ما إن يفتح الطفل عينيه في اليمن، حتى يسمع وابلاً من الرصاص وأمواجاً من الزغاريد المرحِّبة. بعد 3 أيام من ميلاده يتم تطهيره إذا كان ذكراً، ليتفاجأ بأزيز الرصاص من كل حدب وصوب، فيما تصدح الزغاريد مجدداً في المكان؛ أصوات مرعبة لا يفهم معناها، إلا أنها ترافقه ضمن جيش غفير من الكوابيس. ينتهي «مولد» أمه بعد أربعين يوماً، بحفلة نسائية «حنّانة طنّانة»، لا تخلو من الصّخب، أمّا هو فلا يدري ما «الجريمة» التي اقترفها في بطن أمه، حتى يتم معاملته بكل هذا «اللطف»! يبدأ ضرب الطفل في اليمن، قبل أن يغدو بمقدوره الدفاع عن نفسه بالتبرير أو الإنكار؛ فمتى ما وجّهت له تهمةً، حق عليه العقاب، من دون أن يُوكِّل حتى محامياً للدفاع عنه. يكبر على هذا النمط حتى يتم إلحاقه بالمدرسة، وبشكل أو بآخر، يكون هذا الطفل جاهزاً للعنف أو التعنيف، وأحياناً الإثنين معاً. المدرسة هي الأخرى، ليست استثناءً، إنما مسؤولية مضافة تقع على عاتق الطفل، ووسيلة للعقاب إلى جانب العائلة. ففي دول العالم الثالث، لا يزال الضرب والتعنيف اللفظي يعجّان بالمدارس، ولكن في اليمن، فإن بعض المدارس والمدرسين تجاوزوا مسألة التعنيف إلى «الإرهاب»، وفي الأخير نتساءل بكل سذاجة، من أين ولدت «داعش» وأخواتها، متناسين أن المجتمع مصدر سلوك الفرد الاجتماعي، سواءً «السلبي» أو «الايجابي». إن تنشئة كهذه، تجعل من الطفل مصدراً للعنف ومِعوَلاً للهدم والخراب، بدلاً من البناء والإزدهار، حيث أن المجتمع يلعب دوراً بارزاً في صناعة العنف داخل الفرد، وتحويله إلى إنسان عنيف، بدايةً بعملية التنشئة الاجتماعية، ليستمر على نفس المنوال طفلاً، فمراهقاً، فراشداً، فكهلاً، وفي كل مراحله يكون إنساناً عنيفاً. الإعلام كذلك وعدم الرقابة على محتوياته، خاصة مسلسلات ال«كارتون» المُعلّبة التي تغذّي وتنمّي لدى الطفل مستوى العنف، يُضاف إلى عنف الأسرة والمدرسة. إذ أن وسائل الإعلام، وخاصة المرئية، ما هي إلا طريقة مُثلى لتغيير اتجاهات الفرد، خاصة في اليمن، حيث يغيب مبدأ الشّك، وزيادة نسبة التصديق في كل ما يُذاع ويُعلن، ناهيك عن أن الإعلام اليمني يلعب دوراً أقل ما يوصف ب«العنفي»، حيث لا يكتفي ببث ونشر الصور المرعبة، نتيجة الحرب والدمار، بل وصل به الأمر إلى استقطاب الأطفال في معاركه، من خلال توجيهه دعوات مباشرة، أو غير مباشرة؛ كالأغاني والأناشيد الحماسية التي تحمل في معناها دعوات للإلتحاق في صفوف المعارك. ينمو الطفل في اليمن، وسط مجتمع ملغّم، حتى في مرحلة شبابه وأثناء تخرّجه من المدرسة أو الكلية، يتم التعبير عن الفرحة بالرصاص، يذهب ضيفاً أو يكون مُضيِّفاً، يُرحَّب بهِ، ويُرحِّب، بإطلاق النار. في الخطوبة، في عقد القران، وفي الفرحة الكبرى؛ الرصاص هو العامل المشترك، حتى أن هذا العريس الذي فرِح لتوّه، والعروسة التي شاركته الفرح، ينتظران بفارع الصبر، ميلاد طفلهما الأول، ليستقبلانه بالزغاريد والرصاص، متجاهلان الرعب الذي حصل لهما حين أبصرا النور، وهكذا دواليك، سيكبر الطفل ل«ينتقم من طفله». "العربي"