طال الحديث وعرض عن فيروس كورونا، وأخذ حيزا كبيرا في الوسائط الإعلامية المختلفة، بل إنه يمكن القول أنه لقي من الاحتفاء الإعلامي مالم يلقه فيروس آخر، حتى فيروس الإيدز طاعون العصر، وفي ذلك إشارة إلى أن التغطيات الإعلامية التي أسهبت في حديثها عن كرونا تعمدت الإثارة والتوسع، لأن في ذلك مادة مسلية لمئات وربما لآلاف القنوات التي تكابد النمطية والبطالة الإعلامية، كما أن صنفا آخر من القنوات التي تمتهن إثارة الذعر في العالم وجدت في هذا الفيروس مادة فعالة لممارسة غوايتها بأريحية متنامية لها كل يوم جديدها في التخويف والإثارة. ويمكن القول أن التوصيف العلمي للفيروس اختفى بين كم هائل ومخيف من الثرثرات الإعلامية التي سلكت طريقين لا ثالث لهما: التهويل والتهوين، ولكل منهما مساحته الإعلامية المعتبرة كما لا كيفا. في خطاب الفريق الأول ظهر كورونا على أنه جائحة العصر، تم إنتاجه معمليا بعد تجارب عديدة، ثم صُدِّرَ للعالم عبر غرفة عمليات معدّة لهذا الغرض، وعبر وسائط عابرة للقارات، حتى لقد ذهب جزء من هذا الخطاب إلى القول بأن جهاز الهاتف المحمول في جيله المتطور واحد من هذه الوسائط الناقلة، خاصة وأنه أكثر الوسائط قُربًا وملازمة لرأس الضحية، بوصفه المنفذ الوحيد الذي يعبره الفيروس بهدوء إلى مملكته القاتلة في الرئتين. ومثلما يستبطن هذا الخطاب نظرية المؤامرة؛ فأنه أيضا يستبطن تلك النظريات التي دعت إلى الحد من الانفجار السكاني عن طريق الحروب والصدامات، وعن طريق نشر الأوبئة والأمراض الفتاكة تجفيفا للأمواج البشرية الهائلة، حتى يتسنى للمجاميع البشرية التي اختيرت للبقاء على قيد الحياة التمتع بخيرات الأرض وثرواتها بعيدا عن ذلك الزحام المقرف. وقد تعمد هذا الخطاب إلى تشويش الرؤية عبر نشر المعلومات والمعلومات المضادة، خلطا للأوراق، لحشر الناس في زاوية الترقب المخيف حيارى حيال هذا الطارئ المزعج. وفي خطاب الفريق الآخر يظهر كورونا أشعث أغبر حافي القدمين، لاحول له ولا قوة، بالغ الإعلام في تشخيصه خدمة لأجندة مريبة، وصرفا لأنظار الناس عما يدور في العالم من خراب وفوضى وقتل ودمار. ويعتقد أصحاب هذا الاتجاه أن الأرقام المخيفة التي تتناقلها المطابخ الإعلامية في العالم لضحايا كورونا هي أرقام مبالغ فيها، وأن الصحيح منها تشمل ضحايا أمراض أخرى، كأمراض القلب والسكري والفشل الكلوي وضغط الدم، وغيرها من العلل التي تأخذ كل يوم نصيبًا غير منقوص من المخزون البشري في شتى بقاع العالم. كما يرى أصحاب هذا الاتجاه أن هذا المرض وإن كان حقيقة إلا أنه نوع من الأنفلونزا ربما أصاب ضحيته بمقتل وربما يأتي ويذهب دون أن يشعر به المريض، كما أن الحديث عن سلالات جديده لهذا المرض هو إنعاش مصطنع للحديث عن كرونا، ومحاولة حثيثة لإدخال الناس في دورة جديدة من الخوف والهلع، وتهيئة نفسية لسكان العالم للقبول بلقاحات أعدت لهذا الغرض، تكسب الشركات المصنّعة من ورائها أرقاما فلكية من الأموال، وهي لقاحات يكتنفها الكثير من الريبة والشكوك. وعلى ذكر اللقاحات فإننا اليوم أمام موجة إعلامية جديدة من التهويل والتهوين، وكأن إنسان اليوم كُتب عليه الشقاء بهذا الفيروس مرتين: مرة بالخوف منه، ومرة بالخوف من لقاحه. وما يزال للجدل بقية.