تفرط السلطة في تصعيدها الأمني غير المبرر ضد أحزاب المشترك، إلى الحد الذي لم تكتف بقمع الفعاليات الاحتجاجية السلمية لهذه الأحزاب بل تمادت إلى مطالبتها تسليم من أسمتهم مطلوبين على ذمة قضايا جنائية من عناصر الحراك، وكأن المشترك يؤويهم! وإمعاناً منها في تشويه صورتها وتكريس تلك العلاقة المزعومة بين من تسميهم بالانفصاليين وأحزاب المشترك زعمت الحكومة أنها طلبت من قيادة تلك الأحزاب التفاهم مع من أسمتهم بحلفائهم من العناصر الانفصالية والتخريبية الخارجة على الدستور والنظام والقانون في بعض المحافظات الجنوبية والشرقية وتسليمها تلك العناصر! في خطوة تشويه متعمدة قُصد منها الإيحاء بأن المشترك ودعاة الانفصال شيء واحد، وهو ما يعني من الناحية العملية أن السلطة قررت وضع المشترك في سلة واحدة مع المجرمين والمخربين والمطلوبين أمنياً ومن تسميهم بالانفصاليين، وجعلت منهم حلفاء ومتآمرين ضد الوطن!! وهي النتيجة النهائية التي تنشدها السلطة من وراء ذلك التضليل بعد أن عزفت على النغمة ذاتها عقب إعلان لجنة الحوار الوطني عن توقيعها اتفاق تفاهم مع الحوثيين. ويصاحب التصعيد الأمني للسلطة تصعيد آخر سياسي ضد المشترك يقوده كبار رجال الدولة ومسئولوها، لكن اللافت في الأمر هو أن هذا التصعيد المفتعل بشقيه الأمني والسياسي مسكون بهاجس انتخابي طافح يُفصح عن نفسه في خطابات مسئولي السلطة التي لا تخلو من التهديد والوعيد بإجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها المحدد وكأن المشترك يعارض ذلك! وهو ما يوحي بأن هدف التصعيد انتخابي بالدرجة الأولى، أي أن السلطة تحاول استباق حوارها مع المشترك(بما سيتضمن من اتفاقات بشأن الانتخابات) بإجراءات قمعية لإرهابه وابتزازه، في الوقت الذي تشن عليه حملة إعلامية مكثفة تستهدف النيل منه، وممارسة ضغوط سياسية عليه عبر ربطه بدعاة الانفصال والمتمردين ووضعهم جميعاً في خندق واحد في مواجهة ما يمكن تسميته بالمشروعية الدستورية! الأمر الآخر الذي يمكن ملاحظته هنا هو أن هذا النهج التصعيدي التأزيمي الذي تمارسه السلطة لم يقتصر على أحزاب المشترك وحسب، بل طال في وقت واحد مختلف الفعاليات الأخرى من حراك جنوبي سلمي واحتجاجات شعبية في المحافظات الأخرى، بالإضافة إلى ما يجري حالياً من تصعيد متبادل وقرع لطبول حرب سابعة في صعده، ويجيء كل ذلك على وقع ضربات التطرف والإرهاب الذي يحاول استدعاء البعد الخارجي وإشراكه في ملفات داخلية للاستقواء به ضد المناوئين، فهل يمكن أن يحدث كل ذلك مصادفة؟ ثم ماذا يعني الانطلاق صوب العملية الانتخابية في أجواء مفعمة بالقلق والتوتر الأمني؟ ما يجري على الساحة هو أن الأزمة السياسية العالقة بين السلطة والمشترك ذات الصلة باتفاق فبراير آخذة في التحول عبر منحى تصعيدي مفتعل إلى أزمة أمنية بامتياز، الأمر الذي ينبئ بوجود رغبة ملحة في إدارة الأزمة السياسية والانتخابية من خلال الملف الأمني، ليسهل اللعب بأوراقها وتوجيه مسارها في الاتجاه المحدد له من سابق مثلما يحدث عادة قبيل كل عملية انتخابية. تلك الأزمة الأمنية التي يجري تشكيلها وفق متطلبات العملية الانتخابية المقبلة وشروط احتوائها تعمد السلطة لتوحيد مسارها في اتجاه واحد فقط يصب عند أحزاب اللقاء المشترك، بعبارة أخرى، فإن ما يحدث- سياسياً- يمكن وصفه بمحاولة تجميع المشتت وتوحيد المفرق من أوراق الأزمة السياسية اليمنية ووضعها في سياق واحد يتحمل وزرها جميعاً اللقاء المشترك وفقاً لرغبة السلطة التي تؤمل مواجهته وحرقه انتخابيا بتلك الطريقة، بدلاً من تشتت جهودها في مواجهة لاعبين آخرين ليسوا بحجم المشترك ولا بمستوى تأثيره. لكن في الأخير تبقى العملية الانتخابية نفسها والعوامل المؤثرة والمتحكمة فيها أكبر من أن يتم احتواءها في سيناريو من هذا القبيل، كما أن المشترك يمتلك هو الآخر من أوراق الضغط والعمل السياسي ما يمكنه من فرض حضوره بقوة، والحيلولة دون إقصائه من حلبة المنافسة أو إرغامه على الخروج منها خاسراً.