البدايات الخاطئة تنتج نهايات سيئة, كان من المفترض أن تنتج الشرعية الثورية التي أعقبت ثورة يناير المصرية شرعية توافقية؛ كما حدث في اليمن, في المراحل الانتقالية، هذه الشرعية فقط من تنجح؛ لأن «الانتقال إلى الديمقراطية» يلزم توافق القوى السياسية أولاً على شكل الحكم والدستور, ثم يدخلون بعدها في مرحلة "التنافس الديمقراطي" وفق قواعد متفق عليها دستورياً وقانونياً وصولاً لمرحلة "ثبات الديمقراطية", لكن المصريين وخصوصاً القوى الثورية (الإخوان وخصومهم) ارتكبوا خطيئة عدم التوافق, وقرروا الدخول في مرحلة "التنافس الديمقراطي" متجاوزين مرحلة مهمة وحاسمة هي مرحلة "الانتقال إلى الديمقراطية" التي هي الهدف الرئيسي من ثورة يناير, والإنصاف يستدعي القول: إن من بدأ في حرق المراحل هم جماعة الإخوان الذين دخلوا الانتخابات النيابية بنية الحصول على الأغلبية. في مرحلة "التنافس الديمقراطي" على كرسي الرئاسة, قبلت القوى الثورية غير الإسلامية حرق مرحلة "الانتقال إلى الديمقراطية" والدخول في مرحلة "التنافس الديمقراطي" مع الإخوان ومرشحين للنظام السابق, لقد توافق الإخوان وخصومهم على وأد الشرعية التوافقية والاحتكام للصندوق الانتخابي, فاز الإخوان بمرشحهم مرسي, الفريق الخاسر الذي أصبح يعرف حالياً بجبهة الإنقاذ, لم يتقبلوا الخسارة بروح ديمقراطية, وذهبوا باتجاه إسقاط أول رئيس مدني منتخب بآلية قبلها الجميع بلا استثناء. انضم إليهم في النهاية رموز الحزب الوطني الخصم الرئيسي لطرفي الصراع الثوري. لقد ارتكبت المعارضة المصرية التي تصف نفسها بالمدنية خطيئة عدم احترام الديمقراطية, التي تعني اللجوء لصناديق الاقتراع في إسقاط أي خصم سياسي أتى للحكم عن طريق الديمقراطية التي احتكمت إليها, ولقد كان واضحاً أن من يحرك المعارضة المصرية هي الأحقاد الأيديولوجية وليس الحفاظ على قيم ثورة يناير, حسناً؛ الإخوان مارسوا أخطاء سياسية فادحة, هذا صحيح؛ لكن الأخطاء السياسية لا تقابل بارتكاب جريمة وأد الديمقراطية الوليدة, والخطاب السياسي المستغل للدين لا يقابل بخطاب سياسي يستغل الثورة, وفكرة أن مرسي لا يصلح أن يكون رئيساً – كما أعتقد أنا – لا يعني أن يصعد المعارضون له للسلطة عبر دبابة الجيش لإسقاط رئيس مدني؛ فقط لأنه لم يعجبني. لقد حكم الإخوان مصر بخبرة سياسية بسيطة, مما انعكس على أدائهم الذي أثار عليهم جزءاً عريضاً من الشعب المصري, وكان واضحاً أنهم مارسوا بشكل ذكي السياسة الخارجية, وخصوصاً عندما أعادوا لمصر كرامتها القومية فيما يتعلق بالصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل, لكن عدم قدرتهم في خلق علاقات جيدة مع خصومهم جعلهم يخفقون على المستوى الداخلي ولم تتح لهم الفرصة لإنجاز نجاحات اقتصادية تلامس احتياجات الناس. لكنهم نجحوا بشكل واضح فيما يتعلق بالحريات الإعلامية والسياسية. فيما فشل فيها خصومهم. عموماً؛ في الأيام الماضية, كانت هناك إرادتان سياسيتان تتصارعان في مصر, إرادة مع الرئيس المدني المنتخب مرسي وإرادة ضده, كيف تعاملت القوى الفاعلة مع تلك الإرادتين؛ خصوم الإخوان والجيش ومؤسسة الرئاسة؟, ما حصل أن جبهة الإنقاذ وقعت في خطيئة توريط الجيش في السياسة، وهذا في حد ذاته انقلاب على قيم يناير, بينما ساهم الجيش في صياغة انقلاب ناعم على قيم الديمقراطية انحيازاً لإرادة سياسية ضد أخرى, وفي نفس الوقت تعامل مرسي مع الميادين المعارضة له بخطابات لا مسئولة؛ لا تدرك خطورة الوضع الراهن المحدق بمصر. سيتحمل الجيش المصري الدماء التي ستسيل كنتيجة طبيعية لوضع نفسه كطرف في أزمة سياسية ولتجاوزه فصيل سياسي كبير ومهم, وسيتحمل القضاء المصري قبوله المباركة والمشاركة في عملية انقلابية على الديمقراطية, كما سيذكر التاريخ المصري أن دعاة المدنية وحماة الديمقراطية في مصر ومن شاركوا في ثورة يناير وضعوا المدنية والديمقراطية والثورة أيضاً وراء ظهورهم نكاية بخصومهم الإخوان ولو على حساب الوطن. المهم حالياً – لنا كيمنيين - ليس الوقوف هنا منقسمين مع وضد الإخوان بشكل عصبوي يفقدنا ثقتنا بأنفسنا, وإنما الإيقان بأننا نسير في طريق تدريجي صحيح نحو الديمقراطية, الشرعية التوافقية التي انتجتها الثورة وإنجاح أهم آلياتها المتمثلة في الحوار الوطني, هي الحامي لنا من أية انتكاسات مدمرة لمستقبلنا, علينا الحفاظ على مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية التي نعيشها؛ لأننا بموجبها سننتقل إلى التنافس الديمقراطي بدستور متفق عليه وقواعد ديمقراطية سليمة ودولة ضامنة, عندها لا خوف على الديمقراطية من أي حزب سيأتي ويحكم؛ لأن التنافس سيكون بين الأحزاب على البرامج الانتخابية وليس على الهويات الأيديولوجية. تغريدة: المتعصبون للإخوان والمتعصبون ضدهم. خطاب تهكمي وعدائي وإقصائي.. لا يمت لا للدين أو المدنية بصلة.