لا شيء حتى اللحظة يُنبئ باقترابنا من خط النهاية لماراثون العذاب الذي فُرض علينا خوضه، إذ كلما نتطلع في الأفق علنا نلمح ولو وميض أمل نهتدي به إلى حيث الأمن والأمان والاستقرار كلما نصاب بإحباطات أكثر، وبقنوط هو الأشد في ظل التعقيدات التي تطرأ على واقعنا ما بين اللحظة والأخرى. عندما يقع المرء في مصيبة محكمة الانسداد كالمصيبة التي نعيش تفاصيلها اليوم يلجأ إلى عالم آخر لحل مشاكله وهو عالم الخيال... إذ نجده في مثل هكذا مأزق يُطلق لخياله العنان لينسج حلاً هو أبعد ما يكون عن الواقع، لكنه يظل بمثابة القشة التي يتشبث بها الغريق. مخرجنا المتاح بعد أن تقطعت بنا السبل بحثاً عن مخرج لما نحن فيه هو في توجهنا إلى الخالق عزّ وجل عند صلواتنا وقيامنا بأن يمنُ علينا بنعمته التي أنعم بها على الفتية من أهل الكهف حين غشاهم بنوم لم يصحوا منه إلا وقد زالت الغمّة والأخطار التي كانت محدقة بهم من قبل مليكهم. ما من حل لما نحن فيه اليوم من جحيم ومن عذاب غير بأن يمن الله علينا بنعمة النوم العميق في محاكاة لنوم أهل الكهف بحيث لا نفيق إلا وقد زالت الأسباب المعيقة لحياتنا ولتطلعاتنا بل ولآدميتنا وحقنا في العيش الكريم أسوة بكل بني البشر. من يدرينا إذا ما غشانا الله بنومة كهذه أن نصحوا يوماً على وطن مختلف كل الاختلاف عن اللحظة التي فارقناه، فلربما سنصحوا على مدن معمرة وعامرة بكل مقومات الحياة وبمناطق زراعية وصناعية لا حديث فيها غير لإيقاع المعاول وهدير الآلات، ومخرجات الإنتاج. قد نصحوا على مجتمع هو امتداد طبيعي لنا من حيث الجينات الوراثية لكنه الأكثر قدرة على التعايش وعلى الإبداع والأكثر استحقاقاً للحياة وللبقاء... قد نصحوا على بلد ديمقراطي لا مكان فيه للغش والتزوير أو لمسؤول غير مؤهل، وغير محصن من السرقة ونهب المال العام. من يدرينا إذا ما غشانا الله بنومة كهذه أن نصحوا يوماً على دولة مؤسسات لا ترتهن في أدائها لشخص الحاكم أو بقائه في كرسي السلطة من عدمه؟ قد نصحوا على جيش وأجهزة أمن قلبهم على الوطن أكثر مما هو على الحاكم؟ قد نصحوا على دولة قوية واقتصاد قوي وعملة وطنية تناطح عملات الدول التي تحتل مواقع اقتصادية متقدمة. من يدرينا إذا ما نمنا نومة أهل الكهف أن نصحوا على وطن موحد بالفعل لا يرفع فيه غير علم واحد، ولا يُصدح فيه غير نشيد واحد، ولا يحكم غير من رئيس واحد، ولا يُنهب فيه فلس واحد. كي لا ينزعج بعضنا من حل كهذا الذي سيعبر بنا إلى واقع آخر علينا أن نسأل أنفسنا: ما جدوى أن يعيش كل واحد منا أو يُعمر بمقدار عمر النبي نوح عليه السلام، إذا ما استمرت حياتنا اليومية بهذه التفاصيل المؤلمة العبور إلى زمن آخر ولو من خلال نومة أهل الكهف التي لم يلبثوا فيها غير يومٍ أو بعض يوم رغم امتدادها ل 309 سنوات، كما أخبرنا القرآن بذلك، ربما هو المخرج لما نحن فيه، سيما إذا ما استمر الأفق على ما هو عليه من تلبد ومن انسداد، وإذا ما استمر الناس في هذا البلد على ما هم عليه من ذهول ومن توهان، وإذا ما استمر البلد برمته دون بوصلة يهتدي بها إلى برّ الأمان. لمتابعة قناة التغيير نت على تيلجيرام https://telegram.me/altagheernet