ارتبط سجن جزيرة روبن -الذي كان أكثر سجون جنوب أفريقيا إثارة للرعب في فترة الفصل العنصري- ارتباطا لا ينفصم بنيلسون مانديلا أشهر نزلائه، والذي قضى هناك عقودا من الأشغال الشاقة يعلم زملاءه ويأسر حتى قلوب سجانيه. كان السجناء السياسيون السود يحتجزون في عزلة بالسجن المشيد من صخور تعصف بها الرياح وسط مياه تمتلئ بأسماك القرش قبالة ساحل كيب تاون لفترة امتدت ثلاثة عقود إلى أن بدأ الرئيس الأسبق فريدريك دي كليرك في إنهاء حكم الأقلية البيضاء عام 1990 وتحول السجن الآن إلى متحف ومزار سياحي شهير. وكانت المرة الأولى التي يدخل فيها مانديلا إلى سجن جزيرة روبن عام 1962 ليقضى عقوبة قصيرة عن جرائم سياسية بسيطة، ثم عاد بعد عامين ليقضى عقوبة السجن المؤبد بعد إدانته بالتخريب والتآمر للإطاحة بالدولة. وصدرت الأحكام على مانديلا وكان عمره آنذاك 46 عاما مع أعضاء بارزين آخرين في المؤتمر الوطني الأفريقي بالأشغال الشاقة فكانوا يكسرون الصخور في محجر جيري. قسوة السجن كان السجناء الذين يقيد كل أربعة منهم في سلاسل تربطهم معا يعملون من ثماني إلى عشر ساعات يوميا خمسة أيام في الأسبوع وألحق وهج الشمس المحرقة على الصخور البيضاء وتصاعد الغبار في المحجر أضرارا دائمة بعيني مانديلا. في سيرته الذاتية "رحلتي الطويلة إلى الحرية" -التي كتب معظمها في زنزانته- يتذكر مانديلا مشاعر الوحدة والعزلة التي كانت تنتاب السجناء، وكتب يقول "كان سجن جزيرة روبن بلا شك أكثر المراكز قسوة وبطشا في نظام العقوبات في جنوب أفريقيا". وكتب مانديلا "السفر إلى سجن جزيرة روبن كان مثل الذهاب إلى بلد آخر كانت عزلته تجعله ليس مجرد سجن آخر بل عالم منفصل بذاته، بعيد كل البعد عن العالم الذي جئنا منه". وفي طريقهم إلى جناح من طابق واحد كان في استقبال السجناء كلمات ساخرة تقول "مرحبا بكم في سجن جزيرة روبن، نحن نخدم بفخر". وفي القسم (ب) يرشد سجناء سياسيون سابقون الزوار إلى زنزانة السجن الانفرادي لمانديلا وهناك تجد منضدة صغيرة عليها فنجان معدني وطبق وعلبة للاغتسال من الصفيح المنبعج كما كانت قبل عقود. تطل نافذة صغيرة على الفناء وعلى الأرض حشية من الليف الأبيض عليها ثلاثة أغطية رمادية اللون تستخدم كسرير حتى لا ينام النزلاء فوق الأرضية الإسمنتية الباردة. يكتب مانديلا الذي كان ذات يوم ملاكما هاويا نحيلا "كان بإمكاني أن أقطع الزنزانة في ثلاث خطوات، وعندما كنت أرقد كان بوسعي أن أتحسس الجدار بقدمي بينما يلامس رأسي الجدار الإسمنتي على الجانب الآخر". تغير السجن كان رقم مانديلا في السجن 64/466 وهو رقم أصبح مشهورا الآن في الحملات العالمية لجمع الأموال لمكافحة مرض الإيدز ولمؤسسة مانديلا للطفولة. وتغيرت الظروف خلال 18 عاما قضاها في الجزيرة تبعا للأوضاع السياسية في البلاد فضلا عن هوى المسؤولين القائمين على السجن. وبرغم المشقة والعناء لم يصب مانديلا جام إحباطاته على سجانيه. وقال كريستو براند، السجان الذي صاحب مانديلا من عام 1978 حتى إطلاق سراحه في 1990 "كان دائما ودودا ومهذبا ومعينا لغيره". وأضاف براند، الذي يعمل الآن في متحف جزيرة روبن "أصبح مثل الأب بالنسبة لي إذا ما احتجت بعض العون أو المساعدة في شيء كان دائما حاضرا". وإلى جانب إرادته الحديدية ومواقفه التي تستند إلى المبادئ، ساعد كرم مانديلا وسحره الذي يمس القلوب سريعا في تخفيف القواعد الصارمة في السجن. يقول مانديلا "كان يبدو أن النزلاء هم من يديرون السجن وليس السلطات". ويعيش حاليا نحو 200 شخص على جزيرة "روبن" بينهم سجناء سياسيون سابقون والعاملون في المتحف. وأعلنت منظمة اليونسكو عام 1999 الجزيرة موقعا للتراث العالمي. كما تستضيف الجزيرة حاليا حفلات للزفاف وتجتذب أزواجا من كل أنحاء العالم لعقد قرانهم في الكنيسة التاريخية الرئيسية هناك.