إب.. مواطنون يشكون تضرر منازلهم من تفجيرات في جبل مجاور لقرية أثرية في السياني    الرئيس الزُبيدي يُعزّي العميد الركن عبدالكريم الصولاني في وفاة ابن أخيه    صنعاء: حركة تنقلات جديدة لاعضاء النيابة - اسماء    وقفة مسلحة لقبائل الزرانيق تؤكد استمرار النفير والجاهزية    خطورة القرار الاممي الذي قامت الصين وروسيا باجهاضه امس    الأمم المتحدة: إسرائيل شيدت جداراً يتخطى الحدود اللبنانية    حلف الهضبة.. مشروع إسقاط حضرموت الساحل لصالح قوى خارجية(توثيق)    موجة فصل جديدة تطال المعلمين في مناطق سيطرة الحوثي مع استمرار إحلال الموالين    سعر برميل النفط الكويتي يرتفع 1.20 دولار ليبلغ 56.53 دولار    مخاطر التهريب والفوضى في حضرموت... دعم المجرم شراكة في الجريمة    إعلان الفائزين بجائزة السلطان قابوس للفنون والآداب    اكتشاف 570 مستوطنة قديمة في شمال غرب الصين    هيئة مكافحة الفساد تتسلم إقراري رئيس الهيئة العامة للاستثمار ومحافظ محافظة صنعاء    اختتام بطولة 30 نوفمبر لالتقاط الأوتاد على كأس الشهيد الغماري بصنعاء    شبوة أرض الحضارات: الفراعنة من أصبعون.. وأهراماتهم في شرقها    بوادر تمرد في حضرموت على قرار الرئاسي بإغلاق ميناء الشحر    أمن العاصمة عدن يلقي القبض على 5 متهمين بحوزتهم حشيش وحبوب مخدرة    وسط فوضى عارمة.. مقتل عريس في إب بظروف غامضة    لحج تحتضن البطولة الرابعة للحساب الذهني وتصفيات التأهل للبطولة العالمية السابعة    انتشال أكبر سفينة غارقة في حوض ميناء الإصطياد السمكي بعدن    قرار مجلس الأمن 2216... مرجعية لا تخدم الجنوب وتعرقل حقه في الاستقلال    دائرة التوجيه المعنوي تكرم أسر شهدائها وتنظم زيارات لأضرحة الشهداء    يوم ترفيهي لأبناء وأسر الشهداء في البيضاء    مجلس الأمن يؤكد التزامه بوحدة اليمن ويمدد العقوبات على الحوثيين ومهمة الخبراء    خطر المهاجرين غير الشرعيين يتصاعد في شبوة    وزارة الأوقاف تعلن عن تفعيل المنصة الالكترونية لخدمة الحجاج    "الشعبية": العدو الصهيوني يستخدم الشتاء "سلاح إبادة" بغزة    الأرصاد: أجواء باردة إلى شديدة البرودة على المرتفعات    مدير مكتب الشباب والرياضة بتعز يطلع على سير مشروع تعشيب ملاعب نادي الصقر    شركة صقر الحجاز تثير الجدل حول حادثة باص العرقوب وتزعم تعرضه لإطلاق نار وتطالب بإعادة التحقيق    عمومية الجمعية اليمنية للإعلام الرياضي تناقش الإطار الاستراتيجي للبرامج وتمويل الأنشطة وخطط عام 2026    بيريز يقرر الرحيل عن ريال مدريد    تنظيم دخول الجماهير لمباراة الشعلة ووحدة عدن    فريق DR7 يُتوّج بطلاً ل Kings Cup MENA في نهائي مثير بموسم الرياض    مقتل وإصابة 34 شخصا في انفجار بمركز شرطة في كشمير الهندية    معهد أسترالي: بسبب الحرب على اليمن.. جيل كامل لا يستطيع القراءة والكتابة    ضبط وكشف 293 جريمة سرقة و78 جريمة مجهولة    مليشيا الحوثي تستحدث أنفاقا جديدة في مديرية السياني بمحافظة إب    مؤسسة الكهرباء تذبح الحديدة    وديا: السعودية تهزم كوت ديفوار    توخيل: نجوم انكلترا يضعون الفريق فوق الأسماء    محافظ عدن يكرّم الأديب محمد ناصر شراء بدرع الوفاء والإبداع    المقالح: من يحكم باسم الله لا يولي الشعب أي اعتبار    الصين تعلن اكتشاف أكبر منجم ذهب في تاريخها    نمو إنتاج المصانع ومبيعات التجزئة في الصين بأضعف وتيرة منذ أكثر من عام    الإمام الشيخ محمد الغزالي: "الإسلام دين نظيف في أمه وسخة"    حكام العرب وأقنعة السلطة    مي عز الدين تعلن عقد قرانها وتفاجئ جمهورها    الحديدة.. مليشيا الحوثي تقطع الكهرباء عن السكان وتطالبهم بدفع متأخرات 10 أعوام    وداعاً للتسوس.. علماء يكتشفون طريقة لإعادة نمو مينا الأسنان    عدن.. انقطاعات الكهرباء تتجاوز 15 ساعة وصهاريج الوقود محتجزة في أبين    جراح مصري يدهش العالم بأول عملية من نوعها في تاريخ الطب الحديث    عدن تعيش الظلام والعطش.. ساعتان كهرباء كل 12 ساعة ومياه كل ثلاثة أيام    ارشادات صحية حول اسباب جلطات الشتاء؟    اليونيسيف: إسرائيل تمنع وصول اللقاحات وحليب الأطفال الى غزة    قيمة الجواسيس والعملاء وعقوبتهم في قوانين الأرض والسماء    5 عناصر تعزّز المناعة في الشتاء!    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دردشة هادئة مع أنيس حسن يحيى
نشر في الصحوة نت يوم 18 - 01 - 2012


(1)
نشر الأستاذ/ أنيس حسن يحيى مقالا في عدد الأسبوع قبل الماضي من صحيفة (الثوري) بعنوان (تحالف الإسلاميين وقوى الحداثة في اليمن)؛ ضمنه رؤية تقدير وإعجاب وبعض الانتقادات للتحالف الحزبي المنضوي في إطار اللقاء المشترك. والمقال مكتوب بأسلوب راقٍ جعلني أتمنى لو اهتم الأستاذ –ما استطاع إلى ذلك سبيلا وذكرى- بكتابة ذكرياته عن سنوات الخمسينات والستينيات والسبعينات وحتى التسعينات وبالتحديد حتى حرب 1994، فربما يكون أحد القلائل من شخصيات تلك الفترات القادرة على تنوير الأجيال بما حدث في تلك العقود. ونظن أن اشتعال رأسه شيبا سيوفر قدرا معقولا من الحيادية والنضوج في رصد الأحداث، ويوفر لنا متعة متنوعة من إعادة استحضار نصف قرن من الزمن اليمني، وإعادة اكتشافه في ضوء محددات جديدة!
ما يهمنا التعليق عليه في كلام الأستاذ هو بعض التقييمات والرؤى السياسية والفكرية التي وردت في ثنايا مقاله؛ وهي خاصة باللقاء المشترك، والقبيلة، والتجمع اليمني للإصلاح، فلعل تلاقح الأفكار حولها يسهم في الوصول إلى فهم مشترك أفضل لها:
وصف الأستاذ اللقاء المشترك بأنه تحالف بين الإسلاميين وقوى الحداثة.. وهو توصيف كنت أتمنى ألا ينشغل الأستاذ به؛ فلقد عانت أمتنا كثيرا من جراء التمترس وراء الشعارات والمواجهة حولها دون فائدة حقيقية، وهانحن نقرأ لقيادي يساري تاريخي إعجابه بالحداثة التي تعني من ضمن ما تعني: الاقتصاد الرأسمالي أو اقتصاد السوق، والذي كان من آثاره مرحلة الاستعمار التي ابتليت بها اليمن، وكان (الأستاذ) أحد رموز مقاومتها. ومع أن العالم يشهد الآن مبادئ مثل (ما بعد الحداثة)، بعد أن مرت على الحداثة أكثر من 200سنة؛ إلا أنها ككل الأفكار البشرية تحمل خيرا وشرا معا، والأصوب أن نتعامل معها على هذا الأساس، ونتجنب صنع فسطاطين جديدين يتمترس الناس داخل كل منهما.. وفي كل الأحوال؛ لا أظن أن القوى التي تفضل عليها الأستاذ بوصف الحداثة تتسم بمعاييرها وتلتزم بها، ولا القوى التي حرمها من وصف الحداثة ترفض ما فيها من حسنات.. هذا إن كان الأستاذ موفقا في نسبة الأولى للحداثة؛ فمثلا بعدها الرأسمالي الذي يجعل (الإنتاج هدفا للإنسان بعد أن كان الإنسان هدفا للإنتاج) واجه نقدا من دعاة الاشتراكيين مثل ماركس نفسه صاحب العبارة المذكورة. ولا نظن أن اليسار اليمني يقبل ذلك بأريحية. ومع احترامي للأستاذ فهو دون أن يدري وضع (قوى الحداثة) في مربع مقابل للإسلاميين؛ رغم أننا في اليمن نصرخ منذ الوحدة بأننا كلنا مسلمون، وكلنا موافقون على المرجعية الإسلامية، وهو نفسه لم يمانع من النص بأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع( هل هذا موقف حداثي؟) وهو موقف إسلامي لو كان لا يقصد من ورائه تفريغ المخزون العظيم للأمة من التشريع من دوره تحت لافتة رفض المصدر الوحيد.
(2)
أثناء حديثه عن فصائل الإسلاميين في اللقاء المشترك؛ حرص الأستاذ على أن يفصل في بيان التنوع والتعدد الفكري داخل الإصلاح فقط دون غيره من الإسلاميين والحداثيين، ودون أن يرى في ذلك ميزة تستحق أن ينوه بها طالما أننا نعيش في زمن رفض النمطية، والقولبة، والاستنساخ الفكري، و ندعو إلى القبول بالتعددية في داخل الأحزاب وخارجها، وهي التعددية التي أدى رفض كثير من الأحزاب لقبولها إلى انفجارها من الداخل، بينما نجح الإصلاحيون في إدارة الاختلاف في اجتهاداتهم نجاحا ملحوظا.. لكني لم أفهم كيف يتقبل الأستاذ فكرة -أو التهمة الرائجة إعلاميا- أن هناك سلفيين ووهابيين داخل (حزب) الإصلاح؛ مع أن أشهر وأعمق انشقاق واجهته الحركة السلفية اليمنية حدث عندما أصر بعض السلفيين من تلاميذ الشيخ مقبل الوادعي على تشكيل مجرد جمعية خيرية تنتخب إدارتها.. وحتى هؤلاء ما يزالون حتى الآن يترددون في تشكيل حزب سياسي ولو على نمط المؤتمر الشعبي العام! بمعنى آخر كيف يكون هناك سلفيون ووهابيون بالمعنى الموجود في ذهن الأستاذ ثم يكونون أعضاء في حزب؛ بل بعضهم مؤسسون.. ثم إن الفكر الوهابي ليس كله سيئا، والسلفيون فيهم المعتدل الراشد، والمتقبل للحوار، وفيهم المتشدد والمغالي، وفيهم القابل لتأسيس أحزاب سياسية والرافض لها.. مثلهم مثل العلمانيين واليساريين والقوميين، وحتى دعاة الليبرالية والحداثة.. حتى يمكن القول إن كل تيار فكري وسياسي فيه طالبان ووهابيون وسلفيون إذا كنتم مصرين على أنها تعني بالضرورة: الجمود، ورفض الآخر، وحتى الإيمان بطاعة ولي الأمر(!).. وهل حكم أمثال بورقيبة ومبارك والقذافي وغيرهم إلا بتأييد وطاعة جماعات حداثية وليبرالية ويسارية وقومية ودينية كانت ترى فيهم القداسة، والزعامة التي لا يأتيها الباطل من أي جهة؟
على أية حال؛ لا نريد من الأستاذ والتيار الذي ينتمي إليه أن يصنعوا من السلفية والوهابية بعبعا ومحورا للشر يؤجج حالة التنافر القائمة؛ طالما ظل هؤلاء بعيدين عن العنف، وفرض مواقفهم على الآخرين بقوة السلاح.. فالمجتمع الديمقراطي يقبل بوجود مثل هذه الأنماط السياسية والفكرية من جميع التيارات طالما ظلت رافضة للعنف، وكل الأنظمة الديمقراطية العريقة تسمح بمثل ذلك؛ كاليمين العنصري المتطرف في فرنسا الذي ينافس في كل الانتخابات.. وكما هو موجود في العديد من الدول الأوروبية التي تسمح بتأسيس الأحزاب الوطنية (النازية) المتطرفة، وتلك المعادية للأجانب، وتسمح لها بالعمل السياسي والنشاط الإعلامي، والمشاركة في الانتخابات والدخول إلى البرلمانات، على أنه تتم مواجهة تطرفها غير المسلح بالعمل السياسي الصحيح المضاد؛ مثلما حدث قبل سنوات في النمسا عندما فاز حزب عنصري متطرف بالمركز الأول في الانتخابات لكن الأحزاب الديمقراطية، والدول الأوروبية، مارست عملا سياسيا لمنعه من تشكيل الحكومة دون منعه بالقوة وتكرير التجربة الجزائرية! وفي كل الأحوال يوجد في كل حزب إسلامي أو يساري أو قومي أو علماني توجهات ومدارس وأجنحة تصل خلافاتها إلى حد كبير من التناقض، والأذكياء هم الذين يديرونها بسلمية ووفقا للأغلبية!
ولأن الأستاذ يبدو- كحال الكثيرين من اليساريين والعلمانيين والليبراليين- معجبا بالإسلاميين الهادويين، فلعلمه فإن هناك جوانب تشابه عديدة تجمع على سبيل المثال بين السلفيين وبين الزيدية والحوثية باعتبار أن مرجعية هؤلاء الأخيرين هو مذهب آل البيت من الإمام علي حتى الإمام زيد على الأقل: فالموقف السلفي الوهابي من الموسيقى، وتزويج الصغيرة، وتنصيف دية المرأة في النفس والجراحة، وقطع يد السارق، ورجم الزاني، وجلد السكران، وقتل من شتم الرسول، وتحريم اللعب بالنرد والشطرنج، والغناء لأنه ينبت النفاق في القلب.. كل ذلك يتطابق تماما مع فقه الزيدية والهادوية.. بل يوجد في مسند الإمام زيد -رضي الله عنه- حديث نبوي يعدونه صحيحا يصف حلق اللحية، ولعب النرد والشطرنج، وإسبال الشارب والإزار، وتصفيف الشعر، ومضغ العلك، والصفير.. بأنه من عمل قوم لوط.. ومع ذلك فلم نسمع يوما إلا مديحا هنا وقدحا هناك! فليتخيل (الأستاذ) أو أحد منا نفسه في صعدة، والجماعة ينظرون إليه وهو يمضغ علك أو شونجم أو نسي أن يحلق شاربه أو يخفف منه! ولأن بعض الصحفيين الذين زاروا صعدة مؤخرا تحدثوا عن فرض منع الأغاني في الشوارع وحتى في السيارات؛ فليتخيل الأستاذ أيضا أنه يسير في أحد الشوارع يترنم بأغنية ما أو فكر أن يضع شريطا غنائيا لفيروز أو عبد الحليم حافظ –أو حتى لفيصل علوي- ويشغله علانية في سيارته! غالبا سيقص على الناس ما حدث له على طريقة عادل إمام وحكايته في الأتوبيس عن الأبونيه، وما لاقاه من ضرب من ركاب الحافلة أو كما قال: (وعينك ما تشوف إلا النور.. طاخ طيخ.. والستات تزغرد.. والرجالة تهتف: الله أكبر.. والعيال الصغيرين بيعملوا حاجات غريبة) وهذا حدث فنيا في القاهرة قبل أربعين سنة.. فتخيل ماذا سيحدث في صعدة الآن.. أقل عقوبة ستكون: اكتب ألف مرة: الموسيقى حرام، وانسخ سبع مرات رسالة: (البلاغ الناهي عن الغناء وآلات الملاهي) لمجدد الزيدية الحجة مفتي اليمن الأكبر والنافذ المسند المظفر(!) أبي الحسنين مجد الدين المؤيدي (على سبيل القفشة، ولكيلا نظلم أحدا في صعدة؛ فهناك أغنية مشهورة لن تثير غضبا، وهي أغنية: يا موز يا عنبروت.. ياتفاح يا شمام يا عاط.. فالقوم سيظنون صاحب الصوت.. بائع فواكه متجول !)
(3)
قبائل حق.. وقبائل مرق!
للأستاذ/ أنيس موقف مضاد للقبيلة لا يفتأ يردده دائما، وهو أمر مشروع له.. لكني آخذ عليه –وقد قلت له ذلك في ندوة مستقبل اليسار- أنه يبالغ في عداوته للقبيلة في (الشمال) فقط.. أما القبيلة في (الجنوب) فباردة على قلبه.. وواقعيا فالجنوب مثقل بالقبيلة –أو المناطقية- كما أن الشمال مثقل بالقبيلة (تاريخيا تحولت القبائل اليمنية في المناطق السُنِيَّة إلى إمارات وسلطنات ودول ، ومشائخ القبائل صاروا حكاما وسلاطين لأن المذهب السني لا يحصر الحكم في سلالة، فصار الانتماء والولاء للقبيلة انتماء وولاء للمنطقة/ القبيلة.. على العكس مما حدث في المناطق التي سيطر عليها المذهب الهادوي، فلأن السلطة صارت محصورة في سلالة واحدة، فقد ظلت القبيلة بولائها و بمشائخها منفصلة عن السلطة ثم نمت قوتها مع حاجة الأئمة إلى الاستعانة بها في صراعهم على الإمامة فيما بينهم أو مع خصومهم المحليين والخارجيين.)
(الأستاذ) أكثر من يعرف كيف جنت المناطقية/القبلية على الجنوب؛ رغم سيطرة التيار الماركسي على السلطة، فقد اصطبغت صراعاته الداخلية بالانحيازات المناطقية/ القبلية (دون نكران وجود أسباب أخرى) تماما كما كانت صراعات عديدة في التاريخ اليمني ذات أبعاد متعددة؛ فمثلا أحداث أغسطس 1968 في صنعاء كانت ذات بعد حزبي (البعثيون ضد القوميون العرب) وقبلي ومناطقي ومذهبي، وكل واحد يغني عن ليلاه. المهم أن (الأستاذ) يركز كل انتقاداته للقبيلة في الشمال وينسى الظاهرة القبلية/المناطقية في الجنوب.. وحتى إنه يجعل من نفسه -للأسف الشديد- مفتشا عن ضمائر أبناء القبائل التي ساندت الجمهورية؛ فهو يتهمهم بأنهم صنعوا ذلك للاستحواذ عليها حتى نجحوا في الاستيلاء على الجمهورية وإفراغها من مضمونها الوطني الديمقراطي الحداثي!
بالله عليك يا أستاذ: أنت تصدق أن اليمن عرفت منذ 26سبتمبر 1962 أنظمة ذات مضمون ديمقراطي حداثي حتى أفرغتها القبائل منها؟ ماذا كان نصيبها من الحريات، والتداول السلمي للسلطة، وحكم المؤسسات وحرية العمل النقابي والجماهيري حتى تتبرع لها بوصف الديمقراطية والحداثة؟ أليس هذا امتهان لمباديء الديمقراطية وحتى الحداثة؟ وهو بالمناسبة امتهان أدمن العديد من الأكاديميين والباحثين اليمنيين ارتكابه بحق قيمة سامية مثل( الدولة اليمنية الحديثة)، التي يصفون بها عهودا سياسية وزعماء دون أن يجهدوا أنفسهم في إثبات مدى مطابقة معايير ومواصفات الدولة الحديثة عليهم.. ولذلك ليس غريبا في اليمن أن نقرأ أو نسمع من يصف عهدا بأنه دولة حديثة ووفر المواظنة المتساوية رغم أنه كان عهدا سياسيا ديكتاتوريا قمعيا، لا يعترف لأحد بحق من الحقوق الواجبة في الدولة الحديثة.
التشكيك في تأييد القبائل لثورة سبتمبر ؛على طريقة محاكم التفتيش؛ يمتد ليشمل التشكيك في موقف أبناء القبائل من الثورة الشعبية القائمة الآن.. أو على حد قول الأستاذ (إن قسما من القبائل انحاز للثورة الشعبية بهدف بسط نفوذه عليها لاحقا، ولا فرق أن يكون هذا الهدف معلنا أو غير معلن!) سوف نلاحظ أن تخصص الأستاذ في التشكيك في الضمائر القبلية محصور فقط في تلك التي ساندت الجمهورية أو الثورة الشعبية..أما تلك التي ساندت الملكيين فلم ينورنا هل كانت مخلصة للمذهب والإمامة أم أنها كانت تنوي الفرك بها.. وكذلك لم ينورنا بشيء عن القسم الذي أعلن خصومته للثورة الشعبية وهل صنع ذلك إخلاصا للشرعية الدستورية أم هي المكيدة والغنائم والزلط؟
لا نملك أن نقول إلا:ما شاء الله والحداثة والتسامح.. والقبول بالآخر!
وسنعمل بالقول المصري المأثور (هات من الآخر):
أيهما أنزه وأشرف عند الأستاذ/ أنيس: أبناء القبائل(رغم عدم اقتناعي بسلامة استخدام هذا الوصف للتمييز بين المواطنين) الذين نزلوا الساحات بالآلاف للمشاركة في الثورة الشعبية ثم مناصرة لها أم الليبراليون الحداثيون من عبيد النظام وبطانته الذين يعادونها ويحرضون عليها؟
وأيهم أفضل في ميزان (الأستاذ) أبناء القبائل الذين سقط منهم شهداء بالعشرات في الساحات وجرحى بالآلاف، وتصدوا لمنع زحف قوات الحرس الجمهوري في نهم إلى المكلا لقمع الاعتصامات و كذلك في الحيمتين والمحويت وغيرها.. أم الليبراليون الحداثيون أمثال: د. أحمد بن دغر، وأحمد الصوفي.. وغيرهما من السياسيين والإعلاميين الذين –وفق تعبير قديم لزميل صحفي في الثوري نستعيره هنا- يمسحون التراب من على أحذية الرئيس وأبنائه ومساعدييه حتى وصلوا إلى لحس ما هو أسوأ في أسفلها؟
(الإصلاح) لم يسلم أيضا من كراهية الأستاذ للقبيلة؛ فهو يزعم أنه يتماهى مع القبيلة إلى درجة أشعرته أن الإصلاح سيكون عاجزا عن بناء دولة يمنية عصرية في حال استلامه للحكم!
طيب.. أنتم كنتم لا تتماهون مع القبيلة بل تعادونها، ومع ذلك عجزتم عن بناء دولة يمنية عصرية؛ بل ولا حتى مسائية!
ثم ما معنى التماهي هنا؟ هل قيل لك إن هيكل الإصلاح يتضمن (كوتة) للقبيلة في تكويناته التنظيمية؟ أو أن لديه مجلسا قبليا يستشيره قبل إعلان مواقفه، ولا تبدأ فعالياته الحزبية إلا بعد ترديد قسم الولاء للقبيلة ثم أداء رقصات برع تمثل طيف القبائل التي يتماهى معها؟
هل وجود أبناء القبائل في الإصلاح من عجائب اليمن النادرة.. أليس الحزب الإشتراكي يضم أبناء قبائل ومشائخ قبائل في الماضي والحاضر.. هل نسيت (أحمد عباد شُريف) و (عبد الله مجيديع)، و الآخرين الذين مازالوا حتى الآن أعضاء في الحزب؟ ألا يوصف (سلطان السامعي) بأنه شيخ؟
ومن قاتل مع الحوثيين ستة حروب: أبناء قبائل من صعدة وغيرها أم الملائكة وأعضاء هيئات التدريس في جامعات هارفارد وأكسفورد وكمبردج وباتريس لومبا؟
أليس الواقع يجعلنا نقول: من كان بلا قبائل فليرمنا.. بحجر حداثي!
خلاصة الكلام: القبيلة كتنظيم بشري مثلها كمثل الدولة، والأحزاب، والنقابات.. إلخ من مكونات المجتمع فيها خير وشر، وكلما تأسست على الصواب، وحكمت العلاقات بين مكونات المجتمع أسس صحيحة قائمة على العدل والحرية والمساواة يغلب خيرها شرها، والعكس كذلك.
الحق أقول لك: أنت بحاجة إلى مراجعة سريعة وحاسمة لبعض مفاهيمك وأحكامك لكيلا تتناقض مع إعجابك بالإصلاح واللقاء المشترك، لأنها تتماهى(!) تماما مع خطاب السلطة.. وبحاجة أيضا إلى أن تجلس مع د. ياسين سعيد نعمان ومحمد أحمد غالب وباذيب والصراري، ثم تسألهم –مثلا- عن سبب غياب الحوار المعمق والجاد - كما زعمت- داخل اللقاء المشترك.. ولماذا يسكتون على ذلك بل لماذا يسكتون عن تهميش الإصلاح للآخرين داخل اللقاء المشترك؟ فإذا قالوا لك: الحوار الجاد موجود بدليل وثيقة الإصلاح الشامل، والتهميش شنشنة بدليل تماسك اللقاء المشترك في مواجهة كل الأعاصير التي واجهته؛ إن قالوا ذلك أو أكدوا كلامك فنورنا.. الله ينورك!
[أورد الأستاذ أنيس عددا من الانتقادات في حق الإصلاح بشأن دوره في الثورة الشعبية، و قد ناقشنا ذلك في صحيفة الناس.]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.