"مسام" ينتزع أكثر من 1800 لغم حوثي خلال أسبوع    وسائل اعلام اسرائيلية: هجوم اسرائيلي أمريكي شاركت فيه عشرات المقاتلات ضد اهداف في اليمن    وقفة نسائية في حجة بذكرى الصرخة    ثلاثة مكاسب حققها الانتقالي للجنوب    شركة النفط توضح حول تفعيل خطة الطوارئ وطريقة توزيع البنزين    عشرات الغارات استهدفت ثلاث محافظات    برعاية من الشيخ راجح باكريت .. مهرجان حات السنوي للمحالبة ينطلق في نسخته السادسة    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    الافراج عن موظفة في المعهد الديمقراطي الأمريكي    الثقافة توقع اتفاقية تنفيذ مشروع ترميم مباني أثرية ومعالم تاريخية بصنعاء    تواصل اللقاءات القبلية لإعلان النفير العام لمواجهة العدوان الامريكي    سوريا .. انفجار الوضع في السويداء بعد دخول اتفاق تهدئة حيز التنفيذ    من أسبرطة إلى صنعاء: درس لم نتعلمه بعد    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    الخليفي والمنتصر يباركان للفريق الكروي الأول تحقيق كأس 4 مايو    بمتابعة من الزبيدي.. إضافة 120 ميجا لمحطة الطاقة الشمسية بعدن    الرهوي يناقش مع الوزير المحاقري إنشاء منصة للأسر المنتجة    الزعوري يبحث مع الأمم المتحدة تعزيز حماية وتمكين المرأة في اليمن    الكثيري يبحث مع فريدريش إيبرت فتح آفاق دعم دولي للجنوب    وزارة الشباب والرياضة تكرم موظفي الديوان العام ومكتب عدن بمناسبة عيد العمال    إلى رئيس الوزراء الجديد    عطوان ..لماذا سيدخل الصّاروخ اليمني التّاريخ من أوسعِ أبوابه    مليون لكل لاعب.. مكافأة "خيالية" للأهلي السعودي بعد الفوز بأبطال آسيا    أرواحهم في رقبة رشاد العليمي.. وفاة رجل وزوجته في سيارتهما اختناقا هربا من الحر    الأرصاد تتوقع أمطاراً رعدية بالمناطق الساحلية والجبلية وطقساً حاراً بالمناطق الصحراوية    تفاصيل جديدة لمقتل شاب دافع عن أرضه بالحسوة برصاص من داخل مسجد    بيع شهادات في جامعة عدن: الفاسد يُكافأ بمنصب رفيع (وثيقة)    من أين تأتي قوة الحوثيين؟    رسميًا.. بايرن ميونخ بطلًا للبوندسليجا    تشيلسي يضرب ليفربول ويتمسك بأمل الأبطال    تدشين برنامج ترسيخ قيم النزاهة لطلاب الدورات الصيفية بمديرية الوحدة بأمانة العاصمة    بدء تنفيذ قرار فرض حظر على الملاحة الجوية لمطارات الكيان    نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور عبدالله العليمي يعزي في استشهاد عمر عبده فرحان    وسائل إعلام غربية: صدمة في إسرائيل..الصاروخ اليمني يحرق مطار بن غوريون    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    وزير الصحة ومنظمات دولية يتفقدون مستشفى إسناد للطب النفسي    قدسية نصوص الشريعة    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    فيما مصير علي عشال ما يزال مجهولا .. مجهولون يختطفون عمه من وسط عدن    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    الاجتماع ال 19 للجمعية العامة يستعرض انجازات العام 2024م ومسيرة العطاء والتطور النوعي للشركة: «يمن موبايل» تحافظ على مركزها المالي وتوزع أعلى الارباح على المساهمين بنسبة 40 بالمائة    تطور القدرات العسكرية والتصنيع الحربي    ملفات على طاولة بن بريك.. "الاقتصاد والخدمات واستعادة الدولة" هل يخترق جدار الأزمات؟    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    مرض الفشل الكلوي (3)    التحذير من شراء الأراضي الواقعة ضمن حمى المواقع الأثرية    وسط إغلاق شامل للمحطات.. الحوثيون يفرضون تقنينًا جديدًا للوقود    إلى متى سيظل العبر طريق الموت ؟!!    قيادي حوثي يفتتح صيدلية خاصة داخل حرم مستشفى العدين بإب    ريال مدريد يحقق فوزًا ثمينًا على سيلتا فيغو    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    الأهلي السعودي يتوج بطلاً لكأس النخبة الآسيوية الأولى    المعهد الثقافي الفرنسي في القاهرة حاضنة للإبداع    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    القاعدة الأساسية للأكل الصحي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرئيس في محكمة الشعب!
نشر في التغيير يوم 29 - 09 - 2006

الدكتور عبد الله الفقيه: كانت المقابلة التي أجرتها قناة الجزيرة مساء الأربعاء 13 سبتمبر 2006 مع مرشح الحزب الحاكم الرئيس الحالي
للجمهورية اليمنية بمثابة محاكمة شعبية، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، لرئيس عربي فقد القدرة على السيطرة على كل شي بما في ذلك عواطفه. لم يعد الرئيس بقادر على الحفاظ على قدر من التوازن يمكنه من الاستمرار في قيادة البلاد وظهر الرئيس المرشح في المقابلة وهو يقول الشيء وضده. تحول علي عبد الله صالح في تلك المحاكمة إلى "قذافي" عربي جديد وان كان القذافي القديم أكثر براعة في الكلام.
غياب النموذج
كانت وقعة اليمنيين مدوية في العالم العربي يوم الأربعاء 13 سبتمبر. فلأول مرة يظهر الرئيس اليمني بهذه الصورة الهزيلة التي تجعل اليمنيين في نظر الآخرين شعبا ينتمي إلى العصر الحجري وليس إلى العصور الوسطى بدليل أن رئيسهم يتكلم في مطلع القرن الواحد والعشرين بتلك الطريقة التي تجعل من العصر الجاهلي أكثر تقدما على عصر المعلوماتية... وكان الآلاف من اليمنيين يشاهدون الرئيس ويسمعون كلامه وهم ينتفون شعر رؤوسهم وذقونهم ولحاقهم ويتساءلون بحرقة "أين مستشارو الرئيس من تلك المهزلة المسيئة للشعب اليمني؟" لقد ظهر الرئيس اليمني أمام المذيع وكأنه تلميذ في الصف الثاني من صفوف محو الأمية. وكان المذيع يعبث بمشاعر الرئيس ويتلاعب بأفكاره بينما هو فاقد السيطرة على أي شي وعلى كل شي. لقد ظهر الرئيس اليمني "عاريا" على قناة الجزيرة التي يشاهدها 35 مليون مواطن عربي..ظهر كرئيس لا يفقه شيئا في السياسة أو الاقتصاد أو الديمقراطية أو الدبلوماسية أو حتى الذوق العام. ومع ان الرئيس يحاول دائما تلبس شخصيات غير شخصيته ابتداء من شخصية "سائق التاكسي" إلى شخصية "المكوجي" إلى شخصية "الديمقراطي" الإ انه، وكما أكدت مقابلته مع الجزيرة، لا ينجح في أي منها.
كان الرئيس اليمني قد تأخر أسبوعا عن بدء حملته الانتخابية وكان معارضوه قد بدؤوا يشعرون بالقلق لان سكوت الرئيس هو أقوى أشكال الدعاية، ثم تنفس معارضو الرئيس الصعداء عندما بدأ حملته الانتخابية. فلا احد يستطيع إسقاط الرئيس سوى الرئيس نفسه. والرئيس لم يقصر في ذلك الجانب. فقد جاءت مقابلاته التلفزيونية وخصوصا تلك التي أجراها مع العربية قبل بدء حملته الانتخابية ومع الجزيرة أثناء زيارته لقطر ثم مقابلة الجزيرة يوم الأربعاء الماضي لتبرهن لكل ذي عقل بان الرئيس الصالح لم يعد صالحا لقيادة اليمن وان زمن "البورقيبية" في اليمن هو في حالة موت سريري. ومهما لمع خبراء المكياج وجه الرئيس وسودوا شعره فان كلمات الرئيس تكشف فجوات وتجعدات لا يمكن لأي مسحوق تجميل إخفاءها. ويشعر الكثير من اليمنيين هذه الأيام بالشفقة على بلادهم وعلى رئيسهم كلما سمعوا خطابا من خطابات الرئيس أو تابعوا مقابلة من مقابلاته. وليست المشكلة في ان يهاجم الرئيس منافسيه في موسم الدعاية الانتخابية ولكن المشكلة تكمن في ان الرئيس لا يعرف كيف يمارس الدعاية ولا يفرق بين الدعاية الانتخابية وبين إعلان الحرب. لقد كان واضحا ان قناة الجزيرة توظف مقابلتها مع الرئيس للدعاية لنفسها بنفس الطريقة التي وظفت بها مقابلتها مع الرئيس في قطر للإساءة إلى السعودية وعلى حساب مصالح اليمن.
غياب السياسة
كان احد حكماء اليمن قد سأل عن رأيه في الرئيس صالح وكان قد رد باقتضاب شديد بقوله "قبيلي تربى في تعز." وسواء أكان القول مدحا أريد به الذم أو ذما أريد به المدح فان الشيء الأكيد هو ان الرئيس الذي ظهر على الناس على شاشة الجزيرة يوم 13 سبتمبر 2006 لم يعد قبيليا وليس هناك من علامة على انه تربى في تعز. فالرئيس الذي يحاول فرض نفسه بقوة المال والسلاح والإعلام والأجهزة الأمنية، لم يعد كما يؤكد خطابه السياسي بقادر على ان يقود البلاد ويحافظ على وحدتها وعلى استقرارها وسلامتها..ليست المشكلة في ان يفوز الرئيس أو يهزم يوم 20 سبتمبر...بل تكمن المشكلة في المنطق الذي يستخدمه الرئيس والذي يجعله أشبه ما يكون بتلميذ لباجمال أو البركاني..كيف سيقود شخص مثل هذا البلاد إذا فاز وبأي منطق؟ وكيف سيواجه التحديات المتنامية؟ وبأي طاقم؟ وهل سيضيف بن دغر مهندس "الفدرالية" إلى البركاني وباجمال وبورجي والشاطر؟ ما الذي سيبقى من الرئيس بعد الانتخابات؟ كيف سيتعامل رئيس يصف الملايين من أبناء شعبه بالأرهابيين ويهدم بيده اليسرى ما يبنيه بيده اليمنى؟
كان حديث الرئيس في مقابلته مع الجزيرة في مجمله يبعث على القلق على مستقبل البلاد. أولا، يبين الحوار ان الرئيس يعتقد انه هو الوحيد القادر على ان يكون رئيسا لليمن وانه وسلالته هم الوحيدون في اليمن المؤهلون لتسلم السلطة. فقول الرئيس بان "اليمن له خصوصيات ولا بد ان يكون للرئيس خبرة في إدارة شؤون الحكم" لا يمكن ان يعني سوى ان الرئيس يعتقد انه هو الوحيد المؤهل لحكم اليمن. ومن غير الواضح عن أي خصوصية يتحدث الرئيس؟ هل يتحدث عن الفساد أم عن النظام الجمهوري الذي تم تجييره للأسرة من أبناء وانساب وأقارب؟ وإذا كان الرئيس يؤمن بما يقول فلماذا الانتخابات والديمقراطية والتنافس؟ وحتى يزيل الرئيس الشك من قلوب سامعيه فقد ذكر بان المرشح يجب ان يمتلك رصيد ثقافي، اجتماعي، وسياسي ويجب، والكلام لرئيس الجمهورية اليمنية "ان يكون لهذا الزعيم رصيد وطني رصيد وحدوي رصيد نضالي." وقد نسي الرئيس ان يقول بان المرشح ينبغي ان يكون اسمه "علي عبد الله صالح الأحمر" وان يكون لديه خبرة في تعيين الأقارب والأنساب وأبناء القرية في المواقع الهامة، وان يسعى لتوريث السلطة لأبنائه من بعده. ولعل المشاهد العربي يتساءل عن من يستحق الشفقة بالفعل؛ مرشح الحزب الحاكم الذي يعتقد بأنه الوحيد من بين اليمنيين الذي تتوفر فيه خصائص الزعامة أم مرشح اللقاء المشترك الذي يقدم نفسه على انه مواطن عادي يمارس حقه الدستوري والقانوني.
ثانيا، يظهر مرشح الحزب الحاكم حنق وحقد غير عادي على المواطن فيصل بن شملان لأنه الوحيد الذي قبل ان يترشح باسم اللقاء المشترك. فمن وجهة نظر الرئيس فانه إذا كان الرئيس الأسبق لليمن الجنوبي علي ناصر محمد ورئيس الوزراء الأسبق للجمهورية اليمنية الدكتور فرج بن غانم قد رفضا الترشح باسم أحزاب اللقاء المشترك، فان قيام بن شملان بالترشح في مواجهة "الزعيم الملهم" هو تطاول لا يغتفر. ويمكن إرجاع حنق الرئيس على بن شملان والطريقة غير المسئولة التي يتناوله بها في حواراته وفي مهرجاناته والتي تعتبر تهديدا للوحدة الوطنية إلى ان بن شملان افشل مشروعا بدأه الرئيس في عام 1978 ويقوم ذلك المشروع على العمل باستخدام العصا والجزرة على احتواء كل الشخصيات وإعداد ملف لكل شخصية يمكن ان تحلم بالسطة أو يلتف الناس من حوله. وقد جاء ترشيح أحزاب المعارضة لبن شملان ليبطل كل طلاسم الرئيس وأمين عام حزبه فإذا بالملايين تخرج في جميع أنحاء اليمن لتهتف لشخص آخر وإذا بالمشاعر المكبوتة تعبر عن نفسها كالسيل الجارف. كان الرئيس وحزبه يتمنيا ان ينزل كل حزب بمرشح له كما حدث في مصر لكن بلادة قادة الحزب الحاكم في اليمن قد جعلت المعارضة اليمنية في وضع أفضل من المعارضة في مصر. وفي الوقت الذي نزل فيه بن شملان كمرشح لخمسة أحزاب كان "الزعيم" قد حشر نفسه في حزب بات اسمه رمزا للفساد والانتهازية وغياب الكفاءة.
ثالثا، في الوقت الذي يتحدث فيه الرئيس عن الديمقراطية فان لسانه يخونه فإذا به وبعظمة لسانه يعبر عن نزعة شمولية استبدادية لا علاقة لها بالديمقراطية من قريب أو بعيد. فالنظرية السياسية لرئيس الجمهورية اليمنية كما يبينها حديثه للجزيرة تقوم على الحكم الفردي والشمولي. أما الديمقراطية القائمة على المشاركة السياسية والتحالفات فان الرئيس لا يقرها ويعتبرها تآمرا وخيانة..الرئيس لا يؤمن بسيفين في غمد واحد كما قال في الحوار..أي لا يؤمن بقيام حزبين بالتحالف في حكم البلاد. كما لا يؤمن بان يقوم شخصان بحكم البلاد. ما يؤمن به الرئيس كما يمكن الاستنتاج من كلامه هو الحكم الفردي الذي يجمع فيه الفرد كل السلطات ويحول فيه كل المؤسسات إلى خواء. ويعكس النظام الذي أقامه صالح نظريته السياسية تلك. فالسلطة مركزة في يديه وهو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في كل شي وفي كل مكان..في الحزب وفي الدولة. ولا يكتفي صالح بتركيز السلطة في شخصه بل يوظف ذلك التركيز لنقل السلطة إلى أبنائه وأنسابه وأبناء قريته. والمصيبة ان الرئيس لا يرى في تركيز السلطة والثروة والقوة في أقاربه وأنسابه وأبناء قريته وعلى حساب اليمنيين أمرا معيبا. بل يعتبر كل ذلك منجزا من منجزات الثورة ومعلما من معالم النظام الجمهوري.
رابعا، ينظر الرئيس إلى برنامج مرشح أحزاب اللقاء المشترك على انه وبحسب تعبيره " برنامج للعناد" أو "برنامج انفعالي" ونظرة مثل هذه لا تعني سوى هروب من مواجهة حقيقة ساطعة وهو ان المعارضة ومرشحها يعنون ما يقولون وان البلاد تعاني من اختلالات بحت أصوات الناس من الحديث عنها.
الوحدة والديمقراطية
يدعي مرشح الحزب الحاكم في حواراته المختلفة وفي لوحاته الدعائية بأنه "صانع الوحدة والديمقراطية" وهو ادعاء يفتقر إلى الأمانة ويعكس رغبة في تزييف التاريخ. فالرئيس شارك في صنع الوحدة وربما كان نصيب قادة الحزب الاشتراكي في مسألة تحقيق الوحدة اكبر من نصيبه وخصوصا وان الرئيس كان يطالب بالفدرالية في حين كان قادة الاشتراكي يصرون على الوحدة الاندماجية. أما نصيب الرئيس السوفييتي ميخائيل جورباتشوف (1985-1991) فهو بالتأكيد يفوق نصيب صالح وقادة الاشتراكي. فالتفكير الجديد الذي جاء به جورباتشوف لبلاده وللعالم هو الذي قاد في النهاية إلى توفير الشرط الضروري لقيام الوحدة اليمنية. وإذا كان صالح لم يصنع الوحدة كما يزعم فان حملته الانتخابية قد أظهرت بأنه قادر على تجزئة اليمن إلى عشرين جمهورية.
وبالنسبة للديمقراطية فقد قال صالح في لقائه مع الجزيرة " أعتز أنني أسست هذه التجربة دون ان تفرض علينا من احد، ولم يفرضها احد، لا الشارع، ولا القوى السياسية، ولا الغرب ولا الولايات المتحدة الأمريكية." وقول صالح هذا يفتقر إلى بدوره إلى الأمانة والى الصدق وهي صفات ينبغي ان يتحلى بها القائد. كما يفتقر أيضا إلى احترام الرئيس للشعب اليمني. فالديمقراطية كرديف للوحدة فرضها الحزب الاشتراكي اليمني وليس المؤتمر الشعبي العام. وتؤكد هذا الأمر عالمة السياسة الأمريكية شيلا كاربيكو في كتابها عن المجتمع المدني في اليمن. فهي تنقل عن صالح قوله قبل تحقيق الوحدة بفترة وجيزة بان اليمن تحتاج إلى عشرات السنين قبل ان تسمح للأحزاب السياسية بالعمل. وبرغم ان صالح وبشهادة كل المتخصصين تقريبا انقلب على الديمقراطية لما يزيد عن عقد من الزمن الا ان الضغوط الغربية عليه قد قادته في النهاية إلى الدخول في انتخابات تنافسية يسعى من خلالها إلى إضفاء الشرعية على نظامه من جهة والى الحصول على دعم دولي من جهة أخرى. وقول الرئيس ان الديمقراطية لم تفرض عليه من قوى داخلية هو تحقير للشعب اليمني وتصوير للشعب بأنه لا يثمن الحرية ولا يطالب بالمشاركة. وهذا الكلام غير صحيح بدليل الحراك الذي تعيشه البلاد هذه الأيام رغم ما يمارسه الحزب الحاكم من انتهاكات وصلت إلى درجة خطف الناشطات من النساء.
أما كلام الرئيس عن التزامه بالديمقراطية فهو كلام يمكن ان يكون صحيحا بعض الشي ان ضمن الرئيس انتخابات حرة ونزيهة وخالية من التزوير في ال20 من سبتمبر. والقول بأنه يمكن ان يكون كلام الرئيس صحيحا بعض الشي يستند إلى حقيقة قيام الرئيس بتسخير مقدرات البلاد من مال عام وإعلام وموظفين وإفراد جيش وامن وسيارات وطائرات ووظائف وأجهزة أمنية ومدارس ومنشاءات صحية وجامعات في حملته الانتخابية وبطريقة أكدت ما ذهبت اليه المعارضة في شعارها من مطالبة برئيس من اجل البلاد بدلا عن بلاد من اجل الرئيس. والمشكلة ان كل المؤشرات تدل على توجه الحزب الحاكم لتزوير الانتخابات ليس فقط للفوز ولكن لتحقيق أغلبية ساحقة يتمكن بها من إلغاء معارضيه وفرض الاستبداد بقناع الديمقراطية. وإذا كان الرئيس قد دعا بالفعل المنظمات الدولية للرقابة على الانتخابات اليمنية فان تجارب الشعوب الأخرى تدل على ان قيام الحكام المستبدين والفاسدين في العالم الثالث بدعوة مراقبين دوليين لا يعني بالضرورة عزمهم على عقد انتخابات نزيهة. بل قد يعني العكس تماما. فقد دعا الرئيس الزائيري روبرت موجابي مراقبين دوليين إلى بلاده ثم عمل على تزوير الانتخابات. وفعل الرئيس الجورجي ادوارد شيفرنازداه نفس الشي. وأي متتبع لتصرفات الحزب الحاكم في الجمهورية اليمنية سيجد ان هناك توجها نحو التزوير لا يمكن ان تخطئه العين. والمأمول هو ان يتغلب العقل على العاطفة والمسئولية على المصلحة الشخصية والحزبية. ومن الواضح انه إذا كانت الانتخابات النزيهة تحمل معها احتمال فوز الحاكم فان تزوير الانتخابات لا يمكن ان يعني سوى المغامرة بمستقبل البلاد وخسارة كل شي.
حرق الجسور
لم يكن الرئيس موفقا في إجابته على الكثير من الأسئلة. وبدا الرئيس في حواره وكأنه يحرق الجسور التي عبر عليها طيلة سنوات حياته في السلطة. وفي الوقت الذي كان فيه الرئيس يتودد إلى الشيخ الزنداني ويبحث عن فتاوي السلفيين التي تحرم الديمقراطية ويشتري بعض عناصر الاشتراكي ويبحث عن تصريح من الشيخ الأحمر يؤيده كمرشح، كان في الوقت ذاته يصف الإصلاحيين--حلفائه التاريخيين الذين ساهموا بشكل كبير في قيام نظامه والحفاظ عليه-- بأنهم كانوا مجرد "ورقة سياسية..عبارة عن كرت." وصحيح ان الإصلاحيين وكما قال الرئيس كانوا يسعون للحلول مكان الاشتراكي في السلطة الإ ان ذلك الطموح لا يشكل جريمة. أما عن تقييم صالح لأدائهم في السلطة فقد خلا تماما من الموضوعية. فمشكلة صالح كانت وما زالت هي رغبته في الإنفراد بالسلطة وضيقه الشديد من رغبة الآخرين بان يشاركوا بالسلطة بشكل فعال. ضاق صالح بالاشتراكيين ودفعهم إلى حرب أهلية. ثم اخرج الإصلاحيين من السلطة وعمل على حرمانهم من حقوق المواطنة. ولم يكن خلاف صالح مع الإصلاحيين بسبب عدم امتلاكهم لبرنامج أو بسبب أدائهم السيئ عندما شاركوا في الحكومة أو لأنهم لا يصلحون سوى للخطابة. فذلك كله غير صحيح. كانت مشكلة صالح هي ان الإصلاحيين انتقوا أفضل ما لديهم من عناصر وبعضهم من حملة الدكتوراة من أمثال الدكتور عبد الرحمن بافضل والدكتور محمد الأفندي والدكتور عبد المجيد المخلافي وأنهم امتلكوا برنامجا أكثر تقدما واظهروا منافسة لحزب الرئيس الذي كان وما زال يراهن على الولاء للزعيم وعلى الضعفاء والأقل كفاءة. كان للإصلاحيين أخطائهم بالتأكيد لكن تلك الأخطاء لم تكن تمثل شيئا مقارنة بأخطاء المؤتمريين. وقد لعب الإصلاحيون دورا هاما في نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي بدأ في عام 1995 . وبعد خروج الإصلاحيين من السلطة تعثر برنامج الإصلاحات وتحولت الإصلاحات على يد عبد القادر باجمال وسلطان البركاني إلى مذبحة اقتصادية للبسطاء والى بقرة حلوب للفساد المؤتمري.
ثم ماذا
سيتوقف مستقبل الرئيس صالح السياسي على أمرين متناقضين. الأمر الأول هو مدى قدرته على الإيفاء بالحد الأدنى من التزاماته تجاه شعبه وتجاه المجتمع الدولي بتنفيذ انتخابات حرة وعادلة وخالية من التزوير. أما الأمر الثاني فيتعلق بالطريقة التي ستتوزع بها الأصوات بين السلطة والمعارضة. وإذا كان تمكن الرئيس من تنفيذ انتخابات حرة ونزيهة يعني على الأرجح تحسين فرص المعارضة في الانتخابات وتمكينها إما من تغيير الرئيس أو على الأقل الحد من قدرته على الحكم، فان فشل الرئيس في تنفيذ انتخابات حرة ونزيهة يحمل مخاطر كبيرة ومتعددة ليس فقط بالنسبة للمستقبل السياسي للرئيس ولكن بالنسبة لمستقبل البلاد ككل. وبغض النظر عن النتائج التي ستفرزها انتخابات ال20 من سبتمبر فانه من الواضح ان الرئيس اليمني يشبه في وضعه الحالي لاعب كرة القدم الذي فشل في الاعتزال في الوقت المناسب. ولعل أسوء ما يمكن ان يحدث لصالح ليس إخراجه من تشكيلة الفريق بل الإبقاء عليه ضمن التشكيلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.