كما كانت استقالة الرئيس السابق/ علي عبد الله صالح مشكلة المشاكل عند أتباعه؛ فكذلك يتوقع أن يكون سحب الرئيس عبد ربه هادي لاستقالته من مجلس النواب مشكلة المشاكل عند الأتباع أنفسهم، ويفتعلون أزمة جديدة تمل الأرض والسماء صراخا وتنديدا! توقعوا مثلا أن يرفض المشار إليهم فكرة سحب الاستقالة مبررين رفضهم أن الدستور لا يوجد فه سحب.. فيه تقديم استقالة أي نعم.. لكن سحب: لا! وبين نعم ولا سيطالبون بالذهاب إلى المحكمة العليا وربما محكمة الجنايات الدولية! عبده الجندي كالعادة سبق الجميع في رفض مبدأ سحب الاستقالة، وطالب الرئيس هادي أن يثبت على موقفه.. ولذلك فشعار المؤتمر هذه الأيام سيكون: الثبات.. الثبات يا هادي، وفي رواية: اثبت يا هادي! والحق أن الجندي كان مهذبا كعادته أيضا احتراما للعيش والشاهي الذي بينه وبين الرئيس وهو يطالب هادي بعدم سحب استقالته فلم يقل مثلا: [عيب الواحد لما يكون رئيس جمهورية ويستقيل وبعدين يسحب استقالته.. إيش بيقولوا عنا الناس؟ الرجال عند كلمتها! أو تشتي تعمل مثل الزعيم لما كان دائما يعلن رفضه للترشح للرئاسة وبعدين يرجع تحت الضغط الشعبي العام حتى قبل ما يخرج الموظفون في المظاهرات! قناة الرئيس السابق ستقوم بإعداد برامج شعبوية لاستطلاع رأي الشعب اليمني ( بالمناسبة فالمؤتمر لديه شعب خاص به كما أن الحوثيين لديهم هم أيضا شعب خاص بهم، والطرفان يستخدمان هذين الشعبين مثل عمال الجولات.. وقت الحاجة فقط!).. ما علينا.. المهم سوف تركز القنوات على عدم جواز سحب الاستقالة والتراجع عنها! وطبعا جميع المشاركين سيكونون معارضين لسحب الاستقالة مؤكدين ضرورة الثبات عليها حتى يقلى الشعب ربه! وعلى مواقع التواصل الاجتماعي سيضع المؤتمريون والحوثيون هشتاج: [ مش استقيلي.. واسحبي!]. واخرى: [ استقيلي.. واثبتي]. العقدة الحقيقية ستكون في مجلس النواب.. ولن يكون غريبا عندما تصل رسالة سحب الاستقالة إلى هيئة رئاسة المجلس أن تسمع مثل هذه العبارات: - يسحب استقالته؟ كيفه؟ ليش هي تيبع؟ - سحب الاستقالة مرفوض لأنه بيعمل لنا دوشة وسابقة خطيرة.. افرضوا أن الزعيم المستقيل يجيء ويقول لنا أنه سحب استقالته هو كمان؟ كيف نعمل؟ إما وقبلنا كلامه ونوقع في مشكلة.. أو نرفض سحب الاستقالة من كل الناس وما فيش رئيس أحسن من رئيس.. أهه! الثكلى.. والنائحة! خلال الأيام الماضية منذ أعلن عن وصول الرئيس هادي إلى عدن؛ صار من السهولة معرفة ماذا يعني: لطمة في العيون.. وصدمة نفسية بالغة الضرر لمن لم يتشرف بمعرفة هذه المصطلحات.. ولا شك أن كثيرين لاحظوا ذلك في صحافة ومواقع المصدومين التي كادت تتحول إلى صفحات ومواقع للتعازي، وتذكر أحوال القبور وعبور الصراط المستقيم، وبعضها تحولت إلى حسينيات قات! ورأوا ذلك أيضا في عيون مذيعي القنوات الرافضة لسحب الاستقالة، فقد تلاشى بريق الظفر من العيون، وانطفأت الفرحة من الألسن.. وطارت نشوة النصر من الرؤوس.. وتحولت البرامج إلى برامج وعظ وتذكير عن عدم جواز الهروب من الإقامة الجبرية، والخروج سرا، والفرار من الاعتقال! المفجوعون بوصول الرئيس هادي إلى عدن، وقرار إلغاء كل ما صدر من تعيينات وقرارات بعد 21 سبتمبر.. وسحب الاستقالة من مجلس النواب؛ تحولوا فجأة إلى دراويش وحدة، ومحذرين من حرب أهلية قادمة، ومن وجود شرعيتين اثنتين في البلاد! وتقديرا لهذه المشاعر النبيلة (لنا الظاهر والباطن معروف) فعلى الاخوة المناضلين الوحدويين الخائفين على الوحدة وتفتت البلاد أن يعلموا يقينا أن أبرز أسباب بقاء الوحدة هو تخليهم عنها.. وحبذا لو جاهروا بالدعوة للانفصال! فليس هناك أكثر ضررا وخطرا على الوحدة اليمنية من أن يتصدى للدفاع عنها والبكاء عليها من أمثال المؤتمريين والحوثيين! جربوا مرة واحدة أن تكونوا أذكياء وتعلنوا رفضكم للوحدة وتأييدكم للانفصال.. ونحن نضمن لكم أن الشعب سيلتف حول الوحدة ويدافع عنها كراهية فيكم! أسوأ ما في هذا المشهد ؛ولكي يعلم الناس خبث ما يجري؛ فإن السياسي الوحيد في اليمن الذي قال في حوارات صحفية سابقة إنه في حالة إجراء استفتاء على الوحدة والانفصال فسوف يصوت لصالح الانفصال إكراما للأخوة الجنوبيين! وها هو اليوم يتصدر البكائيين على الوحدة البسيطة منددا بالفيدرالية ذات الستة الأقاليم بحجة أنها ستفتت اليمن! هل رأيتم نسخة من ابن سلول أوسخ من صاحب هذه التصريحات المجنونة؟ المفارقة الدالة على فجور هؤلاء المتباكين على الوحدة المرعوبين من الأقاليم أن فصائل الحراك الانفصالية ؛وفي مقدمتها فصيل علي سالم البيض ؛كانت الأكثر قربا من الحوثيين خلال السنوات الماضية، وكثيرة هي التقارير التي تحدثت عن دعم إيراني للبيض خاصة، وأن قناته كانت تبث من حضن حزب الله اللبناني مباشرة بدون إحم.. ولا دستور ولا.. وحدة! إلى الخائفين على الوحدة! هناك قدوة طيبة للمتباكين المزيفين على الوحدة في قصة نبي الله سليمان عليه السلام مع المرأتين اللتين تنازعتا أمومة رضيع، وادعت كل واحدة منهما أنها أمه الحقيقية.. وعندما حكم النبي سليمان بتقطيع الطفل نصفين، وإعطاء كل واحدة قسم فزعت الأم الحقيقية وتنازلت عن دعواها رحمة بابنها وشفقة عليه من الذبح! نريد من الأخوة الذين يخوفوننا اليوم من حرب أهلية وشيكة أن يكونوا مثل الأم الحقيقية (ولو تمثيلا!) فيكفوا عن الشعب والوطن مؤامراتهم وبنادقهم، ويلقوا سلاحهم ويطفئوا دباباتهم، ويسحبوا مقاتليهم من المدن والجيش والأمن.. وحينها لن تحدث حرب أهلية ولا حكومية! ونريد من الذين يصرخون مرعوبين من وجود شرعيتين اثنتين في الوطن أن يقنعونا أنهم حريصون على وجود شرعية واحدة فقط؛ فيعترفوا بالشرعية الموجودة في عدن، ويعلنوا أنهم لن ينازعوها الشرعية حفاظا على الوحدة، ويحلوا لجنتهم الثورية العليا التي حلت محل الشرعية والدولة، ويتراجعوا عن قرارات حل مجلس النواب، وإيقاف العمل بالدستور.. ويوافقوا على عودة الأوضاع لما قبل اقتحام صنعاء.. وحينها لن تكون هناك شرعيتان بل شرعية واحدة وتقر أعينهم وتطمئن قلوبهم! ونريد من المرعوبين من فكرة نقل العاصمة مؤقتا إلى عدن الجنوبية أن يثبتوا وحدويتهم المزعومة، وحبهم للجنوب، وغيرتهم على الجنوبيين ويوافقوا على الفكرة.. أو يسحبوا مليشياتهم من صنعاء والوزارات والمعسكرات، ويعيدوها للدولة الشرعية وحينها لن يكون هناك حاجة لنقل العاصمة إلى عدن.. ولا مشكلة لو ظل الرئيس مقيما فيها دائما على سنة الإمام أحمد الذي ظل يحكم من تعز 14 سنة رغم أن العاصمة الرسمية كانت.. صنعاء! وأخيرا .. نريد من وحدويّ آخر زمن أن يعلموا أن فكرة الدولة الاتحادية ذات الأقاليم الستة جذبت أغلبية كبيرة من الجنوبيين لصالح بقاء الوحدة، وكانت ضربة في الصميم وقاتلة لمشاريع الانفصال ومؤامرات تفكيك البلاد.. ويكفي لكي يتأكدوا من صحة ذلك أن يروا كيف انقلب الوضع في الجنوب، وكيف انتعشت دعوات الانفصال وتفكيك اليمن من جديد بعد احتلال صنعاء واستقالة الرئيس ومحاصرته مع رئيس الوزراء. وعودة الروح للنظام السابق ورموزه! حكومة ونحن.. أسيادكم! ثورة شعبية مزعومة.. ولجنة ثورية عليا.. وفرض غقامة جبرية على رئيس الجمهورية، وحل السلطة التشريعية.. وإيقاف العمل بالدستور.. وتوجيه إهانات للوزراء بالفشل والتآمر، ومحاصرة رئيس الوزراء في بيته، وتسليط سفهاء القوم عليهم؛ ثم بعد ذلك يريد ثوريو آخر زمن منهم أن يداوم الوزراء في وزاراتهم ويديروا الدولة تحت رقابة اللجان الشعبية وتهديداتهم وعنجهيتهم الطائفية وإلا فهم خونة ومتآمرون! هذا النخيط الثوري يؤكد أنها ثورة زمبليطة من نوعية ثورات بوكاسا وبول بوت وعلي قملة، وأنها ثورة في.. الوقت الضائع! أنت فين.. يا تنكة؟ والملايين مشغولون بما حدث وكيف خرج الرئيس هادي من صنعاء وكيف وصل إلى عدن؟ في هذه الأثناء كنت أتساءل عن مصير دوشان إعلامي كلما حل في حزب وعمل سكرتيرا عند رئيس أصابه الدبور وخسر حكمه.. وصحيح أن هناك الكثير من هذه النوعية في الزريبة.. لكن واحد منهم هو الذي سيكون أكبر المتضررين.. وأتوقع أنه الآن يضرب أخماسا في أسداس، ويفكر في حجة للخروج إلى القاهرة أو بيروت لدراسة أسهل السبل للحصول على تنكة وماء للأولاد.. ثم لا ندري إلا وهو يحط رحاله في عدن بحثا عن واد ذي زرع وضروع مليئة باللبن أو حتى بالماء! ويبدأ كتابة سلسلة مقالات توبة وندم بعنوان: [ كنت مخطوفا في بلاد الدحابشة!] يحكي فيها عن معاناته كجنوبي في الشمال، وتنويري بين المتخلفين، ومدني بين القبائل، وانفصالي عريق بين الوحدويين!