يتناول الحوثيون الهدنة من كونها الفرصة المناسبة لهم، كي يخونوا ويفجروا، ولا غرابة في ذاك، لأن مثل هذه المشاكسات الرخيصة معروفة عنهم برفقة أوراق وملفات التاريخ، هم يلعبون فقط بالمصطلحات والمفردات بتوجيه متقن من العمائم التي تشرح لهم معنى الهدنة، كما يجوز ويخدم هذه العمائم، لا كما يسهم في الوصول إلى ما يساعد على وقف إطلاق النار وتغليب الإنسانية، وحاجة الإنسان اليمني لحاضر لا تنهشه الخيانات ومستقبل يبعد عن التدخلات والنوايا الخبيثة، الألعاب الخطرة التي يختار لها الحوثيون مثل هذا التوقيت ستسحب المنطقة إلى لغة سلاح حاول المحيطون تجنبها ما أمكن، والاستعاضة عنها بصوت السلام، لكن طهران لا تنظر جيداً للواقع الذي تعبث به، وتتعامل مع الإنسانية بمنظار أسود، ذلك أنها مؤمنة في أن اليمن لابد وأن يكون جزءاً أساساً من مشروع التوسع الممنهج ومحافظة إضافية من محافظاتها المتآكلة بالتدريج. الفرصة التي منحت للحوثيين نحو إعادة الحسابات لن تتكرر مرة أخرى، وهي فرصة في الوقت الأكثر مناسبة من غيره، شريطة أن يتذكروا أن الصراع يدور داخل اليمن لا في الدولة التي يقبلون مراجعها وعمائمها، اليمن سيمضي نحو ما هو مأمول، وإن كان ذلك رهن الوقت فقط، هذا الوقت يعبث به الحوثيون بلا مبالاة ويرتكبون بمعيته ما يوجع من الاستهدافات والقتل الممنهج، لتحويل المساحة المحيطة بهم لبرك من الدماء، في ظل أن الهزائم المتلاحقة والخسائر المتوالية تجعل التفكير منحصراً في تفعيل الجريمة وشرعنتها. الحوثيون متمسكون بخيط الأمل أن يحكموا اليمن، وهو ما لم يؤمنوا بعد في أنه خيط أمل أشبه بأمل إبليس في الجنة، وإن كانوا مقتنعين بإبليس أكثر من الجنة، المزاج السياسي للحوثيين لا يزال تحت تأثيرات فارسية محملة بمخدرات موضعية تجعل منهم أدوات للفعل والتنفيذ والقتل والتدمير، والأحلام المرسومة على الورق وسهرات المساء والمغلفة بما تيسر من حكايات التقيا ورشاوى اللسان ستغدو كوابيس إذا استمرت العنتريات المستترة والظاهرة، ما يجعل المشروع العربي القادم بهدف واحد صريح وعنيف، وهو أن تكون إيران ممنوعة في اليمن بوصفها خطوة أولى حاسمة نظير ما يستدعيه الميدان السياسي وتحتمه الظروف المصاحبة. المنع سيقفز لأكثر من جغرافيا عربية، لكن اليمن دخلت منطقة من التعقيد والتأزيم السياسي الذي يجعل الصوت للسلاح وحده متى ما أصر الحوثيون على تمديد الوقت الأصلي والإضافي لعلاجهم من الأمراض المستعارة والمزمنة، اليمن لا تحتمل ساعات حرب أطول لمن كان يمنياً فعلاً، لكن ساعات الحرب باتت ضرورة حتمية، فاليمني موجوع بالتشرد والتفرق والتطاحن وحروب الاستنزاف القبلية والأهلية وطارئاً في المشهد طالما كان اليمن «وطناً ثانياً» لدى الحوثيين بعد أن سيطرت على عقولهم وأرواحهم خطابات «حسن نصر» الفارغة، وثورة الخميني ودخلوا في المسلسل المخزي والعار الطويل لتدمير الدول العربية على أطباق الخيانة واللؤم والشحن الطائفي المتدرج. الحوثيون في المنعطف الأخير - إن صحّت العبارة وصدقت النوايا التي لا أثق بها - نحو العبور باليمن إلى معادلة صحيحة خالية من الخطوط الحمراء منعدمة الفوضى المتحزمة بإرهاب حقيقي ترعاه سيدة العمالة والتخريب بالوكالة في منطقة الشرق الأوسط ونجمة الاستفزاز «إيران». *الحياة اللندنية