تعد مشاكل الأراضي في اليمن من أكثر المشاكل الاجتماعية تعقيدا وخطرا على السلم الاجتماعي، لما تخلفه من أضرار كارثية على المجتمع اليمني في مختلف الأصعدة اقتصادية وتعليمية وتنموية وتخلف كثيرا من الأرامل والأطفال اليتامى وتدفع إلى احتراب بين القبائل وتغول الثأر في أوساط المجتمع. ويعد النزاع على الأراضي واحداً من المشاكل المستعصية والمنتشرة في بلادنا، والتي راح ضحيتها مئات من الضحايا ما بين قتيل ومصاب، وخلفت وراءها الكثير من الأحزان والمآسي والثأر، وقد كان العام 2009م أكثر دموية من غيره فيما يتعلق بمشاكل الأراضي، حيث تسببت الأراضي في مقتل 174شخصاً، وإصابة 2005 آخرين. التقرير الأمني رصد خلال العام الماضي وقوع 2089 جريمة أراضي في عموم الجمهورية. أما العام الحالي فقد تسببت قضايا الأراضي ونزاعاتها في وفاة ما يزيد عن 45 شخصاً وإصابة 93 آخرين بإصابات مختلفة منذ مطلع العام الجاري. وأوضحت الأجهزة الأمنية بأن قضايا الأراضي وخلافاتها تمتد إلى عدد كبير من محافظات الجمهورية بسبب عدم توثيق ملكية الأراضي بطريقة قانونية. وخلال العقدين الأخيرين شهدت ظاهرة القتل ارتفاعاً كبيراً في بعض المناطق اليمنية يرجعها مختصون إلى ضعف إجراءات المؤسسات القضائية وتقاعسها وإلى ارتفاع معدلات الأمية. وضعف تنفيذ القانون من قبل المؤسسات القضائية وبطء تنفيذ الإجراءات، إضافة إلى استمرار العلاقات العصبية بين القبائل والثقافة القبلية، التي تشرعن وتعطي القيمة الكبرى لمن يأخذ حقه بيده. وتتركز قضايا الثأر في عدد من المناطق اليمنية في الشمال والشمال الشرقي وفي مقدمتها محافظات مأرب وذمار وصعدة والجوف وشبوة والبيضاء وعمران، حيث تغيب عن سيطرة الدولة إلى حد ما، وتلعب الأمية فيها دوراً كبيراً، فقد وصلت نسبة الأمية حسب بعض الإحصاءات في بعض تلك المناطق إلى 50 في المائة بين الذكور و70 في المائة بين الإناث. * غياب الحكومة وما يؤسف له أن الحكومة تجعل نفسها غير معنية بالحرب القبلية وتكتفي بالفرجة رغم أن من أولويات عملها حفظ دم أبناء الشعب والشواهد كثيرة منها تعاميها عن الاستعدادات المرعبة للحرب بين قبيلتي بلحارث وعبيدة والذين سعوا إلى تهدئة الوضع هم المشائخ. وهناك حروب بين القبائل منها حرب قبيلتي همدان والشولان في الجوف وحرب العصيمات وحرف سفيان في عمران. وهناك حرب خولان مع الحدأ وسهمان خولان وسهمان بني ضبيان وقيفة ومراد والحيمة وبني مطر وغيرها كثير جدا وهناك صراعات أخرى بين فخائذ القبائل فيما بينها على ثأرات قديمة تصل إلى أكثر من أربعين عاما. وينجم عن هذا الخطر أضرار متعددة في ظل التعامل القاصر من قبل الحكومة وعدم وضع خطة استراتيجية لمعالجة التداعيات التي تنجم عن عدم وضع حل لعلاج هذه المشكلة الاجتماعية الخطرة التي قد تتحول إلى استغلالها سياسيا كما هو حال قبيلتي بلحارث وعبيدة، فإنه في حال اندلاع حرب بينهما قد يترسخ الانفصال كما يحذر اختصاصيون. وتسبب هذه الحرب بأضرار على مستوى الفرد، والأسرة والمجتمع والتنمية في تلك المناطق وتركيز الاهتمام من قبل هؤلاء المواطنين على الأخذ بالثأر وعدم العمل. ولم تعير الحكومة مشاكل الأراضي وما تخلفه من أضرار إلا بعد أن بدأت تأخذ المسألة بعدا سياسيا كما هو حال نهب أراضي المحافظات الجنوبية. دراسة علمية للدكتور فضل الربيعي، أستاذ علم الاجتماع المساعد بجامعة عدن، عدت مشاكل الأراضي في اليمن وصلت حد اعتبارها قنبلة موقوتة تهدد أمن واستقرار المجتمع. ووفقا للدراسة تمتد قضايا النزاع على الأراضي في اليمن بشكل عام إلى مرحلة اتسم فيها طابع الملكية بالهيمنة الإقطاعية على الأراضي الزراعية الخصبة حيث كانت تلك الأراضي تعود ملكيتها إلى كبار العقاريين من الأمراء والسلاطين والملكيين، لأن اليمن ورثت من العثمانيين نظاماً اقتصادياً تمثل بسيطرة الشيوخ والأمراء على أغلب الأراضي الزراعية وذلك بالاستحواذ على الأراضي الشاسعة التي كانت السلطات العثمانية قد أعطت زعماء القبائل الموالين لها حق تملكها بعد أن كانت تابعة للدولة، كما سيطروا على أراضي الفلاحين الصغار واشتروا بعض أراضيهم بأسلوب الإكراه. مشيرة إلى أن ذلك أنعكس بتردي الأوضاع المعيشية للسكان وتدهور النشاط الزراعي، فضلاً عن شحة الموارد المائية، وندرة الأراضي الصالحة للزراعة، وتفتت الملكية الزراعية وتناثرها ضمن المدرجات، الأمر الذي أعاق قيام مزارع كبيرة وواسعة تسمح بإدخال آلات زراعية حديثة إليها ، ما دفع هذا الوضع بأعداد كبيرة من القوى العاملة في مجال الزراعة إلى الهجرة إلى خارج اليمن أو الهجرة إلى المدن ، فضلا عن تنامي قضايا النزاع التي نشبت بين القبائل والجماعات والأفراد حول ملكية الأرضي الزراعية وغيرها في كافة مناطق اليمن،وأدت هذه النزاعات إلى إراقة الدماء وسقوط كثيرا من ضحايا الأراضي. وبرزت في الآونة الأخيرة البسط على الأراضي من قبل النافذين وابتلاع مساحات شاسعة سواء في المحافظات الجنوبية أو الحديدة وهو ما يزيد من مضاعفة المشكلة وظهور المناطقية كما هو الشأن من انسحاب كتلة حضرموت البرلمانية ومقاطعتها جلسات البرلمان لعدم ادراج السطو على الأراضي في المحافظة ضمن جلسات المجلس. وكانت كتلة الحديدة قاطعت جلسات المجلس على خلفية مشكلة الأراضي في المحافظة. ونؤكد أن هذا الغول الذي يحصد الأرواح يحتاج وقفة اجتماعية ورسمية ومؤسسات مجتمع مدني تضع حدا لمثل هذا الخطر الذي يتهدد الناس في حياتهم ومعيشتهم ويتسبب بنفور الاستثمار وبدلا من الاستفادة من الأرض تتحول إلى عبء على الأجيال.