كثيرة هي المشاكل التي تُعاني منها اليمن اليوم سواء كانت أمنية أو أقتصادية أو مجتمعية، وكثيرة هي الكتابات التي تُنشر كل يوم وتستعرض تلك المعوقات إما بالنقد أو التوضيح! وهذه المعوقات الكثيرة ليست حكراً على اليمن بذاته، بل أنها ظاهرة عالمية مع إزدياد الكثافة السكانية العالمية وما صاحبها من تقلص للثروات والموارد وإتجاه الأنسان للحصول عليها بالسيطرة والقوة وما تلاها من زيادة في نسب الفقر والعنف والجريمة وغيرها! وقد عانت وتعاني عدد من الدول الفقيرة والنامية من مثل هذه التحديات والصعوبات، حيث إنهارت دول ومنظومات وكيانات نتيجة لذلك، بينما إستطاعت دول وكيانات أخرى أن تتجاوزها، بل وتخلق نهضة تنموية شاملة! وعندما ندرس ونُحلل أسباب نهضة الشعوب من حولنا، نجد أن تلك الشعوب كانت تعاني غالباً من نفس المشكلات التي نعاني منها الآن "إن لم يكن أكثر"، ولكن وبوجود قيادة سياسية حكيمة في فترة من تاريخ تلك الدول، أستطاعت التغلب على نقاط ضعفها وإيجاد حلول لها، بل وتحويل نقاط الضعف إلى نقاط قوى مكنتها من نهضة إقتصادية وسياسية حقيقية وبسرعة كبيرة ومنها ماليزيا وتركيا ونمور أسيا وغيرها من الدول التي تحولت من دول نامية إلى دول لها وزنها في الاقتصاد العالمي والحضور الدولي وأصبحت تُصدر تجاربها الناجحة لغيرها من الدول! وعند دراسة النموذج اليمني نجد أن مُجمل الصعوبات والمعوقات التي أوصلت اليمن اليوم إلى وضعها الحالي، يمكن التغلب عليها من خلال ما يلي: · كون أغلب القرارات المصيرية في الدولة تتم في رئاسة الجمهورية والخاصة بالتعيين من درجة وكيل وزارة وأعلى، فيجب أن يتم خلق سجل ألكتروني لكافة موظفي الدولة من حملة الماجستير والدكتوراه وذوي الكفاءات والخبرات يتم ربطه وتحديثه بإستمرار في مكتب رئاسة الدولة، ليتم الرجوع إليها عند تعيين المناصب الحساسة وعدم الاكتفاء بسجلات الخدمة المدنية "غير المُحدثة" ولا بتوصيات الآحزاب ومُستشاري الرئاسة! فقد أصبحت المناصب العامة الحساسة حكراً على شخصيات معينة ومن ثم أولاد وأحفاد تلك الشخصيات والأسر اليمنية التي لم تعُد قادرة على العطاء والمشكوك في تأهيلها أو قدرتها على التغيير، وكأنه لا يوجد البديل! الكفاءات في اليمن ليست قليلة كما تصوره تلك القرارات، بل هناك كفاءات بعشرات الألاف ولكنها للأسف مدفونة نتيجة لوجود المحسوبية وعدم أنتماء تلك الكفاءات للتيارات السياسية أو الحزبية أو الوساطات! إنَّ تعيين الكفاءات بشكل مُتدرج ومستمر سيؤدي إلى تغيير جذري، حيث سيكون بمقدور الطبقات الدنيا والإدارة الوسطى التوجه إلى القيادات العليا في أي مرفق حكومي لتصحيح أي أختلالات في الوظيفة العامة وتطوير العمل بما يُحقق مسيرة التغيير والتنمية التي ينشدها الوطن والمواطن! ولنا في اليابان خير دليل، فالكفاءة الشخصية وليس الموروث الاجتماعي هي القاعدة الوحيدة للتوظيف والترقي الإداري هناك! · إعادة تقييم المناهج الدراسية وتطوير قطاع التعليم الذي وصل إلى أقصى حالات الخراب والتدهور! كيف ولا وظاهرة الغش أصبحت سمعة العصر في اليمن سواء في التعليم الأساسي أو الثانوي أو الجامعي، وبدون أستثناء، وما حصل أخيراً من تسريب أسئلة إختبارات الثانوية العامة إلا أكبر دليل على هذا التسيب الذي وصل إليه التعليم! كيف نطالب بالتغيير في بلدٍ مشكوك في خريجيه ومتعلميه وهم بناة التغيير! عشرات الألاف من الخريجين الذين لا يفقهون مما درسوه سوى عناوين الشهادات التي يحصلون عليها بالغش! لقد كانت بداية التحول الحقيقي في ماليزيا على يد د. مهاتير محمد الذي كان وزيراً للتربية والتعليم والذي أدرك أهمية التعليم في تحول البلاد إلى نهضة إقتصادية عالمية! وقد عمد مهاتير محمد في خطته (رؤية 2020م) إلى الاهتمام بالتعليم كمحور هام في مشروع النهوض بماليزيا وكان من أهم أهداف هذه الخطة إدخال الحاسب الآلي والارتباط بشبكة الإنترنت في كل فصل دراسي من فصول المدارس... وفعلا لم تكن تلك مجرد شعارات كما هو الحال في كثير من الدول العربية، حيث بلغت نسبة المدارس المربوطة بشبكة الإنترنت أكثر من 90% و في الفصول الدراسية 45%!! وأُعلن في ماليزية عن انتهاء عصر الكتاب المدرسي التقليدي حيث تم تطبيق فكرة الكتاب الإلكتروني بحلول عام2007م. · إعادة تفعيل دور القضاء بشكل يُعيد للدولة هيبتها ويُحقق العدل وسيادة القانون. إذ كيف يُمكن أن نطالب المستثمرين أن يستثمروا في اليمن ونحن نعلم ما تعانيه اليمن من فساد قضائي وشبه غياب تام لتطبيق القانون! كيف يمكن أن نقنعهم بأن أموالهم محمية بموجب قانون الاستثمار، ونحن نعلم أن "قانون الغاب" هو القانون السائد لدينا!! يقول د. نبيل فاروق على صفحته لقد طرح والي مصر محمد علي باشا عام 1805م على نفسه سؤالين عندما أراد أن ينهض بمصر: كيف يُمكن أن تصنع دولة عظيمة؟! وكيف يُمكن النهوض بدولة متعثّرة؟! وقرّر محمد علي أن يجمع شتات شعب مصر الذي فرّقته الفوضى.. مُدركاً أن الوسيلة الأولى للنهوض بالدولة هي سيادة القانون بلا محاباة أو تفرقة أو حتى مجاملة! ولأنه من المستحيل الوقوف في وجه عدالة تساوي بين الجميع دون تحيّز؛ فقد خضع كل مصري للمبدأ الجديد..مبدأ المواطنة المتساوية في نظر القانون! ونهضت مصر في فترة من أحلك الفترات التي مرت بها الأمة العربية وكانت رائدة التغيير في العصر الحديث! · دور الإعلام الذي أصبح يتنامي بكشل كبير في السنوات الأخيرة والذي أصبح أهم وسائل الهدم أو البناء حسبما أُريد استخدامه...! وللأسف الشديد فإننا مازلنا نستخدم الإعلام سواء رسمياً أو بشكل خاص في توجيه التُهم والانتقادات وتأليب الرأي العام من طرف ضد طرف أخر! وما تقوم به بعض قنواتنا وإعلامنا الأكتروني خير مثال على ذلك! على أن الإعلام الرسمي أيضاً لم يسلم من كل هذه الكيديات وبات أيضاً إما مُسبحاً بحمد الدولة أو ناقماً على خصومها! أما الدور الحقيقي في توعية الناس بأدوارهم الحقيقية والمفترضة في حماية الوطن وحُبه والحفاظ على ممتلكاته والقيام بكل الأعمال الحضارية التي ترفع من الرصيد الثقافي والحضاري المجتمعي، فلا زالت شبه معدومة! قد لا نلاحظ أي حملات توعوية بشكل مكثف وصادق وحقيقي لا عن التقيد بأداب السير والقيادة، ولا بالمحافظة على ممتلكات الدولة والمواطنين الخاصة والعامة، ولا بالتحفيز على النظافة، ولا بترك عادات إجتماعية خطيرة تُضر بالمواطن والوطن والبيئة إلا فيما ندر جداً! وتُعتبر التجربة التركية الحديثة في النهوض بالدولة والمجتمع أحد أهم نماذج النهوض على المستوى الاقليمي والإسلامي بل والدولي، فلقد شهد العقد الأول من الألفية الثالثة طفرة تعليمية واقتصادية واجتماعية وسياسية هائلة رافقها أعلام قوي يركز جهوده على إقناع الناس بحتمية النهضة في المجالات أعلاه! حتمية التعليم، حتمية المواطنة المتساوية، وغيرها الكثير! إن لمن البديهي أن تكون هناك أكثر من وجهة نظر في مجال البحث عن حلول، وذلك بحسب فِهم الدارس والباحث لتلك المشاكل والهموم ومدى قربه ومعايشته لها وتأثيرها على حياته! وقد يتفق البعض معها أو لا يتفق بحسب فهمهم لها ووجهات نظرهم التي كونوها عنها! على أن أقصر الطرق لإيجاد حل لمشكلة هو البحث في أسبابها ومحاولة أيجاد تجارب حقيقية وواقعية في بلدان أخرى واجهت ذات المشكلة! وسنتطرق بإذن الله في الجزء الثاني لمجمل صعوبات أخرى وتجارب أخرى ناجحة! * عضو المجلس العالمي للصحافة