يصادف هذا المساء ذكرى قيام الجمهورية اليمنية وإعلان الوحدة بين الشطرين ( جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) الشطر الجنوبي لليمن و(الجمهورية العربية اليمنة الشطر الشمالي من اليمن. تتزاحم الأفكار للحديث عن المناسبة ورأيت أنه من المناسب أن أسوق بعض الخواطر التي هي عبارة عن مزيج من الأفكار والمشاعر ذات طابع شخصي بحت بمعنى هي تجربة شخصية ليس لها علاقة بالآخرين وأراءهم هي مأخوذة من مخزون الذاكرة ومستودع المشاعر فالحدث يومها كان كبير للغاية. يوم تحقيق الوحدة كنت في السابعة عشر من عمري وحينها حط بي قطار الحياة في عاصمة شطر الجنوب عدن وكان مستوى الوعي لدى ذاك الجيل متقدم على السن.. كل وسائل التأثير وكانت المدرسة حينها هي الأكثر تأثيرا صنعت من الوحدة بالنسبة لنا حلم يجب أن يتحقق في طابور المدرسة كان لزاما أن نهتف في كل صباح لتحقيق الوحدة في كل كتب المنهج كانت الوحدة هي الكلمة التي تتردد دوما، كان شعار الدولة في كل خطاب ومراسلة في ورقة الاختبار وعريضة الشكوى لابد أن يذكر تحقيق الوحدة، هذا صنع وعيا مجتمعيا عاما أن الوحدة هدف وحلم لا بد أن يتحقق.. في شطرنا الجنوبي كان نظام الحكم اشتراكيا يدين بالولاء المطلق لموسكو ومنظومة الحكم الاشتراكي بمعنى أنني كنت أعرف الكثير عن كوبا ونيكار اجوا أكثر بكثير مما أعرف عن الكويت وتونس.. النظام الاشتراكي يمكن الدولة من تملك كل شيء ويحرم الفرد من تملك أي شي وهذا تسبب في كبت كبير وليس لك حق السفر فهو محرم الا لرجال الحزب ممن يبتعثون للخارج وكان هناك ملاذ وحيد وخطر لمغادرة البلاد عبر الفرار هروبا نحو الشمال لاستخراج جواز سفر للهجرة والعمل في الخليج وكان كل الشباب يخوضون هذه التجربة.. نظام الحكم جنوبا كان ثوريا شموليا لايسمح بمجرد التفكير او التعبير وكان بوليسبا قمعيا خرب كل علاقاته مع الجوار وارتمى بالكامل في حضن منظومة الدول الاشتراكية لاتوجد بنية اقتصادية بالمطلق والشعب يعتمد بالكامل على الدولة التي كانت تحتكر التجارة في مؤسسات تتبعها.. صحيح أن الأممية كانت شعارا صارخا وأن الطبقية كانت عدوا وأن المساواة والعدالة كان عنوانا عريضا في صفحات الكتب أما الواقع فكان مختلف فقد برز الصراع المناطقي يتعمق واستحال على مرجعية الدولة وأصحاب القرار الأول ( جورج حبش ونائف حواتمة وجورج حاوي) احتوائه فتفجر صراعا مناطقيا بشعا واجتثاث واسئصال دموي كما حدث في 86.. قبضة الدولة والحزب حافظت ربما على تماسك الدولة رغم مراحل عدم الاستقرار فأول رئيس مات مسجونا واول رئيس حكومة أغتيل في سجنه وثاني رئيس قتل وهكذا.. بنهاية الثمانينات حدث زلزال سياسي ضخم كان العالم يدار ويتمحور حول قطبين فانهار أحدهما سقطت الاشتراكية وغرقت السفينة التي تقلنا جنوبا ليس هناك وقت للتفكير يجب البحث السريع عن قارب للنجاة ولايوجد سوى خيار وحيد الركض سريعا نحو الوحدة بأي شكل أوثمن وهكذا سارع الرفاق نحو الوحدة كقارب نجاة.. تلقف النظام في الشمال المبادرة وكان يعيش استقرار وانفتاحا ونشاطا اقتصاديا يقوم على حق التملك وحرية التجارة ورأى في الوحدة مكسبا مهما فهو كان بحاجة الى مساحة أوسع وموارد والوحدة ستوفرها فتمت الوحدة على هذه القاعدة وكان الشعب مهيئا في الشطرين لها مستبشرا بها.. أبقى كل طرفي الوحدة سلاح الجيش خارج التوحد تحسبا لتقلبات الزمان وربما للتفكير في خيارات أخرى حال وصل القارب الى الشاطيء بأمان، مثلت الوحدة للجنوب فرجا كبيرا وبدأ الناس بممارسة التجارة بحرية فحدثت نهضة كبرى ومثلت للشمال ايضا انفراج فقد وجد الملايين من المرحلين من الخليج بسبب الحرب ا في الجنوب المزهر حديثا سوقا للعمل استوعب الكثير منهم.. لم تشأ القيادة التي حكمت الجنوب قبل الوحدة أن تدفع ثمن محاسن الوحدة فارادت وحدة مع الاحتفاظ لها بالسيطرة المطلقة في الحكم والإدارة فبدأت ملامح أزمة أخطأوا كثيرا في تقييمها فالاعتماد على قوة السلاح لم تكن كافية للعودة للوراء فالشعب في الجنوب الذي رأى واقعه الجديد لم يكن مستعداة للاستدارة للخلف.. يمتلك قيادة الجنوب جغرافيا وجيش ولكن بلا تأييد شعبي ويمتلك نظام صنعاء شعب وجيش وشعب في الجنوب ويمتلك ورقة المغلوب في حرب الرفاق في 86 وأحسن الاستغلال لتلك الأوراق وحسم المعركة سريعا وضاعت كل حسابات حكام الجنوب ليجدوا انفسهم خارج التاريخ والجغرافيا.. الانحراف الخاطئ حدث بعد الانتصار في الحرب 94 بالاعتماد على الطرف الجنوبي الذي انتصر في الحرب وتهميش واقصاء بقية أطياف الوطن وتحول المؤتمر الشعبي من إطار جامع الى حزب شمولي. وفي المجمل وبعد تجربة عمرها ثلاثون عاما من الوحدة وبعد كل تلك المتغيرات وللإنصاف فلا يمكن مقارنة مساوئ الوحدة على الساحة الجنوبية بمساوئ ما قبلها ولا بكوارث اليوم فقد كانت بمعيار السوء هي الأقل سوء وضررا بحياة الناس.. كل الخيارات تضع خيار اليمن الواحد بإدارة متحررة من تسلط المركز هو الخيار الأفضل وتبقى مشاريع التجزئة هي الأسوأ بل هي الدمار. كل عام وأنتم بخير