مفصلية سوريا بين ثورات الأسلمة والسلمية والاستعمار والاستعمال حصار وقتل عرفات بالسم سلمية كما الثورات! كنت في سوريا في آخر مبايعة للرئيس الراحل حافظ الأسد، ومعي من اليمن الزميل العزيز احمد الجبلي إلى جانب عدد من الصحفيين والأكثر من مصر الشقيقة. ربطاً بالأحداث والتطورات حتى الآن فخلال حضورنا تلك المحطة كان من الفعاليات التي نظمت وحضرناها مؤتمر صحفي لنائب الرئيس آنذاك "عبدالحليم خدام". في ذلك المؤتمر لم يستفز خدام إلا من سؤال لزميلة صحفية من مصر، فحواه: ما صحة أن سوريا تسعى للدفع بخدام وترشيحه للأمانة العامة للجامعة العربية؟.. الرجل لم يجب بكلمة واحدة، واكتفى بأعلى قدرات التعبير بالملامح عن السخرية والانتقال إلى سائل آخر. حكاية الترشيح للأمانة العامة للجامعة العربية لم تكن قضية السؤال ولا قضية الإجابة، ولكن ما كان يناقش على أي مستوى، هو هل ستسير سوريا على نهج مصر ويصبح نائب الرئيس هو الرئيس في حالة حدوث مفاجأة أو وفاة محتملة؟!!.. مثل هذا التساؤل يطرح تساؤل ما إذا كان نائب الرئيس سيظل في موقعه حتى حدوث مثل هذا الاحتمال؟!!. يأتي مثل هذا التساؤل والطرح أو الاستقراء في ظل جديد مصر التي لم يعين فيها نائب رئيس، وفي ظل جديد ملكي حين مجيء ملك الأردن الحسين في مرضه وتنحية أخيه من ولاية العهد وتنصيب نجله عبدالله تحسباً لوفاته!!. فالسؤال الذي وجه لخدام بأن التوريث لنائب الرئيس هو أفضلية هل ستصلها سوريا؟!!.. وقد يكون فحوى السؤال الموازي من حالة الأردن، هو أن التوريث للشقيق هو أفضل منها للابن، وبالتالي كان الطبيعي أن نكون واقعياً أو وعياً محاصرين بتجارب ما بعد الثورات العربية، ابتداءً من ثورة 1952م بما في ذلك أوضاع وتموضع الملكيات. هذا هو الواقع بكل وأهم حقائقه، لا يستطيع أحد إنكاره أو المكابرة عليه، وإذا ما تسمى "الثورات السلمية" جاءت من متراكم هذا الواقع أكثر مما هي من مد ومتغير خارجي في ثقلها، فإنه كان يفترض حضورها قبلاً وبأي قدر من التأثير في محطات ذات أهمية واستثنائية في بلد كسوريا مثلا. عندما تأتي ثورة سلمية من متراكم عليها إثبات سلمية من محطات هذا المتراكم كحضور يحس ويلمس، وبدون مثل هذا الحضور خلال تعديل الدستور السوري ونقل السلطة لنجل حافظ الأسد بشار يؤكد أن الثورة حالة مفاجئة بل وينفي مجيئها من المتراكم. في سياق آخر للتطورات فإنني وغيري نقر واقعياً بأن إصلاحات تحققت وتحسن وضع الحريات في سوريا الابن "بشار" بأفضل مما كانت وظلت في عهد والده. إذا نحن نتحدث عن ثورات سلمية فنحن نكون بصدد ثقافة التغيير السلمي الواقعي، والأفضلية تحقيق هذا التغيير كسلمية وكواقعية من خلال النظام ما أمكن وبأقصى ما يمكن، فيما التغيير الاقصائي هو تنظير من الغرب ثم تشبيع ثقافة الثورات به، وهو يضيف إلى أخطاء أي نظام وأي صراعات في الواقع خطايا كصراعات وعنف أو تدمير للواقع ومنجزات ومكاسب تحققت بلا طائل ولا مبرر. فالاعتصامات لم تعرف أو تترسخ لا في ثقافتنا السياسية ولا في سلوكنا السياسي والاجتماعي، وهي ثقافة قادمة ومصدرة من الغرب، ولو كان التأثر بها أو تصديرها طبيعياً فإنها كانت ستأخذ النمط الغربي كاعتصامات مطالبية، يحتاج التركيم والوصول إلى متراكمها كثورة ما بين 5- 10 سنوات. أول وأكبر وأقوى خداع يمارسه الغرب بعد تشبيع ثورات الإقصاء، غير السلمية وغير السليمة هو خداع اختزال الإقصاء للصراعات واختزال الصراعات في الإقصاء وتقديم عنف هذا الصراع شديد التفاعل والاحتدام إلى مستوى من الإرهاب في الواقع للواقع على أنها ثورة في الواقع أو سلمية للواقع. كأنما نحن أمام مشهد من أفلام "هوليود" حيث يخرج معتصمون بحكم مسبق وثقافة متشبعة بالإقصاء، ويمارسون استفزاز وإنهاك النظام، وكلما أقدم نظام على تنازلات رفع هؤلاء سقف المطالب، فيما الغرب بحروبه الإعلامية والسياسية يكمل مهمة اجهاظ وإقصاء نظام على أنها ثورة سلمية. لست في هذا التعاطي مثلاً بأي قدر أدافع عن النظام في سوريا، ولكن الذي لم يتح لنا أو لم نتح لأنفسنا المجال والإمكانية حتى للتفكير بأدنى أخطاء الأنظمة أو أي نظام، هي قضية فيما الثورات السلمية هي قضية أخرى كفهم ومفهوم وكثقافة ووعي وممارسة. إذا الاتحاد السوفيتي كانت استراتيجيته أيديولوجيته ويصور الشيوعية أنها طريقنا إلى الجنة، فأميركا اقنعتنا كاسلام أو اخوان بأن الطريق إلى الجنة هو في محاربة الشيوعية في افغانستان بالنيابة عنها أو معها. إذاً فاستراتيجية أميركا مصالحها ووسائلها ما هو تطرف ومتخلف في ثقافاتنا ووعينا وسلوكنا، وهي بثورات الأسلمة كانت أوصلت خصمها في الحرب الباردة إلى ضعف هو انهزام ماثل، ومن ثم شرعت في الاستعمال كبديل ووريث للاستعمال، والثورات السلمية كما السلمية هي حتى الآن في هذا السياق وليس أكثر مهما رفعت من شعارات أو ضخمها الغرب بالزخم الإعلامي السياسي. يفترض أصلاً ألاَّ نكون مع استثمار أخطاء في الواقع لثورات أسلمة تصدر إلى افغانستان، كما لسنا مع استثمار أي أخطاء للأنظمة لاستعمال بديل للاستعمار وليس أكثر. لو أن ما تسمى "الثورات السلمية" جاءت من ثقافة وتلقائية التأثير والتأثر فقط ولا علاقة لها باستراتيجية وأهداف واستعمالات آخرين، فإنها كانت ستبدأ وتستمر كاعتصامات مطالبية فقط ولعدة سنوات، وإذا وصلت بعد خمس سنوات أو أكثر إلى إجماع شعبي كثورة فإنه يكون لهذا السياق قوة منطق وقدرة اقناع. إذا الغرب هو من جاء بالشاه ليحكم إيران ويمنع أي تسلل أو توغل سوفيتي في فترة وأوج قوته، فإن من السهل على الغرب حين ضعف الاتحاد السوفيتي إقصاء هذا الشاه بثورة سلمية يقودها الخميني أو غيره، خاصة والشاه مارس غلو الانفتاح إلى تحلل وانحلال هيأ أرضية الثورة السلمية. هكذا سار التفكير أو قناعات أميركا حين تقديم البديل "الحلبي" لنظام صدام حسين والبعث في العراق، واضطرار اللجوء لتوليفة نظام غير مقنعة بعد الغزو، لا تجسد غير الصراع الطائفي داخلياً وتوافق صراع أميركا وإيران خارجياً. لقد شاركت واشتركت أخطاء الواقع وأخطاء الأنظمة وأخطاء تيارات القومية والأسلمة في حروب افغانستان وحرب العراقوإيران ربطاً بما تولد منها وتبعها في إطار التطورات والصراعات، والذي مارس احتواء كل ذلك وليس فقط العراقوإيران – كما كان يطرح- هو الذي مارس الاستعمال وهو المستفيد الأكبر. فتطرف الإقصاء في ثقافة ما تسمى "الثورات" هو تطرف للاستعمال أو في الاستعمال الغربي، وبالتالي فإنني لا أدافع عن نظام القذافي في ليبيا، واتفهم موقفاً صعباً وضعت فيه الثورة، ولكن تطرف اعدام البدائل وتطرف الإقصاء هو خطيئة الغرب، الذي يريد ثورات هكذا تجاه ما حل بواقع ومجتمع ليبيا من قتل واقتتال وخراب ودمار، وتأتي أخطاء الأطراف الأخرى بعد ذلك كالنظام والثورة. الاعتصامات أو ما تسمى "الثورات" لو استعملت كقوة ضغط على الأنظمة لإصلاح أخطاء خلال نصف عقد أو أكثر لكان ذلك اجدى لصالح واقع وشعوب هذه المنطقة، وذلك كان يمكن السير فيه لو كانت هذه الثورات من أجل واقع الشعوب فقط لأي أهداف تطورية. كون الثورات بأي قدر من الوعي أو بدونه هي لحاجيات الاستعمال الخارجي ولأهداف لا يستطاع حصرها أو تحديدها بالضرورة، فذلك ما فرض التطرف والإقصاء في ثقافة هذه الثورات، وما يحاول فرضه في وعلى الواقع قسراً بما لا يفرق عن الثورات الشمولية الأخرى. الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ظل إرهابياً وبرأه اتفاق "اوسلو" مؤقتاً ليعيده الرفض لعرض "كامب ديفيد" في آخر فترة كلينتون وليتم محاصرته بتلك الطريقة المهينة حتى وضع حد لحياته بالسم الزعاف. منذ اندثار الاتحاد السوفيتي فأميركا ومن ثم الاتحاد الأوربي كغرب لم تستطع تطبيق وتنفيذ اللاشرعية إلا في منطقتنا وتجاه العرب تحديداً، وذلك ما يتجسد في غزو العراق ومن ثم في استثنائية المنطقة بحزمة ثورات أبرز سماتها انحدار الوعي إلى مستوى مفزع. الأستاذ عبدالحليم خدام نائب الرئيس الراحل حافظ الأسد سرعان ما انتقل بعد مجيء بشار رئيساً للمعارضة ومن الخارج، ولا أدري إن كان يستطيع ما لا قدرة لي عليه في توقعات ما ستؤول إليه الأوضاع في سوريا في ظل الربط بحزب الله وإيران أو الصراع مع إسرائيل والوطن البديل، وما إلى ذلك!.