برغم وجود ملاحظات سلبية على أداء حزب المؤتمر الشعبي العام إبان فترة حكمه وما بعدها؛ إلا أن حضوره السياسي بعد خلعه من ادارة البلد كحزب حاكم ، كان مميزيا مقارنة مع غيره من الأحزاب والمكونات السياسية اليمنية ... وتميزه كان يظهر من لغة بياناته الرسمية ، وطبيعة مواقفه وخياراته في مناقشة القضايا الوطنية البارزة أثناء مؤتمر الحوار الوطني الشامل وبعده، كموقفه في مسألة شكل الدولة وغيرها من القضايا التي كانت محل خلاف قوي بين الأطراف السياسية التي كانت تعيق مرحلة التحول ... كان الحزب ذكيا أيضا في اختيار اساليبه وأدواته التي تؤدي الى تشويه صورة منافسيه على السلطة أمام الشعب، وفي المقابل تعزيز ثقة الشعب بأنه الحزب الأجدر والأكثر ثقة في إدارة شؤون البلد مستقبلا .... خلال تلك المرحلة والى ما قبل مؤتمر جنيف الذي رعته الأممالمتحدة بين الأطراف السياسية اليمنية، فقد كان حضور المؤتمر سياسيا حضورا مميزا، وليس عن خبرة وثقة وحسب؛ بل وكان حرا في قراراته وخياراته ولم يكن محكوما أو مسيرا أو حتى متأثرا بأية تحالفات كانت تقف في صف خياراته وقراراته ... كل تلك الملاحظات الايجابية؛ يمكننا ارجاع أسبابها الى الخبرة التي امتلكها الحزب نتيجة وجوده الطويل في كرسي السلطة على البلد؛ إضافة الى كونه لم تكن تمارس عليه ضغوط خارجية، كباقي المكونات السياسية، ﻷنه حزب محلي المنشأ والأدلجة، أي أنه ليس فرعا أو قطرا أو تابعا لتنظيم أقليمي أو عالمي ذو أيديولوجيا خاصة ، دنيوية أو دينية ... وأما عن طبيعة ووضع الحزب ومكانته السياسية حاليا؛ فللأسف الشديد، أنه ومنذ ما بعد 21 سبتمبر 2014 م؛ نشعر وهو واضحا، بأن: " حزب المؤتمر اليوم لم يعد حزب المؤتمر المعروف بالأمس.. !! " ... إذ نجد اليوم أن حزب المؤتمر أصبح مكونا ساذجا ولم يعد هناك أية لمعان لوجوده، إذ أصبح في وجوده السياسي وكأنه " حزب أبو نفرين " كما يعبر ناطقه الرسمي عن بعض أحزاب المشترك- حزب الحق مثلا- ..
في العملية السياسية اليمنية الأخيرة تحديدا( أي منذ انعقاد مؤتمر الرياض وحتى اللحظة)، بدأ ظهور القوى السياسية في اليمن كفرقاء على نحو ثنائي من طرفين، كل طرف يضم تحالفا لمكونات واحزاب سياسية بعينها ... الطرف الأول المؤيد لشرعية هادي ، والثاني تحالف الداخل المنقلب على الشرعية أو الرافضين لها ... والى الطرف الثاني انتمى المؤتمر، وهو الطرف الذي يفترض أن المؤتمر هو المكون المؤثر فيه سياسيا والقائد ، ويليه مكون الحوثيين؛ وذلك كان ينبغي أن يتجلى ويتضح عند أية مفاوضات أو محادثات سياسية يمنية ﻹنها الأزمة بين طرفيها ... لكن وهو الواقع، وجد أنه خلال التوجه الى أية عملية سياسية منذ ما قبل جنيف؛ أن حزب المؤتمر لم يظهر وفقما هو مفترض في التحالف الذي هو ضمنه؛ بل بدى الحوثيون هم قادة ذلك التحالف وأكثر من قادته؛ بينما لم يعد المؤتمر حتى هو المكون الثاني بعد الحوثيين تأثيرا وتوجيها لخيارات وقرارات هذا الطرف باعتباره تحالفا سياسيا موحدا ... فمثلا دعي هذا الحلف الى التشاور الأولي مع المبعوث الأممي ولد الشيخ لغرض بحث رأي هذا الحلف قبل انعقاد مؤتمر جنيف؛ ولم يتم الالتفاف الى حزب المؤتمر ثم غادر وفد الحوثيين الى خارج الوطن لاجراء جولة محادثات سياسية خارجية استعدادا للذهاب الى جنيف، وتم خلال تلك الجولة انعقاد لقاءات دبلوماسية عديدة ورفيعة مثل لقاء لجنة أمريكية بالحوثيين؛ بينما المؤتمر لم يكن حتى مطلعا بطبيعة تلك الجولة على الرغم من أنها تعتبر متعلقة بطرف تحالف الداخل ككل وهو طرف " الحوثي وصالح وحلفائهم" ... !!! غير تلك العمليات السياسية التي همش فيها المؤتمر، وتمت وكما لو أنه ليس ضمن تحالف الداخل؛ فإن هناك عمليات أخرى كشفت أنه لم يعد لحزب المؤتمر من دور وأهمية سياسية تذكر، سوى أنه مكون " أبو نفرين" ... وتلك العمليات هي طبيعة موقفه من مفاوضات جنيف... لو نظرنا الى طبيعة ما تم طرحه في مؤتمر جنيف، أمام طرفي التفاوض السياسي اليمني في طاولة محادثات جنيف؛ لوجدنا أنها نقاط أو بنود اتفاق، تعبر في جوهرها عن خيار ومطالب المؤتمر الموضوعه سلفا، وهي المضمنة في مبادرة صالح الأخيرة لحل الأزمة، فما سعت الأممالمتحدة الى محاولة اقراره والاتفاق عليه بين طرفي الحوار، يتلخص في " ايقاف الحرب ، وانسحاب مليشيات الحوثيين وحلفائهم من المدن وتسليمها للجيش والأمن، واعتراف الحوثيين بقرار مجلس الأمن الدولي، واستئناف عملية المفاوضات السياسية السابقة .... " وهي نقاط لا تحتلف عن النقاط التي تضمنتها مبادرة صالح الأخيرة لحل الأزمة، بل حتى أن مؤتمر حوار جنيف في ذاتية وجوده، هو أحد نقاط مبادرة صالح تلك .... يعني ذلك أنه كان من المفترض والطبيعي؛ أن يكون موقف مكون المؤتمر هو الموافقة على تلك النقاط؛ بغض النظر عن كونها نقاط رفضت من قبل الحوثيين ووافق عليها الطرف المؤيد لهادي " تحالف الخارج" ... إذ لا ننسى هنا أننا نفترض أن يكون ذلك هو موقف المؤتمر؛ ﻷنه كان معروفا عنه أنه يأمر ولا يؤتمر عليه، وأنه مكونا سياسيا يقود ولا ينقاد ... الأفضح هنا أيضا ، ليس أن المؤتمر ربما أجبر على تبني الرفض لنقاط اتفاق هي خياراته ومطالبه المسبقة؛ إنما الأفضح عن ذلك هو أن حزب المؤتمر بدى بعد انتهاء جنيف وكأنه اصبح يلعب دور " الطالب المستمع "؛ إذ لم نجد أن الحزب أصدر بيانا توضيحيا لطبيعة موقفه وتفسيرا لماذا تبنى خيار الرفض لبنود ونقاط اتفاق هي صميم خياراته ومطالبه ومبادرته ومقترحاته التي طرحها قدما لحل الأزمة ....
هناك أيضا- وللأسف الشديد- دلالات ومؤشرات ملحوظة واقعية؛ تكاد تقول بأن حزب المؤتمر لم يكون قد تحول الى مكون وحليف سياسي يشبه " المكونات أبو نفرين " كما يصفها ناطقه الرسمي، بل صار أدنى وجودا وتأثيرا من " حزب حسن زيد، أو قاسم سلام ... " ، بل لا يمكن القول أنه قد قد تحول الى أشبه بمكون نقابي... فوضعه حاليا لا يمكن أن يتم تشبيهه واعتباره حتى كمكون نقابة الحلاقين اليمنيين في تحالف طبي ، بل هو أدنى وأبلى ...
فما بعد مؤتمر جنيف، ومن طبيعة ظهور و تحرك ووردود أفعال طرف تحالف الداخل؛ نستطيع أن نكتشف بسهولة جدا بأن حزب المؤتمر كمكون وحليف مع طرف الحوثي؛ أصبح في وجوده وأثره أشبه " بأطرش الزفة وأعمى "... فمثلا وجدنا أن بيان هذا الطرف بشأن انتهاء مؤتمر جنيف ، صدر عن مكون الحوثي وبلغته؛ بل والأغرب أنه لا وجود لبيان أو تصريح مستقل لحزب المؤتمر حتى.. !!! كما لوحظ أنه وبعد وصول وفد هذا الحلف الى عمان بعد انتهاء جنيف، حدث بأن وفد مكون المؤتمر أعيد الى روسيا منفردا بايعاز حوثي وتحت دعوة روسية مجهولة طبيعتها؛ ولم يكن من المؤتمر الا الهرولة دونما أية اعتبارا لمكانته وذاتيته المعهودة؛ بينما وفد مكون الحوثي انفرد في مسقط لعقد مفاوضات مع أطراف في الحراك الجنوبي لمناقشة موضوع حساس يمس وحدة اليمن التي هي أيقونة المؤتمر الوطنية كما يدعي ... وبعد هذا وذاك نجد أن المؤشرات تقول بأن الحوثي ماض قدما في قيادة أي عملية سياسية مع الطرف الآخر، بينما لا ينظر الى المؤتمر الا " كأطرش في الزفة وأعمى " ، وينطبق هذا أيضا على مضي الحوثي أيضا في تبني سلطة الأمر الواقع ، إذ يتضح أنه ماض في ادارة البلد ؛ بينما لا ينظر الى المؤتمر الا كفلول لنظام فاسد سابق تم اسقاطه ... !!!
وعلى كل حال ؛ ففيما يمكنه أن يكن تفسيرا لما سبق وتوقعا له؛ فإننا نستطيع أن نجمل التعليل في النقاط الآتية : - تحول المؤتمر من فارس السياسة الى أطرش في زفة وأعمى؛ إنما هو نتيجة حتمية ﻷي حزب أمتلك خبرة طويلة وقادة مخضرمين ووجد وطنيا، ثم تحول فجأة الى حزب لشخص الزعيم وبعقله وتفكيره المنفرد ... - يتعامل الحوثي مع حزب المؤتمر كأطرش في زفه ؛ لأنه أدرك أن المجتمع الدولي بما فيها أمريكا لم يعد ينظر الى حزب صالح الا كذلك، وفي المقابل يعمى حزب صالح تجاه الحوثي ﻷنه أضحى يدرك أنه أضعف وأنه شخص مبحوثا عليه دوليا وقد فقد مكانته اقليميا ... - السر وراء ابقاء الحوثي لصالح كحليف صوري؛ رغم أن المجتمع الدولي ابلغهم وأشعرهم بأن صالح لم يعد رقما لديهم ، هو أن الحوثي يدرك أن وجود صالح معه وفي صفه وحلفه، يخفف الضغط الاجتماعي الداخلي على الحوثي باعتباره جماعة مليشاوية غير مرغوبة مجتمعيا ...
وأما : عن ماذا في المستقبل بخصوص ما يتعلق بالزواج الاضطراري بين حزب المؤتمر باعتباره حزب صالح وبين الحوثي ؟؟ ، يمكننا التوقع بأن حزب المؤتمر كحزب صالح، سيكون أمامه خياران لا ثالث لهما : الأول : أننا سنلاحظ قادما بأن صالح قد يستطيع أن يفتح لنفسه علاقة لاستعادة التحالف بينه وبين تحالف الخارج وذلك اذا ما قبل به تحالف الخارج، وهنا اذا حدث فإننا سنجد في الأيام القادمة بأنه سيحدث تهاويا وتراجعا ميدانيا لجماعة الحوثي لصالح المقاومة والقوة المؤيدة لشرعية هادي ، ويتخلل ذلك صمت واختفاء لصالح ، يرافقه تحولا لظهور المؤتمر كحزب من بين يدي صالح الى أيدي قادة الحزب الذي أيدوا شرعية هادي.. الثاني : هو في حالة فشل صالح في استعادة علاقته مع تحالف الخارج ؛ فإنه سيبدأ بالاعتماد على ذاته في مواجهة الحوثي والصمود أمام التحالف الخارجي، ولهذا قد يحدث في الأيام القادمة مزيدا من الانشقاقات داخل الحركة الحوثية ، ويتم التنسيق والبدء في محاولة الحصول على هيمنة عسكرية منفردة ، تظهر كضدا للحوثي وتحالف الخارج، إذ يمكن أن يظهر كيان عسكري يدعي أن طرف ثالث وطني، عبر اعلان مجلس عسكري يدعي اضطلاعه بمهمة وطنية لانقاذ البلد وسيعلن مهلة لجماعة الحوثي ويتبنى مشروع انتقالي قريب من عامة الشعب ... ولهذا تفاصيل كثيرة يمكن تناولها بشكل مستقل ...