لقد سطر لنا التاريخ مواقف كان لنا فيها قدم السبق في التقدم العزة والشكيمة وذلك عندما كنافي عنفوان التمكين الذي هيأه لنا سلفنا الصالح؛ من صفات حميدة، وعلوم غزيرة، وهيبة في صدور العدى، من تلك المواقف التي اذهلتني وأنا أطالع تاريخ الأندلس (أسبانيا) حينما أحاط قائد الحملة الصليبية بعاصمة الخلافة في تلك البلاد وليس ذلك وحسب بل وأرسل إلى الخليفة رسالة يستهزأ به ويقول: "إن ذباب بلادك قد أزعجني فأرسل إلي مروحتك حتى أبعده عني" لقد غضب السلطان ولكن ماذا يفعل لقد تبددت الدولة وصارت دويلات والخليفة لا يستطيع أن يحكم قبضته حتى على عاصمة البلاد، ولكن أرسل إليهم بجواب أرعبهم، لقد كتب إلى قائد الحملة الصليبية قائلا: " إن لم ترجع فسأرسل إلى المرابطين ليروحوا بروحك" وبعدها خاف هذا القائد وانسحب، لأن المرابطين كانت هيبتهم تسبقهم، فأين كنا وإلى أين وصلنا!؟ تنازعنا فذهب الله بريحنا، فما يتنازع الناس إلا عندما تتعدد جهات القيادة والتوجيه، وإلا حين يكون الهوى المطاع هو الذي يوجه الآراء والأفكار، إنما هو الهوى الذي يجعل كل صاحب وجهة يصر عليها مهما تبين له وجه الحق فيها، وإنما هو وضع الذات في كفة، والحق في كفة وترجيح الذات على الحق ابتداء! إنها وصية ممن خلق البشرية فإن حدنا عنها خرجنا عن القانون الذي تسير بهي كل دابة، هذه الوصية هي العمدة التي يكون معها النصر، ويظهر بها الحق ويسلم معها القلب وتستمر معها الاستقامة، فإنما يقاتل المسلمون بأعمالهم لا بأعدائهم، وباعتقادهم لا بإمدادهم، فلائتلاف والثبات وعدم التنازع سبب للنصر على الأعداء، وإذا استقراءات دول الإسلام وجدت السبب الأعظم في زوال ملكهم ترك الدين، والتفرق الذي أطمع فيهم الأعداء وجعل بأسهم بينهم شديد، ولا تغني الكثرة مع الاختلاف شيئاً لأن الاختلاف لا يكون فيه القوة على العدو ولكن يكون البأس فيما بينهم شديد فيفشلوا وتذهب ريحهم. تذهب ريحنا التي كانت منبع قوتنا وتستمد هذه الريح من عقيدتنا، ريحنا التي ترتعد منها فرائص الأعداء عند السماع بها وليس الخبر كالمعاينة، ريحنا التي إن هبت فلا يوجد في الأجسام من يقارن بها، فإنها تهيج البحار، وتقتلع أكبر الأشجار، وتهدم الدور والقلاع إن حاولت أن تتصدى أو تقف أمامها، فإن لم نقف وقفة حكماء وعقلاء ونعود عن ما أصابنا من شقاق وتفرق وإلا فسوف تذهب ريحنا وتذهب قوتنا ونكون سخرية للأمم الأخرى، ولا بد من توحيد صراط الأمة وهذا بتعليمها منهاج الإسلام كاملاً حتى يظهر في الأمة النوذج الكامل للإسلام.