للحرب ويلات شتى لكن آلمها وأشدها وقعا تلك التي تصل إلى منظومة القيم المثلى التي ينتظم فيها المجتمع في مسار من التعايش والتكافل فتحيلها يبابا تتصحر فيها الإنسانية وتغادرها ظلال الأمن والسكينة لتحل محلها هواجر الصراع وسموم الكراهية. وبنظرة سريعة إلى الواقع اليمني والمآلات التي أنتجتها الحرب ندرك جليا فداحة هذا الأمر في كل مناحي الحياة تقريبا فقد أصبحت السرقات على سبيل المثال حدثا مستمرا وحديثا يوميا تتشارك المجالس في نقل مروياته التعيسة بما يذهل العقول ويكشف هول الحالة التي وصل إليها المجتمع، والأشد إيلاما في هذا الأمر أن الروايات المتداولة بين الناس أصبحت تنقل هذه الأخبار وكأنها تنقل أخبار أبطال أسطوريين بأسمائهم الصريحة فلم يعد في الأمر عيبٌ يخجل منه أحد. أما أخلاق الشباب وتراجعها إلى مستوى الحضيض فحدث عن ذلك ولا حرج ففي ظل تنامي حالة السخط من الواقع المزري وتراجع منابر التربية والتعليم عن أداء أدوارها المناطة بها فقد تسيدت اللغة السوقية وأصبحت الشتائم المنكرة عاملا مشتركا بين الشباب إلا القليل القليل منهم، فلم تعد تسمع في مجالسهم غير المجون وشتم الأعراض والسخرية بكل القيم الدينية والوطنية، وفي المقابل اختفى من أحاديثهم لغة الأمل والتفاؤل وشارات الانتماء وتبجيل الهوية مما ينذر بمآلات اجتماعية موغلة السواد. وللغش قصص شديدة الوجع في هذا السياق فقد طغت الرداءة وتسيد التدليس في كل الأسواق والمنتجات والأنشطة الإنتاجية، وفي المقابل انعدمت الثقة بين الناس في كل تعاملاتهم وأصبح الكل متربصا بالكل وتحولت الأسواق من ساحات لقضاء المنافع إلى ميادين صراع محتدم تتبدى فيها الإنسانية شعثاء غبراء وشريدة ضالة لا تعرف غير سياط الجشع والأنانية. وللوجع صور أخرى لا يتّسع المقام لحصرها يجمعها جامع من غياب الدولة وحضور مختلف الأمراض الاجتماعية التي تولد وتحبو وتترعرع في أحضان الفقر بعد أن تبدلت القناعات وأصبحت الغرائز هي الموجه الجمعي والمحرك الحياتي لمختلف شرائح المجتمع. هذه الصور السوداوية تحتاج إلى وقفات جادة من عقلاء المجتمع ومسئوليه تعمل على كبح جماح هذا التدهور الأخلاقي وتعيد إحياء منظومة القيم الاجتماعية الدينية منها والوطنية والتي تمثل حصنا أخيرا لا شك أن التغاضي عن سقوطه والتهاون في الدفاع عنه خيانة عظمى أمام الله والملائكة والناس أجمعين.