ميناء "إيلات" يشهد أزمة عميقة وطويلة بسبب الحظر اليمني    تطبيق "MAX" الروسي يحصل على ميزات جديدة لحماية المستخدمين من الاحتيال    العثور على 4 سفن قديمة غرقت في القرن ال18 بالقرب من ساحل كارولينا الشمالية    "الريدز يتألق".. ليفربول يستهل حملة الدفاع عن لقبه بفوز مثير على بورنموث    ثمرة واحدة من الأفوكادو يوميا تغير حياتك.. وهذه النتيجة    العثور على جثمان لاعب شعب إب خالد الجبري قرب الحدود اليمنية–السعودية    فياريال يفتتح الموسم بالفوز على ريال أوفييدو    بمعنويات عالية شعب إب يستعد لمباراته أمام السهام الحالمي    ذمار.. محاولة جديدة لاختطاف طفلة والسلطات تتلقى بلاغات عن فقدان أطفال    بين القصيدة واللحن... صدفة بحجم العمر    اختاروا الثمن الذي يناسبكم وتريدون لي أن ادفعه    الأمم المتحدة: أكثر من 41 ألف شخص يواجهون خطر المجاعة في عبس    المدينة التي لن تركع(3) مأرب.. دروس في الدولة والتاريخ    اتحاد إب يحقق فوزا عريضا على الشروق ويتصدر المجموعة الرابعة في بطولة بيسان    وصول طائرة "مملكة أوسان" إلى مطار عدن لتعزيز أسطول اليمنية وتخفيف ضغط الرحلات    العميد صالح بن الشيخ أبوبكر: حضرموت لن تنهض إلا بأهلها    الجالية اليمنية في ماليزيا تنظم ندوة فكرية حول الهوية الوطنية    منذ قرابة 20 ساعة.. مئات المسافرين عالقون بين إب وصنعاء بسبب انقلاب شاحنة    "مؤسسة تنمية الشبابية" مع أوقاف مأرب تختتم المرحلة الثانية من برنامج تأهيل معلمي حلقات القران الكريم    تعز.. سيول جارفة في قدس تلحق اضرارا فادحة بالممتلكات وتهدد قرى بالجرف والاهالي يوجهون نداء استغاثة    أمطار رعدية متوقعة على المرتفعات والسواحل وتحذيرات من السيول والعواصف    حقيبة فضلات و«حلقة فولاذ».. أغرب تفاصيل أمن بوتين في ألاسكا    الحكومة تلزم شركة الغاز بتخفيض الأسعار بما يتوافق مع تحسن صرف العملة    حضرموت: تحذيرات من عودة القاعدة وتحالفات مشبوهة تهدد الأمن المحلي والدولي    الصحة العالمية: وفاة 4332 شخصاً وإصابة 390 بالكوليرا في 31 دولة هذا العام    البنك المركزي الصيني يجري عملية إعادة شراء عكسية مباشرة بقيمة 70 مليار دولار    مدقق مالي: شركات الادوية الكبرى تسعر الدواء في صنعاء بسعر يتجاوز السعر الرسمي للدولار باكثر من 40٪    حاشد .. صوت المقهورين وقلم المنفيين    إشهار مؤسسة "آفاق التآلف للتنمية الاجتماعية" بصنعاء    «زينبيات الحوثي».. تقرير يمني يكشف «نقاب المليشيات»    عيدروس الزبيدي..عهد الرجال للرجال    المحويت.. كتل صخرية ضخمة تهدد عدد من القرى ومخاوف الانهيار تجبر عشرات الأسر على النزوح    وفاة لاعب يمني في رحلة تهريب إلى السعودية    المقالح يوجه دعوة لسلطة صنعاء لتفادي فضيحة الاعتقالات    نتنياهو يصدم العرب بخطة إسرائيل الكبرى ما بعد تفكيك حماس    وزير الرياضة يطلق تطبيق «ثمانية» بحضور وزيري الإعلام والاتصالات    مدير أثار ذمار يفند مزاعم كشف أثري في وصاب    سلة آسيا.. لبنان تفرط في التأهل ونيوزيلندا تعبر    المغرب يكسب زامبيا بثلاثية.. والكونغو تحتفظ بآمالها    ب 1.921 مليار.. ريال مدريد العلامة التجارية الأغلى    الإمارات تدعم شبوة بالكهرباء ومشاريع صحية وتنموية تخفف معاناة آلاف المواطنين    احتكار الأدوية في عدن والجنوب: إمتصاص لدماء وصحة الفقراء    انتبهوا    العثور على مدينة قبطية عمرها 1500 عام في موقع عين العرب    ندوة ثقافية بذكرى المولد النبوي في كلية العلوم الإدارية بجامعة ذمار    تظاهرة شعبية غاضبة في الضالع    البيتكوين يواصل تحطيم الأرقام القياسية    جرائم القتل في سجون الأمن السياسي بمأرب تظهر الوجه القبيح لإخوان الشيطان    الحكومة: مشاهد الحوثيين بكربلاء تكشف انسلاخهم عن اليمن وانغماسهم بالمشروع الإيراني    حالة من الذعر تهز الأرجنتين بسبب "كارثة" طبية أدت لوفاة العشرات    وزير الكهرباء وأمين العاصمة يدشنان الإنارة الضوئية في ميدان السبعين    تحضيرات مبكرة لاستقبال ذكرى المولد النبوي بامانة العاصمة    وزير الثقافة يطمئن على صحة الممثل المسرحي محمد معيض    الهيئة الإدارية للجمعية الوطنية تشدد على مضاعفة الجهود الرقابية للحفاظ على استقرار أسعار الصرف    نيويورك حضرموت    اكتشاف حفرية لأصغر نملة مفترسة في كهرمان عمره 16 مليون سنة    توكل كرمان، من الثورة إلى الكفر بلباس الدين    فيديو وتعليق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الديمقراطية البرلمانية هي الأنسب لليمن و العالم العربي!
نشر في التغيير يوم 29 - 11 - 2005


د. عبد الله الفقيه
[email protected]
ذهب الأستاذ والمحلل السياسي اليمني الكبير نصر طه مصطفى في مقال نشر في صحيفة الناس في العدد رقم 269 الصادر بتاريخ 24/10/2005 في الصفحة الخامسة تحت عنوان "اليمن...سباق المبادرات السياسية" الى القول في سياق مناقشته لمبادرات الإصلاح السياسي المطروحة في الساحة اليمنية بشكل رسمي او غير رسمي، بان "النظام الرئاسي يظل هو الأصلح ليس فقط لليمن بل وللدول العربية عموما." ويبني الكاتب النتيجة التي توصل اليها على المعطيات التالية:1- انسجام النظام الرئاسي مع طبيعة وتراث وثقافة الدول العربية ؛2- امتلاك
النظام الرئاسي للضوابط التي تحول دون طغيان الحاكم المنتخب؛ 3- برهنة الأنظمة الرئاسية الموجودة في العالم على فوائد النظام الرئاسي.
ورغم اتفاق كاتب هذا المقال مع الكثير من النقاط التي اوردها الأستاذ نصر حول الطريقة التي تعمل بها المعارضة والدوافع المحركة لها الإ انه يختلف معه في النتائج التي خلص اليها واهمها مقولته بان النظام الرئاسي يظل هو الأصلح لليمن والعالم العربي. فمن الواضح ان الكاتب ربما انطلق، وله كل الحق في ذلك، من جانب ذاتي وليس موضوعي في حكمه بصلاحية النظام الرئاسي. اما المعطيات الثلاثة التي استخدمها الكاتب لتبرير حكمه فمن الواضح انها اما جدلية او تفتقر الى الدليل القوي على صحتها!
ضعف المقدمات
اعتمد الكاتب كما سبق الإشارة في النتيجة التي توصل اليها على عدة معطيات ضعيفة . بالنسبة للمعطى الأول، وهو "طبيعة وتراث وثقافة الدول العربية" ، فالملاحظ ان الكاتب لم يناقش هذا المعطى بالتفصيل ليبين للقارىء العلاقة بين التراث والثقافة العربية من جهة والنظام الرئاسي من جهة أخرى. وكما يبدو فان الكاتب قد نظر الى الثقافة العربية على انها تتصف بالاحادية والتجانس في بعدها القطري الداخلي وفي بعدها القومي العابر للاقطار. وهذا امر يصعب قبوله. واذا كانت النظم الإستبدادية في العالم العربي ومن خلال سيطرتها على ماكنات الدعاية تحاول ايهام الداخل والخارج بوجود ثقافة عربية واحدة بخصائص متشابهة، فانه من الواضح ومن خلال المشاهدة والمتابعة ان ما يوحد العرب هو اما سيف المعز او ذهبه. والدول العربية بشكل عام مع اختلاف في الدرجة فقط هي اقرب ما تكون الى النموذج العراقي بانقساماته الحادة عرقيا ودينيا وجغرافيا، وبالتالي ثقافيا.
اما القول بان النظام الرئاسي هو الأنسب لليمن والدول العربية لإتفاقه مع تراث تلك الدول فهو في ظل الأوضاع الراهنة يبدو وكأنه دعوة صريحة الى الحفاظ على "الوضع الراهن" بكل تشوهاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبكل المخاطر التي يحملها مثل هذا الوضع على المدى المتوسط والطويل. وبالنسبة للحالة اليمنية فان الدعوة الى تبني النظام الرئاسي بحجة انسجامه مع تراث وثقافة اليمنين تبدو وكأنها دعوة الى المحافظة على النموذج الإمامي في الحكم بكل خصائصه وبما يترتب عليه من نتائج ابرزها استمرار حالة عدم الإستقرار السياسي التي مثلت علامة بارزة من علامات التاريخ اليمني.
اما المقدمة الثانية "امتلاك النظام الرئاسي للضوابط التي تحول دون طغيان الحاكم المنتخب" فهي اولا تفتقر الى الدليل الكافي على صحتها. فباستثناء النظام الرئاسي الأمريكي الذي تبلور في ظل ظروف معينة ثم تطور الى ان وصل الى شكله الحالي، فان الإنظمة الرئاسية في امريكا الجنوبية، شرق اوروبا، جنوب الصحراء الإفريقية، وجنوب شرق آسيا قد برهنت على ان النظام الرئاسي هو بيئة خصبة للاستبداد. ويذهب الكثير من الباحثين في السياسات المقارنة الى القول بان نزعة الدول حديثة العهد بالديمقراطية الى تبني الأنظمة الرئاسية انما هو محاولة من النخب الحاكمة في تلك الدول لتركيز السلطة وبشكل يعيد انتاج الإستبداد السياسي. ثانيا، إن الحكم بصلاحية اي نظام لدولة معينة لا يتم فقط بناء على قدرة ذلك النظام على "الحد من الطغيان"، على افتراض ان النظام الرئاسي يمتلك القدرة على ذلك في كل زمان ومكان، ولكنه يعتمد على العديد من المعايير من بينها قدرة النظام الذي يتم اختياره على البقاء والإستمرار وتحقيق درجة عالية من الديمقراطية والتنمية والإستقرار السياسي.
ويقود النقاش السابق الى المقدمة الثالثة التي اوردها الكاتب "برهنة الأنظمة الرئاسية الموجودة في العالم على فوائد النظام الرئاسي" والتي اكتفى الكاتب بايراد النظام السياسي الأمريكي فقط كمثال عليها. وتتمثل المشكلة بالنسبة للمقدمة الثالثة، كسابقتها، في اعتماد الكاتب على حالة واحدة ناجحة واهماله لكل الحالات الأخرى التي تعاني قليلا او كثيرا من الفشل.
افضلية البرلماني
هناك الكثير من الأدلة والقرائن المستمدة من واقع الممارسة ومن تجارب الشعوب الأخرى والتي تؤكد افضلية النظام البرلماني. فقد بينت الدراسات العديدة التي قارنت بين الأنظمة الرئاسية والأنظمة البرلمانية الآتي:
1- انه من بين 93 دولة نالت استقلالها بين عام 1945 وعام 1979 فان 15 دولة فقط تبنت وحافظت دون انقطاع على النظام الديمقراطي فيها حتى نهاية الثمانينيات من القرن العشرين، وكانت كلها ديمقراطيات برلمانية. ويندرج ضمن تلك الدول اكثر ديمقراطيات العالم الثالث نجاحا وهي الهند وبتسوانا وغينيا بيساو الجديدة.
2- عانت جميع الأنظمة الرئاسية التي ظهرت في نفس الفترة (1945-1979) وبلا استثناء من شكل معين من اشكال الإنهيار وعدم الإستقرار.
3- ان معدل انهيار الديمقراطيات وتحولها الى دكتاتوريات بين عامي 1946 و1999 بالنسبة للانظمة البرلمانية والرئاسية قد تفاوت بشكل كبير حيث بلغ معدل فشل الديمقراطيات الرئاسية 1 لكل 24 نظاما رئاسيا في حين ان المعدل بالنسبة للانظمة البرلمانية لم يزد عن 1 لكل 58 . ومع ان بعض الدراسات قد توصلت الى ان الدول التي يقل فيها الدخل الحقيقي للفرد عن 1000 دولار تواجه نفس الدرجة من احتمال الانهيار بغض النظر عن شكل نظامها السياسي الا ان المقارنة تثبت وخصوصا في سياق العالم الثالث الذي يناضل مواطنوه في سبيل الخروج من دائرة الاستبداد ان النظام البرلماني هو الأكثر فرصا في النجاح والاستمرار وتحقيق درجة معينة من الاستقرار ومن المشاركة السياسية.
4- ان الأنظمة الرئاسية اكثر عرضة للانقلابات وبنسبة 40% في حين ان الأنظمة البرلمانية معرضة للانقلابات بنسبة 18% فقط.
5- ان الغالبية العظمى من الديمقراطيات (المستقرة) في العالم هي ديمقراطيات برلمانية في حين تمثل الديمقراطيات الرئاسية المستقرة نسبة ضئيلة.
6- في الديمقراطيات الرئاسية المستقرة يوجد عدد قليل من الأحزاب وذلك لإن الأنظمة الرئاسية لا تساعد على التعاون وبناء التحالفات بين القوى السياسية المختلفة لإن منصب الرئيس لا يمكن شغله الا بشخص واحد. كما ان الرئيس يشكل الحكومة بنفسه وهي مسئولة امامه وليس امام البرلمان.
7- يصاب النظام الرئاسي بالشلل عند تأزم العلاقة بين الرئيس والبرلمان (والتي تحدث في حالة الانقسامات الحادة) لإن الرئيس لا يستطيع حل البرلمان كما ان البرلمان لا يستطيع الإطاحة بالرئيس، وهو ما يقود في ظل تحديد فترة خدمة كل فرع من الفروع الى الإبقاء على الوضع كما هو عليه حتى الإنتخابات القادمة. ويمكن لوضع مثل هذا ان يضر بمصالح المواطنين وبالاقتصاد الوطني.
8- يتم انتخاب الرئيس واعضاء البرلمان مباشرة من قبل الشعب وهو ما يؤدي الى الصراع بين الإثنين وادعاء كل منهما بامتلاك الشرعية السياسية اكثر من الآخر.
9- يؤدي النظام الرئاسي دائما الى فوز فرد واحد بمنصب الرئيس وبالتالي فوز الفئة التي ينتمي اليها ذلك الفرد بكل شي وشعور الفئات الإجتماعية والسياسية الأخرى بانها خسرت المعركة. وعلى العكس من ذلك فان النظام البرلماني بما يتطلبه من اغلبية للحكومة في مجلس النواب يجعل اغلب الناس على الأقل يشعرون بانهم ممثلين في الحكومة.
10- تحتاج الدول حديثة العهد بالديمقراطية والساعية الى تحقيق التنمية الشاملة الى سلطة تنفيذية فعالة وهو ما توفره الأنظمة البرلمانية وليس الرئاسية. فالأخيرة تعمل ببطء شديد ويسهل فيها على معارضي سياسة معينة وان كانوا قلة افشال تلك السياسة نظرا لتعدد منافذ التأثير الناتج عن مبدأ الفصل بين السلطات.
حالة اليمن
تعتبر الديمقراطية البرلمانية الخيار الأفضل للدول العربية، بما في ذلك اليمن، لعدة اسباب. من جهة، فان المجتمعات العربية هي مجتمعات تتصف بالتعدد الديني والمذهبي والعرقي والثقافي والجغرافي. ولا تعتبر اليمن استثناء لذلك. فالمجتمع اليمني هو مجتمع متعدد مذهبيا وقبليا وجغرافيا وعرقيا. وفي مجتمع متعدد مثل المجتمع اليمني والمجتمع العربي عموما يؤدي وصول فئة معينة الى السلطة، بغض النظر عن حجمها، الى الإستئثار بتلك السلطة واستخدام ادواتها لقمع المجموعات الأخرى واجبارها على قبول قسمة ضيزى للسلطة والقوة والثروة.
ولا يحتاج الكاتب هنا الى الكثير من الجهد للعثور على الأدلة. فالأقلية السنية في العراق بقيادة صدام حسين، وباسم الوحدة القومية، مارست ابشع انواع الإستبداد والتمييز والتفرقة بين ابناء الوطن الواحد وقادت البلاد الى الهلاك. وتسير الإقلية العلوية المحتكرة للسلطة والقوة والثروة في سوريا على نفس الخط وباستخدام نفس الإيديولوجية. واذا كان حكم الأقلية السنية في العراق قد سقط تحت اقدام الغزاة فان مسألة انهيارحكم الإقلية العلوية في سوريا، من وجهة نظر الكثير من المراقبين، هي مسألة وقت فقط. وتواجه الأقلية السنية الحاكمة في البحرين ضغوطا شديدة من قبل الأغلبية المهمشة التي تطالب بحقها العادل في السلطة.
وبرغم ان الوضع في اليمن يبدو اخف مما كان عليه الوضع في العراق او مما هو عليه الوضع في سوريا الإ ان الواضح ان الفئات الإجتماعية المختلفة التي يتكون منها المجتمع اليمني قد بدأت تعرف نفسها، وبشكل غير مسبوق، باستخدام الهويات الأولية. وما مناداة الحسني بدولة جنوبية وتمسك الحوثي الأب بجعل الإمامة في البطنين وغير ذلك من الأمثلة سوى تعبير عن ازمة مقبلة. والحالة اليمنية يمكن ان تتطور فتقترب من التموذج العراقي مالم تعمل السلطة والمعارضة على حل المشكلات القائمة. ومن الواضح ان الإستمرار في المحافظة على الوضع الراهن او محاولة تجميله بتلبيسه ثوب الديمقراطية الرئاسية سيقود حتما وكما تدل الشواهد الى تكرار تجربة البلقنة التي مثلت العلامة البارزة في التاريخ اليمني. والتحدي الحقيقي امام كل اليمنيين في السلطة وفي المعارضة هو تحقيق الانتقال من نظام حكم القلة الفاسدة بحسب توصيف الكتاب الغربيين للنظام القائم في اليمن الى حكم الأغلبية. ولن يتأتى امر مثل ذلك الا بالانتقال الى النظام البرلماني. ويمكن لليمنيين ان يفعلوا ذلك بسرعة وبطريقة تجنب بلادهم المخاطر المحدقة بها. كما يمكن لهم ان يصروا على الدفاع عن مصالح انانية ضيقة ويجعلوا من خيار اللبننة قدرا لا مفر منه. واذا كان اللبنانيون قد استطاعوا ان يتجاوزا محنتهم بعد خمسة عشر سنة من القتل بالهوية فان فرص اليمنيين في تجاوز محنة شبيهة بالمحنة اللبنانية مع الحفاظ على وحدة بلادهم، في ظل التأمر القائم على وحدتها، ستكون جد قليلة.
من جهة ثانية، ينبغي الإشارة الى ان المطالبة بالإصلاح السياسي في اليمن هي في المقام الأول مطالبة بالانتقال من نظام حكم استبدادي يدعي الديمقراطية الى نظام حكم ديمقراطي يتم فيه توزيع السلطة بين الفروع الثلاثة للحكومة وفق النموذج البرلماني. ولهذه المسألة اهميتها. فالدولة التي تريد الإنتقال الى الديمقراطية وتحقيق نهضة اقتصادية واجتماعية وثقافية سريعة هي بحاجة الى حكومة فعالة قادرة على صنع القرار بسرعة. وتمتلك الحكومة البرلمانية وحدها القدرة على اتخاذ قرارات سريعة.
من جهة ثالثة، فان هناك العديد من المؤشرات على ان النظم السياسية في العالم العربي ستتطور الى انظمة برلمانية وليس رئاسية. فالمملكة المغربية والمملكة الأردنية الهاشمية، وهما الدولتان الأكثر ديمقراطية في العالم العربي، بحسب الدراسات والتقويمات الغربية، تتجهان بخطى حثيثة نحو الديمقراطية البرلمانية. اما الكويت، والتي تمتلك اقوى برلمان في العالم العربي، فان المؤشرات تدل على انها عندما تتبنى الديمقراطية كمنظومة متكاملة وتسمح للاحزاب السياسية بالوجود القانوني فانها ستكون قد استكملت الشكل البرلماني لنظامها السياسي . وينطبق نفس الأمر على البحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة.
واجمالا، فانه يمكن القول بان هناك العديد من الدلائل على ان الأنظمة الرئاسية (الجمهورية) والملكية التي لطالما تصارعت في العالم العربي سوف تتطور بنوعيها عن طريق الحوار او الصراع وبالتغيير التدريجي او السريع الى انظمة برلمانية تنتفي معها الفوارق الجوهرية بين الشكلين. ولعل سعي الأمريكيين الى إقامة نظام برلماني في العراق (وهو دولة جمهورية) ومن قبل ذلك في اليابان (امبراطورية) والمانيا (جمهورية) لم يأت من فراغ. فالأمريكيون، رغم اعتزازهم الكبير بنظامهم الرئاسي ورغبتهم في جعله النموذج الذي تقلده الدول، هم اول من يدرك محدودية النظام الرئاسي الذي تحكم به بلادهم.
من جهة رابعة، تعاني البلدان العربية عموما من غياب القيادات التاريخية التي يمكن ان تقبل بها جميع القوى والتي يمكن ان ترسي دعائم الأنطمة الرئاسية. فليس هناك في العالم العربي اليوم اشخاصا يمكن ان يكونوا محل اجماع من قبل شعوبهم وان يلعبوا دوراب الثورة الأمريكية جورج واشنطن في ارساء دعائم الأنظمة الرئاسية. وحيث ان الحكام المستبدين في العالم العربي قد عملوا على شراء، افساد، وحتى تصفية الشخصيات التي يمكن ان تنافسهم على السلطة، فان العالم العربي اليوم من المحيط الى الخليج ومن البحر الى البحر يفتقر حتى الى القيادات العادية التي يمكن للناس ان تجمع حولها. كما يعاني المواطن العربي من الوقوع تحت سيطرة انظمة فردية مستبدة تشكل امتدادا للماضي حتى في البلدان التي تم فيها الإنقلاب او الثورة على ذلك الماضي.
وعندما يطالب المواطن العربي اليوم بالديمقراطية فانه يطالب بالخلاص من حكم الفرد الذي يتصف من وجهة نظره بالاستبداد والفساد والأنانية والإرتباط بالخارج على حساب الداخل. ويبدو ان المواطن العربي لن يقبل في نضاله من اجل الديمقراطية ان يغير شخصا بشخص وان ينقل السلطة من فرد صعد اليها بالدبابة الى فرد آخر حتى لو صعد الأخير عن طريق صناديق الإقتراع. لقد جرب المواطن العربي نقل السلطة من المستعمر الى المناضل في سبيل الإستقلال ومن الملك المستبد الى الضابط الجمهوري، وكانت النتيجة هي ان المناضل والضابط قد مثلا امتدادا لأسوء مافي الماضي.
الجاهزية والصلاحية
هناك فرق بين ان يقول الإنسان بان اليمن، او غيرها من الدول العربية، غير جاهزة لتبني النظام البرلماني الذي تشير الدلائل بانه الأصلح لها لتناسبه مع الطبيعة التعددية لسكانها ومع احتياجات عملية التنمية وبناء الديمقراطية فيها، وبين ان يقول الإنسان ان النظام الرئاسي هو الإصلح لتلك الدولة. بالنسبة لليمن، فان هناك الكثير من المؤشرات التي تدل على ان النظام البرلماني، وليس الرئاسي، هو الأكثر فرصا في النجاح وخصوصا اذا ارادت النخبة السياسية اليمنية في السلطة وفي المعارضة قطع الطريق مرة والى الأبد على الفدرالية وعلى الأخطار التي تهدد وحدة اليمن وامنه واستقراره.
لكن كاتب هذه السطور يدرك ايضا ان السياسة ليست بالضرورة انعكاسا للحقائق العلمية، ولا هي ايضا انعكاسا للامنيات الحالمة. فقناعة كاتب هذه السطور بافضلية النظام البرلماني لا تخلق الشروط الضرورية لقيام مثل ذلك النظام. وكذلك الحال بالنسبة لأحزاب المعارضة. فايمانها بصلاحية النظام البرلماني رغم اهمية مثل ذلك الإيمان في تشكيل الوعي السياسي اليمني لا يخلق الشروط الموضوعية لقيام مثل ذلك النظام. فالسياسة دائما انعكاسا لتوزيع القوة داخل المجتمع في لحظة معينة ولقبول الأغلبية من الناس بذلك التوزيع بغض النظرعن الطريقة التي تمت بها عملية التوزيع لتلك القوة.
ثم انه من الواضح ان المشكلة الماثلة اليوم في اليمن لا تكمن في وجود نظام يصفه الحاكمون بانه "مختلط." كما لا تكمن في غياب النظام البرلماني الذي تطالب به المعارضة او في غياب "النظام الرئاسي" الذي يرى نصر طه مصطفى انه الأصلح لليمن. المشكلة القائمة في اليمن اليوم هي اعمق من كل ذلك وان كانت ليست جديدة. المشكلة باختصار هي الإستبداد الذي يناضل اليمنيون في سبيل الخلاص منه منذ اربعينيات القرن العشرين. واذا كانت المعارضة من باب الحياء او الخوف او عدم القدرة على الإدراك تطالب بالنظام البرلماني فان ما تطالب به في الواقع هو الانتقال من الإستبداد الى الديمقراطية، واذا حسمت هذه المسألة فان اتفاق اليمنيين حول شكل النظام لن يمثل مشكلة ابدا.
لكن من الواضح ان عملية الانتقال الى الديمقراطية لن تكون سهلة لإن شروطها الموضوعية لم تكتمل بعد. هناك قوتان في اليمن اليوم تملكان القدرة على فرض شروطهما. القوة الأولى هي نظام حكم القلة، اذا صح التوصيف الغربي للنظام القائم، الذي انشأه ورعاه الرئيس علي عبد الله صالح والذي يحتكر القوة المادية بكافة اشكالها. وفي المقابل هناك الشارع اليمني. ومن الواضح ان القابضين على السلطة وهم يمسكون على زمام القوة المادية بجميع جوانبها يهملون الشارع ويراهنون على سكونية الواقع السياسي وعلى ديمومة وثبات الولاءات والتحالفات. اما المعارضة فهي وان كانت تدرك ديناميكية الحياة السياسية وحيوية الشارع وتحولاته التي يصعب التكهن بها، فانها اما ضعيفة او تعمل على اضعاف نفسها باغفال دور الشارع الذي يمثل القوة الموازية للسلطة.
وفي ظل الوضع السياسي القائم فان اي حوار حول شكل النظام السياسي في اليمن لا بد ان يقود وبحكم توزيع القوة القائم الى نظام رئاسي يزيد القوي قوة والضعيف ضعفا!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.