تحدثتُ سالفاً عن ظروف معيشية صعبة للغاية فمن كان لديهم زيارات، يسمحون لهم وللأسف الشديد كانت تلك الزيارات هي الطريقة الوحيدة لتزويد السجناء بالتغذية وللأسف ما كان يصل يتم قسمته نصفين بين إدارة السجن وبين السجناء، والباقي يقسم بين بقية السجناء فمثلاً ثلاث إلى أربع زيارات يعيش عليها 14 سجين، وإذا نفدت الزيارات ولم يكن أحد من الغرفة لديه زيارة، ربما يأتون على رأس الثلاث الأيام يوزعون أرز أكرمكم الله لا يستطيع الحيوانات أن تأكله، بغض الطرف عن قلته لا يكفي الواحد أو الاثنين. البحث الجنائي كانت فيه زنازين انفرادية وزنازين جماعية، يوجد في الزنزانة من عشرة إلى 14 شخص، حين بدأنا الحديث مع المختطفين كانوا يشكون من وضعهم داخل السجن خاصة أن التعذيب الجسدي شديد جداً لم يخف سوى في رمضان، وكان بعضهم يقول كانت تغذيتا في اليوم (حبة كدمة) لا زيارات ولا طعام من خارج السجن. الاتصال بالأهل قال أبو جمال : لا يسمح لك أبدا التواصل أو الاتصال بأهلك ولا يسمح لهم بزيارتك ... وبعد جهد ومراجعة لأسابيع سمح بالزيارة مرة واحدة أو لدقائق معدودة أما أبو محمد فيقول : الاتصال بالأهل لم يكن متاح ، يظل المختطف الشهر والشهرين لا يعلم أهله أين هو، بالنسبة لي لم يعلم أهلي عني إلا بعد أكثر من شهر، وبعد البحث الشديد من قبل الوالد والإخوة علموا أنني مختطف، وحين يتأكد الحوثيون أن أحد أقربائك قد أصر على أنه سجين عندهم، يسمحون له بزيارته، وإلا فيخفونه إخفاء قسري. فتعامل غالبية القائمين على السجن أنهم يتقربون إلى الله بإهانتنا ومن وجدوا منه رقة ولينا وسماحة أبعدوه ونقلوه؛ ومن يعترض على رعونتهم يودع الزنزانة الانفرادية وقد أودعوا فيها مجانين إمعانا في التعذيب والإهانة. لماذا يحقدون على المساجد ومدارس التحفيظ؟ يفسر أبو محمد انزعاج الحوثيين من المساجد ومن حفاظ القرآن الكريم لأنهم كانوا يعرفون مدى تأثيرها، فتأثير الدعوة في المساجد، وتلك التي كانوا يعتبرونها ميؤوس منها وأنهم لن يستطيعوا الاستيلاء عليها يقومون بتفجيرها. أما أبو جمال فيذهب إلى أنهم يرون الحُفّاظ هم الأكثر استبسالا واستماتة في وقف تمددهم وإيقاف زحفهم وهم يمثلون العقبة الكأداء أمام مشروعهم الكهنوتي السلالي؛ وكذلك أئمة المساجد دورهم في كشف زيفهم، ونشر ضلالهم ، وتحصين المجتمع ضد أفكارهم جعلهم هدفا لهذه النبتة الخبيثة ، والفئة الضالة فاستهدفوا المساجد ليستأثروا بتعبئة العامة بضلالاتهم ، وتمزيق النسيج الاجتماعي بالتحريض وإشاعة الفرقة وتكريس الشحناء ليتسنى لهم السيطرة على قاعدة فرق تسد. ماذا تقولان لمن بقي في صفوف المليشيا؟ أبو محمد : أقول للمخدوعين هذه المليشيا سحابة صيف ستنقشع عما قريب وهي انتفاشة لا أقل ولا أكثر، كل يوم يفتضحون أكثر، يكفي أن تفكروا لماذا يفجرون بيوت الله وقتل الحفاظ ، نصيحتي للمخدوعين أن يعودوا إلى رشدهم والأيام القادمة فيها بشرى، وكان حقا علينا نصر المؤمنين ويأبى الله إلا أن يتم نوره . أما أبو جمال فيوجه رسالته لمن بقي مع المليشيا: أقول لمن بقي معهم: أن انفكوا عنهم فأنتم لستم في نظرهم إلا عبيدا خلقتم لخدمتهم ، ودماؤكم ليست إلا وقودا لأطماعهم العنصرية ؛ أتدرون علام تقاتلون معهم ؟ إنكم تقاتلون من أجل أن يعود اليمانيون إلى حظيرة العبودية ؛ إلى زمن تقبيل الركب ، وجباية الأموال باسم الخمس ؛ إلى تقسيم الناس إلى سادة وعبيد ، وشريفة ووضيعة ؛ أنتم تدفعون الثمن من دمائكم وأولادكم من أجل أن ينتقص من عرض رسول الله ويطعن في أصحابه على الملأ ؛ أنتم الوقود من أجل التمكين للمشروع الفارسي فهذه الغاية والهدف - من الآخِر- كما يقول أحد مفكريهم : () آن الأوان أن تفيقوا من سباتكم ، وتستيقظوا من غفلتكم فقد اقتربت النهاية ، والنصر - بإذن الله - على مرمى حجر من الشرعية ومن خلفها ؛ وقد لاحت في الأفق تباشيره ؛ فالحقوا بالركب ولا تورثوا لأحفادكم عار وقفتكم المخزية أمام طموحات شعبكم في التحرر من ربقة العبودية، وسلطة الكهنوت
تأثير السجن عليهما كان السؤال الأخير قبل أن أودعهما عن حالتهما النفسية ، قال أبو محمد ونور الأمل يبرق من عينيه : نفسيتي بعد الخروج من السجن هي نفسيتي أثناء السجن، وقبل السجن، المعنويات مرتفعة، وكنا على قناعة أن هذا أسلوب الضعفاء وأسلوب الهالكين، فهم انتفاشة ستزول وسحابة صيف وتنقشع بإذن الله عز وجل ، لم يؤثر سجننا سوى أننا ازددنا معرفةً بالحق الذي نحن عليه، وبقوتنا أمام ضعفهم. بادر أبو جمال إلى القول : خرجنا بمعنويات عالية ، وهمم تعانق السماء ، وما ازددنا إلا يقينا بزوال سلطتهم وأفول نجمهم فمن يعجز عن إدارة سجن فهو عن إدارة دولة أعجز