الدكتور عبد الباقي شمسان: شهد ولا يزال الوسط الإعلامي والسياسي والحزبي جدلاً حاداً حول قانون الصحافة والمطبوعات القديم والجديد الذي اعد دون التشاور مع نقابة الصحفيين أو الشخصيات الاعلامية والأكاديمية ، وقد اقيمت الندوات وكتبت المقالات حول العوائق القانونية و تركزت كل الفعاليات باتجاه القانون وكأن حرية الرأي والتعبير تتوقف عليه.. أي النص القانوني ونحن في هذا السياق لا ننفي أن البيئة القانونية التي يعمل فيها الصحفي مليئة بالعوائق والقيود سوءاً قانون الصحافة والمطبوعات الذي لم يترك مساحة للتحرك بشكل واضح أو بمواد قابلة للتأويل والتوظيف دون حدود،أو قانون الجرائم والعقوبات الذي تضمن عدداً من النصوص المقيدة لحرية الرأي والتعبير، فالمادة 126 فيه تنص على الإعدام بناءً على محظورات مفتوحة تسمح باستغلالها وفقاً للحاجة واخيراً قانون الاجراءات الجزائية رقم (13) لسنة 1994م الذي أدرج ما سماه الجرائم التي تقع بواسطة الصحف أو بأي وسيلة من وسائل النشر تحت الحالات التي تتطلب محاكمة مستعجلة ...الخ. إن البيئة القانونية تعد بعداً من ابعاد تعزيز حرية الرأي والتعبير في بلدان الديمقراطيات الناشئة وفي اليمن بصفة خاصة ومتمايزة بفعل سياسة التقاسم التي اتسمت بها المرحلة الأولى من الانتقال نحو التعددية السياسية والحزبية، فتلك السياسة قامت على التوافق الذي ترسخ وتحول إلى ثقافة شملت كل المسائل والمكونات ، فسياسة التقاسم في المرحلة التأسيسية ونتائج انتخابات ابريل 1993م لم تعلب دوراً في تجذير تلك الثقافة بل اعاقت التوجه نحو الديمقراطية حين شكل ائتلاف ثلاثي وسع التقاسم من جانب واجهض ولادة سلطة ومعارضة باكراً. إن تلك الثقافة التوافقية جعلت العمل السياسي الحزبي الاعلامي يتسم بتجاوز النص القانوني والدستوري أو عدم وضعه في الحسبان عند إدارة الصراع، وتؤكد وجهة نظرنا السابقة شكاوى وتذمر العاملين في المجال الإعلامي من القيود القانونية، رغم انهم في السابق عملوا بحرية في ظل نفس البئية القانونية، ولتبيان المسألة نستشهد بالصراع الذي دار مؤخراً حول اللجنة العليا للانتخابات، حين قبلت الاحزاب السياسية لعبة الدوائر المغلقة وقبلت بما يسمى الأزمة والصفقة القائمة على التوافق والمتجاوزة للنص الدستوري والقانوني في المرحلة السابقة، لم تمكنها تلك الثقافة من اكتشاف حدود وقيود النص،فالممارسة وحدها تمكنهم من ذلك ووجدوا انفسهم محشورين في زاوية ضيقة لا تسمح لهم بالتقاط الأنفاس وبدا لهم أن النص القانوني هو العائق الأساس امامهم. ثقافة الديمقراطية: انتمي بقوة وبتشدد إلى التيار الثقافي الذي يشترط استباق التحول الديمقراطي وجود ثقافة ديمقراطية على المستوى المجتمعي أو النخب السياسية الحاكمة التي تعمل على بذر وتجذير الخيار الديمقراطي من خلال خلق مؤسسات تعمل على بث تلك الثقافة من تجاويف كل المكونات المجتمعية (مؤسسات التنشئة، مؤسسات الدولة والمجتمع المدني) لتصبح الثقافة الديمقراطية قيماً تترجم إلى سلوك فردي وجمعي بشكل لا واع وهذا الشرط لم يتوفر عند انتقال المجتمع اليمني نحو التعددية السياسية والحزبية بل حمل معه ثقلاً تاريخياً من الاحادية على المستوى المجتمعي والنخبوي، ولابد أن أشير هنا إلى أن مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية هي نتاج هذه البنية المجتمعية ما جعلها تفتقر إلى البعد المؤسسي ولا تمارس الديمقراطية الداخلية، وهذا ما اضعف وجودها ومساهمتها وإذا ما اسقطنا وجهة النظر السابقة على المؤسسات الاعلامية، نجد أنه غالبا ما نوجه النقد تجاه السلطة وصحفها الفاقدة لحرية الرأي والتعبير بينما تمارس صحف المعارضة نفس السلوك عندما تفرض الالتزام بتوجيه معين للعاملين لديها، يعزز ذلك عاملاً ذاتياً لدى كل العاملين في المجال الاعلامي يتمثل بغياب المسافة بين المهنية والانتماءات المرجعية: سياسية، فكرية، ...الخ. الاحتياجات: في التقرير العربي المعد من قبل مركز حماية الصحفيين (الأردن) وبالتعاون مع (FREE VOICE) تحت اسم الاستثمار في المستقبل شمل ست بلدان من بينها اليمن وهدف إلى وضع استراتيجية لرفع القدرات الاعلامية وحماية الصحفيين وبالرغم من كوني من اعد الجزء المتعلق باليمن ما عدا متغيرات الاستمارة التي اعدت مركزياً واحتوت على اربعة محاور: معرفة القدرات الذاتية، طبيعة ونوعية الدورات التدريبية التي تحصل عليها الصحفيون في كل بلد، وعلاقة الصحفي ببيئته القانونية والمجتمعية وأخيراً مؤسسات التدريب والتأهيل إلا أنني لا اتفق مع الباحثين في المركز الرئيسي (القاهرة) الذين بنوا رؤيتهم دون الأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات المجتمعية، فهم ينطلقون من ثلاثة متطلبات لتحقيق أهداف الاستراتيجية: رفع القدرات الصحفية وحماية الصحفيين وتركز هنا على البيئية القانونية، ورفع الوعي القانوني ورفع مستوى المهنية وأخيراً الانفتاح على المعارف والتكنولوجية الحديثة، والمحاور الثلاثة آنفة الذكر شرعية وموضوعية ولكنها تفقد جدواها إذا ما انعدمت المساحة الفاصلة بين الدولة والمجتمع المدني (سناتي لهذا العنصر لاحقاً) الذي يلعب في توفير شروط وجودها الصحافيون ومؤسساتهم الإعلامية والمهنية دورا مركزياً. مساحة الأشغال: نقصد بمساحة الاشتغال تلك المساحة التي تتحرك في مجالها مؤسسات المجتمع المدني وتسعى بهمة عالية لتوسيعها باستمرار وفقاً للمبادئ والقيم الديمقراطية، فكما تعلمون أن البلدان المتغيرة أو الموسومة بالديمقراطيات الناشئة تحدد المساحة الفاصلة فيها قوة او ضعف مؤسسات المجتمع المدني من حيث انتشار تلك المؤسسات في الفضاء المجتمعي والمؤسسي من جانب ودرجة مأسستها من جانب آخر،فتلك المؤسسات تقوم بتنظيم الفاعلين مؤسسياً وتمكنهم من المشاركة من خلال تلك الآليات التضامنية وأكاد اجزم هنا أنها أي مؤسسات المجتمع المدني بناء على الاتصال المباشر واهتمامنا البحثي - تفتقر الى المؤسسية وتعاني من الضعف واذا ما أردنا قياس تلك المساحة المخصصة للممارسة الديمقراطية فسوف نعتمد المعادلة القائلة إن البلدان المتحولة باتجاه التعددية السياسية والحزبية بفعل الثورات أو بقرار سياسي دستوري أو غيرها تضيق المساحة أو تتسع بقوة او ضعف المجتمع المدني،فكلما كان قوياً اتسعت وكلما ضعف عادت الدولة إلى مواقعها،فالدولة لهما تراث هيمنة ودربة في إدارة المؤسسات الرسمية و«غير الرسمية» بينما تفتقر إلى ذلك مؤسسات المجتمع المدني. إن العملية السابقة اطلق عليها صراع افتكاك المواقع داخل الفضاء المجتمعي والمؤسسي..على سبيل المثال: نقابة الصحفيين تعتبر موقع صراع فإذا تمكنت الدولة من السيطرة عليها عبر الانتخابات ... و... الخ، فإنها تكون قد عادت إلى موقعها السابق والعكس يؤدي إلى توسيع المساحة الفاصلة وما سبق ينطبق على كل المؤسسات وقد كانت نقابة الصحفيين مجالاً للصراع وقبلها اتحاد الكتاب ونرى أن العاملين في الحقل الاعلامي اتخذوا موقعاً براجماتياً عندما مسكوا العصى في منتصفها، فالاستاذ نصر طه مصطفى يمتاز بقربة من دوائر القرار ويحظى بتقدير واحترام اغلب العاملين في المجال الاعلامي وسوف ينعكس هذا على اداء النقابة فإذا ما وجد بعض الانسجام بين اغلب الهيئة المديرة فمن المتوقع أن تتخذ النقابة منهجاً براجماتياً في إدارة الصراع يقوم على قاعدة اخف الاضرار. وبناء على ما سبق فإننا نمهد لتقديم وجهة نظرنا أو نقدنا للتقرير العربي واستراتيجياته الرابطة بين البئية القانونية ورفع القدرات والانفتاح المعرفي، وتدعمنا نتائج البحث الميداني حيث تشير إلى فقدان الحافز المشجع حيث يرى 69.6 % من العينة ان الدروات لا توفر فرص عمل وفي موضع آخر 71.6% ترى انها أي الدورات ليس لها دور في الترقي الوظيفي أما الانفتاح على المعارف فان نسبة 60% إيدت الحاجة إليه بينما 26.5% لم تقدم إجابة وقبل أن اشرع في طرح وجهة نظرنا لابد أن اشير إلى بعض المؤشرات الاحصائية ذات الدلالة وفقاً لأهميتها لدى العينة حيث وجدنا أن مطلب رفع القدرات المهنية تحصل على نسبة 71% وهي كثافة عالية، أماما يتعلق بمطلب رفع الوعي القانوني نجد أن نسبة 46.1 لم يهتموا نهائياً للمطلب و 31.4 اجابوا بنعم و 19.6 بلا وهذا ما أكد طرحنا السابق المتعلق بالنص القانوني، وفي نفس السياق وجدنا أن نسبة 46.1 % يرون ان مطلب حقوق الإنسان يعد اولويا بمقابل 20.6 % احابوا لا ، 33.3 % ليس لهم اجابة وهذا المؤشر مرتبط بضيق المساحة التي تحدثنا عنها سابقا ويفقد النص القانوني والدستوري وظيفته وجوهر وجودة ويتأكد فقدان الوظفية القانونية بارتفاع الذين لم يعبروا اهتماماً لمطلب ضرورة الدفاع عن حرية التعبير والصحافة حيث كانت نسبتهم 44.1% مقابل 31.4% ضرورياً و 24.5% ليس ضرورياً أما ما يتعلق بالحاسوب والانترنت نجد ارتفاع الطلب إلى 60.8% مقابل 12.1 % لا و 26.5% لا اجابة وأخيراً ما يتعلق باللغات الأجنبية، وهو مؤشر ذو دلالة هامة حيث وجدنا أن 58.8% لم يعطوا اجابة مقابل 25.5 اجابوا بنعم و 15.7% اجابوا لا وذلك يعني أن اغلبية العاملين في المجال الصحفي لا يرغبون بشدة الانفتاح والتواصل مع البيئات الأخرى وبناء على ما تقدم نرى ان حرية الرأي والتعبير ترتبط بشدة بالمساحة الفاصلة بين السلطة والمجتمع المدني وعلى العاملين في المجال الاعلامي العمل على تعزيز وتقوية مؤسسات المجتمع المدني وأولها الحفاظ على استقلال نقابتهم المهنية وضرورة احتلالها موقعاً هاماً في عملية الصراع على افتكاك المواقع من خلال العمل الاعلامي والمساندة النقابية ويعد الوعي بالمسافة الفاصلة بين المهني والانتماء المرجعي السياسي والفكري ...الخ عاملاً هاماً في عملية إدارة صراع افتكاك المواقع. خصخصة: لقد تحدثنا عن العمل الاعلامي ونحن نقصد الصحافة المكتوبة وليس المرئية والمسموعة التي نرى انه يتوجب كخطوة باتجاه تأسيس اعلام حر ومستقل خصخصة جزء من ملكية المسموعة والمرئية وكذلك الصحافة المكتوبة وتحتفظ الدولة بنسبة معينة. إن الصحافة المكتوبة رغم عددها الكبير الذي يصعب علينا تحديده بدقة فالعدد متغير صعوداً وهبوطاً وهذه خاصية بلدان الديمقراطيات الناشئة حيث تفسر تلك الكثافة غير المستقرة كرد فعل ضد الحرمان أو أنها تدخل في سياسة الدولة في الاحتواء والتفريخ أو.. أو.. وفيما يتعلق باليمن نضيف ونشير إلى أن مساحة تأثير الصحافة المكتوبة محدود بالنظر إلى نسبة الأمية وهذا يعني استمرار هيمنة الدولة على مجالها السابق للتعددية. أخيراً: لابد ان نتحدث عن المؤسسات الأكاديمية والتأهيلية الاعلامية فالأولى تفتقر إلى الربط بينها وبين سوق العمل والثانية تفتقر إلى الاستمرارية (المحدثة للتراكم) اضافة إلى قلة المدربين المحليين وفيما يتعلق بالمؤسسات الاعلامية الحزبية والأهلية فانها تفتقر إلى المؤسسية.. ونختم بالمسك.. لم نتمكن عند إجراء الدراسة الميدانية من الحصول على العينة المطلوبة 30 صحفية وهو أمر يحتاج إلى إعادة النظر ثم العمل.