أعرب الكاتب والمفكر المصري المعروف,فهمي هويدي,عن بالغ قلقه وحزنه العميق عن الخطر الذي يواجه الثورة في اليمن,بل ويتجاوز مسألة إجهاضها برأيه إلى ما هو أبعد من ذلك,حيث صار البلد كله مهددا بالتفكيك,بعدما أصبح يعيش وضعا غاية في الغرابة. وقال هويدي متحسرا عما آلت إليه الأوضاع في مقال له بجريدة " الشرق " القطريه بعنوان " ثورة اليمن في خطر" : " إذ قد لا يخطر على بال أحد أن اليمن بعد الثورة أصبح خاضعا لرئيسين وجيشين وإعلامين ".
وأضاف : صحيح أن الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادئ يمارس عمله في مكتبه، إلا أن الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي أجبر على التنحي عن منصبه بعد طول مساومة ومراوغة لايزال طليقا وموجودا في البلد، لا هو غادر صنعاء، ولا هو اعتزل السياسة أو التزم الصمت، كما أنه لم يحاسب على ممارسات عهده بعدما منحته المبادرة الخليجية الحصانة وأمنته هو وأسرته.
وأشار الكاتب المصري إلى أن صالح الذي استمر قابضا على السلطة لأكثر من ثلاثين عاما،قد صار له نفوذه ورجاله وثروته,فضلا عن ابنه الذي لايزال يتولى رئاسة الحرس الجمهوري وهو ما جعل العاصمة صنعاء مقسمة بين نفوذ الرجلين، اللذين صار لكل منهما منبره الإعلامي، الأمر الذي أعطى انطباعا بأن في البلد نظامين متنافسين لا يمثل أي منهما مركز القوة، وإنما حول الرجلين إلى مركزين للضعف يتعايشان جنبا إلى جنب في العاصمة,الأمر الذي قلص كثيرا من نفوذ الدولة وهيبتها على حد تعبيره.
ورأى هويدي أنه حين ضعف المركز كان من الطبيعي أن ينفرط عقد الأطراف,وحين ينحسر ظل الدولة ويتراجع نفوذها فلم يكن غريبا أن تصبح القبيلة هي الحل,لكنه أكد في المقابل أن ما حدث في اليمن ذهب إلى أبعد من ذلك.
وتابع : فقد كانت تلك فرصة الحوثيين في الشمال، لأن يلتقطوا أنفاسهم ويرتبوا صفوفهم ويعززوا موقفهم في مواجهة النظام الذي عمد إلى قمعهم منذ خمس سنوات، حتى إنهم أطلقوا قناة فضائية باسم «المسيرة»، وكادوا يكتسبون وضعا أقرب إلى وضع الأكراد في شمال العراق، من حيث احتفاظهم بخصوصية كيانهم مع بقائهم في داخل الدولة، بل إنهم تمددوا حتى تجاوزوا صعدة إلى عمران. وصارت لهم امتدادات أو خلايا في صنعاء ذاتها. وهناك من يهمس قائلا بأنهم يرشحون أنفسهم لكي يقيموا نموذجا للإمامة الجديدة في اليمن.
ونبّه الكاتب إلى أن الأمر في الجنوب أسوأ وأشد خطرا,لأن المطروح الآن دعوة لانفصاله والعودة إلى وضع ما قبل سنة 1990، الذي تمت فيه الوحدة بين شطري اليمن,لافتا إلى ما تشهده المحافظات الجنوبية هذه الأيام مظاهرات تنادي بالانفصال، وهو ما حدث أخيرا في لحج والضالع، وقبلهما في عدن,ويقود الحراك الجنوبي هذه الدعوة رافعا شعارات من قبيل «فك الارتباط مطلبنا» و«الاستقلال خيارنا».
وحمّل الكاتب نظام الرئيس المخلوع مسؤلية كل تلك التداعيات لأن الاستبداد الذي حكم به اليمن لا يدمر الحاضر وحده، ولكنه خرب المستقبل أيضا، لأنه يسعى إلى حرق بدائله وإخصاء المجتمع، لكي يظل الخيار الوحيد الذي لا بديل عنه.
ومضى يقول : " والحاصل في اليمن نموذج لذلك. ذلك أن سياسة الرئيس السابق هي التي فجرت التمرد في الشمال بين الحوثيين وهي التي أطلقت شرارة مقاومة الهيمنة والدعوة للاستقلال في الجنوب. وهي التي شجعت بعض الشبان على استخدام السلاح والالتحاق ب«القاعدة»، بعدما أصبحت الصيغة الوحيدة المتاحة أمامهم لتحدي الظلم وإيقافه عند حده ".
وإذ قال أنه لا يستطيع أن يتنبأ بمصير مؤتمر الحوار، لكنه ابدى خشيته من أن يكون وقت رأب الصدع في الجنوب أو الشمال قد فات،متمنياً ألا يلحق اليمن بالسودان في انفصال الجنوب، أو يلحق بالعراق في شبه انفصال الشمال.
وختم الكاتب مقاله قائلا : " يحزننا ويصدمنا الذي يحدث في اليمن، ويخزينا وقوف العالم العربي منه موقف المتفرج (هل نبالغ إذا قلنا إن بعضه يقف موقف الشامت؟) ذلك أن ما نراه لا يمثل محاولة لإجهاض ثورة الشباب هناك فحسب، لكنه يجهض أيضا بعضا من أحلامنا. نحن الذين حلمنا يوما بوحدة الأمة العربية، ثم توالت انتكاساتنا حتى صرنا نحلم بوحدة كل قطر عربي على حده " .