إب.. مواطنون يشكون تضرر منازلهم من تفجيرات في جبل مجاور لقرية أثرية في السياني    الرئيس الزُبيدي يُعزّي العميد الركن عبدالكريم الصولاني في وفاة ابن أخيه    صنعاء: حركة تنقلات جديدة لاعضاء النيابة - اسماء    وقفة مسلحة لقبائل الزرانيق تؤكد استمرار النفير والجاهزية    خطورة القرار الاممي الذي قامت الصين وروسيا باجهاضه امس    الأمم المتحدة: إسرائيل شيدت جداراً يتخطى الحدود اللبنانية    حلف الهضبة.. مشروع إسقاط حضرموت الساحل لصالح قوى خارجية(توثيق)    موجة فصل جديدة تطال المعلمين في مناطق سيطرة الحوثي مع استمرار إحلال الموالين    سعر برميل النفط الكويتي يرتفع 1.20 دولار ليبلغ 56.53 دولار    مخاطر التهريب والفوضى في حضرموت... دعم المجرم شراكة في الجريمة    إعلان الفائزين بجائزة السلطان قابوس للفنون والآداب    اكتشاف 570 مستوطنة قديمة في شمال غرب الصين    هيئة مكافحة الفساد تتسلم إقراري رئيس الهيئة العامة للاستثمار ومحافظ محافظة صنعاء    اختتام بطولة 30 نوفمبر لالتقاط الأوتاد على كأس الشهيد الغماري بصنعاء    شبوة أرض الحضارات: الفراعنة من أصبعون.. وأهراماتهم في شرقها    بوادر تمرد في حضرموت على قرار الرئاسي بإغلاق ميناء الشحر    أمن العاصمة عدن يلقي القبض على 5 متهمين بحوزتهم حشيش وحبوب مخدرة    وسط فوضى عارمة.. مقتل عريس في إب بظروف غامضة    لحج تحتضن البطولة الرابعة للحساب الذهني وتصفيات التأهل للبطولة العالمية السابعة    انتشال أكبر سفينة غارقة في حوض ميناء الإصطياد السمكي بعدن    قرار مجلس الأمن 2216... مرجعية لا تخدم الجنوب وتعرقل حقه في الاستقلال    دائرة التوجيه المعنوي تكرم أسر شهدائها وتنظم زيارات لأضرحة الشهداء    يوم ترفيهي لأبناء وأسر الشهداء في البيضاء    مجلس الأمن يؤكد التزامه بوحدة اليمن ويمدد العقوبات على الحوثيين ومهمة الخبراء    خطر المهاجرين غير الشرعيين يتصاعد في شبوة    وزارة الأوقاف تعلن عن تفعيل المنصة الالكترونية لخدمة الحجاج    "الشعبية": العدو الصهيوني يستخدم الشتاء "سلاح إبادة" بغزة    الأرصاد: أجواء باردة إلى شديدة البرودة على المرتفعات    مدير مكتب الشباب والرياضة بتعز يطلع على سير مشروع تعشيب ملاعب نادي الصقر    شركة صقر الحجاز تثير الجدل حول حادثة باص العرقوب وتزعم تعرضه لإطلاق نار وتطالب بإعادة التحقيق    عمومية الجمعية اليمنية للإعلام الرياضي تناقش الإطار الاستراتيجي للبرامج وتمويل الأنشطة وخطط عام 2026    بيريز يقرر الرحيل عن ريال مدريد    تنظيم دخول الجماهير لمباراة الشعلة ووحدة عدن    فريق DR7 يُتوّج بطلاً ل Kings Cup MENA في نهائي مثير بموسم الرياض    مقتل وإصابة 34 شخصا في انفجار بمركز شرطة في كشمير الهندية    معهد أسترالي: بسبب الحرب على اليمن.. جيل كامل لا يستطيع القراءة والكتابة    ضبط وكشف 293 جريمة سرقة و78 جريمة مجهولة    مليشيا الحوثي تستحدث أنفاقا جديدة في مديرية السياني بمحافظة إب    مؤسسة الكهرباء تذبح الحديدة    وديا: السعودية تهزم كوت ديفوار    توخيل: نجوم انكلترا يضعون الفريق فوق الأسماء    محافظ عدن يكرّم الأديب محمد ناصر شراء بدرع الوفاء والإبداع    المقالح: من يحكم باسم الله لا يولي الشعب أي اعتبار    الصين تعلن اكتشاف أكبر منجم ذهب في تاريخها    نمو إنتاج المصانع ومبيعات التجزئة في الصين بأضعف وتيرة منذ أكثر من عام    الإمام الشيخ محمد الغزالي: "الإسلام دين نظيف في أمه وسخة"    حكام العرب وأقنعة السلطة    مي عز الدين تعلن عقد قرانها وتفاجئ جمهورها    الحديدة.. مليشيا الحوثي تقطع الكهرباء عن السكان وتطالبهم بدفع متأخرات 10 أعوام    وداعاً للتسوس.. علماء يكتشفون طريقة لإعادة نمو مينا الأسنان    عدن.. انقطاعات الكهرباء تتجاوز 15 ساعة وصهاريج الوقود محتجزة في أبين    جراح مصري يدهش العالم بأول عملية من نوعها في تاريخ الطب الحديث    عدن تعيش الظلام والعطش.. ساعتان كهرباء كل 12 ساعة ومياه كل ثلاثة أيام    ارشادات صحية حول اسباب جلطات الشتاء؟    اليونيسيف: إسرائيل تمنع وصول اللقاحات وحليب الأطفال الى غزة    قيمة الجواسيس والعملاء وعقوبتهم في قوانين الأرض والسماء    5 عناصر تعزّز المناعة في الشتاء!    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في ثقافة المكان!! ....
نشر في التغيير يوم 29 - 10 - 2005


د. عبد الباقي شمسان
المجتمع المدني وحقوق الإنسان :
المفهومان السابقان ليسا منفصلين، فعلاقتهما تمثل علاقة الجزء من الكل، حيث ان الثاني يعد احد مجالات نشاط الأول وكلاهما يستمدان دلالاتهما ومضامينهما من متن ( paradigme ) واحد الفكر الليبرالي الغربي وفصلنا لحقوق الإنسان كمؤسسات وفاعلين اجتماعيين جاءا تلبية لحاجة منهجية مؤقتة تمكننا من تناول الموضوع بأكثر تفصيل وموضوعية، رغم اننا ندرك ان حقوق
إن المصافحة الأولى لعنوان مقالنا تبين بوضوح بعض الغموض في مكوناته سنحاول أزالته تدريجيا
الإنسان مؤسسات وفاعلين،تشكل حركة قائمة تكاد تنفصل بذاتها، ولكنها اولا واخيرا مجال من مجالات نشاط المجتمع، وهذا ما يفسر تلك الطروحات الفكرية او الاستراتجيات والخطط الموضوعة من قبل المؤسسات الدولية والمنظمات المختلفة التي ترسم دور المجتمع المدني في دعم وتعزيز حقوق الانسان سواء على المستوى الدولي او الوطني، وهذه الرؤية منطقية ولا تثقل كاهل المنظرين والمفكرين في فضاء المجتمعات المتقدمة وعكس ذلك في المجتمعات المتغيرة، ومن هنا ياتي مفهوم الخصوصية المجتمعية، وهذه الاخيرة هي من منحنا شرعية مناقشة علاقة المجتمع المدني ككل وحقوق الانسان كأحد مجالاته، بعبارة اخرى هل ان ذلك المجال بحاجة الى دعم من المجتمع المدني؟ ام ان هذا الاخير ضعيف وبالتالي هو بذاته بحاجة الى دعم؟ اي انه لا يمكن لكيان ضعيف ان يحدث تغيير في احد اجزائه ومن هذا المنطلق يتوجب دعم مؤسسات المجتمع المدني اولا ثم يمكن ان ننتظر منها دعم بقية مكوناتها، فكل مؤسسات المجتمع المدني هي نتاج لسياق مجتمعي مشترك تحمل جميعها جيناته (d.n.a ( وملامحه، ولابد من الاشارة الى ان مفهوم المجتمع المدني من اكثر المفاهيم توظيفا واستثمارا وفقا للحاجات المختلفة لدى المفكرين والسياسيين .
وفي دراستنا هذه لن نتتبع المفهوم في رحلته من موطنه الاصل الى المهجر حيث حمل بدلالات ومضامين مغايرة مثله مثل الديمقراطية، المساواة ... الخ.
فعلى سبيل المثال الديمقراطية تماثل الشورى في المجتمعات العربية الاسلامية، ولن نتتبع كذلك رحلة مضمونه من هيجل حتى انطونيو غرامشي، فذلك الاختلاف الجدلي النظري حول المفهوم لا يلبي حاجة لهذه المقالة .
ما نود الاتفاق عليه منذ البداية هو اننا عندما نتحدث عن مجتمع مدني وحقوق الانسان يتم ذلك تحت مظلة اطار مفهوم الديمقراطية، بغض النظر عن سياستها المجتمعية والحضارية، فالدخول في مناقشة هذه المسألة هنا يعد ترفا فكريا، وهذا لا يعني اننا تحت ذريعة الخصوصية المجتمعية ابتعدنا عن المقارنة اعتمادا على النموذج المثالي كما هو عند ماكس فيبر، بل اننا نؤكد ان الخصوصية تلك تستدعي بالقوة والفعل المقارنة مع النموذج وبناء عليه نستعير تعريف لمفهوم المجتمع المدني من الدكتور برهان غليون(1) ((انه نمط من التنظيم الاجتماعي يتعلق بعلاقات الافراد فيما بينهم لا بوضفهم مواطنين او اعضاء في وطن اي من حيث خلق رابطة وطنية شاملة ( الامة – الدولة )، ولكن من حيث هم منتجون لحياتهم المادية وعقائدهم وافكارهم ومقدساتهم ورموزهم ... ويطلق اسم مدني على التنظيمات والبنى، وبالتالي على التضامنات النابعة عنها التي تختص بانتاج حياة البشر الاقتصادية والاخلاقية والاسرية التي تخضع لتنظيم رسمي شامل وعام من قبل السلطة المركزية)) .
المجتمع المدني :
اذا اعتمدنا على التعريف السابق لمفهوم المجتمع المدني فان اول المعاني ذات البعد الاشكالي تتمثل في تحديد الخيط الفاصل بين المجتمع السياسي والمدني دون فهم طبيعة السلطة السياسية .
فالحدود بين المجتمعين تختلف مع كل تغير اجتماعي (2) ونشير هنا الى نقطة هامة محدودة ايضا لمساحة العلاقة بين المجتمع المدني والسياسي تتمثل في المرجعيات الفكرية والسياسية للنخب الحاكمة في المجتمعات المتغيرة، وكما اتفقنا في السابق على ان تناول المجتمع المدني يتم في اطار الديمقراطية، وهذا لا يعني ان المجتمع يقوم على سيادة الشعب والتعددية، والتداول السلمي للسلطة ... الخ . وبناء عليه لا يمكننا الحديث عن مجتمع مدني في فترة ما قبل الوحدة اليمنية 1990م .
فالمجتمع اليمني سواء فيما كان يسمى بالشطر الشمالي او الجنوبي حكمته نخب سياسية ترفض التعددية السياسية استنادا الى قناعاتها الفكرية والسياسية او تجسيدا لفكرها الأيديولوجي فتوجهات النخب الحاكمة لعبت دورا اساسيا في تجذير الاحادية الحزبية من جهة والقضاء على كل فكر او توجه تعددي بوسائل دستورية، قانونية وزجرية ولا يعني هذا ان السياق المجتمعي كان ارضا خصبة للتعددية .
ان ذلك التراث الاقصائي لم يترك حتى هامش مؤسسي خارج نطاق سيطرة الدولة .
ومع قيام الوحدة اليمنية المشروطة بالتعددية السياسية والحزبية بقرار فوقي، احدث اعترافا دستوريا بالمجتمع المدني الذي مازال جنينا، لا يمتلك مساحة او وجودا داخل الفضاء الاجتماعي فما بالك دربة ممارسة مهامه .
يقول احمد شكر الصبيحي : ((ان جوهر مشكلة المجتمع المدني تتركز في انتشار سلطة الدولة في كل مجالات الحياة المجتمعية مما يجعل من هذه السلطة أداة مراقبة مستمرة وعائقا امام امكانية تحرر الافراد واستقلال المؤسسات الاجتماعية)) (3) .
اذا اعتمدنا على التعريف السابق لمفهوم المجتمع المدني فان اول المعاني ذات البعد الاشكالي تتمثل في تحديد الخيط الفاصل بين المجتمع السياسي والمدني دون فهم طبيعة السلطة السياسية .
وهذا يعني ان 15 سنة غير كافية للحديث عن مجتمع مدني فاعل ومؤثر فما بالك لو شهدت تلك الفترة احداث وتحولات سياسية غيرت موازين القوى داخل الحقل السياسي وجعلته أحادى الهيمنة .
ان للتحديث والتغيير السياسي آليات ينبغي توفرها حتى تحدث تحولا في مراكز السلطة والمجتمع (4)، وفي دراسة للباحث حول مؤسسات المجتمع المدني لم تنشر بعد حاول فيها تطبيق معايير المؤسسية لديها وقد شملت تلك المعايير البناء التنظيمي، تقسيم العمل بين الوحدات الادارية، مستوى ونوعية التدريب والمهارات المعرفية والفنية لأعضائها، فعالية الاداء للناشطين، حجم ومستوى الوسائل التكنولوجية لديها، الارشفة وكتابة التقارير الدورية والسنوية، اتباع الوسائل المحاسبية، درجة الشفافية، مدى فهم الناشطين لفلسفة المجتمع المدني، مفهوم العمل التطوعي، حل الخلافات، العمل الجماعي، واخيرا الممارسة الديمقراطية .
وكانت نتائج الدراسة، تبين بوضوح ضعف تلك المؤسسات وانعدام توفر المعايير السابقة، هذا اضافة الى انها محدودة الانتشار الاجتماعي والجغرافي وغير قادرة على تلبية حاجة المجتمع حيث تتركز بنسبة 95% في مجال التدريب والتوعية ( محدود ) ويغيب البعد الدفاعي والبحثي .
ان مؤسسات المجتمع المدني بمختلف اوجه انشطتها ضعيفة وتحمل نفس الخصائص والسمات وبالتالي لا يمكننا الحديث عن دور المجتمع المدني في تعزيز جانب من اوجه نشاطه في الوقت الذي هو بحاجة الى دعم من خلال تعزيز مؤسساته وخلق التنسيق فيما بينها فجميعها نتاج لنفس البيئة الاجتماعية والسياسية والثقافية .
ثقافة المكان :
ما نقصده بثقافة المكان تلك الخصوصية ( البيئة ) المجتمعية التي تحمل صبغتها الجينية على الافراد والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية، والمجتمع اليمني مثله مثل بقية المجتمعات المتغيرة لا تتأثر فيه عمليات التحديث والتنمية بثقل البنى التاريخية ومقاومتها بل ايضا بانعدام الاستقرار السياسي الذي ينعكس على العمليات التنموية وبالتالي على عملية بناء الدولة الوطنية، واليمن عرف كل ذلك، فالصراعات السياسية والعسكرية لم تتوقف بشكل دوري منذ اعلان النظام الجمهوري عام 1962م فيما كان يسمى الشمال اليمني واعلان الاستقلال عام 1967م فيما كان يسمى الجنوب اليمني مرورا بحرب صيف 1994م وانتهاء باحداث صعدة 2004م .
الكثافة الهشة :
شهدت كل المجتمعات التي تحولت من نظام الاحادية الحزبية نحو التعددية السياسية والحزبية ومنها اليمن تأسيس وظهور عدد هائل من مؤسسات المجتمع المدني والصحف والمجلات وكل الكثافة غير ثابتة فقد تزيد او تنقص وغالبا ما تستمر عملية انعدام الثبات، ومرد ذلك ليس فقط الحرمان السياسي الذي عانى منه المجتمع او الى الطموحات الفردية للقائمين على هذه المؤسسات وانما كذلك الى الاستراتيجيات التي تتبعها السلطات السياسية في تلك المجتمعات في اطار سعيها للاحتواء والهيمنة فتعمل على اختراق وتقسيم الأحزاب او انشأ أحزاب موالية ... الخ .
وبناء على ما تقدم لا يمكن اعتبار كثافة مؤسسات المجتمع المدني في المجتمعات المتغيرة دليلا على جودة وعراقة وفاعلية كما هو الحال في المجتمعات المتقدمة بل دليل ضعف مردة خصوصية تلك المجتمعات وحداثة تجربتها، وخللا في قواعد الممارسة .
معوقات التغيير :
كنا فيما سبق قد تناولنا مسألة العلاقة بين المجتمع المدني وحقوق الانسان وتطرقنا لتلك الرؤية التي تتحدث عن دور المجتمع المدني في تعزيز ثقافة وممارسة حقوق الانسان وهذا منطقي وطبيعي اذا ما تحدثنا عن ذلك دون فصل، ووجهة نظرنا ترى ان مؤسسات المجتمع المدني جلها بحاجة الى دعم ورفع كفاءة على مستوى البناء المؤسسي من جهة و الأداء من جهة أخرى .
وبهذا تستطيع بقية مؤسسات المجتمع المدني الغير عاملة في مجال حقوق الانسان تقديم المساعدة اذا ما كانت مؤسسات حقوق الانسان ضعيفة وبحاجة لدعم تنسيقي او فني او ... الخ .
ولتبيان وجهة نظرنا السابقة سنحاول التطرق بسرعة الى بعض المعوقات التي تقف دون احداث تأثير في البنى المجتمعية على المدى القصير على الاقل ومن هذه المعقوات : غياب ثقافة سياسية،أي منظومة قيم تدعم الممارسة الديمقراطية من خلال نشر ثقافة التسامح المتبادل، وتوفر روح المبادرة، وتزرع الشعور بالثقة السياسية،والاقتدار السياسي، أي القدرة في التأثير على مجريات الحياة السياسية وتبرر جدوى المشاركة، فالديمقراطية ليست مجرد مؤسسات سياسية ومجلس نيابي ... الخ .
فالحكم الديمقراطي اللاشخصاني يعمل على بناء العقل والمؤسسة من خلال جملة من المحددات تتمثل في : البيئة الاجتماعية الاقتصادية، الاطار السياسي، مؤسسات التنشئة الاجتماعية والسياسية، الأسرة، المدرسة، وسائل الاعلام، المساجد .
ولابد من وجود حامل اجتماعي لمنظومة القيم ويتجسد الحامل بالطبقة الوسطى التي تآكلت بفعل تعثر عمليات التنمية التي ادت بدورها الى ارتفاع نسبة الفقر حيث أظهرت نتائج مسح ميزانية الاسرة لعام 1998م (5) ان 17.6% من السكان يعيشون تحت خط فقر الغذاء وترتفع النسبة الى 41.8% من السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر الأعلى، اما نسبة الامية فيشير كتاب الاحصاء السنوي (6) ان نسبة الامية تبلغ لمن هم فوق سن العاشرة 47% ( 78.2 اناث – 27.7 ذكور ) وتشير بعض الاحصائيات التي قام الباحث بمحاولة جمعها ان نسبة الاطفال الاميين يقارب 5 ملايين طفل، وما يقارب مليوني طفل يتسربون من المدارس لاسباب اقتصادية او تربوية، وهناك ما يقارب 400 الف طفل في سوق العمل ومازال الوضع الاقتصادي في تدهور وهو كذلك خاصة بعد اقرار جرعة اقتصادية جديدة في تموز/ يوليو2005م.
الثقافة الاجتماعية :
لا يمكن اعتبار كثافة مؤسسات المجتمع المدني في المجتمعات المتغيرة دليلا على جودة وعراقة وفاعلية كما هو الحال في المجتمعات المتقدمة بل دليل ضعف مردة خصوصية تلك المجتمعات وحداثة تجربتها، وخللا في قواعد الممارسة
تعد ثقافة التنشئة في الأسرة والمدرسة والحزب من أهم مقومات الثقافة السياسية، وكما نعلم ان بنية العائلة تراتبية أبوية وتحتل المرأة والطفل المراتب الدنيا منها وهي بذلك لا تساهم في نشر ثقافة التعددية والاعتراف بالآخر كطرف، اما المدرسة كمؤسسة تنشئة فمناهجها لم تأخذ بعين الاعتبار عند وضعها نصا وصورة مضامين ومبادئ حقوق الانسان وخاصة تعميق المساواة .
وان تم اقرار مادة حقوق الانسان في المدارس فان عدم مراجعة النصوص والصور وتعديلها سوف يؤدي الى غرس قيم اللامساواة في البنية الذهنية للناشئة وهم جيل المستقبل .
ويساهم الفضاء المجتمعي في تعزيز التمايز والتراتب بين الشرائح الاجتماعية، فالرأسمال الاجتماعي التقليدي متواصل في البنية الاجتماعية، وكذلك الشارع اليمني مملوء برموز اللامساواة على مستوى اللباس في بعض الحالات، وطريقة وشكل الجنبية ( سلاح ابيض تقليدي ) ويساهم كذلك النظام السياسي في تعزيز اللامساواة والتمايز بين المواطنين ليس على المستوى الاجتماعي والمذهبي فحسب وانما كذلك على المستوى المناطقي، فقد اعتمد النظام السياسي على تمثيل المشايخ والأعيان في المناطق ذات العصبية القوية وعلى شخصيات تنكوقراطية ( غير مؤثرة في مناطقها ) في المناطق ذات العصبية المنخفضة في مؤسسات الدولة المختلفة وهو تمثيل وفاقي لا يساهم في نشر ثقافة المواطنة التي جوهر الديمقراطية، اما الأحزاب السياسية فبعضها اعتمد على شخصيات اجتماعية تقليدية،بهدف تعزيز مكانتهم داخل الحقل السياسي، ولا تساهم الأحزاب السياسية في نشر ثقافة التعددية والمساواة حيث لم تمارس تلك الأحزاب الديمقراطية الداخلية منذ نشأتها ما عدا حزبي التنظيم الوحدوي الناصري والحزب الاشتراكي اليمني اللذين شهدا تغييرا على مستوى القيادة العليا خلال 2005م .
نشطاء المجتمع المدني :
نتيجة لغياب الشروط الذاتية والموضوعية لنشاط مؤسسات المجتمع المدني بفعالية تلبي احتياجات المجتمع، حدثت قطعية بين النشطاء والمجتمع الذي ينظر اليهم كجماعة ( نخبة ) وتلك النظرة راسخة بفعل الرساميل الاجتماعية والثقافية والرمزية في البنية الذهنية للنشطاء أيضا مما جعلهم يعيدون انتاج اللامساواة وبالتالي فقدان التأثير والتواصل مع المجتمع .
الخاتمة :
طرحت خلال السنوات الأخيرة ومازالت طروحات تنظر الى تكامل الدول والمجتمع المدني والقطاع الخاص بهدف تحقيق التنمية المستدامة، أي تحقيق أهداف الألفية واحيانا تقام فعاليات تتحدث عن دور المجتمع المدني في تعزيز الديمقراطية حينا وحقوق الانسان حينا آخر ... الخ، ولا ننسى الندوات المقامة حول دور القطاع الخاص في عمليات التنمية وتكامله مع الدولة والمجتمع المدني، ونرى ان ذلك لن يتم وسيظل مجرد خطاب يتكرر من مؤتمر الى آخر .
فالجوهر الأساس يكمن في الأنظمة السياسية التي يتوجب اصلاحها من منظور شامل والتركيز على ارساء أسس الحكم الرشيد، ودون ذلك يظل تغير محدود الأثر، واجراء الاصلاح يجب ان يكون الهدف الأول لكل المؤسسات والقوى على المستوى الوطني دون الاعتبار لتزامن ذلك مع المطالب الخارجية التي يفترض العقل البرجماتي توظيفها لتحقيق الهدف المنشود .
(1) برهان غليون وآخرون، المجتمع المدني ودوره في تحقيق الديمقراطية بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية 1992م ص –ص (736-747)
(2) لمزيد من التفصيل، نفس المرجع .
(3) احمد شكر الصبيحي، مستقبل المجتمع المدني في الوطن العربي ( بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية – 2000م ص – ص 134-135 ) .
(4) انظر ثناء فؤاد عبدالله اليات التغيير الديمقراطي في الوطن العربي _ بيروت مركز دراسات الوحدة العربية – 1997م ص 0/ 2 .
(5) كتاب الاحصاء السنوي الجهاز المركزي للاحصاء صنعاء 2003م .
(6) نفس المرجع .

مجلة المراقب العربي اللندنية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.