عندما طالعنا الرئيس يوم الجمعة بتصريحه لتسليم السلطة استبشرنا خيرا وقلنا انه اختار الطريق المشرف قبل ان يكمل شرط التسليم فقط لأيدٍ أمينة , وضع تحت "أمينة" الف خط ,فهذا شرط تعجيزي وضعه الرئيس في مرمى المعارضة حسب تفكيره , كونه يسقط واقعه ومن حوله على الشعب , والإسقاط كما يعرّفه علم النفس "هو حيلة دفاعيه يلجأ إليها الفرد الفاشل باتهام الآخرين بالفشل ويرمي الآخرين بعيوبه ونواقصه . ويكون الإسقاط في العادة على مرحلتين يتجلى في الأولى عجز الفرد عن معرفة خصائصه الحقيقية وإدراكها وفي الثانية اعتماد الفرد على رمي شخص أخر بعيوبه وفي هذه الحالة يهدف إلى تخليص نفسه من صفه غير مرغوبة ويرميها على الآخرين وقد لا يكون ذلك بإدراك وشعور ", هذا التصريح أوقع الرئيس في ورطة فان سلمها الى أي طرف فسيكون الانطباع لدى الشعب ان هذه الفئة هي الأمينة لانه من وعد بذلك وتعهد , واذا لم يسلمها فهو ينفي الأمانة عن الشعب اليمني وفي كلتا الحالتين هو في ورطة . ورطته الكبيرة منبعها حاشيته التي تخاف على مصالحها لا مصلحة الرئيس او البلد وهو ما حصل بالفعل مع شاه ايران في لحظاته الاخيرة فقد ذكر إحسان نراغي في كتابه "من بلاط الشاه إلى سجون الثورة حيث التقى نراغي الشاه عدة مرات قبل أشهر من سقوطه وصارحه فيما يجري خارج القصر حيث كان الشاه أسير ما يقوله له رجاله الذي عادة ما يكون بعيدا عن الحقيقة والواقع، فالحاشية في هذه الظروف الحساسة والخطيرة تحرص على إسماع الزعيم ما يود ويطرب لسماعه، والنخب تجيب المسؤولين بما يتسق وخط النظام السياسي ، وحين سأل الشاه نراغي عن رجاله وهو يرى المظاهرات المعارضة له أجابه ، إنهم يتجولون في شوارع الشانزليزيه , وحين تصاعد التمرد كان نراغي يطرح على الشاه ملكية دستورية مشروطة والتنازل عن بعض صلاحياته وسلطاته ولكن يبدو الذي حال دون اتخاذه هكذا قرار هو خوفه من الحاشية التي ستعارض ذلك خصوصا وأن ذلك سيحد من امتيازاتها المالية الضخمة وهو ما عبر عنه الشاه للكاتب في أكثر من مناسبة ". غير ان قنبلة التوريث مع الفساد المقيم وسوء بطانة الرئيس تضافرت لتجعل غالبية واضحة من اليمنيين تريد التغيير عبرت عنها بثورة سلمية هزت عرش الرئيس وغيرت المعادلة السياسية برمتها درجة استعداد الرئيس وللمرة الاولى تسليم السلطة ولو لأياد أمينة لا ندري من أين نأتي بهم لو فكرنا بعقليته, ولكن اذا اضطررنا قد نستقدم أجانب تتوفر فيهم شروط الرئيس التعجيزية (أمينة) , وهذه إهانة لا يقبلها الشعب اليمني التي التصقت به صفة الأمانة والصدق والحكمة منذ بدأ الخليقة , فإذا كنت ابتليت بحاشية كاذبة خاطئة ايها الرئيس فلا تعتقد أن نساء اليمن عقمن أن يلدن شرفاء أمناء صادقون . أقول ذلك لأنه لو كان صادقا لوجدهم لحظة خطابه وسلمهم السلطة فلا داعي ان يهين الشعب وهو في الرمق الاخير , فلم يفعلها بن علي أومبارك , وبالعكس فقد امتدحوا شعوبهم حتى في اللحظات التي كانت شعوبهم تهينهم ولكنه يقتفي أثر القذافي وهنا يكمن سر إرسال مبعوثه الخاص الى القذافي في الوقت الذي نبذه العالم أجمع ولذا نجد التشابه في خطاب الرجلين فالقذافي يهين شعبه بحبوب الهلوسة والرئيس صالح يهينهم بتجارة المخدرات وانعدام الأمانة. ختاما نتمنى من الرئيس ان يكون أكثر نبلا من الملك فاروق الذي قال عند رحيله - كما جاء في مذكرات محمد نجيب قائد الثورة - " إن الجيش ليس ملكي وإنما هو ملك مصر، ومصر وطني، وإذا كان الجيش قد رأى أن في نزولي عن العرش ما يحقق لمصر الخير، فإني أتمنى لها هذا" مع الأخذ بعين الاعتبار أن فاروق كان ملكا فالمتوقع منه تشبثا بالملك باعتبار العرف الملكي بالتوريث للعائلة بعكس الرئيس الجمهوري الذي يفترض أن يسلم البلد أمام ثورة شعبية وليست مجموعة صغيرة من الجيش , فهل يتمنى الرئيس الخير لليمن كما تمناها الملك فاروق ويرحل . نصيحة للمستقبل هذا الرئيس هو صنيعتنا وتطاوله بسبب سكوتنا عنه تارة وتمجيده تارة أخرى فلنتعلم من هذا الدرس لقادم الأيام ونحجم عواطفنا عن المديح والتصفيق لأي رئيس قادم حتى لو صلى على الماء .