أن تكون على رأس دولة يصل تعداد سكانها إلى ما يزيد عن المليار وثلاثمائة ألف نسمة، وتدير شؤون بلد يمتد على مساحة تقدّر ب 9596961 م2، وأن تكون على قمة هرم أكبر حزب في العالم يبلغ عدد أعضائه 89 مليون شخص، أن تشرف على أكبر جيش في العالم، وأن تصل بإقتصاد بلدك إلى المركز الأول عالميّاً بغضون سنتين من فترة حكمك، فأنت دون شك شخص استثنائي بكل ما تحمله الكلمة من معنى.. أما أن تكون بهمة وطموحات الرئيس الصيني شي جين بينج فأنت معجزة بشرية بامتياز. منذ توليه الحكم في عام 2012 والرئيس الصيني شي جين بينج لا يتوانى في إدهاش الشعب الصيني والعالم أجمع بمبادراته العملاقة والجريئة التي يطمح من خلالها أن يثبت للعالم بأن الحضارة الصينية التي تضرب بجذورها في أعماق التاريخ ما زالت قائمة ومتماسكة حتى اليوم، وقادرة على تصدر واجهة العالم الحديث. لا شك في أن سياسته الداخلية تكرس الديكتاتورية وتعزز من قبضة الحزب على كافة مفاصل الدولة، لكنها نمط بنّاء من الديكتاتوريات تمكّن الشعوب من تلمّس معالم الطريق نحو المستقبل، وبالتالي تتفوق على الديمقراطية الرخوة التي تتداخل فيها كافة الحسابات وتتوه بسببها الشعوب، والأمثلة على ذلك كثيرة. ديكتاتورية شي جين بينج ليست للإستبداد والإستحواذ على السلطة بأي ثمن كان كما هو حال بعض الديمقراطيات الرخوة، فلم ينطوي عام على توليه الحكم حتى وضع الرئيس الصيني حزبه في ربيع 2013 بين مطرقة تعزيز الأيديولوجية والمركزية وسندان محاربة الفساد، وقاد حملة شعواء واسعة وطويلة الأمد ضد كافة كوادر الحزب المتورطة في قضايا فساد أو قضايا أخلاقية، وأبدى حزماً وشدة طالت أعضاء سابقين في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب. ومنذ أنطلاق الحملة تم التحقيق مع ما يزيد على 500000 مسؤول حزبي، ووجهت التهم لما يزيد عن 120000، من بينهم مسؤولين كبار عسكريين ومدنيين، لم يثنه تحفظ بعض المحيطين به حول سياسته هذهالتي لقيت استحساناً بين أوساط الشعب، الذي فوجئ بالجدية وبكمّ الفساد المتفشي داخل الحزب. مبادرته هذه حول تعزيز وحدة الحزب وأخلاقياته إضافة إلى مبادراته الأخرى التي سنتحدث عن أهمها فيما يلي دفعت الحزب لأن يقرر في مؤتمره التاسع عشر الذي عقد في ال 18 من أكتوبر المنصرم أن يدرج إسم شي جين بينج وفكره في دستور الحزب في سابقة لم تحدث منذ عهد المؤسس ماو تسي تونغ. أعاد المؤتمر التاسع عشر للحزب انتخاب الرئيس الصيني لولاية ثانية تمتد لخمس سنوات قادمة، بعد أن تميزت الخمس سنوات المنصرمة من فترة حكمه بإنجازات مذهلة على الصعيدين المحلي والدولي. وعمل خلالها بجد لتحقيق "الحلم الصيني" الذي يرتكز على نهضة البلاد من خلال القضاء على الفقر، وبناء مجتمع مزدهر بحلول عام 2020، وذلك عن طريق إعادة توجيه دفة التنمية الاقتصادية وإعتماد أسلوب الجودة العالية والإقتصاد العادل وارتكاز الإنتاجوالإستهلاك على أسس الإبتكار والعلوم والتكنولوجيا واحترام البيئة. وفي هذا الخصوص قرر الحزب في مؤتمره هذا إعتماد ما يطلق عليه ب "الزراعة الخضراء" وإيقاف استيراد مخلفات العالم التي كانت تصل إلى خمسين مليون طن سنوياً والتفرع لإعادة تدوير المخلفات الصينية حفاظاً على سلامة البيئة وعلى صحة الأفراد. في عام 2015 أطلق الرئيس الصيني خطة " صنع في الصين 2025" والتي تهدف إلى تحديث تقنيات الإنتاج والشبكات والذكاء الإصطناعي، وكذا الحد من إستهلاك الطاقة والمواد الخام وخفض المواد الملوّثة للبيئة." في مؤتمر الحزب الأخير الذي عقد قبل أيام قلائل، صرح الرئيس الصيني أمام 2300 ممثل للحزب الشيوعي بضرورة تحديث الدفاع الوطني والجيش في 2035 ليتحول في منتصف القرن إلى جيش نوعي عالمي. أما على الصعيد الدولي فقد فاجأ الرئيس الصيني العالم بمشروعه الطموح "طريق الحرير" الذي أعلن عنه من الإستانة في كازاخستان في عام 2013، مستحضراً الطريق البري القديم الذي كان ينقل الحرير والبورسلين وأحجار اليشم إلى أوروبا بقوله " كأن بي أستمع إلى أجراس الأبل وأرى أعمدة الغبار المتصاعدة في الصحراء." وبعد ذلك بأيام قلائل أعلن عن إحياء طريق الحرير البحري. وقد أرجع بعض المحللين السياسيين ذلك إلى نوع من المناورة الجيوسياسية تجاه أمريكا، واعتبروا استحضار هذه المحاور الأسطورية والجسور الألفية التي ربطت الشرق بالغرب من قبيل المناورة الجيوسياسية من قبل بكين رداً على تحول السياسة الأمريكية في آسيا والتي بدأت مع باراك أوباما الذي تحمّس لإقامة شراكة عابرة للمحيط الهادي (تي تي بي)، تقصي الصين من المنطقة التجارية "آسيا – المحيط الهادي". لم يكن هؤلاء المحللون على حق فقد تبلورت هذه المبادرة سريعاً، وكان لها صدى دولي واسع النطاق، واعتمدت تحت مسمى "مبادرة الحزام والطريق" في منتدى بكين الدولي الذي عقد في شهر مايو الماضي لهذا الغرض وضم قادة وممثلي ما يزيد عن مائة دولة. وتعهدت الصين بتخصيص ما يقارب ال 500 مليار دولار لمشاريع طريق الحرير خلال الخمس سنوات القادمة. ولا يتوقف الأمر هنا، بل سيحتاج هذا المشروع الطموح إلى استثمار قرابة ال 1000 مليار حتى نهاية 2030. وتُركَ الخيار مفتوحاً لكافة الدول في الإسهام في هذه المغامرة الدولية أيّا كان موقعها الجغرافي. ويرى بعض المحللين السياسيين في هذه المبادرة سعي الرئيس الصيني إلى قلب التوازانات الجيوسياسية من خلال إقامة ترابط على نطاق عالميوبلورة فكرة لعولمة جديدة قائمة على التنوع والتعددية، أشار إليها في خطابه الشهير الذي ألقاه في دافوس في يناير الماضي وأطلق عليها "العولمة الشاملة". وقد بدأت الصين فعليّا بالأخذ بزمام المبادرة والمضي بخطوات عمليّة على طريق تحقيق "العولمة الشاملة" من خلال إنشاء بنك التنمية لمجموعة دول "بريكس" في قمة فورتاليزا في البرازيل التي عقدت في يوليو 2014 لكافة الإقتصادات الناشئة. وكذا انشاء البنك الأسيوي للإستثمار في البنى التحتية في بكين في أكتوبر من نفس العام، وفتح العضوية فيه لكافة الدول دون استثناء. كل هذه المبادرات التي كان لها صدى دولي كبير وانضمام كثير من الدول بما فيها الدول الغربية الحليفة لأمريكا تؤسس دون شك لعولمة من نوع آخر وعالم أكثر عدلاً. ..... لمتابعة قناة التغيير نت على تيلجيرام https://telegram.me/altagheernet