حضرموت تكسر ظهر اقتصاد الإعاشة: يصرخ لصوص الوحدة حين يقترب الجنوب من نفطه    تحليل في بيانات الحزب الاشتراكي اليمني في الرياض وعدن    القائم بأعمال وزير الاقتصاد يزور عددا من المصانع العاملة والمتعثرة    توتر جديد بين مرتزقة العدوان: اشتباكات مستمرة في حضرموت    البنك المركزي اليمني يحذّر من التعامل مع "كيو نت" والكيانات الوهمية الأخرى    الرشيد تعز يعتلي صدارة المجموعة الرابعة بعد فوزه على السد مأرب في دوري الدرجة الثانية    هيئة التأمينات تعلن صرف نصف معاش للمتقاعدين المدنيين    صنعاء.. تشييع جثمان الشهيد يحيى صوفان في مديرية الطيال    مدرسة الإمام علي تحرز المركز الأول في مسابقة القرآن الكريم لطلاب الصف الأول الأساسي    لحج.. تخرج الدفعة الأولى من معلمي المعهد العالي للمعلمين بلبعوس.    المحرّمي يؤكد أهمية الشراكة مع القطاع الخاص لتعزيز الاقتصاد وضمان استقرار الأسواق    تعز أبية رغم الإرهاب    صنعاء تحتفل بتوطين زراعة القوقعة لأول مرة في اليمن    3923 خريجاً يؤدون امتحان مزاولة المهنة بصنعاء للعام 2025    صدور كتاب جديد يكشف تحولات اليمن الإقليمية بين التكامل والتبعية    بالفيديو .. وزارة الداخلية تعلن دعمها الكامل لتحركات المجلس الانتقالي وتطالب الرئيس الزبيدي بإعلان دولة الجنوب العربي    الإعلامية مايا العبسي تعلن اعتزال تقديم برنامج "طائر السعيدة"    الصحفي والمناضل السياسي الراحل عبدالرحمن سيف إسماعيل    استثمار سعودي - أوروبي لتطوير حلول طويلة الأمد لتخزين الطاقة    ميسي يتربّع على قمة رياضيي القرن ال21    ويتكوف يكشف موعد بدء المرحلة الثانية وحماس تحذر من خروقات إسرائيل    باكستان تبرم صفقة أسلحة ب 4.6 مليار دولار مع قوات حفتر في ليبيا    الأميّة المرورية.. خطر صامت يفتك بالطرق وأرواح الناس    أرسنال يهزم كريستال بالاس بعد 16 ركلة ترجيح ويتأهل إلى نصف نهائي كأس الرابطة    تركيا تدق ناقوس الخطر.. 15 مليون مدمن    الجنوب العربي: دولة تتشكل من رحم الواقع    بيان بن دغر وأحزابه يلوّح بالتصعيد ضد الجنوب ويستحضر تاريخ السحل والقتل    ذا كريدل": اليمن ساحة "حرب باردة" بين الرياض وأبو ظبي    حضرموت.. قتلى وجرحى جراء اشتباكات بين قوات عسكرية ومسلحين    نيجيريا.. قتلى وجرحى بانفجار "عبوة ناسفة" استهدفت جامع    سلامة قلبك يا حاشد    المدير التنفيذي للجمعية اليمنية للإعلام الرياضي بشير سنان يكرم الزملاء المصوّرين الصحفيين الذين شاركوا في تغطية بطولات كبرى أُقيمت في دولة قطر عام 2025    الصحفي المتخصص بالإعلام الاقتصادي نجيب إسماعيل نجيب العدوفي ..    ذمار.. مقتل مواطن برصاص راجع إثر اشتباك عائلي مع نجله    النائب العام يأمر بالتحقيق في اكتشاف محطات تكرير مخالفة بالخشعة    الجزائر تفتتح مشوارها بأمم إفريقيا بفوز ساحق على السودان"    تعود لاكثر من 300 عام : اكتشاف قبور اثرية وتحديد هويتها في ذمار    ضبط محطات غير قانونية لتكرير المشتقات النفطية في الخشعة بحضرموت    لملس يتفقد سير أعمال تأهيل مكتب التعليم الفني بالعاصمة عدن    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل في مشروع سد حسان بمحافظة أبين    الحديدة تدشن فعاليات جمعة رجب بلقاء موسع يجمع العلماء والقيادات    هيئة الزكاة تدشن برامج صحية واجتماعية جديدة في صعدة    "أهازيج البراعم".. إصدار شعري جديد للأطفال يصدر في صنعاء    دور الهيئة النسائية في ترسيخ قيم "جمعة رجب" وحماية المجتمع من طمس الهوية    تحذير طبي برودة القدمين المستمرة تنذر بأمراض خطيرة    تضامن حضرموت يواجه مساء اليوم النهضة العماني في كأس الخليج للأندية    إغلاق مطار سقطرى وإلغاء رحلة قادمة من أبوظبي    وفاة رئيس الأركان الليبي ومرافقيه في تحطم طائرة في أنقرة    البنك المركزي يوقف تراخيص فروع شركات صرافة بعدن ومأرب    الفواكه المجففة تمنح الطاقة والدفء في الشتاء    تكريم الفائزات ببطولة الرماية المفتوحة في صنعاء    هيئة المواصفات والمقاييس تحذر من منتج حليب أطفال ملوث ببكتيريا خطرة    تحذيرات طبية من خطورة تجمعات مياه المجاري في عدد من الأحياء بمدينة إب    مرض الفشل الكلوي (33)    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    تحرير حضرموت: اللطمة التي أفقدت قوى الاحتلال صوابها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن ينزلق إلى حرب أهلية
نشر في التغيير يوم 26 - 03 - 2015

غلب على المشهد العام في اليمن خلال الأيام المنصرمة حالة تصعيد متواترة سياسياً وميدانياً، فيما لم تلح أية بادرة من الأطراف المعنية في البلاد للتراجع عن وضع يتجه نحو الأسوأ . ففي مقابل خطاب للرئيس اليمني عبدربه منصور هادي من مدينة عدن دعا فيه الجميع للحوار، صرخ زعيم جماعة الحوثيين عبدالملك الحوثي من مدينة صعدة بالدعوة للحرب ورفد معسكرات الجيش بالمقاتلين .
مع استمرار الحشد العسكري والحشد العسكري المضاد على نحو واسع على مناطق الحدود الشطرية السابقة بين الشمال والجنوب، كانت ما تسمى اللجنة الثورية التابعة للحوثيين تعلن التعبئة العامة بتاريخ 21 مارس/ آذار، ليلحقه تصعيد أكبر من زعيم الحوثيين بالإعلان عن الخطوات العملية قبل ساعة الصفر، برفد المعسكرات بالمقاتلين ودعم التعبئة بالمال والقوافل الغذائية في خطابه يوم 22 مارس/ آذار .
المثير للاستغراب أن الرئيس السابق علي صالح حاول الاثنين الماضي، مع تصاعد المواقف المناهضة للحرب على الجنوب بحجة محاربة القاعدة والتكفيريين، أن يظهر بعيداً عن المشهد المتأزم بدعوته الرئيس هادي وعبد الملك الحوثي "لوقف الحشود والصدامات للحفاظ على أمن المواطن والوطن"، بينما كان هو أول من هدد علناً باجتياح الجنوب وطرد هادي أو كما قال: "لن يترك له إلا منفذاً واحداً للهروب من عدن"، فيما تحالفه مع الحوثي لا يخفى على أحد .
في الأثناء بدا المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بنعمر كمن لا حول له ولا قوة، بينما يدير مشاورات ومفاوضات أو حواراً مفترضاً في صنعاء، أراده الحوثيون غطاء سياسياً لهم، وفي الآن ذاته، يهيئون انفسهم عسكرياً لمعارك مقبلة، أما الأحزاب التي يتحلق ممثلوها حول طاولة بنعمر فبدت متخبطة وفي حالة عجز شديد، توزع أدوارها في الاقتراب من هادي والتمسك بشرعيته والمشاركة في حوار صنعاء إلى جانب انصار الله (الحوثيين)، في حين يصفونهم بالمنقلبين على الشرعية .
مثلت جريمة تفجير مسجدي بدر والحشحوش في صنعاء يوم الجمعة الماضي ومقتل وجرح المئات وقبلها بيوم جريمة اغتيال القيادي الحوثي البارز عبدالكريم الخيواني تحولاً حاداً في المشهد اليمني لجهة تشدد موقف الحوثيين واتخاذهم ذلك ذريعة لشن الحرب على الجنوب "لمحاربة القاعدة و"الدواعش" التي يتعاون هادي ومليشياته الجنوبية معهم"، حسب زعم الحوثيين، "في حين أنهم يعلمون أن هذه المجاميع الموجودة من القاعدة في الجنوب هي من صنع حلفاء الحوثيين وتتحرك بأمر هؤلاء الحلفاء"، كما أشار القيادي الجنوبي حيدر العطاس، في إشارة إلى صالح . لم يفوت الحوثيون وفريق صالح السياسي والإعلامي استثمار تداعيات معركة مطار عدن وتحرير معسكر قوات الأمن الخاصة فيها، الذي كان رأس حربة لصالح والحوثيين هناك، وكان مؤملاً من قائده المُقال العميد عبدالحافظ السقاف أن يقلب الوضع في عدن لصالح الانقلابيين بعد أن حاولت قواته يوم 19 مارس/ آذار السيطرة على مطار عدن، والاستفادة من واقعة إقدام عناصر القاعدة الاعتداء على المباني الرسمية والعسكرية في مدينة الحوطة بمحافظة لحج، والتي سيطروا عليها لساعات عدة وقتل 19 جندياً بصورة بشعة ونهب أسلحة ثقيلة، قبل أن يفروا أمام تقدم قوات من الجيش واللجان الشعبية وإعادة السيطرة على الحوطة .
لكن مقابل ذلك شكل الانتصار في معركة المطار وإنهاء تمرد العميد السقاف في عدن من قبل قوات الجيش واللجان الشعبية التي قادها وزير الدفاع اللواء محمود الصبيحي، دفعاً قوياً لجبهة الرئيس هادي، حيث كان منطلقاً جديداً ليعزز هادي وقواته جبهة محافظات الجنوب المحاذية لمحافظة تعز والضالع وابين، وهي المنافذ التي يسعى الحوثيون الدخول منها إلى عدن .
هكذا شكل التحول في المشهد العسكري والأمني في عدن فرصة أكبر لالتفاف واسع في الجنوب حول هادي، تعزز كثيراً في الأسبوع الأخير وبات بإمكان القيادات العسكرية هناك تنظيم وتعزيز الدفاع عن الحدود الجنوبية، ولعل هذا التحول استفز صالح والحوثيين الذين أرسلوا طائرات حربية للإغارة على مقر إقامته في قصر المعاشيق في عدن، لكن دون جدوى .
وعليه بدا هادي واثقاً عندما خاطب الحوثيين وصالح بالقول إن العام 2015 ليس هو العام ،1994 فقد تغيرت المعادلة على الأرض وفي القناعات عند الشعب في الجنوب، ولعل هذا ما دلل عليه الحزب الاشتراكي بالقول: "إن شن حرب عدوانية جديدة ضد الجنوب وبيئته السياسية والاجتماعية ستنطوي على عواقب لا يخال الذاهبون إلى الحرب مداها وفداحتها . ولن تشبه عواقب أي حرب سابقة من الحروب التي شنها تحالف الحرب والتقويض في صنعاء" .
الأسوأ في المشهد اليمني أن الاصطفاف السياسي والعسكري والمجتمعي يبدو في الأغلب جهوياً بين الشمال والجنوب، وهو الأمر الذي ستكون له تداعياته لاحقاً، بما يكرس انفصالاً غير معلن حتى الآن، غير أن هذا لا يلغي الاصطفاف الوطني اليمني ضد دعاة الحرب، فمع توجه حشود الحوثيين وقوات صالح إلى الجنوب برز أمامها حائط شعبي سلمي في تعز، التي أُريد لها أن تكون مؤخرة عسكرية ومنطقة حشد وانطلاق نحو عدن، فرفض أبناؤها تواجد الميليشيات المسلحة للحوثيين ورفضوا الحرب على الجنوب . يرفع الحوثيون لافتة الحرب على الإرهاب والقاعدة لاقتحام الجنوب، إلا أن ارتكاب حماقة كهذه ستكلفهم الكثير، بعد الاصطفاف الجنوبي الواسع هناك، وخاصة بعد دعوة فصائل الحراك الجنوبي التي لم تكن إلى وقت قريب تقبل الوقوف إلى جانب هادي إلى التوجه إلى الجبهات الأمامية، التي تُسيج العاصمة الجنوبية عدن .
يرى عسكري متقاعد شارك في حرب تحرير جنوب اليمن من الاستعمار، أن أي محاولة لاقتحام المناطق الجنوبية والدخول إلى عدن عملية غير سهلة ومكلفة جداً، فالحشد الشعبي واسع ومسلح إلى جانب قوات عسكرية نظامية وعسكريين ذوي خبرة ومؤهلين، وما يميز الأمر أن الحشد الشعبي، من أبناء المناطق نفسها، سيدافعون عنها في حرب شوارع أهلية، والحزام الأمني حول عدن محكم .
ورجح أن ما يقوم به الحوثيون هو ممارسة الضغوط من خلال الحشد العسكري والترهيب بالإعلام والدعاية والاغارة بالطيران الحربي على عدن، وإن حدث الهجوم على الجنوب ستحل الفوضى وسيتحول الأمر إلى حرب مفتوحة، وسيواجه الغزو الجديد بمقاومة شعبية شرسة، ستتخذ أكثر من شكل، مذكراً بقول بنعمر أمام مجلس الأمن "إن من الوهم الاعتقاد بإمكانية أن يسيطر الحوثيون على اليمن بأكمله أو أن يستطيع الرئيس عبد ربه منصور هادي حشد ما يكفي من القوات لتحرير البلاد"، و"أن أي جانب يريد دفع البلاد في أي من الاتجاهين سيتسبب في صراع ممتد في سياق سيناريو مجمع للعراق وليبيا وسوريا" .
وأمام تفاصيل الموقف المعقد والخطر تبرز الفرضية المؤكدة في المشهد، وهي أن جماعة الحوثي، المدعومة من إيران، ماضية في مشروعها، في حين جبهتها العسكرية في محافظة مأرب تواجه مقاومة كبيرة، أوقفت الجماعة عند حدودها، وهجمات موجعة تتعرض لها في البيضاء من قبل مسلحين قبليين مدعومين بعناصر القاعدة .
وفي جبهة الجنوب يبدو هادي مدافعاً عن الشرعية ورافضاً للتمدد الحوثي، وهو الأمر الذي مثل مدخلاً لطلب تقدم به وزير خارجيته لمجلس التعاون الخليجي بمساعدة درع الجزيرة، وتأكيده على رد إيجابي تلقاه .
ويعزز الموقف الخليجي الواعد بتحرك إيجابي وقوي لجهة دعم شرعية هادي، اتفاق مسؤولين خليجيين رفيعي المستوى في الرياض الاحد الماضي على إجراءات لتصعيد الضغوط السياسية والأمنية على الحوثيين في اليمن وحلفائهم من جماعة صالح . بالمقابل جاء موقف مجلس الأمن الأخير مخيباً للآمال، عندما أصدر بياناً رئاسياً غير ملزم، لم يرتق إلى مستوى الحدث، كما كان متوقعاً لدى اليمنيين، غير أن هناك تفسيراً آخر لهذا الموقف مفاده أن المجتمع الدولي، يترك دول الخليج لتتصدى في المقام الأول للأزمة اليمنية .
ورغم كل التوقعات في أسوأ احتمالاتها لنهاية المشهد المتوتر، إلا أنه ليس من المستبعد أن تضطر جماعة الحوثي وعلي صالح الانصياع للإرادة الوطنية والإقليمية والدولية ويوقفون التصعيد، والقبول بالحوار خارج اليمن للتوصل إلى تسوية للأزمة، لأنهم سيدركون أن ليس بالإمكان أن يحققوا نصراً عسكرياً حاسماً في كل اليمن، وتحديداً في الجنوب، الذي بات بيئة رافضة كلياً لصالح والحوثيين، فيما لا يزال تنظيم "القاعدة" هو المستفيد في هذا الوضع المضطرب .
لتعبئة العامة بتاريخ 21 مارس/ آذار، ليلحقه تصعيد أكبر من زعيم الحوثيين بالإعلان عن الخطوات العملية قبل ساعة الصفر، برفد المعسكرات بالمقاتلين ودعم التعبئة بالمال والقوافل الغذائية في خطابه يوم 22 مارس/ آذار .
المثير للاستغراب أن الرئيس السابق علي صالح حاول الاثنين الماضي، مع تصاعد المواقف المناهضة للحرب على الجنوب بحجة محاربة القاعدة والتكفيريين، أن يظهر بعيداً عن المشهد المتأزم بدعوته الرئيس هادي وعبد الملك الحوثي "لوقف الحشود والصدامات للحفاظ على أمن المواطن والوطن"، بينما كان هو أول من هدد علناً باجتياح الجنوب وطرد هادي أو كما قال: "لن يترك له إلا منفذاً واحداً للهروب من عدن"، فيما تحالفه مع الحوثي لا يخفى على أحد .
في الأثناء بدا المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بنعمر كمن لا حول له ولا قوة، بينما يدير مشاورات ومفاوضات أو حواراً مفترضاً في صنعاء، أراده الحوثيون غطاء سياسياً لهم، وفي الآن ذاته، يهيئون انفسهم عسكرياً لمعارك مقبلة، أما الأحزاب التي يتحلق ممثلوها حول طاولة بنعمر فبدت متخبطة وفي حالة عجز شديد، توزع أدوارها في الاقتراب من هادي والتمسك بشرعيته والمشاركة في حوار صنعاء إلى جانب انصار الله (الحوثيين)، في حين يصفونهم بالمنقلبين على الشرعية .
مثلت جريمة تفجير مسجدي بدر والحشحوش في صنعاء يوم الجمعة الماضي ومقتل وجرح المئات وقبلها بيوم جريمة اغتيال القيادي الحوثي البارز عبدالكريم الخيواني تحولاً حاداً في المشهد اليمني لجهة تشدد موقف الحوثيين واتخاذهم ذلك ذريعة لشن الحرب على الجنوب "لمحاربة القاعدة و"الدواعش" التي يتعاون هادي ومليشياته الجنوبية معهم"، حسب زعم الحوثيين، "في حين أنهم يعلمون أن هذه المجاميع الموجودة من القاعدة في الجنوب هي من صنع حلفاء الحوثيين وتتحرك بأمر هؤلاء الحلفاء"، كما أشار القيادي الجنوبي حيدر العطاس، في إشارة إلى صالح . لم يفوت الحوثيون وفريق صالح السياسي والإعلامي استثمار تداعيات معركة مطار عدن وتحرير معسكر قوات الأمن الخاصة فيها، الذي كان رأس حربة لصالح والحوثيين هناك، وكان مؤملاً من قائده المُقال العميد عبدالحافظ السقاف أن يقلب الوضع في عدن لصالح الانقلابيين بعد أن حاولت قواته يوم 19 مارس/ آذار السيطرة على مطار عدن، والاستفادة من واقعة إقدام عناصر القاعدة الاعتداء على المباني الرسمية والعسكرية في مدينة الحوطة بمحافظة لحج، والتي سيطروا عليها لساعات عدة وقتل 19 جندياً بصورة بشعة ونهب أسلحة ثقيلة، قبل أن يفروا أمام تقدم قوات من الجيش واللجان الشعبية وإعادة السيطرة على الحوطة .
لكن مقابل ذلك شكل الانتصار في معركة المطار وإنهاء تمرد العميد السقاف في عدن من قبل قوات الجيش واللجان الشعبية التي قادها وزير الدفاع اللواء محمود الصبيحي، دفعاً قوياً لجبهة الرئيس هادي، حيث كان منطلقاً جديداً ليعزز هادي وقواته جبهة محافظات الجنوب المحاذية لمحافظة تعز والضالع وابين، وهي المنافذ التي يسعى الحوثيون الدخول منها إلى عدن .
هكذا شكل التحول في المشهد العسكري والأمني في عدن فرصة أكبر لالتفاف واسع في الجنوب حول هادي، تعزز كثيراً في الأسبوع الأخير وبات بإمكان القيادات العسكرية هناك تنظيم وتعزيز الدفاع عن الحدود الجنوبية، ولعل هذا التحول استفز صالح والحوثيين الذين أرسلوا طائرات حربية للإغارة على مقر إقامته في قصر المعاشيق في عدن، لكن دون جدوى .
وعليه بدا هادي واثقاً عندما خاطب الحوثيين وصالح بالقول إن العام 2015 ليس هو العام ،1994 فقد تغيرت المعادلة على الأرض وفي القناعات عند الشعب في الجنوب، ولعل هذا ما دلل عليه الحزب الاشتراكي بالقول: "إن شن حرب عدوانية جديدة ضد الجنوب وبيئته السياسية والاجتماعية ستنطوي على عواقب لا يخال الذاهبون إلى الحرب مداها وفداحتها . ولن تشبه عواقب أي حرب سابقة من الحروب التي شنها تحالف الحرب والتقويض في صنعاء" .
الأسوأ في المشهد اليمني أن الاصطفاف السياسي والعسكري والمجتمعي يبدو في الأغلب جهوياً بين الشمال والجنوب، وهو الأمر الذي ستكون له تداعياته لاحقاً، بما يكرس انفصالاً غير معلن حتى الآن، غير أن هذا لا يلغي الاصطفاف الوطني اليمني ضد دعاة الحرب، فمع توجه حشود الحوثيين وقوات صالح إلى الجنوب برز أمامها حائط شعبي سلمي في تعز، التي أُريد لها أن تكون مؤخرة عسكرية ومنطقة حشد وانطلاق نحو عدن، فرفض أبناؤها تواجد الميليشيات المسلحة للحوثيين ورفضوا الحرب على الجنوب . يرفع الحوثيون لافتة الحرب على الإرهاب والقاعدة لاقتحام الجنوب، إلا أن ارتكاب حماقة كهذه ستكلفهم الكثير، بعد الاصطفاف الجنوبي الواسع هناك، وخاصة بعد دعوة فصائل الحراك الجنوبي التي لم تكن إلى وقت قريب تقبل الوقوف إلى جانب هادي إلى التوجه إلى الجبهات الأمامية، التي تُسيج العاصمة الجنوبية عدن .
يرى عسكري متقاعد شارك في حرب تحرير جنوب اليمن من الاستعمار، أن أي محاولة لاقتحام المناطق الجنوبية والدخول إلى عدن عملية غير سهلة ومكلفة جداً، فالحشد الشعبي واسع ومسلح إلى جانب قوات عسكرية نظامية وعسكريين ذوي خبرة ومؤهلين، وما يميز الأمر أن الحشد الشعبي، من أبناء المناطق نفسها، سيدافعون عنها في حرب شوارع أهلية، والحزام الأمني حول عدن محكم .
ورجح أن ما يقوم به الحوثيون هو ممارسة الضغوط من خلال الحشد العسكري والترهيب بالإعلام والدعاية والاغارة بالطيران الحربي على عدن، وإن حدث الهجوم على الجنوب ستحل الفوضى وسيتحول الأمر إلى حرب مفتوحة، وسيواجه الغزو الجديد بمقاومة شعبية شرسة، ستتخذ أكثر من شكل، مذكراً بقول بنعمر أمام مجلس الأمن "إن من الوهم الاعتقاد بإمكانية أن يسيطر الحوثيون على اليمن بأكمله أو أن يستطيع الرئيس عبد ربه منصور هادي حشد ما يكفي من القوات لتحرير البلاد"، و"أن أي جانب يريد دفع البلاد في أي من الاتجاهين سيتسبب في صراع ممتد في سياق سيناريو مجمع للعراق وليبيا وسوريا" .
وأمام تفاصيل الموقف المعقد والخطر تبرز الفرضية المؤكدة في المشهد، وهي أن جماعة الحوثي، المدعومة من إيران، ماضية في مشروعها، في حين جبهتها العسكرية في محافظة مأرب تواجه مقاومة كبيرة، أوقفت الجماعة عند حدودها، وهجمات موجعة تتعرض لها في البيضاء من قبل مسلحين قبليين مدعومين بعناصر القاعدة .
وفي جبهة الجنوب يبدو هادي مدافعاً عن الشرعية ورافضاً للتمدد الحوثي، وهو الأمر الذي مثل مدخلاً لطلب تقدم به وزير خارجيته لمجلس التعاون الخليجي بمساعدة درع الجزيرة، وتأكيده على رد إيجابي تلقاه .
ويعزز الموقف الخليجي الواعد بتحرك إيجابي وقوي لجهة دعم شرعية هادي، اتفاق مسؤولين خليجيين رفيعي المستوى في الرياض الاحد الماضي على إجراءات لتصعيد الضغوط السياسية والأمنية على الحوثيين في اليمن وحلفائهم من جماعة صالح . بالمقابل جاء موقف مجلس الأمن الأخير مخيباً للآمال، عندما أصدر بياناً رئاسياً غير ملزم، لم يرتق إلى مستوى الحدث، كما كان متوقعاً لدى اليمنيين، غير أن هناك تفسيراً آخر لهذا الموقف مفاده أن المجتمع الدولي، يترك دول الخليج لتتصدى في المقام الأول للأزمة اليمنية .
ورغم كل التوقعات في أسوأ احتمالاتها لنهاية المشهد المتوتر، إلا أنه ليس من المستبعد أن تضطر جماعة الحوثي وعلي صالح الانصياع للإرادة الوطنية والإقليمية والدولية ويوقفون التصعيد، والقبول بالحوار خارج اليمن للتوصل إلى تسوية للأزمة، لأنهم سيدركون أن ليس بالإمكان أن يحققوا نصراً عسكرياً حاسماً في كل اليمن، وتحديداً في الجنوب، الذي بات بيئة رافضة كلياً لصالح والحوثيين، فيما لا يزال تنظيم "القاعدة" هو المستفيد في هذا الوضع المضطرب.
الخليج الاماراتية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.