الحوار الوطني كان ضرورة للخروج من أتون الصراع، ولمناقشة جميع القضايا الخلافية، ومن ثم التوصل إلى حلول معقولة ترضي جميع الأطراف، لأن البديل للحوار لن يكون إلا استمرار الأزمات، أو الحرب والاقتتال الذي يحرص كل عاقل وغيور تجنب الوقوع فيه. مانزال ننتظر من مؤتمر الحوار نتائج ترضي الشعب اليمني؛ تحافظ على وحدته وتحقق له الأمن والاستقرار وترسم مستقبلاً زاهراً للأجيال القادمة، ولعل المناخ المفتوح للحوار قد أطلق العنان لنزوات العواطف لتقول الموضوعي وغير المنطقي في آن واحد، لكن في النهاية يجب أن يغلب صوت العقل ويحسم القضايا، لتكون مخرجات الحوار جامعة لا مفرّقة، عادلة لا ظالمة، تبني ولا تدمّر، تفكّك العُقَد ولا تضيف عُقَداً جديدة، تعالج المشكلات ولا تقفز فوق الواقع، تغلّب المصالح العامة على المصالح الخاصة. ما سينجزه الحوار خطوة كبيرة، وحتى يتحقق الأمن والاستقرار، ولكي يتجه كل اليمنيين نحو العمل والبناء، فلابد من استيعاب الذين استبعدوا من الحوار لأي سبب من الأسباب، فما تزال حوادث الاغتيالات والتفجيرات والكر والفر، تثير المخاوف وتنذر بالأسوأ، وحان الوقت لنتساءل لماذا لا تفتح السلطة باب الحوار مع هذه الجماعات التي تحتكم إلى السلاح والعنف، بدلاً من الإصرار على خيار المواجهة والتحدي!! ماذا تريد تلك الجماعات؟ ولماذا تقاتل؟ وإلى متى تستمر دورات العنف؟ وما الجدوى من صراع لا ينتهي؟ وإذا كانت تقاتل من أجل نصرة الإسلام؛ فمن في اليمن يكره أن يعلو شأن الإسلام؟ ومن لا يريد تحكيم شريعة الله في الأرض؟ إن مصلحة الوطن تقتضي إيقاف هذا النزيف الذي لن يحقق فيه طرف انتصار ناجز، فضلاً عن ارتكاب جرائم قتل نفوس مؤمنة وبريئة، واستنبات العداوات والثارات، ونعلم جميعاً بأن دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم محرمة ومصانة، ولا يجوز الاعتداء عليها، والأقدر اليوم على الدعوة للمصالحة والحوار هي السلطة، وعليها أن تبذل كل ما في وسعها لإقناع هذه الجماعات بالجلوس إلى مائدة المفاوضات، وطي صفحة الماضي، ومعالجة أثاره وتداعياته. مانزال نكرر بأن اليمن يتسع لكل أبنائه، وعلينا أن لا نيأس من لمّ الشمل وجمع الكلمة وتقريب وجهات النظر، وقد تكون البداية صعبة وربما غير مقبولة؛ خاصة والنفوس لمّا تزل مشحونة بالعداوة، والدماء لم تجف بعد، ولكن أن نسعى لوقف هذه المعارك الخاسرة اليوم أفضل من الغد، وعلينا أن نتذكر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم دعا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والأيام التي حمل فيها السيف للقتال تكاد تُعد بأصابع اليدين، لأن الله خلق البشر ليعمروا الأرض لا ليدمروها، وكرّم النفس الإنسانية وأمر بالمحافظة عليها، وجعل الأصل في الحياة السلام لا الحرب، والبناء لا الهدم، والعدل لا الظلم. دعوة الجماعات المسلحة للحوار والمشاركة في الحياة السياسية قد لا يروق لبعض الجهات في الداخل أو الخارج، لكن مصلحة اليمن ومصلحة أشقائها وأصدقائها أن تداوي جروحها وتلملم شملها، وأن تصبح آمنة مستقرة غير مضطربة، يعيش كل أبنائها في وئام وسلام، وبذلك ستنهض بنفسها ولن تكون عبئاً على غيرها، ولن يأتي من قبلها إلا الخير والحب والسلام.