يقول الشاب اليمني مبارك من أمام مسكنه البدائي في شمال اليمن "احلم بان أعيش مثل باقي الناس". فهو واحد من مئات ما يزالون مستعبدين في بلد يعد من الأفقر في العالم وتتحكم فيه القبلية بالشاردة والواردة. وعادت قضية "العبودية" ذات الأشكال المتعددة في اليمن إلى الواجهة مؤخرا بعد تقارير عن قيام قاض في محافظة حجة الشمالية بتوثيق نقل ملكية "عبد"، الأمر الذي قد يبدو خياليا في القرن الحادي والعشرين. إلا انه واقع مرير بالنسبة لمئات من "العبيد" و"الجواري" الذين بعضهم مملوك "بصك". وتتركز هذه الظاهرة في محافظتي حجةوالحديدة في شمال غرب البلاد. وقال مبارك لوكالة فرانس برس انه لا يعرف تاريخ ميلاده لكنه يعرف أن عمر عبوديته 21 عاما. وهو يبلغ من العمر المدة نفسها لان "سيده" الشيخ محمد بدوي ورثه مع باقي أفراد عائلته التي "اشتراها" والده قبل نصف قرن. وقال مبارك المتزوج من "عبدة محررة" والوالد لطفلين، إن "حياتي قاسية" و"كلما فكرت بالتحرر أفكر أين سأذهب". ويعيش مبارك في مديرية اسلم (حجة) التي فيها بعض الهضاب ويشقها وادي حيران الذي تجري فيه المياه على مدار العام. ويقيم الشاب مع عائلته في جوار منازل القرية وبالتحديد في غرف يسميها السكان المحليون "العشش"، وهي دائرية الشكل نصفها السفلي من الطين والعلوي من القصب وعادة ما يسكن فيها "الاخدام" او"العبيد" الذين يبلغ عددهم في اسلم حوالي 300 شخص حسب تقديرات السكان. وقال مبارك " أتمنى أن أعيش مثل بقية الناس لكن لم تتح لي فرصة للتعلم ومهمتي مقتصرة على زراعة الأرض ورعي الأغنام وقدمي لم تجتز حدود القرية بتاتا". وكان تقرير رسمي صادر عن وزارة حقوق الإنسان في العام 2009 كشف عن وجود "عبيد وجوار" في بعض مناطق محافظتي الحديدةوحجة. وبعدما قام قاض في حجة الشهر الماضي بتوثيق نقل ملكية احد المستعبدين بحجة إن الشاري يريد عتقه، أطلقت " الهيئة الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات "هود" حملة ضد العبودية تحت وطأة اتهامها من قبل قسم من المجتمع والمسؤولين بتشويه صورة اليمن الملطخة أصلا بسبب تفشي تنظيم القاعدة فضلا عن الظواهر الاجتماعية الأخرى مثل زواج القاصرات. وتؤكد هود أن في اليمن مئات المستعبدين وإنما ليس بالضرورة بنمط "التملك بصك". وقال رئيس "هود" محمد ناجي علاو لوكالة فرانس برس "ما زلنا في مرحلة حصر إعداد العبيد بدقة". وأضاف إن هناك حالات لأشخاص "مملوكين ضمن الصكوك أو تتوارثهم الأسر" إلا إنهم الأقلية بين من يمكن وصفهم بالمستعبدين ويسيطر عليهم عموما وسرا، شيوخ قبليون. وذكر أن هناك فئة ثانية من المستعبدين هم عائلات وجماعات كاملة يسمون "عبيد القبيلة"، وهؤلاء ليس فيهم أي صك ملكية، إلا أنهم انه لا يملكون شيئا وعليهم أن "ينفذوا إرادة القبيلة". ويطلق هؤلاء على أنفسهم "عبيد أسرة كذا وعبيد قبيلة كذا" على حد قول علاو، وهم عادة لا يتقاضون اي اجر مقابل عملهم وانما يحصلون على المسكن والمأكل. وعدد هؤلاء قد يكون بالالاف بحسب علاو وظاهرة وجودهم هي استمرار لعبودية الرق التي كانت موجودة في اليمن ووضعت الثورة اليمنية في 1962 والتحول الى الجمهورية حدا لها. وبحسب علاو، "اسر كثيرة تخلصت من العبودية المتوارثة الموزعة بين الورثة، لكن العبيد تحولوا الى شبه عبيد او مستعبدين في القبيلة، وهي عبودية حقيقية في كل المسائل فهم لا يباعون ولا يشترون لكنهم يعيشون العبودية ممارسة وسلوكا". أما الفئة الثالثة ممن يمكن وصفهم بالمستعبدين، فهم "المهمشون" أو "الأخدام"، وهذه فئة اجتماعية قائمة بحد ذاتها في اليمن وأفرادها ينظر اليهم وينظرون إلى أنفسهم بدونية. وحيثما انتقل هؤلاء في البلاد لا يقومون الا بالاعمال الدونية ومصيرهم من المهد الى اللحد ان يكونوا من "الاخدام"، وبالتالي هم ادنى مستويات المجتمع اليمني. ويعيش هؤلاء بفضل "الصدقات" بحسب علاو. ويعتبر المستعبدون عرقيا من الافارقة الاحباش. لكن المفارقة ان هؤلاء حكموا اليمن اكثر من قرن من الزمن خلال التاريخ، فهم ما تبقى من الدولة النجاحية (القرنين الحادي عشر والثاني عشر) التي حكمت اجزاء واسعة من اليمن الحالي الا انهم تحولوا الى رقيق بعد ان سقطت دولتهم. من جانبه، قال "العبد المحرر" اشرم الذي "اعتق" قبل خمسة اعوام بعد ان امضى نصف قرن في طاعة احدى السيدات "لم استطع تقبل حياتي الجديدة". وأضاف في حديث مع وكالة فرانس برس "قبل وفاة سيدي الشيخ علي حسين نطق +عتقتك يا اشرم+ ففرحت حينها لكن سرعان ما ضاق بي الحال وكنت أفكر كيف سأعيش والى أين اذهب ومن أين لي بقوت يومي". واضاف اشرم "بعد تفكير طويل خلصت الى العمل كعبد للقرية حيث اقوم بنقل المياه يوميا من الآبار الجوفية الى منازل السكان حتى يتسنى لي عيش ما تبقى من الايام مطمئنا بأن الموت لن يكون جوعا". وقانونيا، يعاقب القانون اليمني "كل من يتصرف بانسان" بالسجن عشر سنوات. الا ان علاو يؤكد انه كان هناك "اهمال من قبل الدولة" لاسيما لجهة "عدم تقديم خدمات اجتماعية لهذه الفئة"، فضلا عن الرغبة في عدم الاصطدام مع القبائل التي تمارس الاستعباد. وقال علاو ان " تحرك السلطات ضعيف جدا. هناك بعض التجاوب اذ شكلت لجنة من قبل وزارة حقوق الانسان ونسعى للتعاون معها، لكن السلطات المحلية في محافظة حجة تسعى الى طمس هذه الظاهرة والقول انها غير موجودة". واضاف "لا بد من تعويض لهؤلاء وخصوصا ايجاد نشاطات اقتصادية لهم ومنازل يعيشون فيها وتأهيلهم اجتماعيا ونفسيا وانتشالهم من الشعور المتراكم بالتهميش".