حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    جاذبية المعدن الأصفر تخفُت مع انحسار التوترات التجارية    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    عن الصور والناس    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    منظمة العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية على الهواء مباشرة في غزة    تراجع أسعار النفط الى 65.61 دولار للبرميل    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    "كاك بنك" وعالم الأعمال يوقعان مذكرة تفاهم لتأسيس صندوق استثماري لدعم الشركات الناشئة    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    رئيس كاك بنك يعزي وكيل وزارة المالية وعضو مجلس إدارة البنك الأستاذ ناجي جابر في وفاة والدته    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الديمقراطية البرلمانية هي الأنسب لليمن و العالم العربي!
نشر في التغيير يوم 29 - 11 - 2005


د. عبد الله الفقيه
[email protected]
ذهب الأستاذ والمحلل السياسي اليمني الكبير نصر طه مصطفى في مقال نشر في صحيفة الناس في العدد رقم 269 الصادر بتاريخ 24/10/2005 في الصفحة الخامسة تحت عنوان "اليمن...سباق المبادرات السياسية" الى القول في سياق مناقشته لمبادرات الإصلاح السياسي المطروحة في الساحة اليمنية بشكل رسمي او غير رسمي، بان "النظام الرئاسي يظل هو الأصلح ليس فقط لليمن بل وللدول العربية عموما." ويبني الكاتب النتيجة التي توصل اليها على المعطيات التالية:1- انسجام النظام الرئاسي مع طبيعة وتراث وثقافة الدول العربية ؛2- امتلاك
النظام الرئاسي للضوابط التي تحول دون طغيان الحاكم المنتخب؛ 3- برهنة الأنظمة الرئاسية الموجودة في العالم على فوائد النظام الرئاسي.
ورغم اتفاق كاتب هذا المقال مع الكثير من النقاط التي اوردها الأستاذ نصر حول الطريقة التي تعمل بها المعارضة والدوافع المحركة لها الإ انه يختلف معه في النتائج التي خلص اليها واهمها مقولته بان النظام الرئاسي يظل هو الأصلح لليمن والعالم العربي. فمن الواضح ان الكاتب ربما انطلق، وله كل الحق في ذلك، من جانب ذاتي وليس موضوعي في حكمه بصلاحية النظام الرئاسي. اما المعطيات الثلاثة التي استخدمها الكاتب لتبرير حكمه فمن الواضح انها اما جدلية او تفتقر الى الدليل القوي على صحتها!
ضعف المقدمات
اعتمد الكاتب كما سبق الإشارة في النتيجة التي توصل اليها على عدة معطيات ضعيفة . بالنسبة للمعطى الأول، وهو "طبيعة وتراث وثقافة الدول العربية" ، فالملاحظ ان الكاتب لم يناقش هذا المعطى بالتفصيل ليبين للقارىء العلاقة بين التراث والثقافة العربية من جهة والنظام الرئاسي من جهة أخرى. وكما يبدو فان الكاتب قد نظر الى الثقافة العربية على انها تتصف بالاحادية والتجانس في بعدها القطري الداخلي وفي بعدها القومي العابر للاقطار. وهذا امر يصعب قبوله. واذا كانت النظم الإستبدادية في العالم العربي ومن خلال سيطرتها على ماكنات الدعاية تحاول ايهام الداخل والخارج بوجود ثقافة عربية واحدة بخصائص متشابهة، فانه من الواضح ومن خلال المشاهدة والمتابعة ان ما يوحد العرب هو اما سيف المعز او ذهبه. والدول العربية بشكل عام مع اختلاف في الدرجة فقط هي اقرب ما تكون الى النموذج العراقي بانقساماته الحادة عرقيا ودينيا وجغرافيا، وبالتالي ثقافيا.
اما القول بان النظام الرئاسي هو الأنسب لليمن والدول العربية لإتفاقه مع تراث تلك الدول فهو في ظل الأوضاع الراهنة يبدو وكأنه دعوة صريحة الى الحفاظ على "الوضع الراهن" بكل تشوهاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبكل المخاطر التي يحملها مثل هذا الوضع على المدى المتوسط والطويل. وبالنسبة للحالة اليمنية فان الدعوة الى تبني النظام الرئاسي بحجة انسجامه مع تراث وثقافة اليمنين تبدو وكأنها دعوة الى المحافظة على النموذج الإمامي في الحكم بكل خصائصه وبما يترتب عليه من نتائج ابرزها استمرار حالة عدم الإستقرار السياسي التي مثلت علامة بارزة من علامات التاريخ اليمني.
اما المقدمة الثانية "امتلاك النظام الرئاسي للضوابط التي تحول دون طغيان الحاكم المنتخب" فهي اولا تفتقر الى الدليل الكافي على صحتها. فباستثناء النظام الرئاسي الأمريكي الذي تبلور في ظل ظروف معينة ثم تطور الى ان وصل الى شكله الحالي، فان الإنظمة الرئاسية في امريكا الجنوبية، شرق اوروبا، جنوب الصحراء الإفريقية، وجنوب شرق آسيا قد برهنت على ان النظام الرئاسي هو بيئة خصبة للاستبداد. ويذهب الكثير من الباحثين في السياسات المقارنة الى القول بان نزعة الدول حديثة العهد بالديمقراطية الى تبني الأنظمة الرئاسية انما هو محاولة من النخب الحاكمة في تلك الدول لتركيز السلطة وبشكل يعيد انتاج الإستبداد السياسي. ثانيا، إن الحكم بصلاحية اي نظام لدولة معينة لا يتم فقط بناء على قدرة ذلك النظام على "الحد من الطغيان"، على افتراض ان النظام الرئاسي يمتلك القدرة على ذلك في كل زمان ومكان، ولكنه يعتمد على العديد من المعايير من بينها قدرة النظام الذي يتم اختياره على البقاء والإستمرار وتحقيق درجة عالية من الديمقراطية والتنمية والإستقرار السياسي.
ويقود النقاش السابق الى المقدمة الثالثة التي اوردها الكاتب "برهنة الأنظمة الرئاسية الموجودة في العالم على فوائد النظام الرئاسي" والتي اكتفى الكاتب بايراد النظام السياسي الأمريكي فقط كمثال عليها. وتتمثل المشكلة بالنسبة للمقدمة الثالثة، كسابقتها، في اعتماد الكاتب على حالة واحدة ناجحة واهماله لكل الحالات الأخرى التي تعاني قليلا او كثيرا من الفشل.
افضلية البرلماني
هناك الكثير من الأدلة والقرائن المستمدة من واقع الممارسة ومن تجارب الشعوب الأخرى والتي تؤكد افضلية النظام البرلماني. فقد بينت الدراسات العديدة التي قارنت بين الأنظمة الرئاسية والأنظمة البرلمانية الآتي:
1- انه من بين 93 دولة نالت استقلالها بين عام 1945 وعام 1979 فان 15 دولة فقط تبنت وحافظت دون انقطاع على النظام الديمقراطي فيها حتى نهاية الثمانينيات من القرن العشرين، وكانت كلها ديمقراطيات برلمانية. ويندرج ضمن تلك الدول اكثر ديمقراطيات العالم الثالث نجاحا وهي الهند وبتسوانا وغينيا بيساو الجديدة.
2- عانت جميع الأنظمة الرئاسية التي ظهرت في نفس الفترة (1945-1979) وبلا استثناء من شكل معين من اشكال الإنهيار وعدم الإستقرار.
3- ان معدل انهيار الديمقراطيات وتحولها الى دكتاتوريات بين عامي 1946 و1999 بالنسبة للانظمة البرلمانية والرئاسية قد تفاوت بشكل كبير حيث بلغ معدل فشل الديمقراطيات الرئاسية 1 لكل 24 نظاما رئاسيا في حين ان المعدل بالنسبة للانظمة البرلمانية لم يزد عن 1 لكل 58 . ومع ان بعض الدراسات قد توصلت الى ان الدول التي يقل فيها الدخل الحقيقي للفرد عن 1000 دولار تواجه نفس الدرجة من احتمال الانهيار بغض النظر عن شكل نظامها السياسي الا ان المقارنة تثبت وخصوصا في سياق العالم الثالث الذي يناضل مواطنوه في سبيل الخروج من دائرة الاستبداد ان النظام البرلماني هو الأكثر فرصا في النجاح والاستمرار وتحقيق درجة معينة من الاستقرار ومن المشاركة السياسية.
4- ان الأنظمة الرئاسية اكثر عرضة للانقلابات وبنسبة 40% في حين ان الأنظمة البرلمانية معرضة للانقلابات بنسبة 18% فقط.
5- ان الغالبية العظمى من الديمقراطيات (المستقرة) في العالم هي ديمقراطيات برلمانية في حين تمثل الديمقراطيات الرئاسية المستقرة نسبة ضئيلة.
6- في الديمقراطيات الرئاسية المستقرة يوجد عدد قليل من الأحزاب وذلك لإن الأنظمة الرئاسية لا تساعد على التعاون وبناء التحالفات بين القوى السياسية المختلفة لإن منصب الرئيس لا يمكن شغله الا بشخص واحد. كما ان الرئيس يشكل الحكومة بنفسه وهي مسئولة امامه وليس امام البرلمان.
7- يصاب النظام الرئاسي بالشلل عند تأزم العلاقة بين الرئيس والبرلمان (والتي تحدث في حالة الانقسامات الحادة) لإن الرئيس لا يستطيع حل البرلمان كما ان البرلمان لا يستطيع الإطاحة بالرئيس، وهو ما يقود في ظل تحديد فترة خدمة كل فرع من الفروع الى الإبقاء على الوضع كما هو عليه حتى الإنتخابات القادمة. ويمكن لوضع مثل هذا ان يضر بمصالح المواطنين وبالاقتصاد الوطني.
8- يتم انتخاب الرئيس واعضاء البرلمان مباشرة من قبل الشعب وهو ما يؤدي الى الصراع بين الإثنين وادعاء كل منهما بامتلاك الشرعية السياسية اكثر من الآخر.
9- يؤدي النظام الرئاسي دائما الى فوز فرد واحد بمنصب الرئيس وبالتالي فوز الفئة التي ينتمي اليها ذلك الفرد بكل شي وشعور الفئات الإجتماعية والسياسية الأخرى بانها خسرت المعركة. وعلى العكس من ذلك فان النظام البرلماني بما يتطلبه من اغلبية للحكومة في مجلس النواب يجعل اغلب الناس على الأقل يشعرون بانهم ممثلين في الحكومة.
10- تحتاج الدول حديثة العهد بالديمقراطية والساعية الى تحقيق التنمية الشاملة الى سلطة تنفيذية فعالة وهو ما توفره الأنظمة البرلمانية وليس الرئاسية. فالأخيرة تعمل ببطء شديد ويسهل فيها على معارضي سياسة معينة وان كانوا قلة افشال تلك السياسة نظرا لتعدد منافذ التأثير الناتج عن مبدأ الفصل بين السلطات.
حالة اليمن
تعتبر الديمقراطية البرلمانية الخيار الأفضل للدول العربية، بما في ذلك اليمن، لعدة اسباب. من جهة، فان المجتمعات العربية هي مجتمعات تتصف بالتعدد الديني والمذهبي والعرقي والثقافي والجغرافي. ولا تعتبر اليمن استثناء لذلك. فالمجتمع اليمني هو مجتمع متعدد مذهبيا وقبليا وجغرافيا وعرقيا. وفي مجتمع متعدد مثل المجتمع اليمني والمجتمع العربي عموما يؤدي وصول فئة معينة الى السلطة، بغض النظر عن حجمها، الى الإستئثار بتلك السلطة واستخدام ادواتها لقمع المجموعات الأخرى واجبارها على قبول قسمة ضيزى للسلطة والقوة والثروة.
ولا يحتاج الكاتب هنا الى الكثير من الجهد للعثور على الأدلة. فالأقلية السنية في العراق بقيادة صدام حسين، وباسم الوحدة القومية، مارست ابشع انواع الإستبداد والتمييز والتفرقة بين ابناء الوطن الواحد وقادت البلاد الى الهلاك. وتسير الإقلية العلوية المحتكرة للسلطة والقوة والثروة في سوريا على نفس الخط وباستخدام نفس الإيديولوجية. واذا كان حكم الأقلية السنية في العراق قد سقط تحت اقدام الغزاة فان مسألة انهيارحكم الإقلية العلوية في سوريا، من وجهة نظر الكثير من المراقبين، هي مسألة وقت فقط. وتواجه الأقلية السنية الحاكمة في البحرين ضغوطا شديدة من قبل الأغلبية المهمشة التي تطالب بحقها العادل في السلطة.
وبرغم ان الوضع في اليمن يبدو اخف مما كان عليه الوضع في العراق او مما هو عليه الوضع في سوريا الإ ان الواضح ان الفئات الإجتماعية المختلفة التي يتكون منها المجتمع اليمني قد بدأت تعرف نفسها، وبشكل غير مسبوق، باستخدام الهويات الأولية. وما مناداة الحسني بدولة جنوبية وتمسك الحوثي الأب بجعل الإمامة في البطنين وغير ذلك من الأمثلة سوى تعبير عن ازمة مقبلة. والحالة اليمنية يمكن ان تتطور فتقترب من التموذج العراقي مالم تعمل السلطة والمعارضة على حل المشكلات القائمة. ومن الواضح ان الإستمرار في المحافظة على الوضع الراهن او محاولة تجميله بتلبيسه ثوب الديمقراطية الرئاسية سيقود حتما وكما تدل الشواهد الى تكرار تجربة البلقنة التي مثلت العلامة البارزة في التاريخ اليمني. والتحدي الحقيقي امام كل اليمنيين في السلطة وفي المعارضة هو تحقيق الانتقال من نظام حكم القلة الفاسدة بحسب توصيف الكتاب الغربيين للنظام القائم في اليمن الى حكم الأغلبية. ولن يتأتى امر مثل ذلك الا بالانتقال الى النظام البرلماني. ويمكن لليمنيين ان يفعلوا ذلك بسرعة وبطريقة تجنب بلادهم المخاطر المحدقة بها. كما يمكن لهم ان يصروا على الدفاع عن مصالح انانية ضيقة ويجعلوا من خيار اللبننة قدرا لا مفر منه. واذا كان اللبنانيون قد استطاعوا ان يتجاوزا محنتهم بعد خمسة عشر سنة من القتل بالهوية فان فرص اليمنيين في تجاوز محنة شبيهة بالمحنة اللبنانية مع الحفاظ على وحدة بلادهم، في ظل التأمر القائم على وحدتها، ستكون جد قليلة.
من جهة ثانية، ينبغي الإشارة الى ان المطالبة بالإصلاح السياسي في اليمن هي في المقام الأول مطالبة بالانتقال من نظام حكم استبدادي يدعي الديمقراطية الى نظام حكم ديمقراطي يتم فيه توزيع السلطة بين الفروع الثلاثة للحكومة وفق النموذج البرلماني. ولهذه المسألة اهميتها. فالدولة التي تريد الإنتقال الى الديمقراطية وتحقيق نهضة اقتصادية واجتماعية وثقافية سريعة هي بحاجة الى حكومة فعالة قادرة على صنع القرار بسرعة. وتمتلك الحكومة البرلمانية وحدها القدرة على اتخاذ قرارات سريعة.
من جهة ثالثة، فان هناك العديد من المؤشرات على ان النظم السياسية في العالم العربي ستتطور الى انظمة برلمانية وليس رئاسية. فالمملكة المغربية والمملكة الأردنية الهاشمية، وهما الدولتان الأكثر ديمقراطية في العالم العربي، بحسب الدراسات والتقويمات الغربية، تتجهان بخطى حثيثة نحو الديمقراطية البرلمانية. اما الكويت، والتي تمتلك اقوى برلمان في العالم العربي، فان المؤشرات تدل على انها عندما تتبنى الديمقراطية كمنظومة متكاملة وتسمح للاحزاب السياسية بالوجود القانوني فانها ستكون قد استكملت الشكل البرلماني لنظامها السياسي . وينطبق نفس الأمر على البحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة.
واجمالا، فانه يمكن القول بان هناك العديد من الدلائل على ان الأنظمة الرئاسية (الجمهورية) والملكية التي لطالما تصارعت في العالم العربي سوف تتطور بنوعيها عن طريق الحوار او الصراع وبالتغيير التدريجي او السريع الى انظمة برلمانية تنتفي معها الفوارق الجوهرية بين الشكلين. ولعل سعي الأمريكيين الى إقامة نظام برلماني في العراق (وهو دولة جمهورية) ومن قبل ذلك في اليابان (امبراطورية) والمانيا (جمهورية) لم يأت من فراغ. فالأمريكيون، رغم اعتزازهم الكبير بنظامهم الرئاسي ورغبتهم في جعله النموذج الذي تقلده الدول، هم اول من يدرك محدودية النظام الرئاسي الذي تحكم به بلادهم.
من جهة رابعة، تعاني البلدان العربية عموما من غياب القيادات التاريخية التي يمكن ان تقبل بها جميع القوى والتي يمكن ان ترسي دعائم الأنطمة الرئاسية. فليس هناك في العالم العربي اليوم اشخاصا يمكن ان يكونوا محل اجماع من قبل شعوبهم وان يلعبوا دوراب الثورة الأمريكية جورج واشنطن في ارساء دعائم الأنظمة الرئاسية. وحيث ان الحكام المستبدين في العالم العربي قد عملوا على شراء، افساد، وحتى تصفية الشخصيات التي يمكن ان تنافسهم على السلطة، فان العالم العربي اليوم من المحيط الى الخليج ومن البحر الى البحر يفتقر حتى الى القيادات العادية التي يمكن للناس ان تجمع حولها. كما يعاني المواطن العربي من الوقوع تحت سيطرة انظمة فردية مستبدة تشكل امتدادا للماضي حتى في البلدان التي تم فيها الإنقلاب او الثورة على ذلك الماضي.
وعندما يطالب المواطن العربي اليوم بالديمقراطية فانه يطالب بالخلاص من حكم الفرد الذي يتصف من وجهة نظره بالاستبداد والفساد والأنانية والإرتباط بالخارج على حساب الداخل. ويبدو ان المواطن العربي لن يقبل في نضاله من اجل الديمقراطية ان يغير شخصا بشخص وان ينقل السلطة من فرد صعد اليها بالدبابة الى فرد آخر حتى لو صعد الأخير عن طريق صناديق الإقتراع. لقد جرب المواطن العربي نقل السلطة من المستعمر الى المناضل في سبيل الإستقلال ومن الملك المستبد الى الضابط الجمهوري، وكانت النتيجة هي ان المناضل والضابط قد مثلا امتدادا لأسوء مافي الماضي.
الجاهزية والصلاحية
هناك فرق بين ان يقول الإنسان بان اليمن، او غيرها من الدول العربية، غير جاهزة لتبني النظام البرلماني الذي تشير الدلائل بانه الأصلح لها لتناسبه مع الطبيعة التعددية لسكانها ومع احتياجات عملية التنمية وبناء الديمقراطية فيها، وبين ان يقول الإنسان ان النظام الرئاسي هو الإصلح لتلك الدولة. بالنسبة لليمن، فان هناك الكثير من المؤشرات التي تدل على ان النظام البرلماني، وليس الرئاسي، هو الأكثر فرصا في النجاح وخصوصا اذا ارادت النخبة السياسية اليمنية في السلطة وفي المعارضة قطع الطريق مرة والى الأبد على الفدرالية وعلى الأخطار التي تهدد وحدة اليمن وامنه واستقراره.
لكن كاتب هذه السطور يدرك ايضا ان السياسة ليست بالضرورة انعكاسا للحقائق العلمية، ولا هي ايضا انعكاسا للامنيات الحالمة. فقناعة كاتب هذه السطور بافضلية النظام البرلماني لا تخلق الشروط الضرورية لقيام مثل ذلك النظام. وكذلك الحال بالنسبة لأحزاب المعارضة. فايمانها بصلاحية النظام البرلماني رغم اهمية مثل ذلك الإيمان في تشكيل الوعي السياسي اليمني لا يخلق الشروط الموضوعية لقيام مثل ذلك النظام. فالسياسة دائما انعكاسا لتوزيع القوة داخل المجتمع في لحظة معينة ولقبول الأغلبية من الناس بذلك التوزيع بغض النظرعن الطريقة التي تمت بها عملية التوزيع لتلك القوة.
ثم انه من الواضح ان المشكلة الماثلة اليوم في اليمن لا تكمن في وجود نظام يصفه الحاكمون بانه "مختلط." كما لا تكمن في غياب النظام البرلماني الذي تطالب به المعارضة او في غياب "النظام الرئاسي" الذي يرى نصر طه مصطفى انه الأصلح لليمن. المشكلة القائمة في اليمن اليوم هي اعمق من كل ذلك وان كانت ليست جديدة. المشكلة باختصار هي الإستبداد الذي يناضل اليمنيون في سبيل الخلاص منه منذ اربعينيات القرن العشرين. واذا كانت المعارضة من باب الحياء او الخوف او عدم القدرة على الإدراك تطالب بالنظام البرلماني فان ما تطالب به في الواقع هو الانتقال من الإستبداد الى الديمقراطية، واذا حسمت هذه المسألة فان اتفاق اليمنيين حول شكل النظام لن يمثل مشكلة ابدا.
لكن من الواضح ان عملية الانتقال الى الديمقراطية لن تكون سهلة لإن شروطها الموضوعية لم تكتمل بعد. هناك قوتان في اليمن اليوم تملكان القدرة على فرض شروطهما. القوة الأولى هي نظام حكم القلة، اذا صح التوصيف الغربي للنظام القائم، الذي انشأه ورعاه الرئيس علي عبد الله صالح والذي يحتكر القوة المادية بكافة اشكالها. وفي المقابل هناك الشارع اليمني. ومن الواضح ان القابضين على السلطة وهم يمسكون على زمام القوة المادية بجميع جوانبها يهملون الشارع ويراهنون على سكونية الواقع السياسي وعلى ديمومة وثبات الولاءات والتحالفات. اما المعارضة فهي وان كانت تدرك ديناميكية الحياة السياسية وحيوية الشارع وتحولاته التي يصعب التكهن بها، فانها اما ضعيفة او تعمل على اضعاف نفسها باغفال دور الشارع الذي يمثل القوة الموازية للسلطة.
وفي ظل الوضع السياسي القائم فان اي حوار حول شكل النظام السياسي في اليمن لا بد ان يقود وبحكم توزيع القوة القائم الى نظام رئاسي يزيد القوي قوة والضعيف ضعفا!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.