منذ صدور القرار الأمريكي الإثنين الماضي 8 أبريل نيسان 2019م والذي قضى بإدراج " الحرس الثوري الايراني " ضمن المنظمات الإرهابية لم تتوقف ردود الأفعال والمواقف سواء المؤيدة أو المنددة وكذلك التحليلات والكتابات والتغطية الإعلامية التي تتناول هذا القرار الذي يعد سابقة بحد ذاتها ان تصنف الإدارة الأمريكية جيشا بأكمله في قائمة الإرهاب وهو كذلك برأي بعض المراقبين أكبر إجراء تتخذه واشنطن ضد إيران منذ عقود . الحرس الثوري الإيراني هو أكبر من كونه مؤسسة عسكرية إيرانية انه دولة داخل الدولة لديه اذرع مسلحة في الخارج وفصائل مسلحة تابعة له ويقوم خبراء عسكريون منه بتدريبها ولديه مجموعة كبيرة من المؤسسات المالية والشركات التجارية والوسائل والقنوات الإعلامية والكثير من المسؤولين الايرانيين وخصوصا في التيار الأصولي تيار المرشد علي خامنئي هم من ضباط الحرس الثوري وخريجي مدارسه ومؤسساته كما أن ميزانية الحرس الثوري السنوية والتي تزيد عن 7 مليار دولار تعد أكبر من ميزانية القوات المسلحة الإيرانية خمس مرات وقد حاول الرئيس روحاني تقليصها وتقدم بمشروع قرار للبرلمان إلا ان البرلمان رفضه وحتى اذا افترضنا ان البرلمان أقر تقليص ميزانية الحرس الثوري فلن يوافق المرشد على قرار كهذا على الإطلاق . هناك مبالغة وتهويل لتأثيرات هذا القرار وتداعياته السلبية على إيران والحرس الثوري الإيراني والقرار برأي الكثير من الباحثين المتخصصين في الشأن الإيراني لا يخرج عن إطار الضغوط الأمريكية على إيران والتي تتواصل منذ عقود وتزايدت مع انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني وهذه الضغوط تهدف إلى دفع طهران للجلوس على طاولة مباحثات أمريكية ايرانية للتفاهم حول ملفات وقضايا المنطقة في إطار لعبة مصالح دولية وليس لدى واشنطن أية اعتراضات من الجلوس مع الإيرانيين والخروج باتفاق نووي جديد ومعدل لكن القيادة الإيرانية لم تعد تثق بالجانب الأمريكي وخصوصا إدارة ترمب التي تنصلت عن الإنفاق النووي الإيراني . لقد وضعت واشنطن قبل هذا القرار شخصيات وكيانات تتبع الحرس الثوري الإيراني في قائمة الارهاب مثل " فيلق القدس " برئاسة الجنرال قاسم سليماني وهو القوة العسكرية المخصصة للمهام الخارجية في الحرس الثوري حيث وضعته واشنطن في قائمة العقوبات في 2007 لدوره في برنامج الصواريخ البالستية الإيراني والمهام التي يقوم بها في بعض الدول العربية كما وضعت موخرا عدة شركات ايرانية في قائمة الإرهاب بعد ان اتهمتها بجمع مليارات الدولارات لتمويل عمليات الحرس الثوري الإيراني داخل إيران وخارجها ومع هذا التصنيف وهذه الإجراءات واصل فيلق القدس مهامه في سورياوالعراق وغيرها وكأن شي لم يكن بل قامت القيادة الإيرانية بتكريم الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس بأعلى وسام عسكري إيراني وهو وسام ذو الفقار تعبيرا عن امتنانها لجهوده .! هناك شبه اجماع لدى الكثير من المتابعين الذين يؤكدون بأن الخيار العسكري الأمريكي ضد الحرس الثوري الإيراني أو حتى أذرعه العسكرية في بعض البلدان العربية أو المليشيا التي تتهمه واشنطن بدعمها هو خيار مستبعد تماما وفي المقابل الإجراء الإيراني بادراج القيادة المركزية للقوات الأمريكية في غرب آسيا ( سنتكوم ) في قائمة الإرهاب لديها هو إجراء يندرج في إطار رد الفعل وكذلك تهديد القادة العسكريين الايرانيين أمثال القائد العام للحرس الثوري الإيراني اللواء محمد علي جعفري الذي أكد في تصريحات له مؤخرا أن "القوات الأمريكية لن تنعم بالهدوء في المنطقة إذا صنفت واشنطن الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية". برأي الكثير من المتخصصين في الشأن الإيراني فإن مثل هذه القرارات والتهديدات ستظل في إطار الحرب الإعلامية بين واشنطنوطهران لامتلاك كل منهما أوراقا رابحة سيستخدمها ضد الآخر اذا تجاوز الأمر إطار الحرب الإعلامية والضغوط السياسية والاقتصادية إلى استهداف مباشر ومؤلم على الأرض فعلى سبيل المثال تستطيع إيران الضغط على واشنطن باستهداف آلاف الجنود الأمريكيين في العراقوسوريا وعلى وجه الخصوص في العراق وقد بدأت إيران بتحريض الحكومة العراقية والمكونات السياسية العراقية الموالية لها على القوات الأمريكية في العراق حيث حث المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي لدى استقباله في طهران قبل أيام على ضمان خروج القوات الأمريكية "بأسرع ما يمكن" كما طرحت قوى سياسية عراقية في البرلمان العراقي مشروع قانون ينص على إخراج القوات الأمريكية من العراق ومن غير المستبعد تعرض القوات الأمريكية في العراق لهجمات مسلحة من فصائل مسلحة موالية لإيران كنوع من الضغط الإيراني على واشنطن كما ان القواعد العسكرية الأمريكية في الخليج هي في مرمى الصواريخ الإيرانية إضافة إلى تحكم إيران مضيقي هرمز وباب المندب وإمكانية استهدافها لخطوط الملاحة الدولية هي ضمن أوراق إيران في المنطقة إضافة إلى قدرة إيران على ضرب أهداف داخل إسرائيل من خلال قواتها التي تتواجد في سوريا وتفصلها عن إسرائيل عشرات الكيلومترات فقط لكن إيران لن تقدم على اتخاذ اي خطوة على الأرض حتى تبدأ واشنطن بتوجيه ضربة عسكرية للحرس الثوري أو للقوات التابعة له وهو أمر مستبعد تماما والقرار برمته لا يخرج عن إطار الضغط الأمريكية على إيران لدفعها للجلوس في طاولة مباحثات تفضى لتفاهمات حول ملفات وقضايا المنطقة ولذا سيظل الأمر في إطار التهديدات والتصريحات ليس إلا . * باحث متخصص بالشأن الإيراني