عندما مات الرئيس السوري السابق حافظ الأسد اجتمع مجلس الشعب السوري قبل أن يوارى الجثمان التراب، وذلك بهدف تعديل المادة الدستورية التي تحدد سن رئيس الجمهورية بأربعين سنة كحد أدنى ليتوافق مع سن ابن الرئيس الذي كان وقتها 34 سنة تقريبا ثم قام المجلس بانتخاب بشار الأسد رئيساً للجمهورية خلفاً لوالده عبر اقتراع الصناديق في مجلس الشعب وقد تم التعديل والانتخاب خلال ساعة تقريبا أو أقل. وإذا كان هذا ليس "توريثاً" فما هو "التوريث" إذا يا سادة إنه "توريث" وارتداد عن مبادئ وروح الجمهورية وقد تم قبل هذه "الساعة" بسنوات بغض النظر عن شخصية الرئيس بشار الأسد ومواقف النظام القومية؟. أما في أمريكا فلم يحدث لا "توريث" ولا "إبن عمه" ولو حدث لكانت أمريكا اليوم خمسين دولة ضعيفة وأكثر وما حصل هناك كما هو معلوم أن أمريكا في عهد الرئيس "بوش" الأب حققت أكبر انتصاراتها التاريخية فقد سقط الاتحاد السوفيتي في عهده كما تم تحرير الكويت والسيطرة على الشرق الأوسط والعالم بصورة غير مسبوقة وبدأت أمريكا في عهد "بوش" الأب تتحدث عن العصر الأمريكي الأوحد وعن القطب الواحد والنظام العالمي الجديد وأصبحت الكلمة الأولى والأخيرة لأمريكا ووسط هذه الانتصارات والإنجازات والزخم تقدم "بوش" الأب ليترشح لفترة رئاسية ثانية وبدلا من حصوله على 99% هزم شر هزيمة أمام شاب اسمه "بيل كلينتون" عقابا له على أخطاء اقتصادية بسيطة. وليستمر "كلينتون" رئيسا لأمريكا لفترتين مدتها ثمان سنوات جاء بعدها "بوش" الابن رئيساً بانتخابات عادية مثله مثل أي رئيس وأي مواطن ممثلا عن الحزب الجمهوري وبفارق طفيف جدا عن منافسه دون أن يستند إلى أبيه كرئيس سابق أو دعم استثنائي أو استفادة من وجود أبيه الذي رحل عن الحكم قبل حوالي عقد من الزمان؟ فأين التوريث هنا وأين وجه المقارنة من أصله؟ المقارنة بالنموذج السوري والكوري تبدو عندنا أشبه بالتلويح بورقة "التوريث" أو هكذا فهمها البعض وهذا غير صحيح لأن الجميع يعلم اختلاف الظروف حتى لو أردنا؟ وبغض النظر عن الأشخاص ففي اليمن تبقى القضية معقدة والأزمة متشابكة ومتعددة الأبعاد لا ينفع معها الحديث عن "اقتراع الصناديق" ليس لأن "الصناديق" عندنا كسرت وأحرقت وأضحت غير ذات معنى ولكن لأن التلويح بالتوريث أشبه بالتلويح بالانفصال وعودة الإمامة، والإنفصاليون هم أكثر الناس سعادة بهذا التلويح حيث يعتبرونه إشارة خضراء لمشروعيتهم معتقدين أنه سيهيئ لهم مبررات وطنية وواقعية بل ومقدمة مبشرة بفك الارتباط وهو ما من شأنه فتح الباب واسعا لتوطين الأزمات في اليمن وإعلان للدخول في دوامة حقيقية لن تكون نهايتها لا سمح الله لا "توريث" كما يحلم البعض ولا "إنفصال" كما يتمنى آخرون ولا إمامة كما يتوهم ثالث عندها سيضعون كارثة كبرى اسمها اليمن لا سمح الله، وهذا أمر يدركه جميع قادة اليمن وفي مقدمتهم الأخ الرئيس الذي يؤكد دائماً أنها إشاعة مغرضة وبلبلة ليس إلا، وما عليكم إلا التوجه إلى الله أن يلهم قادة اليمن وحكمائه الصواب السديد من القول والعمل لإنقاذ اليمن بطريقة جادة تضع الإمامة والتوريث والانفصال في سلة واحدة وهي كذلك شئنا أم أبينا فما كل ما يتمناه المرء يدركه..