الرئيس السابق علي عبدالله صالح يتصف بالنباهة وسرعة البديهة والذاكرة القوية ، وقد مكنته هذه الصفات من التقاط المخططات الخارجية المعدة للمنطقة العربية بما فيها اليمن مبكراً فاستعد لمواجهتها بطريقة ذكية مكنته من التمكن من الامسك بكل خيوط اللعبة بيديه ولذلك فانه يظل اللاعب الاقوى والمتمكن على افشال تلك المخططات باقل كلفة وهذا ما يبدو واضحاً حتى الان. لإيضاح الصورة بشكل دقيق سنعود قليلا للماضي .. فبعد غزو العراق قال الرئيس صالح علينا ان نحلق لأنفسنا قبل ان يحلقوا لنا ، وبعد غزو العراق في عام 2003م خرجت وزيرة الخارجية الامريكية لتقول ان هناك شرق اوسط جديد وان التغيير في العراق هو نموذج للشرق الاوسط الجديد الا ان التغيير في بقية المنطقة لن يتم بنفس الطريقة التي تمت في العراق وان هناك الية جديدة اسمتها بالفوضى الخلاقة . في عام 2005م صدر كتاب القوة الناعمة لمؤله جوزيف ناي الذي كان مساعدا لوزير الدفاع في حكومة بيل كلينتون ورئيس مجلس المخابرات الوطني وفيه وصف طريقة اعداد القوة الناعمة التي ستخلق الفوضى الخلاقة في المنطقة وحدد شكل الصراع القادم في المنطقة بصراع طائفي سني شيعي . في مارس 2010م طرح الرئيس علي عبدالله صالح مشروع الاتحاد العربي علي نفس شاكلة الاتحاد الاوربي في القمة العربية التي عقدت في مدينة سرت الليبية وذلك لمواجهة المخططات التي تعد للمنطقة العربية، بعدها بشهرين عقد مركز منارات ندوة لمناقشة فكرة الاتحاد العربي وامكانية نجاحها ، يومها كان لي مداخلة في الندوة قلت حينها الفكرة من الجانب النظري فكرة ممتازة لكن نجاحها غير ممكن لان البلدان العربية لاتمتلك مشروع واضح لتكون فكرة انشاء اتحاد عربي على غرار الاتحاد الاوربي هي احدى ادوات انجاح المشروع . وقلت حينها ان المنطقة العربية ستواجه في الاعوام القادمة مشروعين هما المشروع الفارسي ( الشيعي ) الذي تقوده ايران والمشروع التركي ( السني ) الذي تقوده تركيا وادوات تنفيذ المشروعين في الوطن العربي هما التيار السياسي الاسلامي السني " جماعة الاخوان" والتيار السياسي الاسلامي الشيعي ، وللأسف لا توجد لدى البلدان العربية أي مشروع لمواجهة هذين المشروعين ، طبعا هذين المشروعين تباركهما امريكا وتعمل لإخراجهما الى حيز الواقع لضرب المنطقة العربية وفي نفس الوقت ضرب القوتين الصاعدتين التركية والايرانية. لكن الواضح أن الرئيس علي عبدالله صالح كان مستعداً لمواجهة هذين المشروعين وكان لديه تصور واضح لآلية تنفيذهما فتمكن من اعداد خطة لمواجهتهما بطريقة ذكية تمكنه من التغلب عليهما ، وهذا ما اصبح واضحا خلال السنوات الاربع الاخيرة وطريقة تعامله مع هذين المشروعين وهذا ما سيتم ايضاحه بشكل مختصر في التالي: مع مطلع عام 2011م بدأ تنفيذ المشروع السني التركي في اليمن من خلال جماعة الاخوان المسلمين باعتصامات في الشوارع وفي الوقت نفسه قيام ميليشياتهم بمهاجمة قوات الجيش وراوغهم الرئيس صالح حتى رتب اموره وقام بتسليم السلطة اليهم بشكل سلمي ، لأنه كان يعي يومها ان مواجهتهم باستخدام القوة لن تنجح ولو انه سلك تلك المنهجية لكان الوضع في اليمن مثله مثل ما يجري في العراق وليبيا وسوريا .. لانهم يقودون حركتهم تحت عباءة الدين والشعارات الرنانة المغلفة بغلاف الدين التي تكسب عواطف الجماهير ، لكنهم يحملون مشروعاً خارجيا ، والطبيعي ان من يحمل مشروعا خارجياً لا يمكنه ان ينجح ويحتاج لبعض الوقت ليفشل امام الجماهير ويبدأ سخط الجماهير يتصاعد ضدهم وبعدها تصبح عملية التخلص منه باستخدام القوة امر يسيراً. الرئيس هادي اصبح الامر واضحا انه لعب دور العراب لهذين المشروعين في اليمن وكانت مهمته هي جر الطرفين أي حاملي المشروع السني والشيعي الى نقطة التصادم وكذا القضاء على المؤسسة العسكرية لتصبح الساحة خالية لهما لنشر الصراع الطائفي السني الشيعي وفقا لرغبة وخطة واشنطن، فتحالف مع الحوثيين الذراع المعد للمشروع الفارسي الشيعي لضرب حاملي المشروع التركي السني الذين اصبحوا يمسكون بزمام السلطة فسهل للحوثيين عملية ضرب قوتهم العسكرية .. وفي نفس الوقت ضرب الروح المعنوية لبقية المؤسسة العسكرية لتصبح عملية تفكيكها عملية سهلة فيما بعد ، لكن الواضح ان مسعاه هذا لن يكتب له النجاح فالقوة الفاعلة في المؤسسة العسكرية لاتزال سليمة ولم تمس. المشروع الفارسي الان يقوده الحوثيون .. وتجربة صالح مع هذا المشروع ، أي التعامل معه عسكريا كانت فاشلة فقد قوته ولم تضعفه خلال ست حروب شنت ضدهم لذلك فقد تعامل معه بطريقة مزدوجة في هذه المرة ، غض الطرف عن تحالفه مع هادي لضرب المشروع السني التركي وفي نفس الوقت تركه ليخرج للشعب لتعريته امام الجماهير وإظهاره على صورته الحقيقية للجماهير مثلما تم التعامل مع المشروع السني التركي الذي يمثله حزب الاصلاح. وفعلا هاهو المشروع الفارسي الشيعي يتعرى امام الجماهير بصورة واضحة ويفقد تعاطف الجماهير معه ، بوتيرة اسرع من تعري المشروع التركي السني ، وفي نفس الوقت فشل الرئيس هادي في تفكيك المؤسسة العسكرية من خلال ضرب الروح المعنوية لبقية قطاعات الجيش التي سلمت من توجيهات هادي للاستسلام للميليشيات سواء الشيعية أو السنية بفعل تأثير الدولة العميقة التي يقودها صالح ، لذلك فقد تم اخراج الرئيس هادي الى عدن ليقوم باستكمال دوره وفي اعتقادي ان خروج هادي سبب لصالح نوع من الارباك، وتم دفع دول الخليج لتقوم بإسناده باعتباره لايزال يمثل الشرعية وكان اول عمل له في عدن هو البدء باستكما تفكيك المؤسسة العسكرية ، واستبدالها بالميليشيات كما عمل في صنعاء لكن الميليشيات التي يتعامل معها هادي هي ميليشيات الطرف الذي ضرب في صنعاء أي العودة للتحالف مع المشروع التركي السني ممثلا في حزب الاصلاح واستمرار تحالفه سريا مع المشروع الفارسي ممثل في حركة الحوثيين فهادي لايزال يتواصل مع الحوثيين منذ خروجه الى عدن. كيف سيتعامل الرئيس " الزعيم " صالح مع هذه المرحلة الحساسة جداً .. وهل يستطيع الاستمرار بإمساك خيوط اللعبة بيديه ، وخاصة في ظل عدم قدرة الدول المجاورة وخاصة السعودية على فهم ما يتم جرهم اليه من قبل واشنطن فدول الخليج كما يبدو انها لم تعي بعد ما تسعى ليه امريكا أو انها تعي ذلك لكن ليس بإمكانها الخروج عن عباءة واشنطن .. فهي ليست من ضمن اللاعبين الرئيسيين في هذين المشروعين باستثناء الدوحة التي يبدو واضحا انها تعمل بشكل صريح وفق املاءات واشنطن . نامل ان تتجاوز اليمن هذا السيناريو .. وتتلاشى مشاريع الفوضى الخلاقة الأمريكية وفي اعتقادي ان اليمن ستتجاوز ذلك لان مشاريع الاسلام السياسي قد فقدت زخمها الجماهيري نتيجة وضوح الرؤيا لدى جماهير الشعب انها مشاريع خارجية وليست مشاريع وطنية.