لماذا الآن فقط يعلن الحوثيون الاستنفار والجهاد ضد الرئيس هادي؟ ألم يخوضوا مع علي صالح ستة حروب شرسة سقط فيها بحسب رواية الحوثيين أنفسهم آلاف القتلى والجرحى وعلى رأسهم مؤسس الجماعة حسين الحوثي, فلماذا لم يعلنوا الجهاد حينها على "صالح" وقد قتل حسيناً وشنّ على أتباعه من بعده حروباً طويلة؟! إنها لمفارقة تبعث على الحيرة والعجب! صالح الذي شرد الحوثيين عقب حرب 94م ودمر منازلهم في صعدة وألجأ الحوثي الأب وأبنه حسيناً للهرب إلى إيران, ثم قتل هذا الأخير في الحرب الأولى وعشرات من أتباعه, ووصم الحوثيين بأقذع العبارات وأتهمهم بالعمالة لإيران والعمل لإسقاط النظام الجمهوري, ومع كل ذلك فقد تحاشى الحوثيون وفقهاء الجماعة ومنظروها الحديث عن أي فتوى تدعو للجهاد ضد علي صالح. لكن حين سقط بضع أفراد من جماعتهم حاولوا إقتحام الأمن القومي لإطلاق متهمين بالتخابر مع إيران, قامت القيامة وأعلن الحوثيون النفير العام مصحوباً بفتوى إعلان الجهاد لإسقاط هادي ونظام حكمه بكل الوسائل المتاحة وإن بالأيدي والأسنان وتراب الأرض بحسب مفتي الجماعة ومنظرها الأول المرتضى المحطوري. وعندما سقط أكثر من خمسين شهيداً, دفعة واحدة في مجزرة جمعة الكرامة بأيدي عصابات صالح, لم نسمع من هؤلاء وأمثالهم أي فتوى من هذا النوع ولم تهتز لهم شعرة, وحتى عندما استمر صالح ونظامه القمعي في ارتكاب المجازر بحق شباب الثورة, لم يتداع فقهاء الحوثية, كما تداعوا اليوم, لنصرة المظلومين ولو بكلمة واحدة, فلماذا؟ السبب واضح, فصالح لم يكن عدوهم الحقيقي بل كان حليفهم, بدليل أنهم كانوا يخرجون أكثر صلابة عقب كل حرب يدخلونها معه حتى وصلوا إلى ماهم عليه اليوم من القوة العسكرية التي مكنتهم من بسط سيطرتهم على محافظة صعدة وبعض مناطق حجة والجوف وعمران. بعبارة أخرى, فقد ساعدهم صالح أن يكونوا دولة داخل دولة, فلماذا يعلنون الجهاد عليه؟ ونتيجة لذلك التحالف غير المعلن بين الحوثيين وصالح, والذي تعزز أكثر بوصول هادي إلى رئاسة الجمهورية, فقد أحرز الحوثيون مكاسب إضافية تمثلت في فتح صالح أبواب العاصمة لهم ليعززوا فيها وجودهم وينشروا مليشياتهم المدججة بمختلف أنواع الأسلحة, مستفيدين من خبرته الطويلة في التهريب, لتغدو العاصمة من ثمّ بؤرة صراع حوثية مع النظام, وساحة عمليات جديدة لمواجهة الرئيس هادي في معقله, وضرب الاستقرار وزعزعة النظام. وبالفعل بدأت شحنات الأسلحة بالتدفق على عناصر الحوثي داخل العاصمة, حتى وصل عدد المنازل التي استأجروها لتخزين السلاح أكثر من 450 منزلاً, بحسب مصادر صحفية. وكل ذلك حدث وفق ترتيبات وتسهيلات خاصة قدمها فلول النظام السابق, ليدشن الحوثيون بعدها أولى عملياتهم بمحاولة إقتحام فاشلة لمبنى جهاز الأمن القومي بصنعاء. حيث كانت تلك العملية بمثابة اختبار لقدرات الجماعة داخل العاصمة, وجسّ نبض, في الوقت نفسه, لمدى جاهزية النظام واستعداده للمواجهة والحسم, وحين فشلت المحاولة لجؤوا إلى ورقة مؤتمر الحوار الوطني مهددين بتعليق مشاركتهم فيه ما لم يذعن هادي لمطالبهم, وصاحب ذلك إطلاق فتوى حوثية جريئة بوجوب الجهاد ضد هادي ونظامه, لإظهار عزمهم وجديتهم في المواجهة والتصعيد ضد الرئيس, وهو ما جعل الأخير يسارع لإمتصاص غضبهم بتلبية بعض مطالبهم تفادياً لإنفجار الموقف. كل ذلك كان بمثابة رسالة قوية من صالح للرئيس هادي, مؤداها بأنه- أي صالح- ما يزال يمتلك أدوات خاصة وأوراق كثيرة بوسعه المناورة بها وتحريكها متى شاء. بيد أن المتغير الجديد في معادلة الصراع الدائر اليوم بين هادي من جهة والحوثيين وصالح من جهة ثانية هو دخول الورقة الدينية على خط الصراع وتوظيف فتاوى الجهاد لتأجيجه. وهي الورقة التي عادة ما كان صالح نفسه وحزب المؤتمر يتهمون بها الآخرين ويشنعون عليهم, بينما يقدمون أنفسهم كحزب وسطي معتدل ينأى بنفسه عن التوظيف السياسي للدين, أما الآن فقد صار استخدام الدين للتحشيد والتعبئة الجماهيرية وإثارة الفتنة مباحاً, بل وضرورة سياسية مادام صالح هو من يستخدمه وحلفاؤه الحوثيون!! ومرة أخرى يؤكد الحوثيون من خلال فتوى الجهاد التي أطلقوها لاستباحة دماء اليمنيين وإثارة الفتنة الطائفية في مجتمعهم, أنهم بلا مشروع سياسي ولا ينوون التحول إلى ممارسة العمل السياسي بعيداً عن لغة القتل والإرهاب وإخضاع الناس لمنطق القوة الغاشمة. وهم هذه المرة يقدمون مشروع العنف الذي ينتهجونه مغلفاً بفتاوى دينية تحضّ على القتل وسفك الدماء بوصفه جهاداً مقدساً, ليخرج الصراع بذلك من دائرته السياسية الضيقة التي تحاول أحزاب المشترك حصره فيه, وينتقل من ثمّ إلى دائرة العنف والاحتراب الذي تجيد جماعة الحوثي اللعب فيها وتريد جرّ الآخرين إليها. ومن شأن خطوة كهذه- إطلاق الفتاوى وإعلان الجهاد المقدس- أن تضع الرئيس هادي في مركز إهتمام القوى المناهضة للثورة, المتحالفة على إسقاطه وتقويض العملية الإنتقالية, بما في ذلك إفشال جهود مؤتمر الحوار الوطني, الذي يراهن تحالف الثورة المضادة (الحوثيون- صالح) على إفشاله عبر خطوات مدروسة تهدف إلى إرباكه من خلال تعليق المشاركات وتنفيذ الوقفات الإحتجاجية وتعطيل الجلسات وإعاقة التوافق في أوساط لجان العمل. علاوة على استمرار ضرب خدمات الكهرباء والنفط, وتشجيع القطاعات القبلية وخطف الأجانب وتغذية التمردات في الألوية العسكرية, وإشاعة الفوضى على نطاق واسع, وإثارة حالة من الإحباط والتبرم لدى رجل الشارع تجاه الوضع الراهن الذي تبدو الدولة ضعيفة في مواجهته. وفي كل الأحوال, وسواء نجحت مساعي قوى الثورة المضادة في إفشال الحوار وإحباط العملية الإنتخابية أم لم تنجح فإن تلك القوى ستعمل على الإفادة من الحالتين. ففي حالة ما إذا فشل الحوار وتأجلت الانتخابات وتم التمديد لهادي, فإن ذلك سيخدم مخطط بقاء الوضع متأزماً ومصحوباً بمزيد من الفوضى, وهو ما يعني بقاء أزمة صعدة عائمة وتكريس الحوثيين قوة مهيمنة وتعزيز موقفهم في المعادلة السياسية, في حين سيفيد الفلول من بقاء الوضع كما هو عليه في خلق مزيد من الفوضى وإثارة موجة غضب شعبية ضد الإنفلات وعجز الدولة في معالجة مشاكل الناس. وفي حالة نجح الحوار ومضى الجميع نحو الانتخابات ستكون قوى الثورة المضادة قد لعبت في ما تبقى من الفترة الإنتقالية في إضعاف موقف الرئيس وحكومته وأحزاب المعارضة الشريكة في السلطة. بعبارة أخرى, فما تقوم به حالياً قوى الثورة المضادة من تخريب وإشاعة فوضى في كل الاتجاهات يمكن تسميته بالدعاية الإنتخابية المعاكسة التي تقودها تلك القوى لإثبات فشل الثورة ومن جاءت بهم الثورة إلى سدة الحكم لقيادة ثورة التحولات ومسيرة التغيير. إنه الرهان على صوت الشارع في الانتخابات المقبلة التي يؤمل صالح وحلفاؤه أن تعيدهم مجدداً إلى السلطة بطريقة أو بأخرى, فهم سيقاتلون عليها بأيديهم وأسنانهم وبنادقهم وبالتراب إن لم يجدوا, كما حرضتهم بذلك فتوى الجهاد التي أعلنها منظرو الحوثية وفقهاؤها.