ترى مليشيا الحوثي في كل مواطن في مناطق سيطرتها مشروع تهديد أمني، وهو ما ينعكس بوضوح في خطابها الإعلامي القائم على التخوين، وفي قراراتها الأمنية المتسارعة التي تتجاوز القانون والأعراف. ففي الوقت الذي تتعرض فيه مليشيا الحوثي لسلسلة ضربات جوية أميركية، تعمد المليشيات إلى تعويض خسائرها في الميدان عبر قمعٍ داخليٍ ممنهج، يستهدف المدنيين الأبرياء في مناطق سيطرتها. وبحسب مراقبين، فإن هذه الحملة الهستيرية تعكس حالة الهلع التي تعيشها قيادة الحوثيين، حيث تنكشف هشاشة بنيتها الداخلية، وعجزها عن احتواء الغضب الشعبي المتصاعد. - خطاب مرتبك وتخوين جماعي: تخشى مليشيا الحوثي سخط الحاضنة الشعبية - في المناطق الواقعة تحت سيطرتها- أكثر من خشيتها من الضربات الجوية أو المواجهات العسكرية، وذلك لإدراك المليشيات ويقينها التام أنها مرفوضة شعبيًا على كامل امتداد الجغرافيا اليمنية. في كلمته الأخيرة عقب اجتماعٍ أمني سري، ظهر القيادي الحوثي، مهدي المشاط، بملامح مرتبكة وكلمات فضفاضة خالية من أي مضمون يعول عليه، في مشهد يوضح مدى الخوف والتوجس الذي تعيشه مليشيا الحوثي حاليًا. ركز المشاط خلال كلمته على ضرورة التضييق الأمني في الداخل، محذرًا المواطنين من أي تعاون أو تضامن مع من وصفهم بالأعداء، ومتوعدًا كل من سيثبت تورطه بعقوبة الإعدام. كما اتهم القيادي الحوثي، نصر الدين عامر، المواطنين في مناطق سيطرة الحوثيين بالخيانة، واصفًا إياهم بالمنافقين. وقال عامر، في تغريدة له على حسابه في منصة X، إن كل غارة تتلقاها جماعته "يقف خلفها منافق عميل يرفع الإحداثية ومنافق بوق يبرر لها". ودعا عامر قيادة المليشيا بضرورة تحريك القضاء في مناطق سيطرتهم، لمحاكمة من وصفهم بالعملاء، وإنزال أشد العقوبات عليهم، بما يتفق مع تعليمات القيادي مهدي المشاط، الذي هدد المواطنين بعقوبة الإعدام. - فشل دعائي وحملات قمع وترهيب: فشلت المليشيا في تبني سياسة التكتم التام على أثر الضربات الجوية، كما فشلت دعايتها الإعلامية التي حملت وسم "مدري" في إقناع المواطنين بعدم النشر والتصوير للغارات، إذ لاقت سخرية شعبية واسعة فيما استمر المواطنون بالتفاعل والتوثيق والنشر. ومقابل إخفاقها في لجم الصوت الشعبي من خلال الدعاية الإعلامية، اتجهت مليشيا الحوثي لاتخاذ إجراءات عملية تعسفية في الميدان، من خلال تشديد القيود الأمنية وملاحقة المواطنين والناشطين وترهيبهم واقتحام منازلهم واختطاف المئات منهم. وخلال الأسبوعين الماضيين، شنت مليشيا الحوثي حملة مداهمات واسعة شملت منازل المواطنين والبسطات والمحال التجارية في عدة محافظات، بتهمة التخابر وإرسال إحداثيات مواقع الحوثيين. ففي مدينة الحديدة، أكدت مصادر خاصة ل"الصحوة نت" أن مليشيا الحوثي داهمت عشرات المنازل عقب الغارة الأمريكية على منطقة "أمين مقبل"، واعتقلت ما يزيد عن 45 مواطنًا في يوم واحد بتهمة تصوير لحظة القصف ونشرها على مواقع التواصل. وفي العاصمة صنعاء، أفادت تقارير صحفية أن مليشيا الحوثي اعتقلت نحو 30 شخصًا من أبناء صنعاء في يوم واحد فقط، وذلك على خلفية تصويرهم حادثة القصف التي طالت سوق فروة السكني. وكانت قد ذكرت مصادر خاصة ل"الصحوة نت"، في وقتٍ سابق، أن عدد المختطفين في محافظة صعدة منذ بدء الحملة العسكرية الأمريكية ضد الحوثيين قد وصل إلى 96 مواطنًا، تحت دعاوى العمالة والتجسس وإرسال الإحداثيات. وفي محافظة ذمار، تشن مليشيا الحوثي منذ أيام حملة أمنية واسعة، شملت ملاحقات واعتقالات عشرات المواطنين. وركزت الحملة على الباعة المتجولين، بمبرر ما تسميه المليشيات بالاحتياطات الأمنية ومواجهة الاختراقات. - رقابة مشددة على الاتصالات: خوفًا من تكرار حادثة "البياجر" في لبنان، قامت مليشيا الحوثي بمصادرة الأجهزة التي تصدر إشارات، وحظر تطبيقات ذكية، وسحب كاميرات المراقبة من الشوارع، مع العودة لاستخدام أجهزة اتصالات قديمة حصلت عليها الجماعة عام 2014 أو من إيران. وفي سياق متصل، كثّفت المليشيا من مراقبة الاتصالات والتجسس على قيادات قبلية وسياسية، بما في ذلك المتحالفة معها، خوفًا من الانشقاقات أو تسريب معلومات للخصوم، وفقًا لموقع "العربي الجديد". كما فرضت المليشيات رقابة مشددة على القيادات المجتمعية، وبدأت باستفزاز قبائل غير موالية، خصوصًا في البيضاء ومحيط صنعاء، بهدف إيجاد ذريعة للهجوم عليها لاحقًا. وفي صنعاء، أجبرت المليشيا الحوثية أصحاب المحال التجارية على إزالة الكاميرات المطلة على الشوارع ومصادرة تسجيلاتها، بحجة منع اختراقها من قبل ما تسميه الجماعة "العدوان الأميركي". وأرغمت مليشيا الحوثي المواطنين على حضور محاضرات توصف ب"الثقافية"، تُستخدم للتعبئة الأمنية، وسط مراقبة صارمة لتحركات الناس وأنشطتهم في مختلف مناطق سيطرتها. يؤكد ناشطون أن حملة الاعتقالات والتضييق الأخيرة تكشف عن تصاعد حالة الهلع داخل صفوف مليشيا الحوثي، التي باتت تواجه تحديًا متزايدًا من الداخل، إلى جانب الضربات الجوية الخارجية. وأمام تهم ملفقة وتهديدات بالإعدام، يجد المواطن نفسه هدفًا مباشرًا في معركة تحاول فيها مليشيا الحوثي الإرهابية تثبيت وجودها والحفاظ على سلطتها عبر ترهيب اليمنيين واحتواء سخطهم بقوة الحديد والنار.