منذ فترة ليست بالقريبة الجميع يتنبأ بصوملة اليمن " بدأت عبقرية صالح تكشف هذا السيناريو خلال ثورة 11 فبراير" الجميع تخيل استنساخ مشاهد التفخيخات والتفجيرت في العراق ولم يحاول أحد ممن يمكن إن يؤثر في المشهد العام التدخل لحلحلة الوضع – كان الرئيس هادي قادرا على إخراج اليمن من محنتها غير أن العجز والارتهان المطلق لواشنطن والرياض يعد ابلغ انجازاته .. اليوم نرى اليمن بالفعل يغرق في دماء أبناءه على أساس طائفي لم تعرفه اليمن تاريخيا. كان حزب الإصلاح بجناحيه العسكري المتمثل في الجنرال علي محسن, والقبلي المتمثل في آل الأحمر وكذا قاعدته الشعبية العريضة قادرا في الدفع قدما لحل الوضع بطريقة أو بأخرى. غير أنه لم يكن بالكفاءة اللازمة لهكذا مهمة ولم يكن يمتلك الخبرة السياسية الحقيقية لمواجهة الأخطار المحدقة بالبلاد. يدعي انه حزب سياسي غير أن سياساته كانت غير مجدية على الإطلاق أمام حنكة وخبرة الرئيس السابق علي صالح وأمام سياسات الحوثي الذي استخدم أوراقا كثيرة منها الحوار الوطني, والخطاب الديني واستعطاف شرائح متعددة من المجتمع واستغلال الفقر وتردي الأوضاع الاقتصادية في بيع وعودا بحياة أفضل يرافق هذا كله استخدام القوة المفرطة و سياسة الأمر الواقع . الجميع اليوم يتهمون بعضهم البعض في العمالة للخارج ومحاولة فرض أجندات أجنبية على الأراضي اليمنية : الرئيس هادي يتهم الحوثي بالعمالة واستخدام الميليشيا في إسقاط العاصمة والمحافظات ويطالب بانسحابها وخروجها من مؤسسات الدولة, مع أنه دعم وخلق ميليشيا في أبين وحضرموت وغيرهما في ظل وجود الجيش بكامل قوته ولم يكن هناك ادني سبب لذلك وبعد فراره إلى عدن استقطب الميليشيا إلى هذه المدينة الحضارية الهادئة بعد أن تقاعس عن مهامه كقائد أعلى للقوات المسلحة وخذل أكفئ القادة في قتالهم ميليشا الحوثي حتى أوصلهم صنعاء واليوم يحاصرونه في عدن بعد أن تخلى عنه اغلب الجيش الذي لم يحاول هادي على الإطلاق أن يمد معه جسور تواصل خلال فترة حكمه كلها. صالح يتهم صراحة الإصلاح عموما ومحسن وآل الأحمر بشكل خاص بالعمالة للخارج وتحديدا قطر وتركيا مع أنه سلم أمر اليمن للسعودية وكان يستلم أموالا من المملكة باسمه شخصيا ويتم تحويلها لحسابه وهو في منصب رئيس دولة وهذا يعد خيانة عظمى في الأعراف الدولية. أما قضية بيعه للحدود مع المملكة وما أثارته من مشاعر جماهيرية غاضبه تظل قضية رأي عام حتى اللحظة. فتح الفضاء وسلم الأرض لطائرات وجنود الولاياتالمتحدة تعبث بأرواح اليمنيين كيف شاؤو. اليوم يتحالف صالح مع من وصفهم في الأمس القريب بأنهم أعداء الوطن ودعاة الرجعية والتخلف. لاشيئ يقف أمامه من أجل الانتقام ممن يظنهم سببا في زوال حكمه وان كان على حساب البلد بما فيه. كان يتغنى بالمنجزات التي حققها لليمن وهو يطلب من المملكة دفع رواتب الموظفين وبمجرد اصابته في حادثة جامع النهدين لم يجد من منجزاته الوطنية مستشفى واحدا قادرا على علاجه فكانت السعودية وحدها هي من قبل استضافته "لتلقي العلاج". بعد كارثة حرب 94 التي كان صالح سببا رئيسيا فيها من خلال سياساته الهمجية ضد شركائه في الوحدة والاغتيالات التي نفذها ضد ابرز قيادات الحزب الاشتراكي يتصدر اليوم صالح مشهد إعادة اجتياح الجنوب مع تغير شركائه المؤدلجين عقديا, فبدلا من الإخوان المسلمين الذين أفتوا باستباحة دماء الاشتراكيين "الكفرة" في حينه نجد اليوم الحوثيين الذين أعلنوا التعبئة العامة لهذه الحرب. يتهم صالح والحوثيين في 2015 الجنوبيين بأنهم "دواعش", هذه المرة ليس لأنهم لا يصلون, ولكن ربما لأنهم يكثرون من الصلاة !! الحوثي يتهم القاعدة والإصلاح وقياداته بأنهم دواعش ومرتهنون لأمريكا و "الوهابيين" مع أنه من المعروف للجميع أن إيران تفرض أجنداتها على الأراضي اليمنية من خلال الحوثي.. بل وصل الأمر أن تعلن إيران من خلال شخصية سياسية مرموقة أن الحوثيين يسيرون وفق سياسة الثورة الإسلامية الإيرانية!! وهم أول من فجر منازل مواطنين معارضين لهم ومساجد ودور قرآن واعتقلو الناشطين المدنيين وعذبوا بعضهم حتى الموت ومنعوا المظاهرات وككمو الأفواه. أما شعار الموت لأمريكا فقد أظهرت الأيام عدم مصداقيته من خلال تصريحات قادة حوثيين أن هذا الشعار سياسي اكثر منه عقدي وليس لديهم أي نيه في استهداف امريكا ومصالحها على الإطلاق وهذا ما أثبتته الأيام بعد إسقاطهم صنعاء وحمايتهم للسفارة الأمريكية. وفوق كل هذا يعلنون التعبئة العامة لاجتياح الجنوب وطرد الرئيس الشرعي للبلاد بحجة الحفاظ على الوحدة. هذا التناقض العجيب في أن تعلن ميليشيا متمردة التعبئة العامة لقتال رئيس البلاد ستكون عواقبه وخيمة أقلها تدمير ما تبقى من لحمة النسيج الوطني كمواطنيين في شمال وجنوب اليمن. أما القاعدة فتتهم الحوثي بأنهم روافض كفره يجب قتالهم وتعلن الحرب المقدسة عليهم وهم يقتلون ويفجرون في المساجد والأسواق بلا تمييز بين بريئ ومتهم مدني وعسكري كبير أو صغير. باسم الله يقتلون عباد الله الآمنين بلا وازع او ضمير.. بل أن من سياساتهم إحداث رهبة بين الناس بأي ثمن حتى لو كان على حساب أطفال رضع تحقيقا لتأويلهم في قول الله تعالى " ترهبون به عدو الله وعدوكم", فهم يضعون كل من ليس معهم في خانة الأعداء. ما زاد الطين بلة اسقاط العاصمة من قبل الميليشيا وإلغاء دور الأجهزة الأمنية التي تمكنت من فكفكة الخلايا النائمة للقاعدة عندما كانت في وضعها الطبيعي واستغرق الأمر عدة سنوات. هذا الحدث الجلل يعتبر فرصة ذهبية لا تعوض بالنسبة للقاعدة من خلال أمرين: الأول استقطاب الشباب باسم الحرب ضد الروافض, أما الأمر الثاني فيكمن في إعادة زرع الخلايا والتحضير لهجمات انتحارية قد تطال كل أحد. الإصلاح وأحزاب المشترك بشكل عام تمارس سياسة المداهنة والنفاق من أجل مصالح ضيقة وغابت عنهم الأفكار والمشاريع الوطنية. لم يقدمو اي أجندا أو خارطة طريق وطنية لإيجاد حل للوضع المزري الذي تعيشة اليمن. بل كانت المحاصصة هي أكثر طموحاتهم "السياسية" في الوقت الذي يرون اليمن ينهار أمام أعينهم. يلعبون السياسة في الوقت الخطأ في المربع الخطأ مع الشخص الخطأ الذي لا يعترف بهم أصلا. باسم السياسة شاركو في قتل اليمنيين ولم يكن لهم موقفا مشرفا يذكرون به. منذ سقوط العاصمة في يد ميليشيا الحوثي في 21 سبتمبر الماضي وإجبار الرئيس هادي على الاستقالة ووضعه ورئيس حكومته المستقيل تحت الاقامة الجبرية والتوغل في عدة محافظات باتجاه الجنوب ابتداء من ذمار وإب ومحاوله اسقاط عدن بعد هروب الرئيس هادي اليها وحشد القوات ومرورها من تعز بلا أدنى مقاومة يحاول الحوثي أن لا يتصدر المشهد رسميا في الحكم. يريد غنيمة السطة دون دفع أيا من تكاليفها حتى ولو انهار اليمن كلية. يريد أن يحكم باسم غيره وتحميله كامل المسؤلية وهذا ما لا يمكن أن يكون. الجميع يمعن في قتل اليمنيين كلا بأسلوبه الخاص, ومن لم يشارك بطريقة مباشرة يحاول استثمار هذا القتل والدمار لمصالحة الشخصية الغبية الضيقة. فلا تتهموا الشرق والغرب يا سادة.. نحن أعداء أنفسنا.