واشنطن: استقلالية البنك المركزي اليمني ضرورة لإنقاذ الاقتصاد ومنع الانهيار    هبوط العملة.. والأسعار ترتفع بالريال السعودي!!    اليمنيون يؤكدون ..غزة خط دفاع الأمة لن نتخلى عنها    الفاو: أسعار الغذاء العالمية تسجل أعلى مستوى خلال يوليو منذ أكثر منذ عامين    إعلاميون ونشطاء يحيون أربعينية فقيد الوطن "الحميري" ويستعرضون مأثره    "الجهاد": قرار الكابينت باحتلال كامل غزة فصل جديد من فصول الإبادة    القبض على 5 متورطين في أعمال شغب بزنجبار    الأمم المتحدة تعلن وصول سوء التغذية الحاد بين الأطفال بغزة لأعلى مستوى    بعد الهلال.. شروق ترتدي قميص النصر    رباعية نصراوية تكتسح ريو آفي    200 كاتب بريطاني يطالبون بمقاطعة إسرائيل    الأرصاد يتوقع أمطار رعدية واضطراب في البحر خلال الساعات المقبلة    المكتب الاعلامي للفريق السامعي يوضح حول شائعات مغادرته صنعاء    أبين.. مقتل وإصابة 5 جنود بانفجار عبوة ناسفة استهدفت دورية عسكرية بمودية    الشهيد علي حسن المعلم    الذهب يسجل مستويات قياسية مدعومًا بالرسوم الجمركية الأمريكية    الإدارة الأمريكية تُضاعف مكافأة القبض على الرئيس الفنزويلي وكراكاس تصف القرار ب"المثير للشفقة"    صحيفة روسية تكشف من هو الشيباني    اشتباكات مسلحة عنيفة بين فصائل المرتزقة في عدن    بايرن ميونخ يكتسح توتنهام الإنجليزي برباعية نظيفة    تفشي فيروس خطير في ألمانيا مسجلا 16 إصابة ووفاة ثلاثة    فياريال الإسباني يعلن ضم لاعب الوسط الغاني توماس بارتي    اكتشاف معبد عمره 6 قرون في تركيا بالصدفة    ما سر قرار ريال مدريد مقاطعة حفل الكرة الذهبية 2025؟    دراسة تحذّر من خطر شاشات الهواتف والتلفاز على صحة القلب والشرايين!    الراجع قوي: عندما يصبح الارتفاع المفاجئ للريال اليمني رصاصة طائشة    المحتجون الحضارم يبتكرون طريقة لتعطيل شاحنات الحوثي المارة بتريم    باوزير: تريم فضحت تهديدات بن حبريش ضد النخبة الحضرمية    في تريم لم تُخلق النخلة لتموت    إنسانية عوراء    يحق لبن حبريش قطع الطريق على وقود كهرباء الساحل لأشهر ولا يحق لأبناء تريم التعبير عن مطالهم    لماذا يخجل أبناء تعز من الإنتساب إلى مدينتهم وقراهم    وتؤكد بأنها على انعقاد دائم وان على التجار رفض تسليم الزيادة    وسط تصاعد التنافس في تجارة الحبوب .. وصول شحنة قمح إلى ميناء المكلا    كرة الطائرة الشاطئية المغربية.. إنجازات غير مسبوقة وتطور مستمر    تغاريد حرة .. عندما يسودنا الفساد    القرعة تضع اليمن في المجموعة الثانية في تصفيات كأس آسيا للناشئين    إب.. قيادي حوثي يختطف مواطناً لإجباره على تحكيمه في قضية أمام القضاء    الرئيس المشاط يعزي في وفاة احد كبار مشائخ حاشد    كنت هناك.. وكما كان اليوم، لبنان في عين العاصفة    محافظ إب يدشن أعمال التوسعة في ساحة الرسول الأعظم بالمدينة    عصابة حوثية تعتدي على موقع أثري في إب    الصراع في الجهوية اليمانية قديم جدا    وفاة وإصابة 9 مواطنين بصواعق رعدية في الضالع وذمار    الفصل في 7329 قضية منها 4258 أسرية    جامعة لحج ومكتب الصحة يدشنان أول عيادة مجانية بمركز التعليم المستمر    خطر مستقبل التعليم بانعدام وظيفة المعلم    صحيفة بريطانية : إجراءات حكومية جريئة وراء التعافي المفاجئ للعملة اليمنية    دراسة أمريكية جديدة: الشفاء من السكري ممكن .. ولكن!    أربع مباريات مرتقبة في الأسبوع الثاني من بطولة بيسان    هيئة الآثار تنشر قائمة جديدة بالآثار اليمنية المنهوبة    اجتماع بالمواصفات يناقش تحضيرات تدشين فعاليات ذكرى المولد النبوي    مجلس الوزراء يقر خطة إحياء ذكرى المولد النبوي للعام 1447ه    لا تليق بها الفاصلة    حملة رقابية لضبط أسعار الأدوية في المنصورة بالعاصمة عدن    رئيس الوزراء: الأدوية ليست رفاهية.. ووجهنا بتخفيض الأسعار وتعزيز الرقابة    من أين لك هذا المال؟!    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرئيس في محكمة الشعب!
نشر في التغيير يوم 29 - 09 - 2006

الدكتور عبد الله الفقيه: كانت المقابلة التي أجرتها قناة الجزيرة مساء الأربعاء 13 سبتمبر 2006 مع مرشح الحزب الحاكم الرئيس الحالي
للجمهورية اليمنية بمثابة محاكمة شعبية، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، لرئيس عربي فقد القدرة على السيطرة على كل شي بما في ذلك عواطفه. لم يعد الرئيس بقادر على الحفاظ على قدر من التوازن يمكنه من الاستمرار في قيادة البلاد وظهر الرئيس المرشح في المقابلة وهو يقول الشيء وضده. تحول علي عبد الله صالح في تلك المحاكمة إلى "قذافي" عربي جديد وان كان القذافي القديم أكثر براعة في الكلام.
غياب النموذج
كانت وقعة اليمنيين مدوية في العالم العربي يوم الأربعاء 13 سبتمبر. فلأول مرة يظهر الرئيس اليمني بهذه الصورة الهزيلة التي تجعل اليمنيين في نظر الآخرين شعبا ينتمي إلى العصر الحجري وليس إلى العصور الوسطى بدليل أن رئيسهم يتكلم في مطلع القرن الواحد والعشرين بتلك الطريقة التي تجعل من العصر الجاهلي أكثر تقدما على عصر المعلوماتية... وكان الآلاف من اليمنيين يشاهدون الرئيس ويسمعون كلامه وهم ينتفون شعر رؤوسهم وذقونهم ولحاقهم ويتساءلون بحرقة "أين مستشارو الرئيس من تلك المهزلة المسيئة للشعب اليمني؟" لقد ظهر الرئيس اليمني أمام المذيع وكأنه تلميذ في الصف الثاني من صفوف محو الأمية. وكان المذيع يعبث بمشاعر الرئيس ويتلاعب بأفكاره بينما هو فاقد السيطرة على أي شي وعلى كل شي. لقد ظهر الرئيس اليمني "عاريا" على قناة الجزيرة التي يشاهدها 35 مليون مواطن عربي..ظهر كرئيس لا يفقه شيئا في السياسة أو الاقتصاد أو الديمقراطية أو الدبلوماسية أو حتى الذوق العام. ومع ان الرئيس يحاول دائما تلبس شخصيات غير شخصيته ابتداء من شخصية "سائق التاكسي" إلى شخصية "المكوجي" إلى شخصية "الديمقراطي" الإ انه، وكما أكدت مقابلته مع الجزيرة، لا ينجح في أي منها.
كان الرئيس اليمني قد تأخر أسبوعا عن بدء حملته الانتخابية وكان معارضوه قد بدؤوا يشعرون بالقلق لان سكوت الرئيس هو أقوى أشكال الدعاية، ثم تنفس معارضو الرئيس الصعداء عندما بدأ حملته الانتخابية. فلا احد يستطيع إسقاط الرئيس سوى الرئيس نفسه. والرئيس لم يقصر في ذلك الجانب. فقد جاءت مقابلاته التلفزيونية وخصوصا تلك التي أجراها مع العربية قبل بدء حملته الانتخابية ومع الجزيرة أثناء زيارته لقطر ثم مقابلة الجزيرة يوم الأربعاء الماضي لتبرهن لكل ذي عقل بان الرئيس الصالح لم يعد صالحا لقيادة اليمن وان زمن "البورقيبية" في اليمن هو في حالة موت سريري. ومهما لمع خبراء المكياج وجه الرئيس وسودوا شعره فان كلمات الرئيس تكشف فجوات وتجعدات لا يمكن لأي مسحوق تجميل إخفاءها. ويشعر الكثير من اليمنيين هذه الأيام بالشفقة على بلادهم وعلى رئيسهم كلما سمعوا خطابا من خطابات الرئيس أو تابعوا مقابلة من مقابلاته. وليست المشكلة في ان يهاجم الرئيس منافسيه في موسم الدعاية الانتخابية ولكن المشكلة تكمن في ان الرئيس لا يعرف كيف يمارس الدعاية ولا يفرق بين الدعاية الانتخابية وبين إعلان الحرب. لقد كان واضحا ان قناة الجزيرة توظف مقابلتها مع الرئيس للدعاية لنفسها بنفس الطريقة التي وظفت بها مقابلتها مع الرئيس في قطر للإساءة إلى السعودية وعلى حساب مصالح اليمن.
غياب السياسة
كان احد حكماء اليمن قد سأل عن رأيه في الرئيس صالح وكان قد رد باقتضاب شديد بقوله "قبيلي تربى في تعز." وسواء أكان القول مدحا أريد به الذم أو ذما أريد به المدح فان الشيء الأكيد هو ان الرئيس الذي ظهر على الناس على شاشة الجزيرة يوم 13 سبتمبر 2006 لم يعد قبيليا وليس هناك من علامة على انه تربى في تعز. فالرئيس الذي يحاول فرض نفسه بقوة المال والسلاح والإعلام والأجهزة الأمنية، لم يعد كما يؤكد خطابه السياسي بقادر على ان يقود البلاد ويحافظ على وحدتها وعلى استقرارها وسلامتها..ليست المشكلة في ان يفوز الرئيس أو يهزم يوم 20 سبتمبر...بل تكمن المشكلة في المنطق الذي يستخدمه الرئيس والذي يجعله أشبه ما يكون بتلميذ لباجمال أو البركاني..كيف سيقود شخص مثل هذا البلاد إذا فاز وبأي منطق؟ وكيف سيواجه التحديات المتنامية؟ وبأي طاقم؟ وهل سيضيف بن دغر مهندس "الفدرالية" إلى البركاني وباجمال وبورجي والشاطر؟ ما الذي سيبقى من الرئيس بعد الانتخابات؟ كيف سيتعامل رئيس يصف الملايين من أبناء شعبه بالأرهابيين ويهدم بيده اليسرى ما يبنيه بيده اليمنى؟
كان حديث الرئيس في مقابلته مع الجزيرة في مجمله يبعث على القلق على مستقبل البلاد. أولا، يبين الحوار ان الرئيس يعتقد انه هو الوحيد القادر على ان يكون رئيسا لليمن وانه وسلالته هم الوحيدون في اليمن المؤهلون لتسلم السلطة. فقول الرئيس بان "اليمن له خصوصيات ولا بد ان يكون للرئيس خبرة في إدارة شؤون الحكم" لا يمكن ان يعني سوى ان الرئيس يعتقد انه هو الوحيد المؤهل لحكم اليمن. ومن غير الواضح عن أي خصوصية يتحدث الرئيس؟ هل يتحدث عن الفساد أم عن النظام الجمهوري الذي تم تجييره للأسرة من أبناء وانساب وأقارب؟ وإذا كان الرئيس يؤمن بما يقول فلماذا الانتخابات والديمقراطية والتنافس؟ وحتى يزيل الرئيس الشك من قلوب سامعيه فقد ذكر بان المرشح يجب ان يمتلك رصيد ثقافي، اجتماعي، وسياسي ويجب، والكلام لرئيس الجمهورية اليمنية "ان يكون لهذا الزعيم رصيد وطني رصيد وحدوي رصيد نضالي." وقد نسي الرئيس ان يقول بان المرشح ينبغي ان يكون اسمه "علي عبد الله صالح الأحمر" وان يكون لديه خبرة في تعيين الأقارب والأنساب وأبناء القرية في المواقع الهامة، وان يسعى لتوريث السلطة لأبنائه من بعده. ولعل المشاهد العربي يتساءل عن من يستحق الشفقة بالفعل؛ مرشح الحزب الحاكم الذي يعتقد بأنه الوحيد من بين اليمنيين الذي تتوفر فيه خصائص الزعامة أم مرشح اللقاء المشترك الذي يقدم نفسه على انه مواطن عادي يمارس حقه الدستوري والقانوني.
ثانيا، يظهر مرشح الحزب الحاكم حنق وحقد غير عادي على المواطن فيصل بن شملان لأنه الوحيد الذي قبل ان يترشح باسم اللقاء المشترك. فمن وجهة نظر الرئيس فانه إذا كان الرئيس الأسبق لليمن الجنوبي علي ناصر محمد ورئيس الوزراء الأسبق للجمهورية اليمنية الدكتور فرج بن غانم قد رفضا الترشح باسم أحزاب اللقاء المشترك، فان قيام بن شملان بالترشح في مواجهة "الزعيم الملهم" هو تطاول لا يغتفر. ويمكن إرجاع حنق الرئيس على بن شملان والطريقة غير المسئولة التي يتناوله بها في حواراته وفي مهرجاناته والتي تعتبر تهديدا للوحدة الوطنية إلى ان بن شملان افشل مشروعا بدأه الرئيس في عام 1978 ويقوم ذلك المشروع على العمل باستخدام العصا والجزرة على احتواء كل الشخصيات وإعداد ملف لكل شخصية يمكن ان تحلم بالسطة أو يلتف الناس من حوله. وقد جاء ترشيح أحزاب المعارضة لبن شملان ليبطل كل طلاسم الرئيس وأمين عام حزبه فإذا بالملايين تخرج في جميع أنحاء اليمن لتهتف لشخص آخر وإذا بالمشاعر المكبوتة تعبر عن نفسها كالسيل الجارف. كان الرئيس وحزبه يتمنيا ان ينزل كل حزب بمرشح له كما حدث في مصر لكن بلادة قادة الحزب الحاكم في اليمن قد جعلت المعارضة اليمنية في وضع أفضل من المعارضة في مصر. وفي الوقت الذي نزل فيه بن شملان كمرشح لخمسة أحزاب كان "الزعيم" قد حشر نفسه في حزب بات اسمه رمزا للفساد والانتهازية وغياب الكفاءة.
ثالثا، في الوقت الذي يتحدث فيه الرئيس عن الديمقراطية فان لسانه يخونه فإذا به وبعظمة لسانه يعبر عن نزعة شمولية استبدادية لا علاقة لها بالديمقراطية من قريب أو بعيد. فالنظرية السياسية لرئيس الجمهورية اليمنية كما يبينها حديثه للجزيرة تقوم على الحكم الفردي والشمولي. أما الديمقراطية القائمة على المشاركة السياسية والتحالفات فان الرئيس لا يقرها ويعتبرها تآمرا وخيانة..الرئيس لا يؤمن بسيفين في غمد واحد كما قال في الحوار..أي لا يؤمن بقيام حزبين بالتحالف في حكم البلاد. كما لا يؤمن بان يقوم شخصان بحكم البلاد. ما يؤمن به الرئيس كما يمكن الاستنتاج من كلامه هو الحكم الفردي الذي يجمع فيه الفرد كل السلطات ويحول فيه كل المؤسسات إلى خواء. ويعكس النظام الذي أقامه صالح نظريته السياسية تلك. فالسلطة مركزة في يديه وهو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في كل شي وفي كل مكان..في الحزب وفي الدولة. ولا يكتفي صالح بتركيز السلطة في شخصه بل يوظف ذلك التركيز لنقل السلطة إلى أبنائه وأنسابه وأبناء قريته. والمصيبة ان الرئيس لا يرى في تركيز السلطة والثروة والقوة في أقاربه وأنسابه وأبناء قريته وعلى حساب اليمنيين أمرا معيبا. بل يعتبر كل ذلك منجزا من منجزات الثورة ومعلما من معالم النظام الجمهوري.
رابعا، ينظر الرئيس إلى برنامج مرشح أحزاب اللقاء المشترك على انه وبحسب تعبيره " برنامج للعناد" أو "برنامج انفعالي" ونظرة مثل هذه لا تعني سوى هروب من مواجهة حقيقة ساطعة وهو ان المعارضة ومرشحها يعنون ما يقولون وان البلاد تعاني من اختلالات بحت أصوات الناس من الحديث عنها.
الوحدة والديمقراطية
يدعي مرشح الحزب الحاكم في حواراته المختلفة وفي لوحاته الدعائية بأنه "صانع الوحدة والديمقراطية" وهو ادعاء يفتقر إلى الأمانة ويعكس رغبة في تزييف التاريخ. فالرئيس شارك في صنع الوحدة وربما كان نصيب قادة الحزب الاشتراكي في مسألة تحقيق الوحدة اكبر من نصيبه وخصوصا وان الرئيس كان يطالب بالفدرالية في حين كان قادة الاشتراكي يصرون على الوحدة الاندماجية. أما نصيب الرئيس السوفييتي ميخائيل جورباتشوف (1985-1991) فهو بالتأكيد يفوق نصيب صالح وقادة الاشتراكي. فالتفكير الجديد الذي جاء به جورباتشوف لبلاده وللعالم هو الذي قاد في النهاية إلى توفير الشرط الضروري لقيام الوحدة اليمنية. وإذا كان صالح لم يصنع الوحدة كما يزعم فان حملته الانتخابية قد أظهرت بأنه قادر على تجزئة اليمن إلى عشرين جمهورية.
وبالنسبة للديمقراطية فقد قال صالح في لقائه مع الجزيرة " أعتز أنني أسست هذه التجربة دون ان تفرض علينا من احد، ولم يفرضها احد، لا الشارع، ولا القوى السياسية، ولا الغرب ولا الولايات المتحدة الأمريكية." وقول صالح هذا يفتقر إلى بدوره إلى الأمانة والى الصدق وهي صفات ينبغي ان يتحلى بها القائد. كما يفتقر أيضا إلى احترام الرئيس للشعب اليمني. فالديمقراطية كرديف للوحدة فرضها الحزب الاشتراكي اليمني وليس المؤتمر الشعبي العام. وتؤكد هذا الأمر عالمة السياسة الأمريكية شيلا كاربيكو في كتابها عن المجتمع المدني في اليمن. فهي تنقل عن صالح قوله قبل تحقيق الوحدة بفترة وجيزة بان اليمن تحتاج إلى عشرات السنين قبل ان تسمح للأحزاب السياسية بالعمل. وبرغم ان صالح وبشهادة كل المتخصصين تقريبا انقلب على الديمقراطية لما يزيد عن عقد من الزمن الا ان الضغوط الغربية عليه قد قادته في النهاية إلى الدخول في انتخابات تنافسية يسعى من خلالها إلى إضفاء الشرعية على نظامه من جهة والى الحصول على دعم دولي من جهة أخرى. وقول الرئيس ان الديمقراطية لم تفرض عليه من قوى داخلية هو تحقير للشعب اليمني وتصوير للشعب بأنه لا يثمن الحرية ولا يطالب بالمشاركة. وهذا الكلام غير صحيح بدليل الحراك الذي تعيشه البلاد هذه الأيام رغم ما يمارسه الحزب الحاكم من انتهاكات وصلت إلى درجة خطف الناشطات من النساء.
أما كلام الرئيس عن التزامه بالديمقراطية فهو كلام يمكن ان يكون صحيحا بعض الشي ان ضمن الرئيس انتخابات حرة ونزيهة وخالية من التزوير في ال20 من سبتمبر. والقول بأنه يمكن ان يكون كلام الرئيس صحيحا بعض الشي يستند إلى حقيقة قيام الرئيس بتسخير مقدرات البلاد من مال عام وإعلام وموظفين وإفراد جيش وامن وسيارات وطائرات ووظائف وأجهزة أمنية ومدارس ومنشاءات صحية وجامعات في حملته الانتخابية وبطريقة أكدت ما ذهبت اليه المعارضة في شعارها من مطالبة برئيس من اجل البلاد بدلا عن بلاد من اجل الرئيس. والمشكلة ان كل المؤشرات تدل على توجه الحزب الحاكم لتزوير الانتخابات ليس فقط للفوز ولكن لتحقيق أغلبية ساحقة يتمكن بها من إلغاء معارضيه وفرض الاستبداد بقناع الديمقراطية. وإذا كان الرئيس قد دعا بالفعل المنظمات الدولية للرقابة على الانتخابات اليمنية فان تجارب الشعوب الأخرى تدل على ان قيام الحكام المستبدين والفاسدين في العالم الثالث بدعوة مراقبين دوليين لا يعني بالضرورة عزمهم على عقد انتخابات نزيهة. بل قد يعني العكس تماما. فقد دعا الرئيس الزائيري روبرت موجابي مراقبين دوليين إلى بلاده ثم عمل على تزوير الانتخابات. وفعل الرئيس الجورجي ادوارد شيفرنازداه نفس الشي. وأي متتبع لتصرفات الحزب الحاكم في الجمهورية اليمنية سيجد ان هناك توجها نحو التزوير لا يمكن ان تخطئه العين. والمأمول هو ان يتغلب العقل على العاطفة والمسئولية على المصلحة الشخصية والحزبية. ومن الواضح انه إذا كانت الانتخابات النزيهة تحمل معها احتمال فوز الحاكم فان تزوير الانتخابات لا يمكن ان يعني سوى المغامرة بمستقبل البلاد وخسارة كل شي.
حرق الجسور
لم يكن الرئيس موفقا في إجابته على الكثير من الأسئلة. وبدا الرئيس في حواره وكأنه يحرق الجسور التي عبر عليها طيلة سنوات حياته في السلطة. وفي الوقت الذي كان فيه الرئيس يتودد إلى الشيخ الزنداني ويبحث عن فتاوي السلفيين التي تحرم الديمقراطية ويشتري بعض عناصر الاشتراكي ويبحث عن تصريح من الشيخ الأحمر يؤيده كمرشح، كان في الوقت ذاته يصف الإصلاحيين--حلفائه التاريخيين الذين ساهموا بشكل كبير في قيام نظامه والحفاظ عليه-- بأنهم كانوا مجرد "ورقة سياسية..عبارة عن كرت." وصحيح ان الإصلاحيين وكما قال الرئيس كانوا يسعون للحلول مكان الاشتراكي في السلطة الإ ان ذلك الطموح لا يشكل جريمة. أما عن تقييم صالح لأدائهم في السلطة فقد خلا تماما من الموضوعية. فمشكلة صالح كانت وما زالت هي رغبته في الإنفراد بالسلطة وضيقه الشديد من رغبة الآخرين بان يشاركوا بالسلطة بشكل فعال. ضاق صالح بالاشتراكيين ودفعهم إلى حرب أهلية. ثم اخرج الإصلاحيين من السلطة وعمل على حرمانهم من حقوق المواطنة. ولم يكن خلاف صالح مع الإصلاحيين بسبب عدم امتلاكهم لبرنامج أو بسبب أدائهم السيئ عندما شاركوا في الحكومة أو لأنهم لا يصلحون سوى للخطابة. فذلك كله غير صحيح. كانت مشكلة صالح هي ان الإصلاحيين انتقوا أفضل ما لديهم من عناصر وبعضهم من حملة الدكتوراة من أمثال الدكتور عبد الرحمن بافضل والدكتور محمد الأفندي والدكتور عبد المجيد المخلافي وأنهم امتلكوا برنامجا أكثر تقدما واظهروا منافسة لحزب الرئيس الذي كان وما زال يراهن على الولاء للزعيم وعلى الضعفاء والأقل كفاءة. كان للإصلاحيين أخطائهم بالتأكيد لكن تلك الأخطاء لم تكن تمثل شيئا مقارنة بأخطاء المؤتمريين. وقد لعب الإصلاحيون دورا هاما في نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي بدأ في عام 1995 . وبعد خروج الإصلاحيين من السلطة تعثر برنامج الإصلاحات وتحولت الإصلاحات على يد عبد القادر باجمال وسلطان البركاني إلى مذبحة اقتصادية للبسطاء والى بقرة حلوب للفساد المؤتمري.
ثم ماذا
سيتوقف مستقبل الرئيس صالح السياسي على أمرين متناقضين. الأمر الأول هو مدى قدرته على الإيفاء بالحد الأدنى من التزاماته تجاه شعبه وتجاه المجتمع الدولي بتنفيذ انتخابات حرة وعادلة وخالية من التزوير. أما الأمر الثاني فيتعلق بالطريقة التي ستتوزع بها الأصوات بين السلطة والمعارضة. وإذا كان تمكن الرئيس من تنفيذ انتخابات حرة ونزيهة يعني على الأرجح تحسين فرص المعارضة في الانتخابات وتمكينها إما من تغيير الرئيس أو على الأقل الحد من قدرته على الحكم، فان فشل الرئيس في تنفيذ انتخابات حرة ونزيهة يحمل مخاطر كبيرة ومتعددة ليس فقط بالنسبة للمستقبل السياسي للرئيس ولكن بالنسبة لمستقبل البلاد ككل. وبغض النظر عن النتائج التي ستفرزها انتخابات ال20 من سبتمبر فانه من الواضح ان الرئيس اليمني يشبه في وضعه الحالي لاعب كرة القدم الذي فشل في الاعتزال في الوقت المناسب. ولعل أسوء ما يمكن ان يحدث لصالح ليس إخراجه من تشكيلة الفريق بل الإبقاء عليه ضمن التشكيلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.