بصراحة تامّة لا نستطيع منح العملية السياسية وأبرز اللاعبين فيها أيّ نقطة ايجابية مضافة لرصيدها في تحقيق منجز ما ، بل على العكس نستطيع منحها نقاطاً سلبية مضافة لرصيدها في انتاج التصعيد وصُنع موجات جديدة ومتلاحقة لتدهور الأوضاع والتهرُّب من تنفيذ أيّ استحقاقات تُسهمُ في ابطال مفعول هذه السموم والألغام المزروعة في دروب اليمنيين. لا يكفي في الواقع أن نسمع من الجميع عبارات وخُطب في محبّة الوطن وتمجيده ، فكُلّما سمعنا كلاماً من هذا القاموس، وهبطنا لأرض الواقع لا نجد إلا السراب والخراب وفائض الأحقاد والتّوترات وانعدام أي ممرات آمنة يعبرمن خلالها الناس نحو الاستقرار والمستقبل . نتحدّثُ دائماً عن وجود اضطرابات واضحة في أداء السياسيين والقوى المختلفة ، لكنّنا في المقابل لم نسمع يوماً أن هناك طرفاً من الأطراف ابدى تجاوباً أو تفاعلاً مع أي طرح، أونُصح ،أودعوة صادقة للملمة الأوضاع وتجميع هذا الشتات الذي يبدو المجتمع منسحقاً به ومنسحباً نحوه أكثر ، سيما وهناك من يسعى لتدليل خطاب ولغة التفرقة والتحريض والخوف والرصاص. وبدلاً من أن يشتغل المعنيون في تقريب وجهات النظر واستدعاء كل التجارب والمواقف والدّروس التي تسهم في ذلك ، ينشغلون بكيل التُّهم وجلد الآخر وكل ما من شأنه زيادة حدّة النقد والعدوانية والجريمة والموروثات الخرافية والأسطورية.. البلد على وشك الإنهيار ونحنُ نُمعنُ في المقامرة ، واطلاق الشعارات عديمة الجدوى والأثر المرتجى. على أية حال دعونا من لوم الحكومة والأحزاب وبعضنا البعض وتعالوا بنا لنجرّب التطوّع ،كأي متطوّعين في جمعية خيرية / منظّمة إنسانية دولية ، من تلك التي يغوصُ أفرادها في قلب الصراعات لانقاذ حياة الناس وتوعيتهم بما يتهدّد حياتهم ، فإذا كانت كُل السُّبل، مثلاً، قد تقطّعت بنا وآفاق الخيارات قد ضاقت علينا ممكن نلعب هذا الدور وأقصد هنا، على الأقل، المثقفين والكُتّاب والصحفيين والخُطباء والأكاديميين وطلاب الجامعات والرياضيين والسياسيين والفقراء الذين ما تزال قيم الخير فيهم هي رمّانة الميزان..! إن التخبُّط الحاصل في الإعلام والسياسة وطغيان لغة وكفّة المصالح على أداء وممارسات معظم الفاعلين الأساسيين في حياتنا قد ترك المجتمع فريسة سهلة للمتطرّفين من مختلف التيارات وفي المقدّمة العناصر الإرهابية التي تَقتلُ وتُقتلُ بالجملة لكي تُثبت لنا على سمائيتها وانتمائها للأعلى ،حيث لا تتردّد لحظة في تقديم الموت على الحياة والكراهية على التسامح والمقابر على الحدائق والمستشفيات والمدارس والجامعات ، إلى جانب تصوير الدين ،على إنه القتل والخوف والترهيب وليس السلام والتعاييش والقيم المستنيرة. لا نستطيع أن نخفي حقيقة إنّنا نعيش شبه قطيعة مع كل شيء راقي وإنساني وجميل ، على سبيل المثال، مع الأغنية الجميلة والمؤثرة ، والقصيدة الوطنية والعاطفية الآسرة،واللحن المُعبّرالذي يتساوق مع النفس ويطربُ الفؤاد، والأنشودة التي تُعزّز قيم الروحانية والمحبّة ، لقد كانت القصيدة والأغنية في ستينات وسبعينات وثمانينات القرن المنصرم قادرة على إ شعال ثورة حقيقية شاملة واخماد فوضى عارمة ،وردع عدوان آثم ، وتوحيد أمة حتّى وإن كانت مقطّعة الأوصال، نعم فقصيدة، أو أنشودة واحدة من ذلك الزّمن كانت قادرة على ملء أي فراغ وإحياء كل أمل وتغذّية مجتمع بالتطلُّع والجمال والتوحّد والعطاء .. تذكّروا ، ارجعوا للتاريخ القريب وستجدون حقيقة هذا الكلام ، ولا نذهب بعيداً عودوا فقط ، لأدبيات الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر وإرشيف اتحاد الأدباء والكُتّاب اليمنيين ومجلة الحكمة وستجدون هذه الحقيقة مخبأة بين ركام الجحود وغبار النسيان هناك .. سأتوقّف هنا، لتبدأون أنتم في السير وتبصير أمثالي لكتابة عبارة جديدة في سفر تاريخ هذا البلد العظيم ، المتجدّد الذي حتما، ستصنعونه وتكتبونه أنتم كما فعل آباؤكم عبر مراحله المختلفة،، سنة جديدة وكل عام وشعبنا ووطننا بألف خير.