يوم خرج مارد الجماهير من قمقم القهر، كان مُصِرَّاً إنه لن يعود ثانيةً إلى القمقم.. وإنه لن يرضى بغير حياة الحرية والكرامة والسؤدد بديلاً.. رفض كل أشكال الخنوع والخضوع و التبعية.. فقد قيل له إنه « قُدِّرَ « له أن يُحكم وراثياً، يتلقَّفه الأبناء بعد الآباء، والأحفاد إثر الأجداد.. وكأنَّ نساء اليمانين عُقِمنَ! كما قيل له: سنُصفِّر العدَّاد.. ثم: سنقلع العدَّاد.. فقرَّر ضخَّ البئر كلها في كل العدَّادات.. فالمواطن اليمني ليس حنفية في مواسير مؤسسة المياه! ...... ...... ...... إذا كانت حفنة من عبيد الجاه وحاشية الخدم وبطانة السوء قد ارتضت أن تعيش على هامش التاريخ، في أدنى درك سُلَّم القصر.. فإن اليمانين ليسوا منهم، بل هم منهم براء.. فقد خلق الله كل يماني حُرَّاً وسيِّداً وملكاً وزعيماً بذاته.. وقد آن الأوان أن يكون اليماني سيِّد نفسه وسيِّد قراره.. لا يملك مصيره فرد، ولا يُحدِّد مساره حزب، ولا تتحكم بأمره أُسرة أو قبيلة.. فإذا كان اليماني قد رفض حكم أحفاد الرسول، كما يزعمون.. فإنه لن يقبل بالضرورة حكم أحفاد الشيطان..
واليوم، يرسم اليماني نقش المجد في سِفْر الخلود.. ويثبت للعالم كله أنه سليل سيادة وريادة وحضارة راسخة في الوعي والوجدان قبل التاريخ والجغرافيا.
...... ...... ...... لقد أنجزت الثورة الشبابية الشعبية السلمية أولى انتصاراتها بجدارة أذهلت القلوب وأدارت الرؤوس في كل أصقاع المعمورة.. فلم يكن أحدٌ ليُصدِّق أن شعباً مُدجَّجاً بشتى أنواع السلاح، في مجتمع مُغلَّف بالبارود، ومحشو بالمذاهب والقبائل من كل لون، سينجح في ثورته السلمية! ولم يكن أحدٌ ليُصدِّق أن شباباً – من الجنسين – بعمر الورود ورقَّة السنابل، سيخرجون إلى فوهات المدرعات والمدافع بصدور عارية! لم يكن أحدٌ – في هذا العالم – مُصدِّقاً البتة أن الأطفال ( في بلاد الستين مليون بندقية ضالة ) سيقطفون الورود ليقدمونها هدية حب إلى جنود مُدججّين بالقنابل وأوامر القتل! ...... ...... ...... لقد أنجزنا نصف الشوط.. وبقيَ النصف الآخر.. وهو لعمري ليس ببعيد، بل هو أقرب إلينا وإلى الوطن من حبل الوريد.. و... إنَّ غداً لناظرهِ قريب!!