يفقد اليمنيون قدرتهم على مواجهة الحياة ، ومقارعة غوائل الزمن والتغلب على عوامل الوهن المستشري في الذات اليمنية ، ويبدو أن حكمة اليمنيين ذهبت أدراج الرياح ، وأضحت الحكمة في ظل هذا الإحتدام القاتل مدعاة للشفقة والسخرية في آن واحد . ربما استسلمنا في لحظة وهن فاضح لمنطق العنف ، وآثرنا الإنحناء بغية أن تهدأ العاصفة ، لنتفرغ لرسم حياة تليق بحضارة موغلة في التواجد والحضور. ربما كان ما قمنا به تكتيكاً ، أو هروباً وتنازلاً - لن يكون شريفاً - متى أدركنا ( اللا اكتراث ) التي قوبل به هذا السلوك ، وبتعالٍ يكشف حجم الجهل والغباء المتوغل في العقلية المنتصرة - افتراضاً -والذي قادنا بامتيازٍ إلى ما نحن فيه اليوم. بين ولاية الله - بحسب محمد البخيتي - وبين شرعية هادي - بحسب السعودية وباقي المشاركين في الحرب ضد اليمن - ، تتوزع مواقف اليمنيين وفق هذا الفرز إلى موقفين متناقضين ، أبرزا حالة الإنقسام الحقيقية للشارع اليمني ، والإختلال الواضح في بنية العقل والذات اليمنية المستباحة ، وبتواطئ لا يمكن أن يمنحنا الكرامة والإحترام - لذواتنا - كلما حاولنا الخروج من دائرة التبعية والعبودية المهينة. ينطلق المؤيدون للعدوان على اليمن ، من إيمانهم أن ( الإهانة لا تجَزَّأْ ) ، وحجم الإهانات التي سددها الحوثيون لمعارضيهم عامة والإصلاح خاصة ، فيما يذهب المعارضون للعدوان من طبيعة العلاقة القائمة بين السعودية واليمن ، والتي اتسمتْ بالتبعية والذوبان ، وبما يظهر صورة اليمن - برمزيته التأريخية - مشوهةً وصادمة للذات اليمنية الممتلئة بالتأريخ والحضارة الضاربة جذورها في أعماق التأريخ ، ولعل الإهانات التي طالت اليمنيين من الساسة وكافة النخب السياسية والحزبية - منذو ما بعد إغتيال الشهيد الرئيس إبراهيم الحمدي رحمه الله ووالدي - وحتى اليوم مؤشر واضح على حالة الإستلاب الحقيقية والكرامة المنقوصة للبلد برمته. لم يؤسس الحوثيون لما يمكن أن يساعد في تشكيل جبهة داخلية ، قد تقف في وجه كل محاولات الإختراق والإستلاب - قديمها وحديثها - ، وتعمل على بناء دولة يحترمها الآخر ، لا متاريس لتصدير الموت وتوزيع المخاوف ، وتحويل البلد برمته إلى ما يشبه قنبلة موقوتة. لقد أثرى الحوثيون - وفق منهجيتهم - قيم الكراهية ، وعملوا على إذكاء الضغائن والأحقاد لدى غالبية أبناء الشعب اليمني ، ما أفقدهم التضامن الحقيقي إزاء ما يتعرض له الحوثيون - لا البلد - بحسب مخزون الكراهية ، التي كان للحوثيين الدور الأبرز في تكوينها ،اعتماداً على أراء الشارع واتجاهاته المختلفة. لا أحد يستوعب ماقام به الحوثيون إزاء قيادات التجمع اليمني للإصلاح من اختطاف واعتقال ، في ظل الدعوة والحاجة لمواجهة العدوان - كما يدّعون - ناهيك عن الإهانات والممارسات السابقة ( اقتحام مقرات - إقصاء وظيفي وتهميش - إستهداف كوادره وناشطيه في المحافظات... الخ) إنتهاءً بحل الحزب ، والذي عدّه الكثيرون إنتحاراً لقيم الديمقراطية ، وإقراراً بالهزيمة والفشل الذريع في التعامل بذهنية الحاكم ، واللجوء لأخلاقيات العصابات وقطاع الطرق ، لتسوية الخلافات السياسية ، وكأن الإصلاح جمعية خيرية ، تمكن مسلحو الحوثي من إخضاعها للسيطرة ، متناسين - بقصد أو بدون قصد - أن الإصلاح حزب سياسي عبر خمس محطات إنتخابية ، وأن أكثر من مليونين ونصف المليون ناخب ، ما زال حضورهم يرتبط بصناديق الإقتراع ، لا زناد البندقية كما هو حال الحوثيين اليوم. لن يكون هذا العمل المستهجن مدعاة للزهو ، بقدر ما هو إعلان إفلاس وهزيمة - لن تكون الأخيرة - سيألف الحوثيون تذوقها مع مرور الوقت ، كلما أحسوا بحمق وغباء ما قاموا به ، وردة الفعل الناتج عن هذا الإجراء الأحمق وغير المدروس، والذي سيقود بالضرورة لعمليات مشابهة في المستقبل القريب.