وسط تصعيد محلي ودولي، وارتفاع حدة التجاذبات السياسية بين السلطة من جهة، وما يسمى بالحراك الجنوبي الداعي للانفصال، والمعارضة اليمنية السلمية من جهة أخرى، احتفلت اليمن – صباح أمس الخميس - بالذكرى ال 19 على قيام الوحدة اليمنية في حفل استعراضي عسكري مهيب، وفي المساء غطت الألعاب النارية سماء العاصمة صنعاء وكافة محافظات الجمهورية ابتهاجا بالذكرى، بينما كان علي سالم البيض – نائب الرئيس السابق – يلقي خطاباً تلفزيونياً تصعيدياً من النمسا، طالب من خلاله بالإنفصال، متعهداً بقيادته حتى النصر.
تسارعت الأحداث في اليمن خلال الفترة الأخيرة، بشكل دراماتيكي تصعيدي، وخصوصاً فيما يتعلق بطبيعة الحديث عن "الوحدة اليمنية" ومدى ترسخها في الواقع المعاش، بعد 19 عاما من تحققها في ال 22 من مايو عام 1990.. أمام بروز دعوات ب"فك الإرتباط"
وعلى ضوء ذلك، قررت السلطة الاحتفاء بالذكرى ال(19) للوحدة اليمنية، بطريقة ملفتة، حيث شهد ميدان السبعين في العاصمة صنعاء - صباح أمس - استعراضا عسكرياً مهيباً، حضره رئيس الجمهورية، وقيادات حكومية، وقيادات عسكرية، وأخرى في الحزب الحاكم، بينما كانت المعارضة - ممثلة بأحزاب اللقاء المشترك – قد أعلنت مقاطعتها الاحتفال، مفضلة مواصلة أعمال لقائها التشاوري الموسع، الذي استمرت في الإعداد له قرابة العام، وانطلقت أعماله أمس الأول الأربعاء، وانتهت منه مساء أمس الخميس- في العاصمة صنعاء - بحضور قرابة 1200 شخصية حزبية واجتماعية وسياسية من مختلف الأطياف.
وفي الوقت الذي اعتبر فيه البعض ذلك الاستعراض العسكري (الذي لم تشهد مثله اليمن منذ سنوات) على أنه رسالة واضحة في وجه التحركات التصعيدية الأخيرة التي تشهدها بعض المحافظات الجنوبية، منذ ال27 من ابريل الماضي، من قبل دعاة الانفصال، فقد اعتبرته بعض قيادات جنوبية مستقرة في الخارج، على أنه استعراض للقوة، وتهديد باستخدام العنف من جديد. حد وصف "شعفل عمر" الذي استضافته قناة ال(BBC) العربية، مساء أمس في حوار مباشر ضمن تقرير مفصل تطرق للأوضاع الأخيرة في اليمن، بمناسبة الإحتفال بالذكرى، وعلى خلفية ظهور علي سالم البيض في خطابه التلفزيوني من النمسا، وإعلانه العودة للعمل السياسي، بعد 15 عاماً من الصمت.
* مواجهات في عدن.. والرئيس يطمأن الجميع وفيما نقلت وكالات الأنباء تأكيداتها، بحدوث مواجهات بين قوات الأمن، وبعض المواطنين في محافظة عدن، أمس، ترافقت مع الاحتفال بذكرى الوحدة، (وأسفرت عن مقتل 3 أشخاص، وجرح قرابة 30 ، واعتقال أكثر من 120، حسب وكالة رويترز ).. كان رئيس الجمهورية علي عبد الله صالح، قد ألقى خطابا جماهيرياً، مساء أمس (الخميس 21 مايو) بمناسبة هذه الذكرى. ومجدداً، طمأن الرئيس، الجميع بأن "لا خوف ولا قلق على الوطن وسلامته.. وان الوحدة راسخة رسوخ الجبال وهي وجدت لتبقى لأنها محمية بإرادة الله وكل الشرفاء المخلصين من أبناء الوطن.. وبدعم من أشقائه وأصدقائه".
وجاء هذا التجديد، بعد أن استعرض الظروف والمعيقات الدولية والمحلية التي رافقت الوحدة اليمنية حتى اليوم، لينتقل بعد ذلك، إلى مهاجمة من أسماهم ب"العناصر المأزومة" التي قال أنها سعت إلى "محاولة النيل من الوطن وسلامته وإثارة الفتنة ونشر ثقافة الكراهية والبغضاء والنعرات المناطقية والشطرية والعنصرية في محاولة بائسة لإعادة عجلة التاريخ في الوطن إلى ما قبل ثورة ال26من سبتمبر عام 1962.. وال14 من أكتوبر عام 1963.. وال 22 من مايو عام 1990.. وعرقلة جهود التنمية.." مستدركاً: "ولكن شعبنا بكافة فعالياته السياسية والاجتماعية والثقافية ومؤسساته الدستورية سوف يتصدى لكل من يحاول النيل من ثورته ونظامه الجمهوري ووحدته ونهجه الديمقراطي".
وزاد أكد "وستبقى الوحدة اليمنية الشمعة المضيئة التي لن تنطفي, ونبراس الأمل لأبناء شعبنا وأمتنا العربية.. وأن أصحاب المشاريع الصغيرة لن ينالوا من الوطن وسوف يفشلون كما فشلوا في الماضي".
واعتبر الرئيس، في خطابه، أن الحل لمعالجة كافة القضايا يكمن في الحوار، مستغلا هذه المناسبة لدعوة "كافة أطياف العمل السياسي ومنظمات المجتمع المدني في الساحة الوطنية إلى الحوار الوطني المسؤول باعتباره الوسيلة المثلى لمعالجة كافة القضايا التي تهم الوطن". وقال "ومهما كانت التباينات في الرؤى فإنها مقبولة طالما كانت في الإطار السلمي.. وتحت سقف الالتزام بالثوابت الوطنية بعيداُ عن اللجوء إلى العنف والتخريب".
وضمن الحلول العملية التي تطرق لها في خطابه، أشار إلى أنه قام بتوجيه كافة "الجهات المعنية في الحكومة والسلطات المحلية.. بحل قضايا المواطنين من خلال مؤتمرات المجالس المحلية التي ستنعقد في عواصم المحافظات ابتداءً من أول شهر يونيو المقبل.." والتي قال أنها "ستضم كل الفعاليات السياسية وأعضاء المجالس المحلية والعلماء والمشائخ والمثقفين والمكاتب التنفيذية ومنظمات المجتمع المدني دون استثناء".
وفيما ذهب إلى أن ما يهم البلد خلال المرحلة القادمة، هو "إجراء التعديلات الدستورية؛ لتطوير النظام السياسي والانتخابي.. والانتقال إلى نظام الحكم المحلي الواسع الصلاحيات، بالإضافة إلى التسريع بجهود البناء والتنمية.. وإيجاد مواردَ جديدة غير النفطية.." فقد ذكر بالقول أن النظام السياسي "قائم على الديمقراطية التعددية".. وقال أن "الديمقراطية وسيلتنا للبناء ولا تراجع عنها مهما كانت السلبيات الناتجة عن الفهم الخاطئ من قبل البعض للديمقراطية". وحث الجميع على ممارسة الديمقراطية بمسؤولية "وبحيث لا تكون بابا مخلوعاً لإثارة الفتن ونشر السموم في المجتمع والإضرار بأمن الوطن ووحدته"، داعياً "الأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني وكل الفعاليات السياسية والاجتماعية والثقافية في السلطة والمعارضة إلى الاصطفاف الوطني لمواجهة كل التحديات.. والعمل على تعزيز روابط الإخاء والوحدة والتلاحم الوطني, فالوطن ملك للجميع وبحاجة إلى جهود كل أبنائه المخلصين بدون استثناء".
* بعد صمت طويل.. "البيض" يظهر بخطاب تصعيدي إنفصالي لكن وفي المقابل ظهر تصعيد مفاجئ آخر، جاء هذه المرة من الخارج. فبعد احتجاب دام قرابة 15 عاماً، منذ انتهاء الحرب الأهلية في صيف 94 ، ظهر علي سالم البيض – نائب رئيس الجمهورية السابق – في النمسا مساء أمس الخميس [21مايو]، في خطاب تلفزيوني، شديد اللهجة، تعهد فيه العمل على ضرورة الإنفصال، بعد أن استعرض الأحداث منذ ما قبل قيام الوحدة في ال 22 من مايو عام 1990. وما حدث بعد ذلك، من الحرب وإعلان الانفصال، متهماً ما أسماه ب(نظام صنعاء) بالتآمر والغدر.
وفيما قدم البيض اعتذاره لأبناء الجنوب، لما حدث لهم منه ومن القيادات الأخرى التي تسببت لهم بالظلم بسبب تلك الحرب (94) وما بعدها، فقد أكد أن دوره سوف يقتصر فقط على مرحلة التحرير – حد قوله - على أن يقوم بعد ذلك، بتسليم الراية، مؤكداً – أيضاً – أنه سيعود بعد ذلك إلى صفوف الجماهير "ناصحا ومقدما المشورة والعون عند الحاجة".
وصعد البيض من خطابه، إذ وجه نداء "إلى جميع التكوينات والشخصيات السياسية الجنوبية في الخارج.." وذلك من أجل عقد لقاءات تشاوريه، للخروج "برؤية واحدة وأداة سياسية موحدة من شأنها رص الصف الجنوبي، والتسريع بيوم الخلاص الوطني المنشود لجنوبنا الحبيب" حسب قوله، مباركاً توحيد مكونات ما قال أنها "الثورة السلمية في الداخل" آملا إن يتم توسيعها بما يتناسب ومتطلبات المرحلة النضالية الحالية.
ودعا القادة العرب إلى التوسط و"مخاطبة الإخوة في صنعاء جهة تحكيم صوت العقل والمنطق الداعي إلى سحب قواتهم العسكرية من الجنوب وتسليم بلادنا لأهلها بصورة سلمية وأخوية وذلك تحت رعاية إقليمية ودولية .." وذلك لما أعتبره "حقنا للدماء وحفاظا على أواصر المحبة والإخاء مابين شعبنا في الجنوب وأشقائنا في الجمهورية العربية اليمنية".
* ردود فعل دولية.. السلطنة أول البادئين وعلى الرغم من تركيز خطاب البيض، في جزء منه، على قادة الدول العربية والعالم، ودعوتهم للتدخل من أجل فك الإرتباط سلمياً، لم تظهر حتى كتابة هذا التقرير، أي ردة فعل عربي أو دولي، بعد أن كانت معظم الدول العربية ولاسيما الخليجية – التي خصها البيض في خطابه – وعدد محدود من الدول الأجنبية، قد أعلنت وقوفها مع وحدة اليمن وإستقراره، بحسب ما نشر من تصريحات خلال الأسابيع الثلاثة الماضية.
غير أن أول ردة فعل ظهرت على خطاب البيض المفاجئ و التصعيدي، جاء من سلطنة عمان، بحكم العلاقة التي تربطها به. فقد أعلنت سلطنة عمان سحبها الجنسية عن البيض، بعد أن كانت منحته إياها بعد فترة من لجوؤه إلى أراضيها عقب حرب صيف 94. مشترطة عليه عدم ممارسة أي عمل سياسي أو أي نشاط يضر بالجمهورية اليمنية.
وفي بيان صدر مساء أمس عن شرطة عمان السلطانية - عقب خطاب البيض مباشرة - لتوضيح موقف الحكومة تجاه إعلان "البيض" العودة للعمل السياسي وتطرقه إلى مجريات الأمور في اليمن، قالت " إن الجنسية العمانية قد أسقطت تلقائيا عن على سالم البيض حسب القوانين المعمول بها في عمان, وهو قد اتخذ قراره دون إذن من السلطنة التي قصدها فى عام 1994 دون اى تشاور مسبق". وأكد المصدر:" إن سلطنة عمان ستظل الجار الوفي لمواثيقها وتعهداتها لجيرانها ونتمنى لليمن الشقيق كل الخير والازدهار".
* ردود الفعل المحلية حتى الآن، لم تصدر أية ردود فعل محلية رسمية أو من المؤسسات أوأطراف العمل السياسي، وهو أمر طبيعي كون الخطاب جاء في المساء، ولم تمر الفترة المناسبة للإطلاع عليه ودراسته واتخاذ القرار المناسب حوله.
لكن ومن حيث ردود الفعل الشخصية، فقد اعتبر البعض خطاب البيض أنه يأتي في جهة التصعيد الأحمق، حسب وصف الدكتور فارس السقاف – رئيس مركز دراسات المستقبل، ورئيس الهيئة العامة للكتاب – ضمن برنامج "ما وراء الخبر" الذي بثته قناة الجزيرة مساء أمس وتطرق للأوضاع والتجاذبات الأخيرة في اليمن. واتهم السقاف جهات – لم يسمها – بالوقوف وراء البيض وقال فيما معناه أنه : تم وضع البيض في ثلاجه، طوال هذه المدة، وأنه آن أوان إخراجه من تلك الثلاجة لتنفيذ أجندة معينة، مستغلا مثل هذه الأوضاع الحرجة التي تمر بها البلاد.
وفيما أكد السقاف أن هناك إختلالات رافقت المرحلة الماضية منذ ما بعد قيام الوحدة، مرجعاً السبب الرئيسي لمرحلة تقاسم السلطة بداية مع الحزب الإشتراكي، وتالياً مع حزب التجمع اليمني للإصلاح، إلا أنه دعا إلى الوقوف أمام تلك الإختلالات باستخدام الحوار، ولكن تحت سقف الوحدة.
من جهته – وفي البرنامج الحواري نفسه، على شاشة الجزيرة - اعتبر عبد الناصر باحبيب – نائب رئيس حزب التجمع اليمني للإصلاح بمحافظة عدن – أن دعوة السلطة اليوم للحوار جاء متأخراً، بعد تغاظي النظام عن تلك الأخطاء التي ظلت المعارضة تتحدث عنها طوال الفترة الماضية. وفيما لم يهاجم "باحبيب" خطاب البيض الداعي لعودة الأوضاع إلى ما قبل ال22 من مايو 1990، فإنه لم يؤكد صوابية مثل هذا الحل، متهماً السلطة أنها من قادت إلى مثل هذه الأوضاع الخطيرة من خلال سياساتها الخاطئة مع أبناء الجنوب بعد حرب صيف 94.
وفي الإطار نفسه، اعترف محمد عبد المجيد قباطي – رئيس دائرة الشئون الخارجية في الحزب الحاكم (في حصاد الجزيرة، مساء أمس) بوجود أخطاء و إختلالات، قال أنها رافقت الوحدة منذ بدايتها. لكنه أرجع معظم تلك الأخطاء والإختلالات، لقيادات الجنوب، ومن أسماهم "البيض وجماعته" الذين قال أنهم زرعوا الكثير من الأشواك في بنية الوحدة، وذلك أثناء التوقيع على اتفاقية الوحدة. ورداً على تصريحات البيض الأخيرة بقوله أن أبناء الجنوب أقصوا من السلطة والثروة، قال أن البيض ورفاقه أصروا – أثناء التوقيع على إتفاق الوحدة - على إقصاء قيادات تاريخية من أبناء الجنوب، وقيادات الحزب الإشتراكي، مستشهداً في هذا الإطار، بالمطالبة بضرورة إخراج علي ناصر محمد – الرئيس السابق لليمن الجنوبي - من الشمال التي كان مستقراً فيها بعد أحداث 13 يناير 1986. وكذا مغادرة "مكاوي".. وأعتبر أن ذلك كان ضمن المغامرات التي قام بها البيض ورفاقه. وذهب إلى أن مثل تلك المغامرات والحنين لها هي ربما من ستجر اليمن إلى المأسي التي حدثت في الجنوب كما حدث في 86.
واتفق "قباطي" مع زميله الدكتور "السقاف" في أن منهج القسمة والتقاسم، الذي رافق عملية تحقيق الوحدة، أوجد الكثير من الإختلالات. كما أتفق معه على أن الحل يكمن في مواصلة الحوار تحت سقف الوحدة. لكنه عاد مجدداً ليتهم "البيض ورفاقه" بتكسير المؤسسات من خلال ذلك التقاسم، مشيراً إلى فرضهم لموظفين من الجنوب في مواقع دبلوماسية عليا بينما كانوا في مواقع دنيا قبل تحقيق الوحدة.. ومثلها في الجيش – حسب قوله.
وبالنسبة للأخطاء التي وقعت فيها قيادات الشمال، أكد أن هناك أخطاء، وأن الحل بمعالجتها وليس بالقفز عليها والمغامرة. وفي الإشارة إلى تلك الأخطاء قال أنها تتمثل في بعض التجاوزات وبعض مظاهر الفساد القائمة. لكنه قال "نحن حالياً في إطار تصحيح الأوضاع، والإختلالات، من خلال الدعوة إلى حكم محلي كامل الصلاحيات.
وأكد أن حزبه يقوم حالياً بحوار شامل مع كل الأطراف لتصحيح مثل تلك الأخطاء، ولكن تحت سقف الوحدة اليمنية، وصولاً إلى حل جمعي كلي يرضي جميع الأطراف، مشيراً – في الوقت ذاته - إلى ما أتفق بشأنه مؤخراً حول تأجيل الانتخابات. وقال في ذلك أن جزء من هذا التأجيل هو من أجل تصحيح الأوضاع، والوصول إلى سلطة محلية كاملة الصلاحيات لتجاوز المركزية، وإتاحة الفرصة للإدارات المحلية في تصحيح أوضاع محافظاتها بعيداً عن المركز، وكذا سيمكن عبرها تجاوز الكثير من الفساد القائم. حسب قوله.
* قادة الحراك يتلقفون التصعيد بالمثل أما "حسن البيشي" – الناشط في الحراك الجنوبي- فقد أعتبر – ضمن برنامج الحصاد – أنهم في الجنوب، كانوا ضحايا لتطلعات كثيرة. وقال " تطلعنا نحو الوحدة العربية، وإتحاد عربي.. وتحت هذا الشعار والتطلعات القومية وقعنا في الفخ". وأعتبر أن "الوحدة لم تتحقق حقيقة وإنما ما تم هو عبارة عن إعلان".
وفي رده على استغراب المذيع من أنه وبعد 19 عام أدركوا ذلك، قال " لا.. نحن أدركنا ذلك منذ البداية، عندما بدأت التصفيات الجسدية ضد قيادات جنوبية . وبعد أن شن رئيس نظام صنعاء الحرب ضد الجنوب.." حسب قوله، معتبرا أن الحرب ما تزال مستمرة حتى الآن.
وكان المذيع علي الظفيري من قناة الجزيرة، حاول إرجاع البيشي عن تلك التصريحات بقوله أن هناك من يعتبر أن ما يحدث يدخل ضمن صراع سياسي بين سلطة سياسية في الجنوب، تريد أن تحصل على السلطة، وقوى سياسية أخرى في الشمال، تريد أن تستأثر على تلك السلطة، ولكن لا يجب أن يصل الأمر إلى تفكيك تلك الوحدة..!! وأن مطالبة البعض بالإستقلال كما يقولون، هي مطالب لا تمثل الشعب اليمني..!! لكن البيشي اصر على الحديث عن الوضع القائم على أنه بين شعبين وليس شعب واحد، معتبراً أن ما حدث في حرب 94 عبارة عن احتلال للجنوب..!!
و عن طبيعة العمل على رفض تلك الإختلالات القائمة، وفيما إذا كانوا سيحملون السلاح في وجه الدولة، أكد البيشي، قائلاً "نحن نظالنا سلمي منذ ثلاث سنوات.. نظال سلمي حضاري من أجل استعادة حريتنا وبلدنا" لكنه عاد ووصف ما يحدث بأنه عبارة عن "احتلال متخلف" حسب زعمه. واستشهد بخطاب البيض (الذي وصفه بالمناضل ورئيس دولة الجنوب)، من خلال تأكيده الحديث عن الاحتلال الشمالي للجنوب.
* مخطط مدروس ويعتقد أن التصعيد الأخير المتمثل بظهور "البيض" وتوجيهه خطاباً تلفزيونياً لما أعتبره ل"شعب الجنوب"، يأتي ضمن سلسلة لمخطط مدروس من التصعيدات والأحداث الأخيرة، في الداخل والخارج. والتي بدأت بتصريحات حيدر أبوبكر العطاس التلفزيونية الأخيرة، بضرورة فك الارتباط، وقبلها بأيام، إعلان الشيخ طارق الفضلي الأنتقال من موالاة النظام، إلى الانضمام لقيادة الحراك الجنوبي، وتصعيده الخطاب الإنفصالي، وتواصل "البيض" معه تلفونياً، ومن ثم المواجهات الأخيرة في ردفان مع السلطات الأمنية، والتي أفضت إلى مغادرة علي سالم البيض سلطنة عمان، إلى النمسا – قبل أيام – والالتقاء بالمعارض الجنوبي "أحمد بن فريد" هناك ( أعلن طلبه اللجوء السياسي في النمسا قبل أشهر قليلة فقط). ومن ثم ما تلا ذلك من الحديث عن خطاب سيلقيه "البيض" من الخارج بمناسبة الذكرى ال19 للوحدة، وتحقق ذلك في الميعاد المحدد مساء أمس، بخطاب تصعيدي موجه بطريقة مدروسة.
كل ذلك بتراتبه وتصاعده الدراماتيكي، يكشف عن مخطط مدروس، يمكن أن يكون متصلاً بوعود خارجية – كما يعتقد البعض – ليفضي لأحد أمرين: إما للضغط على السلطة لتقديم تنازلات كبيرة تتفق وحجم التصعيد، بتدخل عربي أجنبي للحوار بين الطرفين من أجل ذلك.. ما لم، فيكون الخيار الآخر، بالضغط في إتجاه الإنفصال. وهو ما يعتقد البعض أن نظام الرئيس صالح كان يمتلك بعض المعلومات الهامة في هذا الإتجاه، الأمر الذي حدى به للتصعيد من جهته بالتهديد غير المباشر، بعودة شبح الحرب، وذلك من خلال الرسالة التي قدمها أمس في العرض العسكري الكبير.
وفي كل الأحوال، يبدو أن المرحلة القادمة التي ستدخلها اليمن، بعد خطاب "البيض" غير تلك المرحلة التي مرت بها خلال الفترة الماضية على مدى ال 15 عاما التالية لحرب صيف 94. وهو ما ستكشفه قادم الأيام..