مثل أي مشروع سياسي يثير في العادة جدلاً حول ظهوره، أثارت اللجنة التحضيرية لأحزاب المشترك التي اُعلن عنها في مايو 2009 جدلاً سياسياً حول توقيت إعلانها والجدوى منها ومدى مقدرتها على تأدية المهمة المناطة بها، وبالنظر إلى حداثة التجربة وقصرها فما أنجزته اللجنة التحضيرية حتى الآن يُعد مثالياً قياساً بالوضع السياسي اليمني المعقد، لكن بعضهم أبدى تخوفه حيالها واعتبر ظهورها في هذا التوقيت خطأ يستوجب تصحيحه، ومبعث مخاوفهم أن اللجنة التحضيرية حلت- من وجهة نظرهم- محل أحزاب المشترك ذات التجربة العريقة في العمل السياسي، وهو ما اعتبروه بمثابة تخلي تلك الأحزاب عن دورها السياسي لصالح كيان جديد حديث التجربة لا سابقة له، ويفتقر للمشروعية السياسية التي تتمتع بها أحزاب المشترك على حد قولهم، أضف إلى ذلك، فهم يأخذون على المشترك تحوله من واجهه سياسية عريضة للمعارضة إلى مجرد مُكون من مُكونات اللجنة التحضيرية التي صارت إطاراً سياسياً وشعبياً أوسع منه، وهو ما يقلل من دوره في ساحة المعارضة السياسية اليمنية بعدما كان اللاعب الوحيد فيها. في حين اعتبر آخرون التجربة جديرة بالإشادة والاهتمام، فقد برهنت على أفق سياسي لدى قيادة المشترك، فهذه الأحزاب التي تقود حركة المعارضة في الشارع اليمني وجدت أن من غير المنطقي بقاءها وحيدةً في الشارع لمقارعة الحزب الحاكم المستحوذ على كل شيء، والذي يُسخّر كل إمكانات الدولة لخدمته، ومن غير الصواب كذلك أن تظل القوى المجتمعية المتعطشة للتغيير بعيدة عن بعضها سواءً في مواقفها أو برامجها أو حركتها التغييرية، فكان لا بد من إطار جامع يستوعب كل تلك القوى ويوحدها أو على الأقل ينسق فيما بينها ويوجه حركتها، ويُشركها في صناعة التغيير، وينقلها من دركات الوعي السلبي إلى مناص الفعل والتأثير الايجابي، وهو فوق ذلك يتيح لها فرصة الالتصاق بالجماهير والتعبير عن رؤاها وتطلعاتها، ويُكسِبُها زخماً شعبياً وفاعلية سياسية أقوى في مواجهة قوى التخلف والجمود التي تقف عائقاً أمام حركة التغيير والبناء. ولما كانت بعض تلك القوى الوطنية والاجتماعية زاهدة عن الانخراط في العمل السياسي تحت لافتات حزبية صارخة وتجد حرجاً في ذلك، فقد تكفلت فكرة اللجنة التحضيرية في استيعابها واحتضانها وإفساح المجال أمامها لمزاولة حقها الطبيعي في النضال السلمي الذي يُمكّنها من المشاركة الجادة في عملية التغيير، إذ غدت اللجنة التحضيرية تعبيراً عن تيار شعبي أكثر منها واجهه حزبية، وإذ يرى كثيرون أن فكرة تكتل أحزاب المشترك - ابتداء- فكرة مبدعة استطاعت أن تضم في جنباتها قطاعاً جماهيرياً واسعاً من المنضوين في إطار تلك الأحزاب، فإن فكرة اللجنة التحضيرية لا تقل عنها إبداعاً كونها استطاعت هي الأخرى بناء تحالف سياسي مجتمعي شعبي عريض، ما أوجد حراكاً سياسياً واسعاً جعل من مطالب أحزاب اللقاء المشترك مطالب السواد الأعظم من الناس، علاوة على إشاعة وتكريس منهج الاعتدال وثقافة الحوار، وأعادت الأمل بحركة التغيير التي لا تتوقف عند حدود الظاهرة السياسية بل تتعمق فيها وتضع لها حلولاً، وبحد ذاته يُعد ذلك نقله نوعية تحسب للمشترك الذي تمكن إلى حد ما من تحريك المياه الراكدة وتوجيه تدفقها، وهو ما أزعج السلطة وسبب لها قلقاً نتيجة شعورها بتزايد عزلتها السياسية، وقد لعبت اللجنة التحضيرية دوراً مؤثراً في هذا الاتجاه، والأهم من ذلك أن مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي تسعى إليه اللجنة التحضيرية وفق مشروع وثيقة الإنقاذ الوطني الذي أنجزته اللجنة في سبتمبر 2009م وغدا بمثابة برنامج العمل السياسي لتكتل أحزاب المشترك، هذا المؤتمر الوطني- في حال انعقاده- سيمنح المعارضة تفويضاً شعبياً للبدء في عملية التغيير قد يصل حد سحب الثقة من الحكومة وعدم الاعتراف بشرعيتها في حال أصرت على رفض الإصلاحات السياسية والانتخابية والاقتصادية التي لم تعد مطالب المعارضة وحدها بل والمجتمع الدولي أيضاً وفي مقدمتهم المانحون ومجموعة أصدقاء اليمن. لكن هل يمكن بلوغ ذلك دون مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي ُتعَد اللجنة التحضيرية الطريق الموصل إليه ؟ وفي كل الأحوال، فحتى أولئك الذين استبد بهم القلق مخافة أن يتضخم دور اللجنة التحضيرية على حساب أحزاب اللقاء المشترك التي تعد اللاعب الرئيس على ساحة المعارضة الوطنية، فإنهم لا ينكرون بالمقابل دور اللجنة التحضيرية في خلق اصطفاف وطني غير مسبوق ضم مختلف شرائح المجتمع وأطيافه السياسية، وهي تجربة متفردة في التاريخ السياسي اليمني لا يناظرها إلاّ تلك المؤتمرات الشعبية التي دعا إليها الشهيد محمد محمود الزبيري ومن بعده الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رحمهما الله، وكانت تلك المؤتمرات بمثابة المشروعية الشعبية التي تسلح بها دعاة الإصلاح الوطني في مواجهة ظلم السلطة وعسفها وخروجها على ثوابت الثورة وأهدافها، ونجحت إلى حد ما في تعديل المسار، وهو المؤمل اليوم من مؤتمر الحوار الوطني المتسلح بمشروع وثيقة الإنقاذ الوطني الذي يحظى بتأييد مختلف القوى الاجتماعية والسياسية. ولا يخفى أن تكريس المشروعية الشعبية والتفويض الشعبي بات هدفاَ جلياً تسعى له اللجنة التحضيرية عبر مؤتمر الحوار الوطني الشامل. وفي حين يؤكد المشترك أن مرجعيته في الحوار مع المؤتمر هي اللجنة التحضيرية، عمد المؤتمر في المقابل إلى تشكيل هيئة من العلماء وأضفى عليها صفة المرجعية للحوار!! ولو أن المؤتمر تصرف من منطلق أن هذا شأنه وهذه مرجعيته الخاصة كحزب حاكم لكان تصرفه مقبولاً، أما أن يحاول فرض مرجعية للجميع وبمعزل عن التوافق مع شركائه في الحوار أو التباحث معهم في هذا الشأن والوصول إلى رأي مشترك، فليس من تفسير لمثل تلك الخطوة سوى أنه يحاول إعاقة عملية الحوار والخروج بها عن أهدافها. وفي حين يعتقد البعض أن اللجنة المشتركة (لجنة المائتين) المشكلة من المشترك وشركائه والمؤتمر وحلفائه المناط بها التهيئة والإعداد للحوار الوطني القادم قطعت الطريق على اللجنة التحضيرية وهمّشت دورها إن لم يكن ألغته تماماً، تؤكد اللجنة التحضيرية أن العكس هو الصحيح، فما يجري حالياً بين المشترك والمؤتمر يأتي في سياق مشروعها للحوار الوطني الشامل ومعزز له، ولا يعني انتهاء دورها بصرف النظر عن نتائج حوارات المشترك والمؤتمر، ولتأكيد ذلك استمرت اللجنة التحضيرية في عقد جلساتها الدورية لمتابعة وتقويم نتائج اجتماعات ولقاءات اللجنة المشتركة والشوط الذي قطعته على طريق مؤتمر الحوار والتهيئة للانتخابات النيابية المقبلة، وهو ما يعني أن المشترك لم يتخل عن لجنته التحضيرية، وأنها ما زالت تمثل مرجعيته وأداته التي يثق بها للتغيير الشامل، ومشروعه السياسي الذي حظي باصطفاف وطني واسع باعتباره الرافعة السياسية لمشروع الإنقاذ الوطني الذي لم يعد بالإمكان التنازل عنه.