مثلما أنجبت منطقة بُرَع في محافظة الحديدة قديما شاعرها الفحل عبدالرحيم البُرعي، الشاعر الذي بلغت شهرته الآفاق، وصار ملأ سمع الدنيا وبصرها؛ أنجبت الشاعر الكبير حسن صغير يغنم البرعي، الشاعر الذي عاش مسكونا بجمال الكلمة، يتفيؤ ظلالها، ويستروح نسائمها، ويستمطرها غيوث البوح الدافق، يغمر بها جوانب الحياة أفراحا وأتراحا، وآمالا وآلاما، وفضاءات نور ودهشة، في رحلة الرجوع إلى الله. وبين الرجلين ما بينهما من التواشج الفني والتماهي الوجداني، فكلاهما طائر محلق في فضاء الله، كلما سما به المعراج الروحي إلى معالم الإشراق السماوي؛ عاد بقبس منه إلى محبيه في الأرض، جداول إلهام وفيوض إبداع، لا ينتهي من الجيد منها؛ إلا صبا للأجود، بحنين دافق، يختلط به شغف المؤمن بأشواق الشاعر ، وهنا فقط يتأتى للقصيدة أن تصبح فضاء من الجمال خالدا كيفما تأمله المتلقي وجده نورا على نور. ومن المفارقات العجيبة أن عبدالرحيم البرعي الذي عاش في القرن السابع الهجري مشقة الأسفار، وتجشم المتاعب والأخطار لنقل نصوصه إلى الناس بطرق محدودة، ووسائل بدائية، قد أوتي حظا وافرا في عالم الشهرة، أهله لأن يكون شاعر عصره بلا منازع، بينما كان حظ يغنم من الشهرة أقل القليل، وهو الذي عاش ما يزيد على نصف قرن في رحلة البوح مع الكلمة الجميله، أنجز خلالها ثلاث مجموعات شعرية: أكاليل، بوح المشاعر، أصداء وأنداء، وعاش في متاحات إعلامية متنوعة، ووسائل نشر لها من التقنية كل يوم جديد، ثم بعد كل هذا يكاد لا يعرفه الناس؟ إن هذه الإشكالية لا تخص شعر يغنم وحده، ولكنها جائحة ضربت حضور الشعر العربي بمقتل، حيث تضيع الأصوات الشعرية الجميلة بين أكوام من الضجيج اللامتناهي، لأسباب عديده يأتي في مقدمتها فساد الذائقة الفنية على المستوى الجمعي، والإلحاح الدعائي المتواصل لأنصاف الشعراء وأرباعهم، ممن أوكل إليهم مهمة تخريب وتدمير المدينة الفاضلة للشعر العربي. رحم الله شاعرَي برع، فقد بذلا ما في وسعهما في عالم البوح، وحملا إلينا جلال جبال برع وجمال أوديتها، وكشفا بمقدرة فائقة عن بعض مكنونها الفني، وسيأتي بعدهما من شعراء هذه المنطقة الولادة من يحمل راية الكلمة الجميلة فنا وأدبا وفكرا. ومثلما فُجع المشهد الأدبي برحيل الشاعر حسن الذاري فجع برحيل يغنم، فعليهما سحائب الرحمة وشآبيب المغفرة، ولنا أن نقيم بعدهما سرادق العزاء أسفا ولوعة لفراق هؤلاء الإعلام الذين خلفوا ذخائر ماتعة من الشعر الباذخ والأدب الجميل. ولد الشاعر يغنم في بُرع عام 1950 ودرس على عدد من العلماء وتخرج من جامعة الحديدة، ثم اشتغل في المجال التربوي مدرسا وإداريا، واختير عضوا في مجلس النواب.