د. عبد الله الفقيه* نشرت صحيفة الناس في عددها رقم 277 بتاريخ 26/12/2005 حوارا خاطفا أجراه الصحفي الواعد عبد الباسط القاعدي مع الشيخ الشاب عضو مجلس النواب عن المؤتمر الشعبي العام حسين عبد الله الأحمر (وقد تم حذف بن هنا لتسهيل قراءة الاسم وليس لأي سبب سياسي آخر). وقد لفت الحوار انتباه بعض المراقبين للشأن اليمني وخصوصا أولئك الذين يعتقدون بان أي تدهور في العلاقة بين الرئيس علي عبد الله صالح وبين الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر رئيس مجلس النواب وشيخ مشايخ قبيلة حاشد التي ينتمي إليها الرئيس يمكن أن يمثل ثغرة كبيرة في امن الجمهورية اليمنية واستقرارها. ويلاحظ انه برغم الدبلوماسية التي أظهرها الشيخ الشاب في إجابته على الأسئلة التي وجهت إليه خلال المقابلة إلا أن حديثه عن تراجع الديمقراطية في اليمن في "الآونة الأخيرة" وذلك بسبب غياب ما اسماه ب" توازن القوى في الساحة اليمنية" وعن أن "المؤتمر" هو " الرئيس" إلا أن الشيخ ليس مستعدا كما يبدو لإلقاء عصاه بسهولة حتى وان تم إخراجه من رئاسة البرلمان. د اظهر بقصد أو عن غير قصد بعض خفايا الصراع الصامت الذي يتجنب الناس الحديث حوله بين "رئيس الشيخ" و"شيخ الرئيس" كما يحلو للبعض القول. فوفقا للشيخ الشاب، فان رئيس الجمهورية هو الذي طلب منه الترشح لعضوية " اللجنة العامة " وهي أعلى تكوين تنظيمي داخل المؤتمر الشعبي العام، وان الرئيس طلب من أبيه الشيخ إقناعه بالترشح لعضوية اللجنة العامة، وان الرئيس هو الذي قام بإنزال قائمة بمرشحين لعضوية اللجنة العامة خلت من اسمه. وعندما سأل الصحفي الشيخ حسين عن تفسيره لتصرف الرئيس الذي طلب منه النزول كمرشح وفي نفس الوقت انزل قائمة بالمرشحين خالية من اسمه، أجاب الشيخ باقتضاب "لأغراض شخصية في نفسه " ، ( يقصد الرئيس). وعندما ألح الصحفي في السؤال عن الأسباب أجاب الشيخ حسين باقتضاب "هي واضحة...ومع الوقت سيعرفها الجميع." ويظهر من أجوبة المقابلة بان الرئيس أراد الشيخ حسين أن يترشح لعضوية اللجنة العامة وعمل في نفس الوقت على إسقاطه، وهو تكتيك ربما قصد الرئيس إضعاف الشيخ الشاب والبرهنة له على انه يفتقر إلى الشعبية وان نجاحه أو إخفاقه في الوصول إلى اللجنة العامة يتوقف على دعم الرئيس. ويعزز من قوة هذا التفسير أن الشيخ الشاب عندما سأل من قبل الصحفي القاعدي "خدعوك...؟" أجاب بقوله "التجربة التي خضتها في عدن بالنسبة لي كانت ناجحة." وعندما سأل القاعدي الشيخ الشاب، الذي أبدى تمسكا يصعب تفسيره بعضويته في المؤتمر الشعبي العام رغم الاستهداف الذي تحدث عنه، عن الأسباب التي تؤدي إلى عدم تنفيذ قرارات المؤتمر الشعبي العام أجاب بقوله "في الحقيقة قرارات المؤتمر لم تنفذ وتوصيات مجلس النواب لم تنفذ وخطط وبرامج الحكومة لا تنفذ...وهذا واقعنا." وعندما سأله القاعدي "وما فائدة القرارات والتوصيات؟" أجاب الشيخ حسين "يقول المثل إذا صلح الرأس صلح الجسد." وعبارة الشيخ حسين الأخيرة هي اتهام مبطن للرئيس. صراع داخل حاشد لا يمكن فهم مقابلة صحيفة الناس مع الشيخ حسين الأحمر بمعزل عن التطورات في علاقة رئيس الجمهورية برئيس مجلس النواب وهي علاقة، رغم عمقها التاريخي، كانت قد شهدت تدهورا كبيرا في السنوات الأخيرة لأسباب كثيرة. ورغم أن البعض قد ينظر إلى الصراع بين قطبي "حاشد" اللذين يسيطران على السلطتين التنفيذية والتشريعية وعلى حزبي السلطة والمعارضة على انه صراع على المصالح بين أبناء القبيلة التي حظيت بنصيب الأسد من كل شي إلا أن مثل هذا التشخيص قد يتصف بالتبسيط الشديد للأمور. وبرغم حرص الجانبين على إبقاء ذلك الصراع تحت السيطرة وخلف الأبواب المغلقة إلا أن العام المنصرم قد شهد في بدايته تطورات دراماتيكية نقلت الصراع من خلف الجدران المغلقة إلى ضوء الشمس. وقد تمثلت تلك التطورات في الهجوم الإعلامي شديد اللهجة الذي شنه إعلام المؤتمر الشعبي العام ضد الشيخ الأحمر، وهو هجوم لم يكن له ما يبرره من وجهة نظر البعض خصوصا وان الشيخ قد مثل القاسم المشترك لكل القوى السياسية في اليمن للعديد من السنوات. وإذا كان الكثير من الأشخاص قد تضامنوا مع الشيخ الأحمر دون أن يكلفهم ذلك التضامن شيئا فان الشيخ حسين قد خسر حينها، وبسبب تضامنه مع أبيه في مواجهة الحملة المؤتمرية ضده، قيادته لفرع المؤتمر الشعبي العام في محافظة عمران. وقد أجرى الصحفي فوزي الكهالي حينها حوارا مع الشيخ الشاب حسين الأحمر، نشر أيضا في صحيفة الناس في11 ابريل 2005، وفيه اتهم الشيخ الشاب الرئيس بالإساءة لوالده. وعندما سأله الصحفي الكهالي "كيف أساء الرئيس للشيخ عبد الله؟" أجاب الشيخ الشاب بقوله "بما نشرته صحيفة الميثاق من إساءات للوالد ما كانت ستجرؤ على نشرها من دون توجيهات شخصية من الرئيس." جذور الصراع كان رئيس الجمهورية بعد انتصاره العسكري على الاشتراكيين في عام 1994 وإخراجه للإصلاحيين من السلطة في عام 1997 قد بدأ يركز السلطة دستوريا وقانونيا وفعليا بيده وبشكل لم يحدث حتى في ظل الجمهورية العربية اليمنية التي ترأسها خلال الفترة من عام 1978 وحتى عام 1990. وإذا كان التجمع اليمني للإصلاح، ورغبة منه في تطمين الرئيس على انه لا يسعى إلى الإطاحة بسلطته، قد سارع في عام 1999 إلى إنزاله مرشحا باسم التجمع وذلك قبل أن يقوم حزب الرئيس ذاته بمثل تلك الخطوة، فان ذلك لم يساعد كثيرا في تحسين العلاقة بين الاثنين وذلك لسببين على الأقل. أولا، كان هناك جناح داخل المؤتمر يعمل على زعزعة ثقة الرئيس بالإصلاح ليس حبا في الرئيس، بل ربما نكاية بالإصلاح. ثانيا، بدا واضحا أن تبني الإصلاح لصالح كمرشح لم ينعكس على سلوك أعضاء التجمع اليمني للإصلاح يوم الانتخابات الرئاسية، وهو أمر ربما فسر للرئيس على انه استهداف له من قبل حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي يترأسه الشيخ. وإذا كان ترشيح الإصلاحيين لصالح باسم حزبهم في انتخابات عام 1999 الرئاسية لم يفلح في تطمين صالح إلى ولائهم له والى قبولهم به كرئيس بغض النظر عن الاختلافات القائمة، فإنهم قد حاولوا تطمينه على منصبه مرة أخرى في عام 2001 وذلك بالموافقة على تعديلات دستورية كان الغرض الأساسي منها، من وجهة نظر بعض المراقبين، هو تطويل فترة بقاء الرئيس في السلطة وإحكام سيطرته على مجلس النواب. ويبدو أن خطوات الإصلاحيين الهادفة إلى تطمين الرئيس لم تزد الرئيس سوى تصميما على أضعاف القيادات الإصلاحية وفي مقدمتهم الشيخ الأحمر رئيس الحزب والذي يستند في مكانته السياسية والاجتماعية ليس فقط إلى كونه رئيسا لحزب صعب القياد مثل التجمع اليمني للإصلاح، بل يستند أيضا إلى شرعية ثورية عمدت بدماء بعض أفراد أسرته، والى شرعية قبلية مستمدة من قيادته لحاشد ومن تحالفاته القبلية التي تمتد إلى الكثير من مناطق اليمن. وجاءت أحداث سبتمبر 2001 لتزيد من إصرار الرئيس المتحالف مع الولاياتالمتحدة في حربها على الإرهاب على تحجيم الشيخ وأسرته وحزبه. وفي مقابل توجه الرئيس للتضييق على الشيخ وحزبه، تبنى الشيخ الأحمر خلال الفترة اللاحقة لإحداث ال11 من سبتمبر خطا معارضا للسياسات الأمريكية في المنطقة والعالم وهو خط لا بد قد أحرج الرئيس بطريقتين على الأقل. من جهة، كان الرئيس قد اختار التحالف مع الأمريكيين في الحرب على الإرهاب رغم إدراكه للتكلفة السياسية لمثل ذلك التحالف على الصعيد المحلي لأن البديل لمثل ذلك التحالف كان هو المواجهة، غير المتكافئة، مع الأمريكيين. وإذا كان الشيخ قد تبنى، ربما عن حسن نية، قيادة المعسكر المعارض لمثل ذلك التحالف، فان الرئيس لا يمكن أن يكون قد نظر إلى موقف الشيخ في مثل تلك الظروف إلا على انه محاولة من الشيخ لزيادة شعبيته على حسابه. من جهة ثانية، كان الرئيس وفي سعيه لإخضاع الشيخ لسلطته قد سعى إلى إسقاطه في عقر داره خلال انتخابات عام 2003 النيابية. ولم يحل الصراع بين الشيخ والرئيس حينها سوى موافقة الشيخ على النزول مرشحا باسم المؤتمر الشعبي العام (حزب الرئيس) وباسم التجمع اليمني للإصلاح (حزب الشيخ) وهو حل أراد من خلاله الرئيس تأكيد سلطته على رئيس قبيلته الذي، كان ينظر إليه الكثير من الناس في اليمن وحتى وقت قريب على انه سلطة فوق السلطة ورئيس لكل رئيس. وإذا كان الحل الودي حينها قد جعل الشيخ يحتفظ بمقعده، وبالتالي، برئاسته للسلطة التشريعية، فان الكثير من نقاط الخلاف ضلت معلقة. فخط الشيخ المعارض للسياسات الأمريكية في المنطقة قد جعل اليمن، وبحكم موقع الشيخ كرئيس للسلطة التشريعية، تظهر وكأنها تتكلم بصوتين في علاقاتها الخارجية: صوت رئيس مجلس النواب المعارض للسياسات الأمريكية وصوت رئيس الجمهورية المتحالف مع الولاياتالمتحدة في حربها على الإرهاب. وإذا كان رئيس الجمهورية يمكن أن يقبل أن يكون للشيخ صوتا داخليا مستقلا عن صوته وفي قضايا لا تمس التحالف مع الولاياتالمتحدة، فانه لا بد وقد انزعج شديد الانزعاج من خط الشيخ الأحمر المعارض لأمريكا داخل اليمن وخارجها. وفي خضم الصراع الصامت بين الاثنين سافر الشيخ الأحمر في مارس عام 2004 إلى داكار عاصمة السنغال لحضور المؤتمر الثالث لمجلس اتحاد البرلمانات الإسلامية. وفي داكار تعرض الشيخ لحادث سير مروع كان وما زال محل تأويلا وتكهنات. وقد لوحظ حينها أن رئيس مجلس النواب بعد نقله إلى باريس للعلاج عاد إلى المملكة العربية السعودية حيث مكث هناك لقرابة تسعة اشهر. ولم يساعد غياب الشيخ الطويل في السعودية بغض النظر عن أسبابه والضرورات التي فرضته على حل أي مشكلة من المشاكل التي يتم الصراع حولها بين قطبي حاشد. وعلى العكس من ذلك فان غياب الشيخ، من وجهة نظر البعض، قد مثل فجوة نفذت منها أحداث صعدة المؤسفة التي ما كان لها أن تتطور بهذا الشكل لو أن الشيخ تدخل فيها منذ البداية وقبل أن تخرج عن السيطرة. ولعل الغياب الطويل للشيخ قد زاد من سوء التفاهم. وربما تم تفسير ذلك الغياب بطريقة زادت من حدة الفجوة ، ومهدت لشن حملة ضد الشيخ في أوساط حاشد بهدف أضعافه. وإذا كان الإعلام الرسمي قد قابل عودة الشيخ في نوفمبر 2004 ببرود تام، فان أنصار الشيخ داخل القبيلة والحزب وأنصاره الكثيرين قد ا كان الصراع بين الشيخ والرئيس قد هدأ بعد جهود بذلها العقيد علي محسن الأحمر لجمع الرجلين في مزرعة الرئيس بمنطقة عبس خلال الصيف الماضي. تفوا بعودته بطريقة لا بد وقد أزعجت الرئيس نفسه. ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد. فقد بدأ الشيخ وفور عودته بتبني خطا لا يمكن أن يفهم من قبل الرئيس إلا على انه منافسة له على السلطة. فقد أسس الشيخ بعد عودته من السعودية موقعا شخصيا لنفسه على الشبكة العالمية للمعلومات ليصبح بذلك أول سياسي يمني بعد رئيس الجمهورية يقوم بمثل تلك الخطوة . كما أسس الشيخ منتدى أسبوعيا، يديره بنفسه، وتؤمه النخبة السياسية والإعلامية اليمنية وتناقش فيه مختلف القضايا الفكرية والسياسية والعلمية. ومع أن الشيخ يحرص في منتداه وفي مقابلاته على عدم التعرض للرئيس أو سلطته إلا انه من الواضح أن الشيخ وفي مواجهة محاولات تهميشه يحاول الحفاظ على موقعه السياسي والاجتماعي داخل القبيلة وفي مؤسسات الدولة وبأسلوب يزيد من قلق الرئيس. أدلجة الصراع تحاول أطراف الصراع القائم داخل حاشد، ومع استمرار حالة التوتر، إعادة تعريف الصراع يوما بعد آخر وبطريقة تخرجه من دهاليز القبيلة إلى فضاء الدولة اليمنية. فما يقوم به الرئيس، من وجهة نظر أنصاره، لا يستهدف الشيخ ولا أبنائه بقدر ما يركز على بناء الدولة الحديثة في اليمن مع ما يقتضيه ذلك من تقليص لدور القبيلة في الحياة السياسية والاجتماعية اليمنية. والمشكلة من وجهة نظر أنصار الرئيس تكمن في تزعم الشيخ الأحمر وأبنائه للجناح المناهض لتوجه الرئيس نحو بناء الدولة الحديثة. فمحاولة الأمن فرض سيطرته على مواكب أبناء الشيخ، ومحاولة الحكومة تمرير قانون جديد لتنظيم حمل السلاح، ومحاولة الرئيس الحد من نفوذ الشيخ وأبنائه داخل أجهزة الدولة، وغير ذلك من الإجراءات، تصب كلها من وجهة نظر أنصار الرئيس في إطار العمل على بناء الدولة الحديثة في اليمن، والتي يتم تعريفها بأنها دولة النظام والقانون. وفي المقابل فان الشيخ وأبنائه يرون أن المسألة لا تتصل بإخضاعهم للقانون ولكنها تتصل بمحاولة توظيف الأمن وغيره من أجهزة الدولة للتحرش بهم والتقليل من مكانتهم السياسية والاجتماعية. فمحاولة الدولة تمرير قانون جديد لحمل السلاح ، من وجهة نظرهم، هي خطوة لا علاقة لها بدولة النظام والقانون وإنما تخدم هدفا واحدا هو تركيز السلطة في جهة معينة وسلب الآخرين القدرة على الدفاع عن أنفسهم. فإذا كانت الحكومة تريد تنظيم حمل السلاح، فان الأجدر بها، من وجهة نظر الشيخ وأبنائه وأنصارهم، أن تقوم بتطبيق القانون الموجود الآن بدلا من محاولة صنع قانون جديد. وتظهر المقابلات المختلفة التي تجريها مختلف وسائل الإعلام المحلية والدولية مع الشيخ وأبنائه مثل ذلك الخط من التفكير. فعلى سبيل المثال، فقد كرر الشيخ مرارا في المقابلات التي أجريت معه انه عارض تولي الرئيس علي عبد الله صالح للسلطة في عام 1978 خوفا من سيطرة العسكر على السلطة، وهو قول قد يفهم على انه انتقاد مبطن للتركيز الشديد للسلطة في أيدي الرئيس. ويتبنى الشيخ وأبناؤه وبشكل علني خطا معارضا لما ينظر إليه كثير من المحللين على انه توجه من قبل الرئيس لتوريث السلطة لنجله العقيد احمد. وتأتي معارضة الشيخ وأبنائه لمسألة التوريث في خطابهم السياسي مصحوبة بالحديث عن شهداء آل الأحمر في النضال ضد الحكم الإمامي، وهو ربط لا يخلو من مغزى. لكنه من المستبعد أن يكون لمعارضة آل الأحمر للتوريث بعدا أيديولوجيا بقدر ما تمثل احد الأوراق القوية التي يمكنهم دائما لعبها للدفاع عن سلطتهم ومواقعهم الاجتماعية في مواجهة رئيس يحاول إحداث تحول في بنية السلطة داخل القبيلة التي ينتمي إليها. جولة جديدة كان الصراع بين الشيخ والرئيس قد هدأ بعد جهود بذلها العقيد علي محسن الأحمر لجمع الرجلين في مزرعة الرئيس بمنطقة عبس خلال الصيف الماضي. ففي ذلك الاجتماع ووفقا لبعض التقارير الصحفية طمأن الرئيس الشيخ الأحمر بان اللائحة الداخلية الجديدة لمجلس النواب لكن الصراع سرعان ما عاد إلى الظهور. بالنسبة للمؤشرات على تجدد الصراع فهي كثيرة، ولعل أبرزها قد تمثل في ظهور وثيقة اللقاء المشترك للإصلاح السياسي والوطني الشامل التي كانت الكتلة البرلمانية للمؤتمر قد تبنتها لم تكن تستهدفه شخصيا عندما نصت على أن يتم انتخاب هيئة رئاسة مجلس النواب بالاقتراع السري كل سنتين. وزيادة في تطمين الشيخ فان رئيس الجمهورية قد استخدم حقه الدستوري في الاعتراض على القوانين التي يقرها مجلس النواب فاعترض على القانون الخاص باللائحة الجديدة وأعادها إلى مجلس النواب مبررا اعتراضه بأسباب لا علاقة لها بالنص الخاص بفترة وطريقة انتخاب رئاسة مجلس النواب. وبدوره عمل الشيخ على منع حزبه من الاعتراض على تمرير الجرعة السعرية التي نفذتها حكومة المؤتمر الشعبي العام في يوليو 2005 رغم معارضته الشخصية ومعارضة حزبه لمثل تلك الجرعة غير المصحوبة بإصلاح إداري ومالي يكون من شأنه الحد من الفساد والعبث بالمال العام. ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد. فعندما اندلعت أعمال عنف وتخريب في عدد من المدن اليمنية عقب الجرعة سارع الشيخ إلى إلقاء كلمة عبر التلفزيون لتهدئة الغضب الشعبي. ولعب الشيخ دورا هاما في التوصل إلى اتفاق بين الرئيس والقبائل الغاضبة من رفع أسعار المشتقات النفطية. لكن الصراع سرعان ما عاد إلى الظهور. بالنسبة للمؤشرات على تجدد الصراع فهي كثيرة، ولعل أبرزها قد تمثل في ظهور وثيقة اللقاء المشترك للإصلاح السياسي والوطني الشامل وهي الوثيقة التي تعرف الأزمة القائمة في اليمن على أنها أزمة في شكل النظام السياسي وفي تركيز السلطة بيد رئيس الجمهورية. كان الشيخ، وفقا لما قاله في إحدى مقابلاته، قد عمل في أوقات سابقة على " فرملة الإصلاح" كحزب معارض. ولا بد انه قد عمل على منع الإصلاحيين من إطلاق وثيقة الإصلاح الشامل في أوقات سابقة بدليل انه أجاب ذات مرة على سؤال حول الوثيقة التي كان الكل يتحدث عنها، انه لا يعرف عنها شيئا. كان ذلك كله في السابق. أما في الأشهر الأخيرة فلابد أن موقف الشيخ قد تغير. ورغم أن الإصلاح كحزب سياسي لا يمكن اختصاره بشخص الشيخ الأحمر إلا انه من المستبعد أن يكون الإصلاح قد وقع على مبادرة اللقاء المشترك بدون موافقة الشيخ عليها. وإذا كان الشيخ يحرص على السيطرة على الخلافات ويحاول بكل طريقة عدم استثارة الرئيس أو الدفع بالأمور إلى "نقطة اللاعودة"، فان ذلك لا يعني انه يقبل لنفسه كما يفعل كثيرون بدور رمزي يحدده الرئيس. وإذا كان الشيخ قد قبل خلال عقد الثمانينيات من القرن الماضي أن يبقى بعيدا عن المواقع الرسمية نزولا عند رغبة الرئيس فانه قد ظل خلال تلك الفترة لاعبا رئيسيا في مسرح الأحداث وان من خلف الستار. ويبين لقاء الشيخ مع قناة الجزيرة أواخر العام المنصرم تمسك الشيخ بالدور الذي يلعبه. ففي الجزء الأول من ذلك اللقاء لم يتردد الشيخ في إظهار الدور السياسي لأسرته ولنفسه خلال العقود الماضية وفي المرحلة الحالية. وعندما سأل عن رأيه في ترشح الرئيس خلال انتخابات عام 2006 كان جوابه خال من الحماس حيث قال "جني تعرفه أحسن من انسي ما تعرفه" وهذا بالطبع ليس الرد الذي يمكن أن يسعد الرئيس. وبرغم أن الشيخ ربما كان لديه أسبابا قوية للسفر إلى الخارج بغرض العلاج خلال فترة انعقاد المؤتمر العام السابع للمؤتمر الشعبي العام في مدينة عدن في منتصف ديسمبر 2005، إلا أن غياب الشيخ عن حضور مؤتمر المؤتمر قد فتح الباب على مصراعيه للتكهنات. وبنفس الطريقة، فان حادثة "سقوط" أو "إسقاط" نجل الشيخ في انتخابات اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام والتي تم الحديث عنها في بداية هذا المقال لا يمكن تحليل أبعادها بمعزل عن تحليل العلاقة بين الشيخ والرئيس. ولعل المفاجأة الكبرى في حلقات الصراع القائم بين أبناء القبيلة الواحدة قد تمثلت في قيام مجلس النواب بتمرير اللائحة الداخلية للمجلس والتي كان الرئيس قد اعترض عليها وأعادها إلى المجلس. وحيث أن الشيخ يتولى رئاسة المجلس بناء على ترتيبات سياسية معينة وليس اعتمادا على نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة فان اختيار رئيس المجلس عن طريق الاقتراع السري سيجعل مستقبل الشيخ السياسي متوقفا على قرار يتخذه الرئيس ويرسله إلى أعضاء حزبه في البرلمان عشية انتخاب هيئة رئاسة المجلس. وإذا كانت اللائحة قد جعلت فترة رئاسة المجلس سنتين فقط فان الهدف الذي ستحققه سيتمثل في جعل الشيخ تحت رحمة الرئيس وخاضعا للمساءلة الدائمة من قبله. ورغم أن خطوة بحجم "استبعاد الشيخ من رئاسة البرلمان" قد تكون ذات عواقب وخيمة إلا انه ليس من المستبعد تماما أن يلعب الرئيس مع الشيخ نفس اللعبة التي لعبها مع نجله حسين أن لم يكن هذه المرة فربما في مرة قادمة. استقرار اليمن برغم أن الشيخ، الذي بلغ من العمر عتيا، قد لعب أدورا كثيرة في مختلف المنعطفات التاريخية التي مرت بها اليمن، وهي ادوار تجعل الكثير من معاصريه وسابقيه ولاحقيه يحسدونه عليها، إلا أن الشيخ ليس مستعدا كما يبدو لإلقاء عصاه بسهولة حتى وان تم إخراجه من رئاسة البرلمان. وإذا كان الرد على إسقاط نجل الشيخ في انتخابات اللجنة العامة وعلى تمرير اللائحة الجديدة لمجلس النواب قد اقتصر حتى الآن على تصعيد الخطاب الإعلامي للتجمع اليمني للإصلاح فانه سيكون من الخطأ الاستهانة بمكانة الشيخ ونفوذه. وإذا كانت عصا الشيخ تمثل، شاء الناس أم أبوا، احد الأعمدة التي يرتكز عليها استقرار اليمن فانه سيكون من غير الحكمة الضغط عليه لإلقائها. * أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء [email protected]