دأبت الحكومات المتعاقبة في بلادنا على بيع الوهم لموظفي الدولة قبيل المواسم الانتخابية أو عند النوازل الإقليمية، عن طريق فقاعات وبالونات إعلامية مبالغ فيها لتضليل الناس وكسب ودهم والتنفيس عن غضبهم المكبوت. هذه المرة خرج علينا الوكيل المساعد لمصلحة الضرائب شاهراً لسانه يبشر موظفي القطاع العام والمختلط والخاص بخفض ضريبة المرتبات والأجور بنسبة تصل إلى 50٪، إضافة إلى رفع حد الإعفاء السنوي إلى عشرة آلاف ريال بدلاً من ثلاثة آلاف ريال في القانون السابق. وإمعاناً في التضليل أضاف الوكيل بأن القانون رقم (17) لسنة 2010م الخاص بضرائب الدخل- الذي أصبح نافذاً من شهر يناير الجاري-سيعمل على تحسين مرتبات موظفي الجهاز الإداري للدولة مدنيين وعسكريين بالإضافة إلى موظفي القطاعين العام والمختلط والخاص. واللافت أن هذا التصريح قوبل بارتياح كبير في أوساط الموظفين الذين يترقبون حالياً مرتبات الشهر الجاري بفارغ الصبر، وتبادر إلى أذهان البعض منهم حين تناهى إلى مسامعهم بأن نسبة التخفيض50% أن الزيادة في الراتب ستكون مرتفعة، مع أن هذا التصريح يصدق عليه المثل القائل" تمخض الجبل فولد فأرا" وإليكم التفاصيل: صادق البرلمان على هذا القانون العام الفائت تحت مسمى " قانون ضرائب الدخل الجديد رقم 17 لسنة 2010م" وصدر تعميم به من مصلحة الضرائب بتاريخ 19/9/2010م يحدد نفاذه ابتداء من شهر يناير الجاري، وبالتالي فإن " الخبر قديم" وليس كما حرص الإعلام الرسمي على تسويقه تماشياً مع أحداث تونس بأنه "طازج من الحكومة إلى الموظف"..هذا أولاً. ثانياً، وهذا الأهم، أن القانون المشار إليه نص على أن ضريبة المرتبات والأجور تحتسب كالتالي: - العشرة الألف الأولى من الراتب الأساسي للموظف معفية من الضرائب. - العشرة الألف الثانية من الراتب الأساسي بنسبة 10%. - ما زاد على العشرين ألف ريال نسبة 15%. ولكي نكشف حجم التضليل الرسمي بصورة أكثر توضيحاً سنجري عملية حسابية على مرتب أحد الموظفين استناداً لقانون الضرائب الجديد لنعرف حجم الزيادة التي ستطرأ على المرتبات خلال هذا الشهور وبقية الشهور القادمة. فالموظف المُصنَّف في هيكل الأجور على أنه في "المستوى الثاني، الدرجة الرابعة" والذي عادة ما يكون راتبه الأساسي مبلغ 59843 ريالاً ستكون الزيادة الناتجة عن تخفيض الضريبة بنسبة 50% كما يلي : - ال 10.000 الأولى من الراتب معفية من الضريبة. - ال 10.000 الثانية من الراتب ستكون الضريبة منها بنسبة 10%، يعني 10.000 ضرب 10 قسمة 100، وسيكون الناتج: 1000 ريال. - حين نخصم ال2.000 السابقة من إجمالي الراتب الأساسي سيتبقى: 59843-20.000 = 39840 ريال. - إذن تبقى من الراتب 39840، وستكون الضريبة عليها بنسبة 15%، يعني : 5976 ريال، وإذا ما أضفنا إليها ضريبة العشرة الألف الثانية" 1000" ريال فإن إجمالي الضريبة المخصومة من راتب هذا الموظف وفقاً للقانون الجديد ستكون 6976 ريالاً. - ولكي نعرف حجم الزيادة الحقيقية التي سيحصل عليها هذا الموظف، نقوم بطرح الضريبة التي كانت تخصم عليه بناء على القانون السابق والتي تسمى في كشوفات المرتبات " كسب عمل"..نطرحها من إجمالي الضريبة التي ستخصم عليه بناء على القانون الجديد، وستكون هكذا: 11568-6976= 4592 ريالاً. * إذن فموظفو " المستوى الثاني، الدرجة الرابعة" الذين يستلمون مرتبات تصل إلى ال60 ألف ريال سيحصلون على زيادة مقدراها أربعة آلاف ونصف، فكيف سيكون الحال مع موظفي المستويات والدرجات المتدنية، وهم الغالبية العظمى، لا شك أنهم سيحصلون على مبالغ زهيدة لا تسمن ولا تغني من جوع. * التهرب من تنفيذ قانون الأجور لا يمكن تفسير هذه الخطوة سوى أنها تنصل للحكومة من واجبها في ضمان حياة كريمة للعاملين في القطاع الحكومي، ويأتي في مقدمتها تحريك سلم الأجور، كما أنها محاولة للهروب من تنفيذ قانون الوظائف والمرتبات، الذي أقره مجلس النواب في جلسته المنعقدة بتاريخ 28/6/2005م باسم "قانون نظام الوظائف والأجور والمرتبات" وأصدره رئيس الجمهورية في 18/7/2005م برقم 43 والذي حدد الأجور والمرتبات في مستويات السلطة الستة: المدنية والعسكرية من الدرجة (20) إلى الدرجة (1). ونص على أن يكون الحد الأدنى للراتب بما لا يقل عن (20000) ريال كأقل راتب للدرجة العمالية التي لا يحتاج الموظف فيها على مؤهلات ولا خبرات، وإنما هي درجة خدمية في السلك المدني، بما يعني أن أي شخص يلتحق بالوظيفة العامة وليس لديه أي مؤهلات- حتى الابتدائية- أو خبرات سابقة فإن راتبه يكون عشرين ألف ريال. وبحسب البرلماني الشيخ علي الورافي- عضو لجنة صياغة قانون الوظائف والمرتبات- فقد حدد هذا القانون الحد الأعلى للراتب ثمانية أمثال الحد الأدنى، وأن الراتب للدرجة (1) من المستوى الأول من وظائف الإدارة العليا (160000) ريال، ويعتبر بداية الربط للدرجة كما جاء في الفقرة (ه) من المادة (3) من القانون:( يستحق هذا الراتب وكيل وزارة أو من يحمل رتبة لواء) ويضاف إلى كل درجة علاوة سنوية حسب سنوات الخدمة. كما ألزم القانون الحكومة بإعداد واعتماد بدلات مصاحبة للهيكل الموحد تسمى (بدل طبيعة عمل) وتشمل وظائف الأكاديميين في الجامعات اليمنية ووظائف الصحة والتعليم والإعلام والصحافة ووظائف مراكز البحوث الأكاديمية والفنية أو أي وظائف أخرى تقتضي طبيعة عملها ذلك..... الخ، وهو ما تتهرب الحكومة من تنفيذه. وحدد قانون الأجور راتب الدرجة 19= راتب الدرجة 20+ 7368= 27368 وراتب الدرجة 18= راتب الدرجة 19+ 7368= 43737أي بزيادة تصاعدية بين الدرجة والدرجة 7368ريالاً. ونص في المادة 33على رفع المعاش التقاعدي كأدنى راتب تقاعدي إلى 20000ريال، وأما المعاش التقاعدي الذي يزيد على 20000ريال، فتضاف إليه الزيادة حسب التدرج في زيادة المعاش التصاعدي وإعطاء المتقاعد 50% سنويا من العلاوات التي يستحقها الموظف العامل، ويجب أن يعطى الموظف العامل والمتقاعد من المدنيين والعسكريين ويحاسبون بالزيادة من تاريخ صدور القانون في 18/7/2005م، ويحاسب الموظف العامل والمتقاعد بالزيادة على المدة الماضية بأثر رجعي وليس كما نفذته الحكومة التي تتحايل على حقوق المستحقين، فما نفذته الحكومة لا يمت إلى القانون بصلة وإنما هو التفاف على القانون وتضييع للحقوق المكتسبة للموظف. وقد أكد القانون على أن يُعمل بمواده من تاريخ صدوره دفعة واحدة وليس على مراحل، فقد نصت المادة (41) من القانون (يعمل به من تاريخ صدوره وينشر بالجريدة الرسمية) وأما ما تسميه الحكومة بالإستراتيجية الوطنية للأجور والمرتبات، فهي إجراءات إدارية لم يقرها مجلس النواب وليست جزءا من القانون وإنما هي عملية تعمية وتتويه لأصحاب الحقوق ومماطلة كي لا ينالوا حقوقهم القانونية، وتطبيقها بالشكل القائم مخالفة للقانون وضياع للحقوق المكتسبة.. وقد صدرت توجيهات رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء بتنفيذ القانون نصا وروحا من تاريخ صدوره، كما ورد ذلك في قرار مجلس الوزراء رقم (273) لسنة 2005م بما يفيد تنفيذ القانون نصا وروحا من تاريخ صدوره، غير أن الحكومة عطلت توجيهات رئيس الجمهورية ونفذت القانون بطريقة هزيلة لا تتضمن 30% من الزيادة وكرست الزيادة غير المقبولة في الوظائف العليا دون مبالاة بدستور الجمهورية ولا بالقانون المذكور.