مالذي يمكن أن يصدمك أكثر من شخص وضعت فيه ثقتك فخان تلك الثقة، إلا شخص يواجهك فيكذب وهو يعلم وأنت تعلم أنه يكذب، بل ويتهمك بالكذب ومن ثم يقوم بشتمك! وهذا هو الوضع الذي وصلت فيه لعبة السياسة في بلدنا! تحريف الحقائق ومغالطة لكل الاتفاقات بل وأستغفال السواد الأعظم من الشعب بالرغم من أن كل السَّاسة في هذا البلد يعلمون علم اليقين أن الشعب اليمني لم تعُد تنطلي عليه تلك الحيل القديمة والأعيب ذات النزعة السياسوية، بل أنه على دراية بكل هذه الأعيب التي يمارسونها! والحقيقة الأكثر أيلاماً أنَّ يُصبح الإعلام الذي تربينا على أحترامه وتقدسيه كسلطة رابعة هو الوسيلة التي يستخدمونها في كل تلك الأباطيل والضلالات التي يرجون لها! لم يعد الإعلام اليمني حقيقةً إلا مجرد أبواقاً لنافخي الفتنة ومنابراً لدعاة الظلال (إلا من رحم الله)! يكفيك أن تفتح أي متصفح للصحف الألكترونية اليمنية لتنذهل من كمية الأخبار المزيفة والمتناقضة والامهنية والتي توحي بأن البلد على كف عفريت، وبأن طبول الحرب قد دُقَّت وبأن اليمن قطعة من جهنم! كل طرف سياسي لديه أدواته الأعلامية التي تروج له ولبطولاته التي يُحققها في سبيل وحدة الوطن وسلامة أراضيه وحماية مكتسباته، وبالمقابل تُهاجم الطرف الأخر الذي يُهدد السلم والأمن العالمي ويقود البلد إلى المهالك! وكل طرف يرى في أنصاره الملائكة والقديسين والشهداء، وبالمقابل أنصار خصمه الأرهابيين والعملاء ودعاة الحرب والفتن! وبين هذا وذاك تضيع الصورة الحقيقية وتلتبس الأحداث ولا يجد القارئ أو المشاهد أين تكمن الحقيقة ومن هو الطرف الذي يُجانب الحق! أصبحنا في ظل هذا الكم الهائل من الأكاذيب والمغالطات والتشويهات لا ندري من على حق ومن على باطل! ماهو الصح وما هو الخطأ! من يُحب هذا البلد بحق ومن يكرهه! وخلاصة كل تلك الأدبيات والنشرات والأخبار أنه لا يوجد من يفكر حقيقةً بهذا البلد!! كل طرف يهتم فقط بمصلحته وبالمكاسب التي سيحققها من هذه الأزمات والثورات التي تعيشها اليمن! هل من مصلحة البلد إذكاء نار الفتنة بين الناس! هل من مصلحتها التحريض على الطائفية والمناطقية والسُلالية! وهل من مصلحتها أيضاً التحريض على القتل بحُجة الدفاع عن النفس والأرض ومنح مُسمى "شهيد" الذي أصبح علكة في فم كل داعية ودَعِي ومُدّعي! وهل من مصلحتها نشر صور ومقاطع القتلى لرجالات الأمن والمواطنين والأمنين والمستضعفين والمستغفلين في كل تلك المعارك التي لا داعي لها ولا تفيد البلد بأي شيء! هل من مصلحة الوطن أن نؤجج نيران الثأرات، ونوغر صدر المواطن على أخيه المواطن، وأن نسترجع الأحداث الماضية والنكسات الأليمة لتحريض الحاضر على قتل المستقبل! وهل من مصلحة الوطن التلاعب بالألفاظ وتحوير الكلمات وتلفيق المُسميات التي تصُب كلها في القضاء على البقية الباقية من السلم الأجتماعي والتعايش الذي حافظت عليه الأجيال الغابرة!! إن ما يحدث الآن في الإعلام اليمني لوصمة عار لن تغفرها الأيام ولا الكلمات، فقد إنحط به الحال إلى مرحلة لم يسبق لها مثيل في تاريخه! بات الإعلام هو الحرب الحقيقية التي يعيشها الناس في هذا البلد "المكلوم"، ولم يعد له أي دور يُذكر في الرقابة والنزاهة وعدم الأنحياز ونشر الحقائق للرأي العام! لقد أثبت أن دور الإعلام لا يُعرف إلا عند الأزمات وفي خضم الأحداث والنزاعات، وفي اللحظات التي يكون فيها الناس في تشتت يبحثون على الحقيقة والصدق، وأثبت أنه في هذا الوضع غير قادر على الشفافية ولا على الصدق، بل تحول إلى إفتعال الأزمات وإختلاق الخطوب التي لا أساس لها في الواقع! وأنطبقت عليه مقولة "إذا لم تستحي فإفعل ما شئت"! * عضو المجلس العالمي للصحافة