[email protected] قالت المجوس قديماً ( الآلام كلها قبيحة ) وأنا أرى أن للألم وجها حسنا إذا كان نتاجه حصول النفع ودفع الظلم ورفع الطغيان ، وطبياً يصفه أحد الأطباء بقوله ( الألم مكون رئيس لوسائل الجسم الدفاعية ضد الأخطار ، انه جزء من نظام التحذير السريع ) . وحقيقة الألم أنه يشعرك بالانتباه ويبعث فيك دافعاً نحو البحث عن العلاج ، بل إن جميع الحواس تقريباً تكون مشغولة بهذا الألم وما هي مسبباته وكيف يمكن التخلص منه ، والجسم الذي لا يتألم إما أن يكون مخدراً أو ميتاً .. تألم الأوربيون من آثار موجات البرد التي كانت تجتاح أوروبا ، وشعورهم وإحساسهم بهذه الآثار قادهم إلى اكتشاف موارد الطاقة التي تساعدهم على التخفيف من تلك الآثار ، كما قادهم ذلك الاكتشاف إلى البحث عن أسباب العيش برفاهية مادية كبيرة ، أما الأفارقة فقد كانوا أكثر تحملاً لآثار الحرارة شديدة الارتفاع التي تشتهر بها قارة أفريقيا ، وقد تكون أجسادهم السمراء هي التي ساعدت على عدم شعورهم بالألم تجاه ارتفاع درجات الحرارة ، وبالتالي ظلوا كما هم ... والنتيجة ليس هناك ما يدعوا للانتفاض والبحث عن أسباب عيش أخرى !! كلما تألمت الشعوب التي يحيط بها الظلم ويخيم عليها القهر والطغيان ، كانت أقرب إلى العيش بحرية وكرامة ، وكلما شعرت بالألم أكثر وأحست به كانت أبعد عن برود المشاعر وخفوت المشاعل . قيل أن أرسطو سئل ذات مرة : - من يصنع الطغاة ؟ - فقال : ( ضعف المظلومين ) وهذا شاعر الوجدان والإحساس المرهف أبو القاسم الشابي يصور ما نتحدث عنه في قصيدته الشابة ( أين يا شعب قلبك الخافق الحساس ) فيقول : أينَ يا شعبُ قلبُكَ الخَافقُ الحسَّاسُ؟ * * أينَ الطُّموحُ، والأَحْلامُ؟ إنَّ يمَّ الحياة ِ يَدوي حوالَيْكَ * * فأينَ المُغامِرُ، المِقْدَامُ أينَ عَزْمُ الحياة ِ؟ لا شيءَ إلاّ * * الموتُ، والصَّمتُ، والأسى ، والظلامُ أيُّ عيشٍ هذا، وأيُّ حياة ٍ؟! * * رُبَّ عَيْشٍ أخَفُّ منه الحِمَام وأطافَتْ بكَ الوُحوشُ وناشتْك * * فلم تضطرب، ولم تتألمْ يا إلهي! أما تحسُّ؟ أَمَا تشدو؟ * * أما تشتكي؟ أما تتكلَّمْ؟ والشعب اليمني من أكثر شعوب العالم تبلداً أمام الألم ، بحسب وقائع كثيرة في الماضي والحاضر ، فإحساسه بالألم ضعيف بل في أحيان كثيرة لا يحس ولا يشعر به رغم أن أجساد أبنائه ليست سمراء ولا أن القدر قد جعلهم في صفوف المتبلدين ، وهذا الحال جعل أبا الأحرار يسأل مستنكراً ومستغرباً حالة اليمنيين نسل قحطان وهي من أفضل قبائل العرب : ماذا دهى قحطان ؟ في لحظاتهم ** بؤس وفي كلماتهم آلام جهل وأمراض وظلم فادح ** ومخافة ومجاعة وإمام شعب أفسده الظلم وأقعده الشقاء وأتعسه الحرمان ، عاش كثيراً في ظلام البؤس ، مكبلاً بقيود الاستبداد ، حقوقه مسروقة وثرواته منهوبة ويجد أن الأمر في النهاية (( عادي )) هذه الكلمة التي يجيدها كل اليمنيين في كل المحافظات وفي كل المناسبات !! في موسم حج 1425ه كنت في إحدى حملات الحج المتوجهة من الرياض إلى مكةالمكرمة مع مجموعة كبيرة من اليمنيين وكان معنا في نفس الحملة مجموعة كبيرة أيضاً من الإخوة المصريين ، ولكل مجموعة خيامها الخاصة بها ، وفي إحدى ليالي منى قدم العشاء الذي تم طبخه بمطابخ الحملة ، وليلتها كان العشاء سيئاً جداً لم نستطع أن نتناوله ، وكان التذمر واضحاً وبادياً على الجميع ، لكن تذمرنا جميعاً نحن اليمانيين لم يتعد خيمة العشاء ، أما الإخوة المصريون فقد علا صراخهم واشتد تذمرهم عند خيمة الإدارة ، فما كان من إدارة الحملة إلا أن قدموا عشاء جديداً ( للجميع ) نال الاستحسان والتقدير ، وفي اليوم الثاني عند الفجر كان صاحب الحملة يقف أمام الإخوة المصريين وفي أكبر خيامهم يقدم اعتذاره الشديد وتعهده بعدم تكرار ذلك في الأيام القادمة . لا أريد أن أكون متحاملاً على شعبنا اليمني العظيم ولكن منذ أن عرفنا اليمن في عهد رئيسنا المؤتمن وهي تهرول بشدة نحو انحدار سياسي واجتماعي واقتصادي وأبناؤها يصفقون لقائد المسيرة !! الربيع الأول للثورات العربية في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا أثبت أن شعوباً باتت تشعر بآلام الظلم والقهر ، منذ الانتخابات البرلمانية الأخيرة ولأول مرة في تاريخ مصر نجد فرعونها يستخف قومه ولا يطيعونه ، ولأول مرة علي صالح يجد نفسه آخر رئيس يمني هتف له اليمنيون بقولهم ( بالدم بالروح نفديك يا رئيس ) ...