ليس هناك ما يمنع من أن يعيش الإنسان حياته بصورة طبيعية , حتى وأن صنع البعض أجواء الخوف والتأزم والتوتر , ومهما كانت الظروف الاقتصادية , فإن هناك ما هو متاح من أن يسعد الإنسان نفسه وأسرته بحدود إمكانياته , طالما وهو متهيئ ومستعد للاستمتاع بما هو متوفر , فالحظات السعيدة أو التعيسة , مرهونة بالتكيف مع هذا وذاك . وتعتبر المناسبات العيدية والعطل والإجازات من المزايا التي يمكن أن تستغلق لخلق البهجة والانشراح , إذا هناك تصميم على الاستفادة من الأيام , بل والساعات والدقائق . هذه الأيام نعيش إجازة عيد الأضحى المبارك , وفيه تزداد حركة التنقلات من المدن باتجاه الريف , كغير ذلك من المناسبات , لكن هذه المرة بطريقة أكثر , فهناك ما يجذب على السفر الى الريف , وبالتحديد موسم الزراعة , حيث تكتسي معظم المناطق الريفية بالخضرة . وحقيقة الأمر أن اليمن تتمتع بمزايا ومظاهر سياحية رائعة , لكن الإنسان اليمني بعيد عن الاستمتاع والتأمل بمحتوى هذه الطبيعة . فقد قال لي أحد الزملاء من الصحفيين العرب أن جو صنعاء في الصيف ليس له مثيل في العالم.. ومع ذلك ليس هناك أي مظاهر تعكس استمتاع سكان المدينة بهذا المناخ وليس هناك أي وجود للقطاع الخاص لاستثمار هذا الجو الطبيعي الرائع في أنشطة سياحية داخلية. يقصد هذا الصحفي العربي ما قصد إليه أيضاً الأستاذ الكبير الدكتور عبدالعزيز المقالح الذي أشار في إحدى يومياته المنشورة بصحيفة الثورة (عن إجازة الصيف) عندما قال: "ليس في قاموس اليمنيين ما يسمى بإجازة الصيف لا لانشغالهم بالأعمال التي لا تترك في حياتهم الواسعة العريضة مساحة صغيرة لتلك الإجازة، وإنما لأن الإجازة من وجهة نظر الجميع ترف لا يستحقونه أو بالأصح لا يستطيعونه". أنا شخصياً من الباحثين عن تفسير اجتماعي لأسباب افتقار الإنسان اليمني في هذا العصر للإحساس بأهمية الترفيه والترويح عن النفس مع أنها من الأمور الأساسية للاستقرار والتأمل والتغيير والتعرف على معالم وأماكن جديدة والاستمتاع بالجو الطبيعي، والتخفيف من ضغط الحياة اليومية. لم يكن اليمنيون منذ زمن بعيد بهذه السلبية من موضوع الإجازة والتنزه، فهم من عشاق الطبيعة وكان الكثير من الشعراء والأدباء ينظمون قصائدهم ويقولون النثر تغزلاً بالطبيعة والجو العليل وهناك أغان من تلك الكلمات التراثية. وقبل فترة حدثني الأديب الكبير المرحوم عبدالله البردوني عن المصايف التي كانت تمثل متنفساً لسكان صنعاء في حدة والروضة ووادي ظهر وبني حشيش وكانت الأسر تتجه لهذه المصايف سيراً على الأقدام، كان ذلك قبل أن يعرف العالم حملات الترويج السياحي وإذا تأملنا للبناء المعماري اليمني كان هو أيضاً مصمماً للاستمتاع بمناظر البساتين والمدرجات الزراعية وشلالات المياه. وفي الريف كان المغترب أو العمال الذين يعملون في المدن وخاصة مدينة عدن يحرصون على قضاء إجازاتهم السنوية في الريف بين الأهل والأقارب، ولهذه الإجازة طقوس تشمل زيارة الوديان وإقامة الحفلات الفنية الشعبية وزيارات الأسواق. أنا لست مع من يعيد أسباب تجاهل الإجازة الصيفية أو تنظيم رحلات داخلية للوضع الاقتصادي.. قد يكون هذا عاملاً واحداً ولكن العامل الأساسي يعود إلى انعدام ثقافة الإجازة وتجرد الناس من العواطف وهيمنة النخب السياسية والأحزاب بخطابها النزق الذي يلقن المجتمع بمفردات السياسة وجرهم إلى أجواء التوتر والضيق والإحباط، لأن هذه النخب أساساً لا تحب الحياة وإنما منشغلة بجمع المال واللهث وراء مواقع تضخ بالامتيازات المادية والمعنوية حتى وإن كان على حساب صحة عقولهم وأجسادهم وتربية أطفالهم واحتياجات أسرهم النفسية والمعرفية. بعد كل هذا السرد عن أهمية الإجازات والاستمتاع بالطبيعة , سوف يبدو أن تناولي لهذا الموضوع فيه نوع من المثالية والسطحية , خاصة والبلاد تعيش أوضاعا أمنيه متوترة ومقلقة للغاية , وأيضا ظروف اقتصادية صعبة , لا يستطيع الفرد اليمني ان يطلق عنانه لخيال التنزه , وفي هذا الكثير من الصحة , ولكن لابد من قهر الخوف ومن يحيكون الرعب ومن يحملون أدوات الموت , فالبقاء والنصر بالأخير لمن يحب الحياة , فلا استسلام للياس والإحباط , فلابد أن نعيش حياتنا ونستمتع بنعم الله الطبيعية , فلماذا نجعل الخوف يقتل البهجة في انفسنا؟ "الثورة"