بين إشكالية الفهم وضعف التصور وسطحية القراءة التاريخية تكونت الرؤية الضبابية للعمل السياسي، محاولة إخراجه من ميدان التعبد وإدارة الصراع بدعوى لا تقف على قدمين، في ظل هذه التجليات يقدم الأستاذ محمد قحطان عضو الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح قراءة عميقة لتاريخ الفقه السياسي الإسلامي يرصد فيها العديد من الإختلالات والتصدعات التي تعرض لها جانب الأمة السياسي وحال بينها وبين استكمال تجربتها السياسية التعاقدية التي بدأتها في عهد الخلافة الراشدة، العديد من محاور الفقه السياسي وكذا أوضاع سياسية راهنة نناقشها مع الأستاذ / محمد قحطان على صفحات البشائر. * هناك آليات متعددة ظهرت بالنسبة لاختيار الخليفة في العهد الراشدي ولم تكن نمطية واحد ما هو مدلول تغير هذه الآليات في الفقه السياسي الإسلامي ؟ لابد أن تعرف أنه في الشريعة الإسلامية القضايا المرتبطة بالعلاقات المتغيرة تكتفي فيها الشريعة بتقرير المبادئ ولكن العلاقات التي لها ثبات نسبي فصلتها الشريعة ، فعلاقات الأبوة والأمومة ، وما يرتبط بها من أحكام الأسرة والعتق فصلتها الشريعة والعلاقات السياسية بين الحاكم والمحكوم وطرحت الشريعة مبدأ ومن هذه المبادئ مبدأ الشورى ومبدأ الشورى مبدأ ملزم " وأمرهم شورى بينهم " فآليات تنفيذ هذه المبادئ والوسائل والآليات والإجراءات هذه متروكة لما سيتفتق عليه العقل الإنساني في محاولته لتجسيد هذا المبدأ وفي النهاية وجود الإنسان ويعبد الله هو يحاول أن يجسد المثاليات الإسلامية في سلوكه سواءً في السلوك السياسي أو تعبده الشخصي فالصحابة رضوان الله عليهم وهم في طريقهم لبلورة رؤية أو لبلورة الوسائل الأفضل لتجسيد معنى ( وأمرهم شورى بينهم ) طبعاً هم في هذه الحالة استفادوا من الآليات الموجودة في التشاور القلبي كانوا القبائل إذا اجتمعوا كل قبيلة لها طريقة عربية في مجلسها تتشاور ، كان هناك نوع من النضج في هذا الموقف لدى قريش بصورة عامة في الجاهلية من خلال دار الندوة وكان هذا يعتبر عملية متقدمة أن يجتمع القرشيين في دار ويتداولون الرأي قبل اتخاذ القرار ، فحاول المسلمون والصحابة وفيهم الخلفاء أن يجسدوا قوله تعالى ( وأمرهم شورى بينهم ) من خلال تطوير الوسائل أو مثل الوسائل الموجودة لديهم ، ولذلك الوسائل هي تأتي عبر تراكم وتتفتق عن البيئة من جراء الإحساس بالحاجة ، من هذا المنطق نلاحظ أنه اختلفت الوسائل وحصل نوع من التطور في الوسائل ، فالطريق التي تم فيها مثلاً اختيار الخليفة الثالث عثمان كانت طريقة فيها نوع من التقدم الأوسع قليلاً إذا أخذنا الرواية التاريخية التي تقول أن عبد الرحمن بن عوف سأل أهل المدينة حتى النساء في خدورهن ، يلاحظ أنه يؤثر عن عمر أنه كان يفكر ويقول فيما معناه وددت لو أطوف بالأمصار فأسأل المسلمين واحداً واحدا عن من يرتضونه خليفة من بعدي . يعني كان هناك إحساس بأن الأمر ليس محصوراً لأحد وإنما هو حق للأمة ، ( وعد الله الذين أمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفهم في الأرض ) . فالاستخلاف هو للجماعة وهي تجربة بالتعاقد وهذا إجماع لأهل السنة ، حتى من قال بالغلبة وبآراء أن الشورى غير ملزمة ، فهناك اتفاق بينهم أن العملية هي تعاقد ولذلك يسمى عقد البيعة وأهل الحل والعقد يعني عملية تعاقد بين الحاكم والمحكوم لإدارة الشأن العام ، اعتقد أن الذي حصل على إثره مبايعة الإمام علي الخليفة الرابع وما جرى فيه من إشكال وما أدت إليه تلك الأزمة التي كانت قائمة إثر مقتل واستشهاد الخليفة الثالث عثمان رضي الله عنهم أجمعين كان ممكن أن نؤسس الاتفاق الذي جرى بين الحكمين اللذان هما عمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري كان ممكن أن نؤسس أيضاً لعملية أكثر تقدم في اختيار الخليفة حسب بعض التمحيصات الروائية التي تقول كان الاتفاق على أن يبقى على يدير الأرض التي هو عليها ، ثم يجتمع من بقى من الصحابة في الأمصار في موسم الحج القادم طبعاًَ كان التاريخ تقريباً (صفر) وأمامهم فرصة ستة ليبلغ الصحابة الأمر ويتجمعوا من أطراف الأمصار ، كان هذا الاتفاق أن يتجمع الصحابة في مكة في العام القادم وما قرره أصحاب رسول الله فالمسلمون لهم تبع يعني كان هذا سيعطي مؤشراً إلى وجود نخبة متفق عليها في الأمة على أنها بمجموعها ستكون هي النجاة فلم تكن عملية الاختيار والانتخابات والاقتراع من الوسائل العربية في ذلك !. حين ولم تتفتق عنها الذهنية إذ ربما كان إذا سمح للتجربة الإسلامية أن تتراكم بما كانت تتفتق عنها وسائل أفضل حتى من الوسائل الديمقراطية الحديثة لكن حصلت عملية قطع ، حالة القطع كانت عند تنازل الحسن لمعاوية لأن تنازل الحسن لمعاوية جاء على رغبة في وحدة الجماعة كما يقال إنما الحكم هذا نفسه أدى إلى أن قضى عليه الخوارج حيث أنهم ائتمروا على أن يتخلصوا من علي ومعاوية وعمرو بن العاص في وقت واحد الآخرين أخطأ و أهدافهم وابن ملجم عليه لعنة الله أصاب الإمام علي بعد ذلك تنازل الحسن لمعاوية وسموا العام بعام الجماعة . انتكاسة التجربة الشيء المؤسف الذي حصل في تاريخ الأمة هو نقل الولاية إلى يزيد نقل الولاية ليزيد كانت نوع من الانتكاسة في تجربتنا كمسلمين يعني بدل ما نحول تطور آلياتنا وسعينا في تنفيذ (وأمرهم شورى بينهم) يعني حصل نوع من التراجع والنكوص إلى الخلف وبالتالي لم تتراكم التجربة في هذه المسألة في هذه النقطة بالذات فكانت كما قال بن عمر في هذا المعنى إنما تريدونها كسروية أو هرقلية كلما مات هرقل خلفه هرقل آخر وهي مصداق لحديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ( لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة أولاهن نقضاً الحكم وأخرهن نقضاً الصلاة ، وخلاصة القول أنه عندما أجد وسيلة تسجد لي المبدأ فالوسائل هي محايد فأعتقد أن هذه الوسائل والآليات التي أنتجتها الديمقراطية والفكر الديمقراطي حتى اليوم هي تمثل أفضل الوسائل وأفضل الأشكال لتجسيد مبدأ الشورى ، وحق الأمة في السلطة وحق الأمة في اتخاذ القرار وحق الأمة في محاسبة الحكام واختيارهم ومراقبتهم وعزلهم .. الخ . * ذكرت أن التجربة الإسلامية لو لم يحصل لها عملية انقطاع لتراكمت لديها الخبرة في العمل السياسي وربما كانت تصل إلى شكل الآلية الموجودة اليوم ما الذي أعاق التجربة الإسلامية من أن تملك خبرة تراكمية حتى تصل إلى هذه الآلية ؟ وهل عدم وجود وسائل العصر يعود إلى ظروف البيئة العربية آنذاك .؟ الذي أعاق التجربة الإسلامية هو حالة الانقطاع التي حصلت أما مسائل الوسائل حتى في الديمقراطية الغربية فالديمقراطية الغربية لم تولد مباشرة ومعها آلية الانتخاب وصندوق الاقتراع فالديمقراطية لما بدأت في أثينا كانت ديمقراطية الأحرار وكانت مراحل لا يسمح للتصويب إلا للأثرياء إنما تراكمت الخبرات لدى الغربيين وبل حصلت تطبيقات شائهة للديمقراطية تحت إدعاء الديمقراطية كان هناك تطبيقات ترفع هذا الشعار ولكنها تكرس الاستبداد وليس أدل على ذلك من الاتحاد السوفيتي كان يرفع الديمقراطية المركزية وكذلك عندما تقارن بين الألمانيتين، الألمانية الاتحادية التي كانت إلى المعسكر الغربي والألمانية الشرقية التي كانت تقول الألمانية الديمقراطية وتنتمي إلى المعسكر الشرقي فإدعاء الديمقراطية كان إدعاء عريضاً من قبل منظومة الحكم الشمولي للدولة الاشتراكية . استمرارية الممارسة .. نضوج التجربة : على صعيد الممارسة كان هناك مبادئ الديمقراطية التي تتلخص بمفهوم وحكم الشعب هذا كمبدأ لكن تجليات هذا المبدأ وتطبيقاته أخذت أشكال متعددة في مختلف العصور يعني لدرجة أن بعض هذه الأشكال كان عملياً ضد هذا المفهوم لكن استمرار الممارسة هو ربما الإسهام في إسراع التجربة ، المجتمع الإسلامي ، أيضاً عندما تقول أنه لم يأخذ بالمبدأ الشورى لم يقع في فخ الاستبداد الشديد المطلق فكان هناك انتكاسة على طريق اختيار الحاكم لكن المجتمع الإسلامي أفرز آليات لا تسمح بنشوء السلطة المطلقة فلم تكن هناك في تجربتنا التاريخية ما نسميه سلطة مطلقة على غرار تاريخ الأمم الأخرى فالسلطة المطلقة هي التي تشرع وهي التي تنفذ وهي التي تحكم لكن ظل هناك استقلالية للتشريع وللقضاء ليس طبقاً للمفهوم الغربي اليوم لمبدأ الفصل بين السلطات لكن عملياً التشريع بمعنى الاجتهاد أو التشريع كان له مستويين مستوى مبادئ منزلة من الله سبحانه وتعالى معروف أنها منزلة للحاكم والمحكوم ، ثم كان تفريعات هذا التشريع وهو استنباط الأحكام الفرعية من المبادئ الكلية حتى من الأحكام المباشرة للشريعة فكانت تأتي عبر المؤسسة الفقهية الاجتهادية والحاكم إما أن يأخذ باجتهاد (س أ و ص)من الفقهاء هذا الاجتهاد كان يتم خارج رعاية السلطة يعني فالسلطة التشريعية إذا استخدمنا هذا المصطلح العصري سلطة التقنين أو سلطة الاجتهاد كما هو معروف في الفقه الإسلامي كانت أكثر استقلالية كانت أكثر استقلالية عن السلطة التنفيذية من المجالس التشريعية في التجربة الغربية لدرجة أنها في بعض المراحل أدت إلى الفوضى التشريعية في بغداد مثلاً كمدينة واحدة كان كما يكتب بعض المؤرخين أنه بحي من الأحياء يفرقون بين الزوجين بناءً على بعض الأحكام التي تطرح فيقضي القاضي بالتفريق بينهما بينما لو طرحت في الحي الثاني لا يقضي بينهما بالتفريق حصل فوضى تشريعية في العالم الإسلامي لم تقنن حتى على غرار تقنين الفيدراليات التي تعطي الصلاحيات التشريعية للولايات في العصر الحديث ، العقلية الغربية تتميز بما تسميه بالنظم تنظيم بعد ذلك يأتي نظام سياسي نظام مواصلات نظام مرور إلى آخره ، من المسميات هذه النظم هي التي تفتقت عنها النظم الغربية وهي تضبط الأمور عبر مصفوفات أو عمليات منسقة ومتتابعة ومنتظمة في مختلف القضايا و مختلف القوانين المهم في هذا الإطار تستطيع أن تقول ( أن المجتمع الإسلامي كان فيه المجتمع المدني بمعنى أنه قدرة المجتمع على أن يعبر عن نفسه ينظم نفسه يلبي بعض حاجاته بمعنى أن تكون الدولة محدودة الوظائف والمجتمع واسع الوظائف واضح خطاب الشريعة خطاب للجماعة وليس للدولة فالدولة واحدة من آليات الجماعة الدولة ليست أكبر من الجماعة وأعني هنا بالجماعة الأمة بمعنى الجماعة السياسية بالمعنى الأوسع ، إذاً عندما نلاحظ أنه في فترة من التاريخ غاية الدولة سقطت السلطة السياسية لكن اتفاق المجتمع الداخلية وتضامناته الداخلية أمكنها أن تستمر في السير في الأمور ففي جوانب من التوازنات هي التي حفظت الحضارة الإسلامية والمجتمع الإسلامي أن تتعمر مدة من التاريخ تلاحظ أنه عندما سقطت السلطة الشيوعية السلطة السوفيتية سقطت الفكرة الشيوعية لأنه في التنظير الماركسي اعتقد أنه انتقل إلى عندهم التثليث المسيحي بصورة أو بأخرى فكان المجتمع والحزب والطبقة هي أقاليم ثلاثة تشبه اللاهوت المسيحي بنفس الحتميات وبنفس الطريقة في التفكير . * ذكرت أن المجتمع الإسلامي كان إلى حد ما متطور بالنسبة لآليات الحكم عن المجتمع الغربي لكن من الملاحظ حصل العكس تطور المجتمع الغربي في نفس الوقت تراجع المجتمع الإسلامي في قضاياه السياسية وإدارة الحكم فكيف تغيرت هذه المعادلة ؟ أولا لأبد أن تفهم بأن الله سبحانه وتعالى ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب والله تعالى أقام هذا الإنسان في هذه الحياة الدنيا وهو في قاعة اختبار كبرى لهذا الإنسان فأحياناً نتحايل نحن كمسلمين إنه ما دمنا مسلمين أن الله تعالى لازم يجاملنا ويخلينا أحسن الناس هذا ليس صحيحاً أنت في قاعة اختبار، وعليك أن تثبت جدارتك أما إذا كنت كونك مؤمن لازم تكن أحسن الناس تكون حولت الدنيا إلى دار جزاء لن يبقى في هذه الدنيا غير مؤمن بالله أو غير مسلم إذا كان خاص بالمسلمين نحن للأسف لا نحسن القراءة السننية للتاريخ الأيام دول "وتلك الأيام نداولها بين الناس" أعتقد أن عمرو بن العاص رضي الله عنه كان حكيماًُ عندما سمع من المستورد القرشي تقوم الساعة والروم أ:ثر أهل الأرض قال له يا هذا أبصر ما تقول كأنه يسأله متى سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما أكد له فقال له سمعته أذناي ووعاه قلبي قال لئن كان الأمر كما قلت بهذا المعنى والحديث في صحيح مسلم إذا حتى يظل الروم والروم يقصد به الغرب المسيحي تقريباً حتى تأتي الأزمنة والآماد وقرب قيام الساعة وهم بهذه الكيفية أن فيهم الخصال وذكر منها أنهم أعطف الناس على المسكين واليتيم والأرملة وأنهم أ:ثر الناس إفاقة بعد غفوة أو نهض بعد كبوة بهذا المعنى ثم ذكر عمرو بن العاص في قراءته السننية للحديث قال وأنهم أمنع الناس من ظلم الملوك يعني أنه سيكون لديهم من الوسائل والآليات التي يأخذون بها التي منع ظلم الحكام ، هذه القراءة العميقة نحن كمسلمين علينا أن ندرك أننا في قاعة اختبار أنا اليوم للأسف كمسلم لا أجد نظاماً سياسياً لأي دولة إسلامية يمكنني أفاخر به الغرب وأقول للغرب تعالوا إلينا واتبعونا أقول لهم اتبعوا أي نموذج أما المثاليات الإسلامية فالإسلام طبعاً هو المنهج الأكمل والأرقى ولا شك في ذلك لكن تجسيدنا نحن كمسلمين من هذا الإسلام مستوى تديننا وكسبنا في سيرنا إلى الله خاصة في الجانب السياسي للأسف سلبي . * ذكرت أن العلاقة بين الأمة والحاكم علاقة تعاقد طالما أنها قضية تعاقد بإمكان الأمة أن تحدد فترة زمنية لهذا الحاكم الذي يحكمها لكن يقال أن تحديد الولاية لم تكن في عهد الخلافة الراشدة أو لا وجود لها في التاريخ الإسلامي؟ إننا نسلم أنها تعاقدية فمعنى أنها بناءً على إرادة الطرفين وغن الشيء الثابت فيها أنه ينطبق عليه أحكام أي عقد ، وغالباً ما كان الفقهاء يقيسون عقد البيع على عقد الشراء باعتباره أبو العقود فالشيء الذي لا يجوز التعاقد عليه هو ما يحل حراماً أو يحرم حلالاً ، ما عدى ذلك من الوسائل والآليات التي تجسد المثاليات الإسلامية والمبادئ الإسلامية لا مانع منها ونعتقد أن توقيت السلطة مبدأ صائب ولو سمح للتجربة الإسلامية أن تتراكم فيها الخبرة وربما وصلنا إلى هذا ألا ترى معي أنه بعد مرور اثنا عشر عاماً من خلافة عثمان رضي الله عنه بدأت المشاكل تظهر وفي عبارات كأنها مشوبة لا أدري لمن من الخلفاء ملوني ومللتهم أو نحو هذا القبيل لو كان استمر الذهن الإسلامي في ذلك التجرد في الرؤيا في محاولة ومجاهدة نفسه لتحقيق المثال الإسلامي كان سيبدو أن العمر الافتراضي الذي يستطيع فيه الإنسان أن يعطي يكون محدود . * تفعيل دور المجتمع وإحياء مؤسسته المدنية يراها البعض ضرورة اضطر لها الغرب وسلنا بحاجة إليها ما دمنا كمسلمين ؟ للأسف نحن نخوض حرب مصطلحات بالتالي نقول المجتمع المدني فكر غربية مستوردة .. الخ ، هو جوهر الفكرة ماذا جوهر الفكرة أنه عندي داخل المجتمع تنظيم أعلى الذي هو على مستوى السلطة السياسية فهل ننظر إلى المجتمع ليصبحوا أفراداً وحيدين منكشفين أمام التنظيم الوحيد في المجتمع الذي هو تنظيم السلطة أم تكون هناك تنظيمات أهلية مدنية غير حكومية غير عسكرية لأنه في المجتمع الحديث صار عندك بيد السلطة تنظيم عسكري يعني قوات مسلحة جيش أمن هذا تنظيم عسكري تملكه السلطة تخضعه لشرعيتها القانونية وعندك أيضاً التنظيم السياسي فهل بقية المجتمع ننشرهم أفراداً لا رباط يربطهم يعني هل نترك المجتمع أفراداً منكشفين أمام السلطة وتنظيماتها أم تعمل للمجتمع تنظيمات وسيطة هذا السؤال ؟ هل السلطة تقوم بكل الوظائف فمثلاً الاقتصاد هي التي تبيع هي التي تشتري هي التي تعمل هذا كله التجربة الإسلامية تقول أن الدولة الإسلامية هي كانت أقرب إلى طبيعة الدولة المحدودة الوظائف فالدولة الإسلامية كانت محدودة الوظائف كما قلت لك سابقاً أن التشريع والقضاء الاقتصاد أنساق المجتمع الذي ينظم نفسه . الأوقاف والمجتمع المدني * كانت الأوقاف هي الدولة الحقيقية الكبيرة داخل المجتمع لذلك كان الفقهاء يقولون أن العالم أو الفقيه الذي يمر على دار السلطان يفقد نصف دينه لماذا لأنه أمكنهم أن يقدموا تنظير للمسلم يقول له أنت تقدر أن تقيم الفرائض وتعبد الله من دون حاجة للمرور على بوابة السلطان كان نوع من الإجراء الفوري لمحاصرة وإضمار دور السلطان في المجتمع؟ - أيضاً عدم وجود التطور التكنولوجي كان يسمح بلا مركزية واسعة فضافضة فخبرتنا وتقاليد الممارسة الإسلامية في التاريخ تجعل من الدولة دولة محدودة الوظائف فالمجتمع هو الذي كان واسع الوظائف ولذلك سقطت السلطة في مراحل وظل المجتمع مواصل لدوره . اليوم الدولة الحديثة استفادت من وسائل التنظيم الحديث واستفادت من التكنولوجيا الحديثة وكادت تمركز كل شيء . ما عادت ما يسمى السكة أو الرملة كانت العملة سلعة ذهبية أو فضية فقط مهمة دار السكة أن يضبط مقاييسها وهناك رقابة وحتى هذه دار السكة كان هناك مساحة للرقابة الشعبية هذه المساحة اليوم لا توجد لنا كشعب نقدر نراقب على البنوك المركزية على سبيل المثال ومع ذلك في النهاية كان في يدك عملة تخضع لقانون العرض والطلب في السوق . اليوم أنا ممكن أنام وتحت رأسي مليون ريال ورقي تصدر السلطة قرار بطباعات نقود دون تغطية فعملياً يصبح الصباح وهذا المليون قيمته ما يساوي خمسمائة ألف أو تقل بحسب نسبة التضخم ، إذا السلطات في ظل التكنولوجيا الحديثة ممكن تمركز كل الأمور بأيديها تغدوا عملية تنظيم المجتمع عملية مهمة فنحن نواجه مشكلة أن هذه التقاليد الوافدة والأشكال القانونية عملية نوع لتكسير نظم التضامن التقليدية فالأسرة والعشيرة والعاقلة كان هناك نقباء طوائف كان هناك نقابات مجتمع إسلامي نقباء طوائف ، نقباء الحرف ، كل هذه كانت أشكال من أشكال تنظيم المجتمع المدني فالأوقاف والمسجد الذي كان يعتبر أكبر مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني تقوم بتعبئة الجمهور وتنظيمه ومواجهة تعسف السلطان أيضاً بعض الأحيان ، الأوقاف كانت مؤسسة اجتماعية اقتصادية تلبي الكثير من متطلبات الضمان الاجتماعي وحاجات المجتمع . إشكاليات الاستنكار * أما ما يتعلق لاستنكار البعض للمصطلح فالإشكالية تأتي من السياق الذي حاول فيه العلمانيون العرب أن يصوروا فيه الأمور يعني فمنذ تجربة العلمانية الإتاتوركية التي جعلت أو التي أعلتنت الحرب على الدين نشأ التحسس لدينا من جراء هذا . - مع أنه إذاً نظرنا بعيداً عن المصطلح إلى جوهر المفهوم إلى الوظيفة التي تقوم بها المؤسسات في المجتمعات الغربية سنجد أنها من الأمور الحميدة لكن جاء بعض من أبناء جلدتنا حاول أن يصور الأمور على غير حقيقتها حتى مسألة الديمقراطية بعض المفكرين يقول الديمقراطية لابد لها من شروط : 1) أن نترك الدين . 2) لا زم أن تتخلس المرأة وتتعرى وتخرج .. هؤلاء لا يعبرون عن حقيقة المفهوم حتى في أرضه هناك إنما هؤلاء بعض بني جلدتنا وهم مثلنا ونحن جميعاً مصابون بعقلية التخلف هكذا هي قراءتهم للمفاهيم الغربية تشبه قراءتنا بعض الأحيان للمفاهيم الإسلامية لما يقول لك واحد تشتي تدين تقع مسلم ليس أمامك إلا أن تخرج من إطار العصر أو يضايقك في حدود من الطقوس والأشكال التي ما أنزل الله بها من سلطان فهي حالة سجالية حالة تعبر عن رؤية غير صحيحة حتى للمفهوم نفسه عند الغربيين . * الحوار والتواصل مع الآخر أصبح اليوم أهم آلية من آليات العمل السياسي وربما من أنجح الآليات اليوم فكيف تقرأ الحوار في ظل تعدد الديانات وتنوع الثقافات والحضارات ؟ أعتقد أن الحوار ليس اليوم قد أصبح مهم الحوار هو كان على مدار التاريخ الإنساني هو اللغة التي توصلت بها الأمم وتواصلت بها الحضارات والمسلمين مسألة انفتاحهم على الأمم الأخرى عندما تعود للخلف قليلاًَ وترى انفتاح المسلمين على التراث اليوناني وتأثيره على مناهج التفكير تراه مذهلا فمثلاً المرحلة الأولى من الاجتهاد الفقهي التي سبقت عملية التأثير بالفكر اليوناني في علم النحو في اللغة العربية تلاحظ ذلك في كتاب سيبويه في كتب بعض المسلمين القدامى الذين تزامنوا مع سيبويه تلحظ ذلك في كتاب الرسالة في أصول الفقه للشافعي عندما تقارن بين هذه المرحلة ومرحلة تالية تأثر فيها المسلمون بالفكر اليوناني تلح أن تأثير الحضارة اليونانية في الفكر الإسلامي أكبر وأوسع من تأثير الحضارة الغربية اليوم على التفكير الإسلامي المعاصر رغم ما تملكه الحضارة الغربية من وسائل الهيمنة والنفوذ ورغم انعدام تلك الوسائل بالنسبة للحضارة اليونانية في التاريخ الذي انفتح فيه المسلمون على تلك الحضارة اليونانية نحن للأسف لا تزال تتحكم فينا عواطف وأحياناً شائعات كما يقول الشيخ الغزالي رحمه الله " شائعات في الميدان العلمي حسب تعبيره " ومطلوب منا أن نفرق بين عاداتنا وتقاليدنا كعرب لنا عوائدنا ولنا تقاليدنا وأعرافنا وأسلافنا وبين أحكام الله التي عبرت عنها شريعة الله التي هي لكل زمان ومكان وكب الله لها الخلود . * هناك إشكالية ولبس في قضية الحوار وهو أن الحوار في ظل الهيمنة الغربية اليوم يعني الخضوع للأقوى ولذا فإن الحوار هو وسيلة للتنازل ما مدى صوابية هذه الدعوى ؟ الحوار والجدال بالحسنى أعتقد أنه لا أحد لا أجد أن أحداً يرفض الحوار بحد ذاته يعني كحوار وبالتالي حتى المقاتل الذي كان يذهب يقاتل كان يبدأ بالدعوة والحوار ورسالة المسلم هي الدعوة وليست القتال والدعوة وسيلتها الإقناع والحوار ورسالة المسلم في الحياة هذه هي. * للتمكين أسباب وشروط وسنن ما هي أهم عوامل التمكين في وجهة نظرك ؟ والله التمكين هو مصطلح مأخوذ من بعض الألفاظ القرآنية لكن أحياناً البعض يحاول أن يعطيه مساق آخر فالله تعالى قال : " وكذلك مكنا ليوسف " بمجرد ما تم دخول يوسف إلى مصر واستقراره في منزل ولو كان على شكل عبدوية فالتمكين يعني مكنه أعطاه المكنة للعمل الذي يريد ويمكن أن نستعيض عنه أن التمكين من شقين : شق برامجي يعني أنا أريد لبرنامج أن يتحقق أو شق يتعلق بالمبادئ والبرامج وشق يتعلق بالأشخاص وما تعلق بالمبادئ فالتمكين هنا يجب أن يكون للدستور نحن نريد التمكين للدستور لأنه المبادئ التي تعبر عنا هي المبادئ الجامعة للمجتمع هي موجودة في الدستور ثم التمكين للبرامج عبر الانتخابات إذاً والأصح يجب أن أفرق بين المبادئ التي تمثل الإجماع الوطني أو قواعد العقد بين الحاكم والمحكوم الممثلة بالدستور والمنظومة القانونية المنبثقة عنه وبين البرامج المتغيرة لنا فيها اجتهادات فالتمكين يكون لما هو متفق عليه عبر الدستور والقوانين وهذا يأتي من خلال الإجماع الشعبي من خلال الرأي العام يحمي هذا الدستور من خلال قضاء يحمي العدالة ويحمي القوانين يعني من خلال الآليات المعروفة، ثم التمكين للحزب إذا كان هناك حزب يريد أن يتمكن من النجاح فيكون عبر صندوق الاقتراع . * كيف حافظت الأمة على خيراتها ونشاطها الحضاري رغم ما تعرض له جانبها السياسي من انحراف ؟ الخيرية موجودة في الأمة ولا يوجد شك في ذلك وفي الحديث أمتي كالغيث لا يعلي خيره في أوله أو في آخره أو كما قال عليه الصلاة والسلام فالخيرية موجودة ولكن يبقى السؤال كيف تمت المحافظة على هذه الخيرية أعتقد أن هذا السؤال يريد مني أن أقيم تاريخ أربعة عشر قرناً صعب لكن أنا أقول أن أبرز ما هو واضح في هذا الجانب أن الرهان من جانب الإسلام والمنهج الإسلامي كان على الأمة والمجتمع والجماعة وليس على السلطة ولذلك انحرفت السلطة في كثير من الأحيان عن جادة الصواب واختلفت درجة انحرافها من هنا إلى هناك ومن هذا الزمن إلى ذلك الزمن. لكن ظل الخير باقي في الأمة وهذا الجانب المجتمعي هو مصدر التطور ومصدر الحفاظ على هذه الخيرية تقريباً يمكننا القول أن هذا هو أبرز الجوانب فالثقافة الإسلامية حفظت للمجتمعات تماسكها وحفظت للمجتمعات تضامناتها التي مكنتها من الصمود وعدم الذوبان وعدم الانحلال . * يقال أن الظلم والاستبداد الواقع علينا اليوم هو مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم أننا في مرحلة الحكم الجبري ولذا فإن كل الآليات والوسائل التي تبذل لن تعمل على تغير هذه المرحلة ما هي قراءتك أنت لهذا المفهوم ؟ لم يقل لنا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن الملك الجبري قدراً مقدور وأنه لا فكاك لكم منه فأنظمة الحكم الجبري في البلاد العربية والإسلامية هي رأس البلاء وأسه وأساسه والمخرج لنا منها أن نأخذ بالآليات التي تمنع من ظلم الملوك وهذا يمثل مقدمة مهمة لرشد الحياة في لبلادنا ولا بد أن يكون عندنا الآليات التي تفضح الممارسات ستعيد الحق إلى نصابه ولا بد أن يكن لدينا مجتمع قوي يستطيع يقول للسلطة السياسية لا وننظم هذه ال (لا) عبر آليات حتى لا تتحول إلى فوضى وهذا ما عمله الغرب عبر آليات الاقتراع التي يأتي دورياً بين فينة وأخرى ، فيقول الشعب كلمته بكل أريحية وبساطة وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي ذكرت فيه بشارة ثم تكون بعد ذلك خلافة راشدة على منهاج النبوة يرضى عنها أهل الأرض والسماء فالبعض حاول أن يفهم معنى الخلافة من خلال آلياتها التاريخية أنا أفهم الخلافة من خلال مفهوم الآية ( عد الله الذين أمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض ) معنى أن حق الاستخلاف هو حق الأمة جميعاًُ . فالسلطة حق لجميع الأمة . وبتالي هم يمارسونها بالتعاقد فالاستخلاف بهذا المعنى يعود فيه الأمر إلى الناس إلى المجتمع وأفهم هذا الحديث أنه يبشر بعهد ديمقراطي سيعم أرجاء العالم الإسلامي. * ( مقاطعاً ) الإشكالية الحاصلة في آليات الخلافة فعندما يقول خلافة راشدة على منهاج النبوة فالخلافة الراشدة لم يكن فيها آلية الاختيار الموجودة الآن كالديمقراطية وغيرها ؟ من يحاول يربط بين الخلافة كتطبيق للمنهج النبوي والخلافة كوسائل وآليات للحظة تاريخية معينة هذا يعني عليك أن لا تركب الطائرة ولا تركب السيارة وأن لا تستخدم الآليات أما الخلافة عندما نفهمها على حقيقتها هي غير ذلك لو أخذنا بالاجتهادات العمرية في السياسة الشرعية لوجدنا قدراً كبيراً مما يساعدنا على النهوض والخروج مما نحن فيه ما معنى أخذ عمر لنظام الدواوين الفارسي لأنه وجد هذا النظام يعبر عن المبدأ الذي يؤمن به ، وهو نظام تراتب في تحديد الجيش المسلم أو الجند المسلم إلى أربع مستويات طبعاً كان يؤخذ هذا النظام في السياق الفارسي بترتيب طبقي لكن هنا ترتيب حسب الأقدمية كان أقرب إلى التنظيمات الحديثة فالأخذ بالوسائل التي يتفتق عنها العصر معينة معناه أنه يحكم بعدم صلاحية الشريعة وعدم خلوها إذا كان هكذا أفهم فلماذا لم ترد في الشريعة أنه سيكون في سيارة ودبابة وصاروخ وموتور يعني أسلوب غير صحيح من يطرح مثل هذا الجانب ، لكن المبدأ يظل هو المبدأ ، على سبيل المثال من خلافة عمر عندما أستأذنه أحد الولاة يخرج قليل عن قضية العدل ليؤدب بعض أهل الذمة كإجراء سياسي قال له عمر في جواب شهير لا تزال تهتز له الدنيا ( لا رخصة في العدل ) تلك مبادئ أما الوسائل تتغير . * التوجه الحكومي في التفريخ للأحزاب والصحف كما حصل لاتحاد القوى الشعبية وصحيفة الشورى ما هي خطورة وحجم هذه الظاهرة على العملية السياسية؟ هو للأسف ظهرت من السلطة ممارسات خلال السنوات الماضية ممارسات تنذر بما أمكن أن نسميه هجمة شرسة على هذا الهامش الديمقراطي الوليد ومزيد من تطويقه ومزيد من حصاره ومزيد من إضعافه ومن هذا يأتي التضييق على حرية الصحافة ومحاربة الأحزاب كان أمراً مستغرباً أن يذيع التلفزيون الحكومي في البلاد اجتماعات صغيرة لمن أعتبرهم قيادة جديد لاتحاد القوى الشعبية وهناك قيادة تاريخية معروفة كل هذا يعني يأتي في سياق الهجمة الشرسة على الهامش الديمقراطي الذي هو في الأصل لا يزال هامشاً صغيراً لا يزال المولود الديمقراطي طفلاً لا تزال ديمقراطيتنا ناشئة ومع ذلك يتبرمون منها وكل ذلك يأتي بسياق عدم الرغبة في التداول السلمي للسلطة ، ولهذا فالمدخل الحقيقي لتطوير ديمقراطيتنا هو مدى قدرتنا على التوافق على آليات تسمح بتهيئة البلاد للانتقال الديمقراطي والسلمي فيها . * ما هي آلية التجمع اليمني للإصلاح في سبيل نشر الثقافة في الحقوق والحريات لاسيما داخل الأطر التنظيمية؟ نحن نعتقد أن مناهجنا وطرائق التربية لدينا طرائق التثقيف والتوجيه التنظيمي كلها يجب أن تؤدي دوراً مقدوراً في هذا الجانب ولا نستطيع أن ننكر إن كان لدينا قصوراً ولكن اليوم وبعد قرار المؤتمر العام باعتماد خط النضال السلمي للوصول للحقوق و الحريات ستصبح هذه القضية التي أشرت إليها ألوية في عملية البناء والتوجيه والتثقيف الداخلي للأعضاء وأيضاً حتى تصبح أولوية في خطابنا للناس جميعاً .